ماذا نريد من اللجنة الدولية لتقصي الحقائق
إعداد: عائشه أحمد
عقد في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله بتاريخ 4/11/2000 لقاء عصف فكري حول موضوع اللجنة الدولية لتقصي الحقائق وماذا نريد منها، شارك فيه عدد من الأكاديميين والقانونيين والسياسيين ونشطاء مؤسسات حقوق الانسان. يحتوي هذا التقرير على جزئين: الأول يلخص النقاشات والثاني يحتوي على مجموعة من التوصيات.
أولا: النقاش:
تم في اللقاء التركيز على مناقشة أربعة نقاط رئيسية تمحورت حول:
- مرجعية اللجنة الدولية لتقصي الحقائق
- الهدف من اللجنة الدولية
- آلية عمل اللجنة
- الناتج، ماذا سينتج عن اللجنة ولمن سيقدم
1) مرجعية اللجنة:
إن قرار مجلس الأمن رقم 1322 وخطاب الرئيس الامريكي بيل كلينتون في شرم الشيخ هما المكانيين الرسميين الوحيدين الذين ورد فيهما ذكر للجنة. وهناك من رأى ان مرجعية اللجنة ليس قرار مجلس الأمن وانما هو خطاب الرئيس الامريكي بيل كلينتون، وان هدفها وصلاحياتها غير واضحة وان تطرقها للوضع القائم والمسببات سيكون بالقدر الذي تخدم فيه المبادرة السياسية للخروج من الأزمة الحالية.
ورأى آخرون أهمية مقاطعة اللجنة إن لم تتضح مرجعيتها بشكل نقبله، وأن يكون البديل عنها لجنة تحقيق دولية تكون شرعيتها ومرجعيتها الامم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية. وهناك من رأى ان نتعامل ايجابيا مع اللجنة مهما كانت مرجعيتها ومحاولة الكسب منها والتماثل مع الدور الاسرائيلي. من الضروري ايجاد رابط مرجعي للجنة بقرار 1322 لاحتوائه على إشارات واضحة حول طبيعة المنطقة (محتلة) وسريان اتفاقية جنيف الرابعة عليها.
2) الهدف من اللجنة الدولية لتقصي الحقائق:
هناك ثلاث مجموعات من الأهداف المختلفة التي تم الحديث حولها. أولا، هناك هدف اللجنة الدولية ذاتها والتي سترى هدفها بشكل أساسي في خدمة العملية السلمية، ايقاف المواجهات والعودة للهدوء، وتوفير غطاء دولي للطرفين للعودة الى طاولة المفاوضات. ثانيا، الهدف الفلسطيني من اللجنة والذي سيقرر التوصيات التي يمكن أن تأتي بها اللجنة. الاول، موضوع من أين انطلقت الانتفاضة وبالتالي قضية القدس، وهذا يقود الى موضوع حرية العبادة وحرية وصول المسلمين من الضفة وقطاع غزة الى القدس، وموضوع السيادة على الحرم القدسي وهي من الموضوعات الحساسة التي سبقت الأحداث.
الثاني، أن يكون الحديث من منطلق ان الانتفاضة هي نتيجة للأجواء العامة السائدة وفقدان الثقة بالعملية السلمية، واستمرار الاحتلال والاستيطان وعدم تنفيذ اسرائيل للاتفاقيات الموقعة. وهذا يقود التوصيات باتجاه انهاء الاحتلال الاسرائيلي والاستيطان وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة، وبالتالي الدخول في قضايا الحلول السياسية وضرورة تطابقها مع الشرعية الدولية، وعدم امكانية التعايش مع الاستيطان.
الثالث، موضوع استخدام القوة المبالغ فيه من قبل اسرائيل، وهذا يفتح أمامنا موضوع الحماية الدولية وضرورة ارسال مراقبين دوليين، وموضوع الاصرار على أن تعلن اللجنة أن على اسرائيل الالتزام بكافة الشروط المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة.
