المعاهدات والمواثيق الدولية في مسودة مشروع الدستور الفلسطيني المقترح

24/12/2000

 

د.  أحمد الخالدي: موضوع الندوة هو دور المعاهدات والمواثيق الدولية في الدستور وجزئية المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وإلى أي درجة سيكون أي اتفاق موقع في هذه الفترة هو قانون البلد، وإلى أي درجة ستلزمنا النصوص الموجودة في الدستور الآن بكافة بنود المواثيق والمعاهدات الدولية.

د.  أحمد الخالدي: استعرض وجهة نظره حول الدستور وما ينص عليه حول الموضوع، وتم التطرق للقواعد العامة في الدساتير المقارنة وماذا تقرر بهذا الشأن للنظر في إطارها للالتزامات التي تترتب عن المعاهدات الدولية وأثرها على الحقوق العامة وعلى حقوق الأفراد داخل الدولة.

يفترض أن تعمل مؤسسات الدولة على تحقيق المصلحة العامة ومصالح الأفراد ودخول الدولة في اتفاقيات دولية يأتي لتنظيم أمورها في وقت السلم والحرب وإثر الحرب، لكن أطراف المعاهدات الدولية الملزمة بتنفيذ أحكام المعاهدات هم أشخاص القانون الدولي العام سواء كانت دول، منظمات دولية عامة، إقليمية أو خاصة. ومن خلالها يلتزم الأفراد بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية. الحقوق والالتزامات التي تنشئها المعاهدات تلزم الدولة بطريق مباشر وتلزم الأفراد الذين ينتمون إلى تلك الدولة بشكل غير مباشر.

المعاهدات تمر بمراحل وإجراءات عديدة حتى تصبح ملزمة، ننظر إلى مدى الزامية المعاهدات على حقوق الأفراد وعلى الحقوق العامة في الدولة بالنظر إلى الدساتير المقارنة ومجموعة القواعد الدستورية المكتوبة والعرفية الموجودة. ينظر إلى الأحكام الناتجة عن المعاهدات من زاويتين. هناك الحقوق الطبيعية الأساسية العامة للأفراد، وهناك الحقوق المكتسبة، ويراعي القانون الدولي هذا الجانب، ولذلك تقسم القواعد إلى نوعين، قواعد آمره وملزمة لا يجوز التنازل عنها أو تعديلها، وهناك قواعد مكملة يمكن لأطراف الاتفاق أو المعاهدة التنازل جزئياً أو كلياً عن هذه الحقوق المكتسبة  وتنظيمها وفقاً للمصالح. إبراهم المعاهدات في معظم الدساتير المقارنة هو من اختصاص السلطة التنفيذية، قد يكون رئيس الدولة أو رئيس الدولة والحكومة هم من يتولون إجراء المعاهدة، لكن هذا العمل له ضوابط، هؤلاء الأشخاص ليسوا أحراراً في الاتفاق والمصادقة على ما شاءوا دون أية ضوابط. هناك في العمل الدولي أكثر من نظام، يفوض هؤلاء الأشخاص للاتفاق المبدئي وتكون العودة إلى الدولة بمؤسساتها الدستورية لأخذ المصادقة على المعاهدة أو الاتفاقيات الدولية.

قد نرى في الدساتير الدولية نمطين، النمط الأول يعطي لرئيس الدولة المفاوضة والمصادقة على الاتفاقية الدولية، ونمط آخر يوجب عليه العودة إلى الشعب سواء عن طريق ممثليه أو عن طريق الاستفتاء المباشر. 

هناك تمييز في القواعد الدولية بين نوعين من الاتفاقيات أو المعاهدات، الاتفاقيات التي تمس أمور عادية غير جوهرية يعطى الأمر فيها لرئيس الدولة أو للمعنيين لإجراء المفاوضة والمصادقة، وعادة ما تنص كثير من الدساتير أن رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية يمضي المعاهدات ويصادق عليها، لكن أغلب الدساتير تحدد موضوعات معينة ترى فيها من الأهمية ما يوجب الرجوع إما للشعب أو إلى نواب الشعب في السلطة التشريعية عن طريق إصدارهم قانون بذلك، لكي تصبح المعاهدة ملزمة.

هذه ليست قاعدة مطلقة، لكن أغلب الدساتير تفيد أنه في الأمور الجوهرية، وخاصة مع ازدياد حركة الشعوب نحو الديمقراطية ومزيد من المشاركة ومراقبة السياسات العامة في الحكم، أصبح من الضروري الإشراف والمراقبة على ما تعقده السلطة التنفيذية من اتفاقيات أو معاهدات دولية لاحتمالات أن تمس بحقوق أصيلة للشعوب.

