في سياق خارطة الطريق وفك الارتباط:

اعتبارات التخطيط لتدخل دولي

في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

 

 

تقارير ورشات عمل منتدى الخبراء

 

 

بإشراف

يزيد صايغ و جاريت شوبرا

 

المشاركون

 

د. يزيد صايغ:    أستاذ دراسات الشرق الأوسط في "كلية كينغر" في جامعة لندن، وكان مستشاراً استراتيجياً ومفاوضاً فلسطينياً سابقاً (1991-1994)، وما زال مستشاراً حول قضايا المفاوضات والإصلاح في السلطة الفلسطينية. وقد ألف (مع د.خليل الشقاقي) "تقرير فريق العمل المستقل حول تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية" (نيويورك ونابلس، 1999)، وألف كتاب "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993" (بيروت ورام الله، 2005).

د. جارت شوبرا: المدير العام "للمجموعة الدولية للمساعدة الانتقالية" التي أسستها "مبادرة التقديرات الاستراتيجية والتي عملت في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عمليات فك الارتباط الإسرائيلية. وقد سبق له أن شارك في 12 مهمة للتدخل الدولي، كما لديه خبرة واسعة كمساهم في العديد من مفاوضات السلام في إطار النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وهو أيضاً أستاذ القانون الدولي في جامعة براون الأمريكية. عمل مستشاراً رئيسياً لشؤون التدخل الدولي في وحدة مساندة المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

عمر دجاني:       أستاذ في القانون في جامعة باسيفيك في كاليفورنيا. تخرج من جامعة ييل في الولايات المتحدة وعمل في الفترة ما بين 2001-2003 مستشاراً سياسياً لمبعوث الأمم المتحدة الخاص بالشرق الأوسط. وعمل قبل ذلك في الفترة ما بين 1999-2001 مستشاراً قانونياً في وحدة مساندة المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

أمجد عطا الله:     رئيس "مبادرة التقييمات الاستراتيجية"،- ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي غير- ربحية  و مكرسة لتقديم الاستشارة القانونية و السياسية لأجل الصالح العام للأطراف المتفاوضة. في عام 2003، قام بتقديم الاستشارة لمكتب رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس فيما يتعلق بالتدخل الأمني والدولي، كما قام في الفترة ما بين عامي 2000 و2003 بتقديم الاستشارة لفريق المفاوضات الفلسطيني في مفاوضات السلام الدولي مع التركيز على القضايا ذات الصلة بأمن الحدود الدولية، و الحماية الدولية، وتطوير الدستور. 

ياسر الدجاني:     مستشار أمني لدى "مبادرة التقييمات الاستراتيجية" وعمل سابقاً مستشاراً لدى وحدة مساندة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله حيث ترأس  الملف الأمني الخاص بمفاوضات الوضع الدائم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. و قد قام في السابق بتقديم الاستشارة للمسئولين الفلسطينيين أثناء مفاوضات كامب ديفيد و طابا حول الترتيبات الاستراتيجية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أوريت جال:      مديرة مشروع و عضو في فريق التخطيط السياسي لدى مؤسسة التعاون الاقتصادي (ECF). مجالات تركيزها الرئيسية هي قضايا اللاجئين الفلسطينيين، و العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية –الفلسطينية، ودور الطرف الثالث في فض النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

جويل بيترز:       محاضر كبير في قسم الحكومة والسياسة في جامعة بن غوريون في النقب، حيث يدرس مساقات في العلاقات الدولية وفي حل النزاعات. كما أنه مدير مركز دراسة السياسة والمجتمع الأوروبي، وهو عضو في اللجنة الأكاديمية لمركز تشيم هيرزوج للدراسات والسياسات الشرق أوسطية. تغطى اهتماماته ومنشوراته البحثية السياسة الخارجية الإسرائيلية ، وعملية السلام العربية الإسرائيلية، و التعاون الإقليمي ، و بناء السلام بالإشارة تحديدا للشرق الأوسط والبحر المتوسط.

الكولونيل مارك ر. وولش: عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي، حاصل على الشهادة الجامعية من أكاديمية الولايات المتحدة العسكرية، و على درجة الماجستير من جامعة إلينوي و جامعة بوسطن. خريج الكلية الصناعية للقوات المسلحة، و كلية قيادة الجيش الأمريكي والأركان العامة، وكلية أركان القوات المسلحة، والكلية الحربية الأمريكية، و تقاعد من الجيش الأمريكي كعضو دائم في قسم الكلية الحربية الأمريكية. بعيد تقاعده،  شارك في عمليات الأمم المتحدة الثانية في الصومال وفي هاييتي وأنغولا والبوسنة وتيمور الشرقية وأفغانستان.