هناك من رأى أن الهدف المركزي يجب أن يكون في ايصال رسالة للجنة بأن ايقاف المواجهات الجارية لا يمكن أن يتم دون طرف ثالث وذلك بدعوتهم لزيارة نقاط الاحتكاك المباشر وتوضيح بأن اي انسحاب للمواقع القديمة سوف يبقي الاحتكاك قائما ولا بد من طرف ثالث على الأرض بين كافة مناطق الاحتكاك بين الطرفين، للفصل ما بين التجمعات السكانية الفلسطينية والطرف الآخر، كحماية المدنيين في القرى المجاورة للمستوطنات وليس بهدف المراقبة والفصل. لكن هناك من رأى ان التركيز على الحماية قد يؤدي الى توصيات بالعودة الى الوضع السابق وايقاف الانتفاضة وأنه قد يتناقض بالتالي مع هدف دفع اللجنة للتعامل مع الاسباب السياسية التي خلقت ظروفا دفعت للانفجار، وان ايقاف الانتفاضة لا يتم إلا بتغيير تلك الظروف السياسية التي سادت خلال السنوات الماضية. هدف آخر هو التركيز على مسألة التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين والتي لم تقتصر على الشهداء والجرحى فقط، بل ان هناك تدمير في مختلف القطاعات كالزراعة مثلا، اضافة الى أهمية التركيز على هدف إنهاء الاحتلال الاسرائيلي.
فيما يتعلق بالهدف الذي نريده إذا اخترنا أي من الأهداف السابقة فإن هناك اربعة مظاهر سوف نسأل عنها لو اخذنا باي من هذه الاهداف، وهي تلك المتعلقة بكيفية خوض معركة هذه اللجنة، وتتعلق بالقضايا ذات العلاقة بالرأي العام والحرب الاعلامية، وهناك أربعة مظاهر أساسية يجب التشاور بشأنها والتعامل معها:
- موضوع الأطفال: سيتحدث الطرف الفلسطيني عن قتل الاطفال، وستسأل اللجنة من جهتها عن استخدام الاطفال كما ستدعي إسرائيل، هذا سيكون موضوعا للبحث وهناك حاجة الى وضع استراتيجية فلسطينية حول كيفية التعامل مع هذا الموضوع.
- دور أجهزة الأمن الفلسطينية: سيقول الطرف الفلسطيني ان تلك الاجهزة تمنع العنف أو لا تتدخل على الاقل، مقابل القول الاسرائيلي في أن تلك الأجهزة تشارك في العنف وتحرض عليه. هناك حاجة الى التفكير في تناول موضوع اجهزة الامن الفلسطينية.
- دور وسائل الاعلام الفلسطينية: ستركز اللجنة على الدور الذي لعبته وتلعبه وسائل الاعلام الفلسطينية وخاصة الرسمية منها، وفيما إذا مارست التحريض فعلا أم أنها قد مارست حرية الصحافة.
- كيف ابتدأت المواجهات ولماذا هي مستمرة: سيحاول الاسرائيليون القول للجنة بأن هذا قد تم بتخطيط فلسطيني مسبق، وتم التحضير له وكان متعلقا بمحاولة الهروب من عملية السلام ومن كامب ديفيد. اما الموقف الفلسطيني المعلن فهو أن الأحداث هي أحداث عفوية جماهيرية، وان زيارة شارون كانت الحدث الحاسم في ظل وضع يتسم فيه الشارع الفلسطيني بالاحباط وفقدان الثقة بالعملية السلمية إثر الاجراءات التعسفية المتخذة بحقه بعد سبع سنوات من عملية السلام. وبالتالي فإن الاوضاع حول القدس والاوضاع العامة حول تنفيذ الاتفاقيات وبناء المستوطنات واستخدام القوة أدت مجتمعة الى بدء المواجهات واستمرارها.
3) آليات عمل اللجنة:
- تم التركيز على أهمية الاصرار عل بقاء اللجنة في المنطقة للعمل وان لا تتواجد في نيويورك او في اي مكان آخر بعيد عن موقع الحدث.
- من هم الخبراء الذين سيعملون مع اللجنة وهل سيكون لدى اللجنة حاجة لاستخدام الخبراء؟ وإن كان نعم فهل سيكون الخبراء من الشرطة والعسكريين أم من المدنيين، وكيف سيتم اختيارهم وفي أي المجالات يختصون. من المهم ان يكون الخبراء مختصون في مجال السياسة وفهم اوضاع المنطقة والصراع وان لا يكونوا خبراء في الامور العسكرية فقط. وإن يكون هناك خبراء متخصصون في كافة المجالات اضافة للمجالات السياسية والاقتصادية والاستيطانية والامنية والسيكولوجية وحقوق الانسان والقانون الدولي.