هناك أمثلة لدساتير من العالم الثالث وأخذت بضوابط لعمل السلطة التنفيذية في توقيع الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية. مثلا الدستور الجزائري المادة 131 جاءت لتجعل المصادقة على اتفاقيات الهدنة والسلم والتحالف والاتحاد والمتعلقة بحدود الدولة والتي ترتب التزامات مالية على الدولة، جعلت أن المصادقة من رئيس الدولة لا يتم إلا بعد موافقة البرلمان عليها، وبالتالي ليس رئيس الدولة حراً في إبرام المعاهدات وجعلها ملزمة، ولا بد من اتخاذ الإجراءات الدستورية حتى تصبح ملزمة.

الدستور التونسي جعل التصديق على المعاهدة، لم تعطي لرئيس الدولة، ولا تعد نافذة قبل المصادقة عليها. والمعاهدات التي تتعلق بعلاقة تونس بالمغرب العربي الكبير جعل نفاذها متوقفاً على الاستفتاء، لا بد أن يكون هناك موافقة شعبية على هذه الاتفاقيات حتى تصبح ملزمة ونافذة. الدستور الموريتاني رغم نصه على أن رئيس الجمهورية يمضي المعاهدات ويصدقها إلا أن الدستور قرر بأن إذا قرر المجلس الدستوري بأن التزام دولة ما، وقعته السلطة التنفيذية، مخالف للدستور يوقف التطبيق على هذا الاتفاق الدولي، يوقف إلى أن يعدل الدستور، وإلا  يلغى ولا يعد ملزماً للدولة والأفراد.

كما جاء هناك نص في الدستور حدد معاهدات السلم والاتحاد والتجارة والمتعلقة بالتنظيم الدولي وأي معاهدات تنسخ حكماً في التشريع أو تمس حقا من حقوق السيادة للدولة تقرر انه لا يصادق عليها إلا بموجب قانون. ونص بصراحة أن هذه المعاهدات لا تصبح نافذة ملزمة للدولة ولرعاياها إلا بعد تصديقها والموافقة عليها وفقاً للإجراءات التي ينص عليها الدستور. وجاء هناك نصا عاما في الدستور يقول أنه في كل الحالات لا يصح التنازل عن الحق في أي جزء من الأرض أو تبديله أو ضمه بدون رضا الشعب في استفتاء عام.  والمادة الثانية قررت أن أي حق سيادي لا يجوز التنازل عنه لا كليا ولا جزئيا إلا  بقبول الشعب.

يتضح من النماذج السابقة أن رئيس السلطة التنفيذية، رئيس الدولة له في حدود أن يصادق على نوع من المعاهدات البسيطة التي من غير هذه التي تذكر عادة في الدساتير وتقيد إجراءات المصادقة عليها حتى تصبح ملزمة. في  مصر مثلا في المادة (51) رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها للشعب (هناك ثغرة في هذا الجانب، كما حدث في كامب دافيد وألقى السادات خطابا للشعب، هل هذا هو خطاب التبليغ وانتهى الإجراء الدستوري) يفيد هذا الأمر بأن هناك نصا على أن معاهدات التحالف والصلح والتجارة والملاحة وما يعدل في الأراضي أو ما يتعلق بحق السيادة أو تحمل ميزانية الدولة أعباء مالية يجب موافقة الشعب عليها حتى تصبح ملزمة، وبدون هذه الإجراءات لا تصبح ملزمة دستورياً. هناك العديد من الدساتير الحديثة، كالتشيك، المجر، السلوفاك، التشيك المادة 49 فقرة 2، المجر المادة 30 فقرة A، السلوفاك المادة 102 فقرة A، جاء أنه لا تكون المعاهدات ملزمة إلا بموافقة البرلمان عليها، فالسلطة التنفيذية وحدها لا تملك إلزام الدولة أو الأفراد بالمعاهدات.

بالنسبة للقواعد التي مازالت سارية لدينا، فإنه في دستور عام 1962 في قطاع غزة لا يوجد إشارة إلى المعاهدات وإلى صلاحية السلطة في عقد المعاهدات. يمكن أن نجد في دستور عام 1952 الملكي الذي وفقا لقرار 21/5/1994 يفترض أنه ساري، هذه القواعد رغم أن فيها ما يمكن للبعض أن يتحفظ عليها إلا أن فيها شيئاً من الضوابط. رئيس الدولة، بقانون التفويض الذي صدر عن السلطة فإنه يحيل الصلاحيات لرئيس الدولة وإلى رئيس السلطة التنفيذية. الضوابط الأخرى التي يمكن أن تسري دون وجود معارضة كبيرة من ناحية قانونية، فإن رئيس الدولة يعقد الصلح ويبرم المعاهدات، كان هذا هو النص.  لكن المادة (33) فقرة (2) جاءت لتقيد ذلك، ورد فيها أن المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو مساسا بحقوق الأفراد العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا بموافقة مجلس الأمة أي السلطة التشريعية، ولا يجوز بأي حال أن تكون الشروط السرية مناقضة للشروط العلنية في المعاهدة.