جيدي جرينشتاين: عمل كنائب للمدير العام لمؤسسة النعاون الاقتصاديّ (ECF). عمل في الفترة ما بين نوفمبر 1999 ويناير 2001، كسكرتير لفريق المفاوضات الإسرائيلي في مفاوضات الوضع الدائم، ثم عمل في مكتب إيهود باراك رئيس الوزراء. شارك في جميع جولات المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي تتعلق بالوضع الدائم في الفترة ما بين 1999-2001. حصل على درجة الماجستير من جامعة هارفارد، ودرجة البكالوريوس في الحقوق والبكالوريوس في الاقتصاد من جامعة تل-أبيب.

جيم ماكاللوم:    وهو عضو في معهد الجيش الأمريكي لحفظ السلام. عقيد سابق في الجيش الأمريكي. قام بتدريس مساق تدريب حول المفاوضات وعمل على نطاق واسع مع وحدات الجيش الأمريكي عند التحضير للانتشار في البوسنة وكوسوفو.

 

 

 

 (إن وجهات النظر الواردة في هذه التقارير هي للمشاركين وحدهم ولا تعكس بالضرورة السياسة أو وجهات نظر المؤسسات التي يعملون بها أو التي قامت برعاية ورشات العمل أو المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية).

 

 

 

تـمـهـيـد

 

يتضمن هذا المجلد مجموعة تقارير صادرة عن ورشات عمل انعقدت في مدينة كامبردج البريطانية وامستردام الهولندية في عامي 2003-2004. وهي نتاج مشروع غرضه الإعداد للدور الدولي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وذلك من خلال تحقيق هدفين اثنين:

الهدف الأول هو تأسيس ملتقى متعدد الجنسيات لمناقشة الأدوار التي يمكن لجهات دولية ("طرف ثالث") أن تقوم بها في مجال حفظ السلام في الإطار الفلسطيني-الإسرائيلي. وقد جمع الملتقى مسؤولين من وزارات الخارجية والدفاع التابعة للدول التي يمكن أن تساهم بعمليات حفظ سلام، وممثلين عن منظمات دولية، إضافة إلى فلسطينيين وإسرائيليين. وسعى الملتقى لتطوير:

·   تعريف وفهم مشتركين للقضايا المتعلقة بحفظ السلام وبالدور الدولي، ومصطلحات مشتركة تتصل بجوانب السياسة والتخطيط والعمليات.

·   الوعي لدى ممثلي الحكومات والمنظمات الدولية حول الهموم السياسية والأمنية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحول أثرها على التخطيط لسياسات وعمليات حفظ السلام.

·        الوعي لدى الجمهور العام حول قضايا واحتياجات حفظ السلام ودور الطرف الثالث.

أما بالنسبة للهدف الثاني، فقد قدّم الملتقى مجالاً للعاملين في هذا الحقل لمناقشة المعضلات والاحتياجات العملياتية التي تنشأ عن الأوضاع والتطورات الميدانية الجارية، ولصياغة خطط عملية وقابلة للتنفيذ للدور الدولي وللمبادرات الجديدة. وقد جمعت ورشات العمل الخاصة بذلك مسؤولين وخبراء تابعين للجهات الرئيسية التي لديها حضور ودور ميداني فعلي. وكان الموضوع الرئيسي ومحور النقاش هو الخطة الإسرائيلية للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية.

استفاد المشاركون في ورشات العمل، عند مناقشة مختلف هذه القضايا، من خبرات وتجارب عمليات التدخل وحفظ السلام الدولية منذ عام 1990، فيما قاموا أيضاً بتطوير معرفتهم بخصوصيات الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد ناقشوا مسائل متعددة، منها صلاحيات و"هندسة" أو شكل المهمات، الأهداف القصيرة والطويلة الأجل، التنسيق مع الدول المضيفة (أو المجاورة، وتحديداً مصر والأردن)، والاحتياجات القانونية، علاوة على جوانب عمل الشرطة المدنية والنشاط الإنساني والاقتصادي.