- أهمية توثيق أنماط استخدام السلاح الاسرائيلي، هناك نمطا ما يستخدمه الاسرائيليون وعلينا ان نكون قادرين على تقديمه في شهاداتنا أمام اللجنة، وبالتالي لا بد من وجود آلية عمل مرتبطة بتوثيق هذه الانماط لاستخدام السلاح الاسرائيلي.
- الاصرار على أن يتم عمل اللجنة خلال فترة قصيرة وان يتم الانتهاء منه في اقصر فترة ممكنة دون أن يمتد عملها لعدة شهور قادمة.
- إجراء توثيق للوضع الطبي للضحايا والجرحى وإرفاق تقارير طبية توضح انواع الاصابات.
- التصميم على أن يكون جزء من عمل اللجنة هو استجواب المصابين وعائلات الشهداء والجرحى والاستماع الى رأى الاهالي في الاحداث وشهاداتهم حول كيفية وظروف استشهاد او اصابة ابنائهم.
- خلق إطار الشعبي يضم مؤسسات غير حكومية، رؤساء بلديات، غرف تجارية، رجال دين واقتصاديين وغيرهم، وان يكون هناك تنسيق ما بين السلطة وما بين هذا الاطار، على أن يكون لهذا الاطار الشعبي غير الرسمي علاقة يومية دائمة مع اللجنة.
- الاصرار على نزول اللجنة عبر رئيسها ومراقبيها ومساعديها إن أمكن الى الميدان للاطلاع على الاوضاع عن كثب وزيارة المواقع التي تجري فيها الاحداث، ليس في المدن ومحيطها فحسب، وإنما الى عدد من قرانا المستباحة والتي يجري فيها تنكيل يومي بالسكان من قبل الجيش والمستوطنين.
- اطلاع اللجنة على الدمار المباشر في مختلف القطاعات ومنها الزراعية نتيجة لجرف المزارع وقطع أشجار الزيتون، وارفاق تقارير جدية وكشوفات تفصيلية حول الخسائر، إضافة الى الزيارات الميدانية لرؤية ذلك على ارض الواقع.
- إلزام اللجنة بالبقاء والاهتمام بشكل أكبر من خلال تسخين الجو الشعبي والرسمي خلال وجودها بشكل يضطرها إلى النزول إلى المواقع وضرورة القيام بتلك الزيارات الى الميدان، واقناعها بضرورة احضار عدد اكبر من المساعدين وضرورة الفصل ما بين الاطراف وضرورة التعويض.
4) الناتج، ماذا سينتج عن اللجنة ولمن سيقدم:
يجب ان يكون هناك تقريرا مكتوبا ويجب ان يأخذ هذا التقرير طابعا دوليا يقدم لمجلس الأمن، وان لا يذهب للرئيس الامريكي فقط. وان يرفق به كافة الوثائق المقدمة وكافة الشهادات، ويصبح مرجعا دوليا للتوثيق الدولي للاجراءات التي يتم اتخاذها.
ثانيا: التوصيات:
- ضرورة تشكيل لجنة اعلامية لتغطية دور اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، تعبئة الشارع من جهة وتحريك الاطراف العربية من جهة اخرى بالقيام بحركة عربية شعبية خلال فترة تواجد اللجنة، لتوضيح ان للأزمة أبعادها الاقليمية الشعبية.
- العمل على ايجاد طاقم فني كسكرتارية فلسطينية فنية للتعامل مع اللجنة والتركيز على الجانب الفني بشكل اكبر، كي لا تكون هناك تناقضات في التقارير والتصريحات والملفات المقدمة للجنة بشكل يضعف الموقف الفلسطيني. ومن المهم بناء الملف الفني الفلسطيني بشكل جيد ليشكل كسبا لنا، وضرورة ارفاق شرائط الفيديو كدلائل وتوثيق للاحداث وممارسات الجيش والمستوطنين.