نخلص إلى أنه حتى بعد اتخاذ السلطة التنفيذية لكل الإجراءات الدستورية لتوقيعها على معاهدة، مدى إلزامية هذه المعاهدة وكيف تصبح جزءاً من النظام القانوني وملزمة، حتى لو اتبعت كل الإجراءات المنصوص عليها في الدستور كيف ينظر إلى هذه الاتفاقيات، هل هي أعلى من الدستور، في مرتبة القانون، مدى إلزاميتها، هناك اتفاق على أنها تصبح جزءا من النظام القانوني للدولة بعد استيفاء الإجراءات الدستورية، لكن هناك اختلاف في الدساتير المقارنة في المرتبة التي تعطي لهذه المعاهدة التي تصادق عليها السلطة التنفيذية.  الدستور الجزائري ينص على أن المعاهدة المصادق عليها حسب الدستور تسمو على القانون، إذن هي في مرتبة أعلى من القانون العادي. الدستور الموريتاني يقول أن المعاهدات والاتفاقات الموافق عليها سلطة أعلى من القوانين، شرط  أن يطبق الطرف الثاني المعاهدة أو الاتفاقية. الدستور المصري يعطي المعاهدات المصادق عليها وفقاً للإجراءات الدستورية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها، أي تصبح بمرتبة القانون العادي وليس أعلى منه. الدستور التونسي دستور قديم ومع ذلك كان شرط تطبيق الطرف الآخر وارد فيه، وإن كان هو أعطاها مرتبة أقوى من القوانين العادية، المعاهدات المصادق عليها وفقاً للإجراءات الدستورية تكون أقوى من القوانين العادية وفقاً للفصل الثالث، المادة الثالثة من الدستور. بعد أن تصبح الاتفاقية جزءاً من النظام القانوني على الرغم من الاختلاف بين المرتبة القانونية من نظام إلى آخر، ما هي الآثار التي يمكن أن تترتب على هذه الاتفاقية التي تبرم مع الدولة في حالة موافاة الإجراءات الدستورية أو في حالة مخالفة هذه الإجراءات الدستورية.

الرأي الغالب في الفقه الدستوري الدولي يقول أن لمخالفة السلطة التنفيذية للقواعد الدستورية في عقدها للاتفاقيات يجعل الدولة مسؤولة، ولكنها لا يحملها في الداخل، لا  ينفذ، هناك فرق بين المسؤولية الدولية والإلزام في داخل الدولة تكون الدولة مسؤولة دولياً، والمسؤولية الدولية تختلف قواعدها عن قواعد المسؤولية العادية. وقواعد المسؤولية الدولية عادة مرتبطة بالقوة، قوة الدولة ومدى إجبار المجتمع الدولي لهذه الدولة بالتنفيذ. لكن من حيث الآثار القانونية الداخلية فهذه الالتزامات التي تعقدها الدولة بالمخالفة للإجراءات الدستورية، لا  تسقط حقوق الأفراد، ولا  ترتب آثارها القانونية، بمعنى أن حقوق الأفراد ممكن يطالبوا الدولة التي تنازلت عن حقهم (دولتهم). هذه الاتفاقيات أصلاً لا تصبح ملزمة إلا إذا استوفت الإجراءات، وإذا لم تستوفها فإن العمل غير الدستوري لا يكسب الطرف الآخر حقاً، ولا يفقد الدولة أو المواطن فيها حقوقه.

هناك نوعين من الحقوق، حقوق عامة للدولة، وحقوق للأفراد، في الحالتين فإن الاحتلال لا يسقط أي من هذه الحقوق، لكن الدولة إذا كانت تستطيع أن تنظم الحقوق المكتسبة العامة بطريقة أو بأخرى وتتنازل جزئياً عنها لأنها لا تستطيع إلزام الأفراد العاديين بالتنازل عن حقوقها، وبالتالي الحق في التعويض الكامل الذي يفترض أنه في صورته الأسمى إعادة الحال على ما كان عليه أو التحول إلى تعويض إذا استحال استرداد الأمر.

المستقر في القانون الدولي وفي الأعراف الدولية والقرارات الدولية الكثيرة ومن هنا بخصوص القضية الفلسطينية عدم اكتساب الحقوق بالقوة والقرار 242 يقول في مقدمته أنه لا يقر اكتساب الحقوق بالقوة. حق الشعوب في السيادة على مواردها الطبيعية كذلك، الموارد الطبيعية منها ما هو للدولة، وحقوق للأفراد أيضا، فهل تستطيع الدولة التنازل، لا، أكدت ذلك قرارات عديدة بالنسبة للطرف الفلسطيني بالسيادة على هذه الحقوق وعدم جواز التنازل عنها، على سبيل المثال عام 1962 وقرار1803 الذي ينص على هذا الأمر والعديد من القرارات اللاحقة التي تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في الاسترداد والتعويض الكامل عن الأضرار وعن الاستغلال الإسرائيلي لحقوقه منذ عام 1948 وحتى الآن.

وتكرر هذا في العديد من القرارات، ومنها: قرار الجمعية العامة 3336 لعام 1974، وآخرها قرار الجمعية العامة الأخير (أول أمس) للتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في السيطرة والسيادة على موارده الطبيعية. حق السكان في ثرواتهم وحق الفرد الخاص، في أن يستردوها وأن يعوضوا عن الأضرار التي لحقت بها. هناك قاعدة  مستقرة وهناك قرارات دولية بهذا الخصوص ومنها متعلق بالقضية الفلسطينية ونذكر منها قرار الجمعية العامة 3005 لعام 1972، القرار 35/11 لعام 1980 هذا أيضا يؤكد ذلك.

استناداً على هذه القواعد هل نستطيع المطالبة سواء كشخصية معنوية أو كأفراد أن نطالب باسترداد هذه الحقوق والتعويض عنها. هذا المبدأ تستقر المطالبة به بالحقوق قديم قدم الحروب، الوقائع التاريخية تسجل لنا منذ حروب ما قبل الميلاد، الحرب التي دارت بين اسبارطة وأثينا عام 403 ق.م، وانهزمت فيها أثينا، وتمت معاهدة سلام كان من شروط هذه المعاهدة رد الممتلكات إلى أصحابها الأصليين. 

وفي المعاهدة التي وقعت ما بين الأمبراطور الروماني وملك السويد عام 1648 أيضاً تضمنت قواعد تفصيلية باسترداد الحقوق والممتلكات. في العصر الحديث، القانون الذي أصدرته فرنسا عام 1790، حدد كيفية استرداد الممتلكات للبروتستانت الذين كانوا قد طردوا وغيرهم ممن أبعدوا عن فرنسا، وبالتالي عندما عادوا كيف كان يمكن أن يستردوا حقوقهم، وتضمن ذلك القانون قواعد الاسترداد. في عام 1920 ومعاهدة ترينو التي عقدها الحلفاء جاء فيها استرداد الحقوق والممتلكات وإعادتها إلى أصحابها. أيضاً في مؤتمري السلام الأول والثاني، الأول نص على حق الاسترداد العام والخاص أي حق الأفراد أيضاً، الثاني الذي عقد في لاهاي سار في نفس الاتجاه وقرر مساءلة المحتل على ما استولى عليه وأن عليه رد الحقوق إلى أصحابها شعوباً وأفراداً. التحكيم الذي تم بين ألمانيا والبرتغال عام 1930 أيضا تقرر فيه مبدأ رد الحقوق إلى أصحابها والتعويض عن الممتلكات وما لحقها من أضرار. جاءت اتفاقية لاهاي وقننت هذه القواعد والأعراف ووضعت لها أحكام وردت في كثير من الاتفاقيات وقضايا التحكيم السابقة وقررت في حكم مجمل عدم جواز الاستيلاء على ممتلكات الغير بالقوة، ووضعت عليها استثناء بأنه يمكن باستفادة المحتل كمدير لهذه الممتلكات والنفقات الضرورية ولكن الأصل له الحق في المطالبة بها (المحتلين). وهناك عديد من القضايا التي تناولت هذا الموضوع وأكدت على المطالبة وفي القضايا الفردية أيضاً، فما بالك إذا كان الحق في أرض ووطن وحق سياسي وليس مجرد حق مادي. تزايد التأكيد على مبدأ استرداد الحقوق والتعويض عنها عقب الحرب العالمية الثانية، من ذلك مجموعة التشريعات التي صدرت في ألمانيا من الدول الأربعة، التي أصدرت كل دولة في قطاع منها قانوناً بشأن الاسترداد والتعويض. وفي عام 1950 أصدرت القوات المتحالفة في ألمانيا تشريعاً للاسترداد، فهذه قواعد أصبحت مستقرة وفيها كثير من السوابق العملية أيضاً إضافة للقواعد النظرية.