- استخدام الضغوط الدولية لتكون مرجعية اللجنة نابعة من قرارات الشرعية الدولية، والتركيز على قرارات 242، 338 و 1322 وبيان كلينتون في شرم الشيخ، وان لا يقتصر عمل اللجنة على القضايا الامنية وكيفية نشوء الاحداث وانما في السبب السياسي الرئيسي وعدم وفاء إسرائيل بإلتزاماتها مما افقد الشعب الفلسطيني الثقة في عملية السلام. يجب التركيز بشكل خاص على ضرورة إلزام اللجنة باعتبار ان الوضع السائد هو احتلال وان اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق عليه.
- المطالبة بأن تقوم اللجنة برفع تقريرها الى مجلس الأمن والى الأمين العام للأمم المتحدة وللرئيس الامريكي.
- إبراز تعمد قتل الاطفال الفلسطينيين من قبل الاسرائيليين حتى لو كانوا بعيدين عن اماكن المواجهة.
- توثيق الحقائق والروايات الفلسطينية حول الشهداء والجرحى والخسائر الاقتصادية.
- تقديم صورة للجنة عن خلفيات الاحداث ومقدماتها ومسبباتها، وتقرير يبين لماذا بدات الاحداث، وايضاح ان عملية السلام لم تصل الى الحد الادنى الذي يرضي الشعب الفلسطيني. وتحميل العالم والامم المتحدة والراعي الامريكي المسؤولية بمساهمته في خلق حالة اليأس والاحباط من العملية السلمية، وبالتالي ضرورة فرض شكل جديد من رعاية هذه العملية بمشاركة اطراف اخرى في رعايتها لعدم الوثوق بالراعي الامريكي وبنزاهته، وفرض دور جديد للمؤسسات الدولية في العملية السلمية بهدف انهاء الاحتلال.
- أهمية العودة الى جذور حادثة الاقصى والاسباب التاريخية التي لا تقف عند زيارة شارون فقط، والتذكير بأن فتح النار على المصلين في المسجد الاقصى تم بدون مبرر او اشعار ولم تكن هناك مقاومة تذكر في البداية.
- التأكيد على حق الشعوب في المقاومة وارفاق تقارير حول امثلة تبين حق الشعوب وتجارب النضال ضد الاحتلال عبر التاريخ.
- عدم اعتماد التكتيك الدفاعي بل التكتيك الهجومي، حيث أن مدخل التكتيك الدفاعي ستكون نتيجته كتلك التي تم التوصل اليها في شرم الشيخ بالعودة الى الوضع السابق، بل اعتماد المدخل الذي يقول بأن الظروف والمناخ الذي اوجده الاسرائيليين قبل الاحداث كان ينذر بانفجار الوضع بالتأكيد، وهذا ما حصل فعلا حيث رد الاسرائيليون على هذا الانفجار بعنف مبالغ فيه وبقتل غير مبرر، ومنع الانفجار كان ممكنا بإزالة عوامل الانفجار ذاتها وانهائها.
- ضرورة أن تصرح اللجنة أنها قادمة الى منطقة محتلة وانها بذلك تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة.
- التحضير للإجابة على النقاط التي ستطرحها اسرائيل ومنها المتعلق بالاطفال ودور وسائل الاعلام الفلسطينية مثلا، وعدم اغفال تأثير الانتفاضة النفسي على الاطفال مما يدفعهم للمواجهة وأن هذه القضية بدأت منذ الانتفاضة الاولى عام 1987، ووضع استراتيجية هجومية توضح ان اسرائيل تستهدف الاطفال الفلسطينيين كمحاولة لتهجير السكان من جهة، وكمحاولة لاضعاف الجانب الاخلاقي للشعب الفلسطيني من جهة اخرى وبشكل عنصري واضح.
- توثيق كافة المخالفات والإجراءات الإسرائيلية من قتل واستيطان وإبعاد وهدم للبيوت وغيرها المخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة وتقديمها للجنة.
- عدم الوقوع تحت تأثير خطاب الأمن الإسرائيلي والتركيز على أن يكون الخطاب الفلسطيني موجها نحو ازالة الاحتلال وانهائه وهذا يشمل موضوع القدس والاستيطان وينهي العنف.