محاكم نورنبيرغ وطوكيو أيضاً هي تطبيق لهذه القواعد، بمساءلة ألمانيا واليابان عن الأضرار التي أحدثت في ذلك الوقت. بعد ذلك اتفاقية جنيف عام 1949 جاءت أيضاً لحماية حقوق الأفراد المدنيين وليس الدولة فقط، وهذه الاتفاقية كشفت عن القواعد التي قررتها لاهاي وعن القواعد التي استقرت في العرف الدولي سابقا، فيعتبر هذا العرف موجوداً وقواعده معمول بها من السابق، وهذه القواعد تعتبر المحتل مديراً للمتلكات وليس له الاستيلاء على الحقوق، فقط له الانتفاع في حدود ضيقة مع الالتزام بإصلاح الأضرار حتى عن الحدود الضيقة التي ينتفع بها. وهناك من أحكام القضاء الدولي قضية (غروس) أوجب فيها القضاء الدولي رد الحقوق إلى أصحابها وتعويض عما استهلك منها، أيضا قضية الملاحة في الدانوب عام 1921 قرر نفس المبدأ، كذلك قضية المنازعات بين فرنسا واليونان كانت مجرد رسوم على الموانىء واعتبرت من حقوق الدولة وتم المطالبة بها واستردادها (بقيمة الرسوم). تأكدت هذه الحقوق للأفراد والدول التي ترزح تحت الاحتلال وأنه لا يكسب الاحتلال المحتل حقوق هؤلاء بالقوة، وأنه وفقا لقواعد القانون الدولي فإن الحقوق الطبيعية الأصيلة لا يمكن الإجبار عن التنازل عنها وأي تنازل باطل ولا يترتب عليه آثاره.

أكد هذا الاتجاه الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حق الشعوب في استرداد حقوقها وتقرير مصيرها في 14/9/1960. إذا استرداد الحقوق والتعويض عنها مستقرا في القانون الدولي أكدته منذ سنين أحكام قضائية دولية. وهناك حكم هام جداً أرجوا أن لا يتجاهله المفاوض الفلسطيني، وكان هذا الحكم من محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1927 في قضية (كورزو فاكتوري) المعروفة، جاء فيه أن من مبادىء القانون الدولي أنه يترتب على مخالفة الدولة المحتلة لإلتزاماتها، التزامها بالتعويض عن ذلك بطريقة كافية وأن هذا الالتزام بالتعويض هو المكمل الطبيعي لأي معاهدة دون الحاجة إلى النص عليه.

لكننا نحذر هنا أنه ربما يتم - كما أجبرت المجر في أحداث الحرب العالمية الأولى- على التنازل عن بعض حقوق مواطنيها في سفن كانت في المياه فمنعت من رفع الدعاوي. أنبه أن علينا التمسك بقواعد القانون الدولي. والتشبث بها لحماية حقوقنا، فإذا كنا عاجزين عن استردادها الآن، فلندع أصلها القانوني باقيا بإمكانية المطالبة به في أي وقت.

د. خليل: إلى أي درجة ضمن نص الدستور الذي بين أيدينا الآن حق الشعب الفلسطيني؟

د. أحمد : جاء في مسودة الدستور أولاً أن التصديق على المعاهدات أعطى به الحق لرئيس الدولة للمصادقة على المعاهدات وبين مركز المعاهدة أو الاتفاقية الدولية في النظام القانوني، فجاءت المادة (21) تقول أن المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعقدها دولة فلسطين أو تنضم إليها تصبح جزءاً من النظام القانوني الفلسطيني بعد تبنيها تشريعيا، أي هي بمثابة التشريع العادي. واعتبر نص المادة القواعد الدولية العرفية جزءاً من النظام القانوني ما لم يتناقض مع أحكام الدستور.

جاءت المادة 143 لمحاولة تقييد وضمان بعض الحقوق العامة والخاصة، وأعطت للرئيس المصادقة على المعاهدات التي يقرها المجلس التشريعي، وبالتالي المصادقة ليست من اختصاصات الرئيس وحده ويجب الرجوع إلى المجلس التشريعي. إبرام المعاهدة يكون للسلطة التنفيذية وهي يمكن أن تكون رئيس الدولة.
المادة 144 نصت أنه يجب على الرئيس قبل المصادقة على المعاهدة استفتاء الشعب في المعاهدات التي تتناول قضايا وطنية هامة كالمتعلقة باستقلال الوطن وسلامة أراضيه أو مصير الشعب أو تحمل خزينة الدولة التزامات مالية، ولم يترك الأمر للسلطة التنفيذية لتتصرف وحدها دون الرجوع إلى جهات أخرى.

البعض قد يخشى من تصرف السلطة التنفيذية كما حدث في مصر، وربما يحدث لدينا أن تدعى تنظيمات شعبية أو بعض أعضاء المجلس الوطني  والتشريعي، وترفع الأيدي بالمصادقة على اتفاقية وتكون بهذا الشكل.

د. خليل: من سيحق له التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل، إذا كانت الدولة ستقوم بالتوقيع عليه، هل ستقوم الدولة بوضع الدستور أو تبني دستورها قبل التوقيع عليه، وستكون ملتزمة ببنود هذا الدستور.

التعقيب:

د. عبد الله أبو عيد: أبدأ في الحديث عن أشخاص القانون الدولي، الشخص الرئيسي هو الدولة وهناك مصدر رئيسي للمعاهدات وهي اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وهناك أيضا اتفاقية أخرى حديثة لعام 1986 للمعاهدات التي توقعها المنظمات الدولية. اتفاقية عام 1969 تتعلق بالدول، المادة (6) تقول أهلية الدول لإبرام المعاهدات وأن لكل دولة أهلية إبرام المعاهدات، وهذا يعني أن نميز الدول -ونحن ندعى شبه دولة- بالتالي حتى اتفاقية أوسلو لا تعتبر معاهدة دولية بالمعنى المتعارف عليه دولياً. لذلك هذه أول ملاحظة.

الملاحظة الثانية أن القانون الدولي له عدة مصادر، هناك مصدرين رئيسيين، المصدر الأساسي هو الأعراف الدولية في القرن الماضي ثم حلت محله المعاهدات الدولية. المعاهدات الدولية تأخذ الآن أهمية كبيرة جداً، ويجب التمييز بين أنواع المعاهدات الدولية فهناك أنواع عديدة من المعاهدات الدولية، لذلك مصادر القانون الدولي التي أهمها المعاهدات الدولية حاليا ثم يأتي بعدها في الأهمية حسب نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بأن المعاهدات الدولية الخاصة ثم العامة والأعراف الدولية ثم مبادىء القانون الدولي العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة (رغم ما يلفها من روح استعمارية). حول مصادر القانون الدولي فالبنسبة لنا نحن في علاقتنا مع إسرائيل هناك أكثر من مصدر، تنطبق علينا قواعد قانون الحرب ثم تنطبق علينا المبادىء العامة للقانون الدولي العام، هذا تطبيقاً لما يسمى بمبدأ مارتينز الذي أخذ به منذ أواخر القرن التاسع عشر منذ مؤتمر لاهاي عام 1899، وفي مؤتمر 1907أيضا وقنن في المادة الأولى فقرة واحد من المادة الأولى من البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق بمعاهدات جنيف الأربعة، تنص أيضا على وجوب تطبيق مبدأ مارتينز بالإضافة إلى قواعد قانون الحرب. مارتينز يقول أنه في حالة عدم وجود نص واضح وصريح يتعلق بقانون الحرب سواء في موضوع المعاهدات والالتزام والتعويض والمسؤولية الدولية أي موضع آخر في كل هذه الحالات تبقى الشعوب المحتلة تحت هيمنة أو جناح المبادىء العامة لقواعد القانون الدولي العام. هذا المبدأ لم يعد عرفياً بل وضع في نص معاهدة وهو المادة الأولى من البروتوكول الأول الدولي الملحق بمعاهدة جنيف. هناك محاذير كثيرة في حقنا في توقيع المعاهدات الدولية، مثال ذلك ما فعلت سويسرا في العامين الماضيين عندما تقدمنا بطلب للتوقيع على المعاهدات (معاهدات جينف الأربعة) رغم احتوائها على قواعد عرفية، ونحن نعتبر بموجب قواعد القانون الدولي والرأي السائد في القانون الدولي ملزمين بالعرف الدولي حتى وإن لمن نكن دولة، إذ أن العرف الدولي حسب الرأي السائد هو ملزم ما دام ثبت أنه عرف دولي عام فهو ملزم لكل المجتمع والجماعة الدولية، للدول وللجماعات ولكل من يحارب.

موضوع الدستور وعلاقة الدساتير بالمعاهدات الدولية هو موضوع سهل، وأهم ما يقال أن موضوع علاقة المعاهدات الدولية بالقانون الداخلي هو موضوع يكتب عنه عدة مؤلفات، ونقول أن هناك نظامان رئيسيان في العالم، النظام الانجلوسكسوني والنظام اللاتيني، وهناك نوع من التناقض بين إلزامية المعاهدات الدولية للقانون الداخلي في هذان النظامين. القانون الإنجليزي ومنه القانون الإسرائيلي لو كان قد طبق علينا في قضية ملحم والقواسمي عام 1979 وفي قضية بيت إيل 1980 وقضية مشارف رفح وقضية آلون موريه تطبيقاً حرفياً فيما يتعلق بمعاهدة جنيف الرابعة وإلزاميتها للدولة الإسرائيلية، المحكمة العليا الإسرائيلية تملصت وتخلصت من الموضوع بأنها تمسكت بما هو عرف دولي وما هو مطبق في النظام الانجلوسكسوني في انجلترا بالذات من أن معاهدة جنيف الرابعة (وكل معاهدات جنيف الأخرى) ذكرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أن هذه المعاهدات ملزمة لحكومة إسرائيل لا السلطة التنفيذية ودون أن تقنن في القانون المحلي عن طريق تشريع يسنه الكنيست لا تعتبر ملزمة لهم.

إن المادة 43 من أنظمة لاهاي لعام 1907 (الملحقة بالمعاهدة) تنص على أنه إذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية لقوة الاحتلال يتعين على هذه الأخيرة قدر الإمكان تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه مع احترام القوانين السارية في البلاد.

المادة 64 من معاهدة جنيف تنص على نفس المعنى، وتنص على وجوب احترام المحتل للقوانين التي كانت سارية المفعول وقت الاحتلال وحسب المادة (6) من معاهدة جنيف الرابعة، ومعاهدة جنيف من جهة أخرى هي ملزمة للأردن حيث أن الملك عبد الله في 5 حزيران قبل وفاته بشهر قد صادق عليها. ومن هنا المفروض أن تكون ملزمة لإسرائيل ليس لكونها قانوناً إسرائيلياً وإنما لكونها جزءا من النظام القانوني في المنطقة التي احتلت بموجب المادة 43 من أنظمة لا هاي والمادة رقم 64 من معاهدة جنيف الرابعة تعتبر ملزمة لقوة الاحتلال يجب عليها احترامها.

بالنسبة للمسؤولية الدولية هناك مسؤولية الدول أولاً عن السلطة القضائية، التنفيذية والتشريعية. معظم دول العالم تعتبر أن المسؤولية الدولية ليس فقط فيما يتعلق بالأعمال المناقضة والمخالفة بالتزام دولة قامت به السلطة التنفيذية بل حتى السلطة التشريعية والسلطة القضائية عندما تحكم، فهناك مسؤولية دولية على إسرائيل على الأحكام التي تتناقض مع معاهدات جنيف والحماية الدولية، وهذا مايراه أيضاً انطوني قسيسي البرفيسور الإيطالي الشهير أستاذ القانون الدولي في المعهد الأوربي في فلورنس قال أن محكمة العدل الإسرائيلية تجعل إسرائيل مسؤولة مسؤولية دولية تجاه تعويض الفلسطينيين، تجاه القتلى والمعتقلين وكافة الانتهاكات التي تتم ضد قواعد قانون الحرب. هذا فيما يتعلق بقواعد قانون الحرب أما المسؤولية الدولية في نظام الدول البسيطة (حسب قواعد القانون الدولي العام) مثل الأردن ومصر واضحة، كمسؤولية الدولة عن كل أعمال أجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، أما في الأنظمة المركبة كالنظام الكونفدرالي والفيدرالي فهناك رأي آخر، إذا كانت للولاية صلاحية إصدار القوانين فإن الدولة غير مسؤولة عن ماتقوم به الولاية (هذا في الرأي الراجح)

بالنسبة لموضوع الحقوق واستردادها فإن في المسؤولية الدولية قضايا عديدة، أمثلة على المسؤولية الدولية عن تصرفات السلطة التنفيذية وتصرفات السلطة القضائية، قضية آلاباما عام 1865 الباخرة آلاباما-قضيتها مشهورة جداً، في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.

الأنجليز خرقوا مبدأ الحياد في الحرب وهو مبدأ عرفي متعارف عليه منذ القرن السادس عشر وباعوا أسلحة للجنود من جملتها المدمرة آلاباما القوية التي ساعدت على إطالة الحرب ودخلت المسيسيبي وأنقذت الكثير من المعارك للجنوبيين، أقيمت عليها دعوة في التحكيم الدولي وكسبتها الولايات المتحدة بعد توحيدها ضد انجلترا على أساس أن هناك مسؤولية دولية تخرق هكذا التزام وهو التزام عرفي دولي وهو مبدأ الحياد في الحرب. أيضاً مسؤولية مضيق كورفو عام 1946، كان هناك ألغام في ألبانيا في مضيق كورفو الذي يفصل البانيا الأم عن جزيرة تابعة لها وكان مليئا بالألغام، مسؤولية البانيا بعد أن أعلنت دولة أنها كدولة عليها أن تصنع يافطات تبين لكافة السفن أن هناك ألغاما عديدة يجب التحذير منها، ولم تصنع البانيا مثل تلك اليافطات فحكمت عليها محكمة التحكيم أن عليها مسؤولية تقصيرية خالفت نصوص عرفيه دولية وخالفت نصوص اتفاقية أيضاً، وبالتالي المسؤولية الدولية.

أوافق على كل ما أورده د. أحمد الخالدي فيما يتعلق بالمسؤولية الدولية، والمسؤولية عادة ما تكون، مسؤولية إسرائيل بالنسبة لحقوقنا نحن مسؤولية مادية تتعلق بكل ما صودر من أملاك وكل ما لا يمكن استعادته وما فات من ربح لكل من فاته الربح، يجب تقدير ما حرم منه الأفراد من ربح خلال السنوات السابقة، مسؤولية معنوية عن كل ما قاساه اللاجىء الفلسطيني وسكان فلسطين ومسؤولية إعادة الأملاك إذا أمكن إعادتها إلى ما كانت عليه في السابق، هذه المسؤولية لا نقاش فيها وما تحدث به الدكتور أحمد أوافق عليه كاملا.

ننتقل إلى الدستور الفلسطيني، النصوص جيدة ما عدا الفقرة الثانية من المادة 21، نص المواد 142و 143 لا غبار عليها. (هناك نقطتين لم أتحدث عنهما وتتعلق بالدول المجاورة لنا، نقطة الأردن والمادة 33 من الدستور الأردني، المجلس الأعلى لتفسير القوانين الذي نصت المادة 110و 112 من الدستور الأردني على اعتبار تفسيراته بمثابة قانون، هذا المجلس فسر عام 1955 نص المادة (33) أن هناك فعلاً نوعين من المعاهدات الدولية. نوع من المصادقة عليها يجب أن يؤخذ رأي البرلمان، والنوع الثاني يكفي مصادقة الملك عليه، هذا أراه في المادة 144، نفس كلام المجلس لتفسير القوانين، أن الأمور الهامة يجب أن يوافق عليها البرلمان وليس الملك أما الأمور الثانوية فيجوز للملك المصادقة عليها دون الرجوع للبرلمان) هذا النص لا غبار عليه جيد وواضح، لكن لدى اعتراض على المادة 21، نص المادة فقرة 2 الواقع أن هذه النقطة تثير اعتراضي، الفقرة الأولى من المادة 121 جيدة. والفقرة الثانية التي تقول وتعد القواعد العرفية الدولية جزءا من النظام القانوني ولم تتناقض مع أحكام الدستور، أضيف أن المحكمة الدستورية العليا في مصر عام 1996 قد أصدرت القرار التالي، الإسلاميين اشتكوا أنهم يعذبوا، هناك قرار قانوني يتيح لضابط المباحث أن يعذب، فأقام نبيل أحمد الهلالي دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا بأن هذه التعليمات باطلة، فكسب الدعوة بناء على أن التعذيب قد أصبح عرفاً دولياً ممنوعاً، وتناقص نص قانون داخلي في مصر ضد هذا العرف الدولي الملزم لكل الدول أتوماتيكيا ما دام ثبت أنه عرف دولي، وبالتالي هذا العرف الدولي ملزم ويجب تعديل القانون ويجب عرضه على البرلمان لتغييره، هذا المبدأ بالذات في النظام اللاتيني موجود وثابت وتأخذ به كل الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني.

بالنسبة للعرف الدولي وأهميته إذا ثبت أنه عرف دولي الجزء الأكبر من الدول عليها احترامه، العرف الدولي يصبح جزءاً من قانون البلد، حتى المحكمة الإسرائيلية اعتبرت العرف الدولي الملزم إذا ثبت له صفة الإلزام الدولي وكان عاماً وبأن يصبح جزءاً من القانون وجعلته أقوى من القانون المحلي العادي. بالنسبة فيما إذا تناقضت معاهدة دولية مع الدستور، الدستور الأمريكي ينص في المادة 22 بوضوح على أن أي اتفاقية دولية صادق عليها الكونغرس تصبح جزءاً من قانون البلد، وبالتالي هناك خلاف بين الأنظمة القانونية والأنظمة الدستورية في العالم. وأميل إلى القول بأن العرف الدولي إذا ثبت أنه عرف دولي بالتالي يصبح هذا العرف جزءا من القانون الداخلي وهو أعلى من القانون، الرأي الراجح أن لا ينقض الدستور بل ينقض القانون العادي .