يجدر التشديد على أن المشروع لم يسعَ للتوصل إلى اتفاق رسمي بين المشاركين. بل تركّز الجهد على مساعدة مسؤولي الجهات الدولية على تطوير واختيار وتبادل الأفكار حول كيفية تنفيذ دور الطرف الثالث في حفظ السلام، وذلك من خلال التعرُّف المباشر على الهموم السياسية والأمنية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتعرف على الآراء النقدية لعاملين غير حكوميين أو عاملين سابقين في عمليات حفظ السلام. وكان الغرض النهائي لكل ذلك هو التأكد من صلاحية وفاعلية أي دور دولي يتم مستقبلاً في الإطار الفلسطيني-الإسرائيلي، مما يزيد من احتمالات التوصل لحل ناجح للنزاع من خلال التفاوض والتوصل إلى سلام لاحق مستقر وثابت بين الجانبين.

ترأس المشروع يزيد صايغ وجاريت شوبرا، اللذان يودان تقديم الشكر لكل من وزارة الخارجية الهولندية، والمركز الدولي لبحوث التنمية (أوتاوا، كندا)، ووزارة الخارجية السويدية على تمويل ورشات العمل* وإنتاج التقارير باللغتين العربية والإنكليزية.

 

 

اعتبارات التخطيط لتدخل دولي

في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي

 

التقرير الأول

(5-7 كانون ثاني/ يناير 2003)

 

إعداد

جاريت شوبرا و جيم ماكاللوم

مع

أمجد عطا الله و جيدي جرينستين

 

في الفترة ما بين 5-7 يناير –كانون الثاني 2003، قام مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون ودوليون بالاجتماع للمرة الأولى لمناقشة الجوانب العملياتية لتدخل طرف ثالث في النزاع-الفلسطيني الإسرائيلي، تم استضافة اللقاء في إيرميلو في هولندا من قبل "مؤسسة دي بيرت Foundation de Burght"، وجرى تنظيمه مع "هيئة الرحمةMercy Corps " ورعايته من قبل "مؤسسة السلام في الشرق الأوسط Foundation for Middle East Peace " ومؤسسة "أود بوك Foundation de Oude Beuk". كان الهدف من النقاش استعراض الممكن واللاممكن من الناحية العملياتية، في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية الراهنة. وتم في اللقاء استكشاف عدد من الخيارات والقضايا المؤثرة على شكل التواجد الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد جمع المشاركون الخبرة المحلية والإقليمية إلى جانب معرفتهم بمواقف الأطراف وكانت لهم تجاربهم في عمليات السلام المعقدة، والتي تشتمل على عناصر إنسانية وعسكرية وسياسية، وقد أتاح هذا التنوع في خبرات المشاركين المجال لبلورة عبر ومعلومات ودروس ضرورية عند التفكير في اعتبارات التخطيط الشاملة للتدخل الدولي.  ويعكس هذا التقرير القضايا التي تم نقاشها، ويشمل العديد من الأفكار التي أسهم بها المشاركون، ويعتبر مضمون هذا التقرير مسؤولية المؤلفين  وحدهم .

هناك عدة أنواع من التدخل الدولي، وتتدرج من الرقابة والتحقق وحفظ السلام، إلى الفرض العسكري و"الوصاية" المدنية. وهناك دوماً حد أدنى من التدخل اللازم الذي يجعل التواجد الدولي فعالا، ويتطرق هذا التقرير إلى طبيعة الاحتياجات القائمة حاليا نتيجة للظروف السائدة والتي يجب أخذها بعين الاعتبار عند البدء بالتخطيط العملياتي لدور طرف ثالث.

 

1. إلحاحية الظروف على الأرض

التهديد الذي يواجه حل الدولتين: برزت الحاجة الملحة لتدخل طرف ثالث نتيجة لتزايد التهديد الذي يتعرض له حل الدولتين في النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، ونجم هذا التهديد عن الظروف الاقتصادية البائسة، والظروف الديموغرافية والأمنية الخاصة بكلا الطرفين، وانعدام الثقة المتبادلة، بالإضافة إلى الوقائع الجديدة والتي لا تزال تتسبب في تغيير المشهد السياسي بطريقة تقلص من إمكانية قيام دولتين منفصلتين.

ففي الجانب الفلسطيني، نجد أن السلطة الفلسطينية، ونظرا لعدم وجود إدارة فعالة وشفافة، تقف على شفا الانهيار وقد تم تصفية قدرتها على الحكم بشكل كبير. علاوة على ذلك، فقد فقدت منظمة التحرير الفلسطينية شعبيتها لصالح المجموعات المتطرفة، وقد تسبب النشاط الواسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية طوال العقد الماضي وخلال الأزمة الحالية في تجزئة الأراضي الفلسطينية بشكل كامل، والفلسطينيون واثقون بأن إسرائيل لا ترغب في التوصل لاتفاق سلام، وتعمل بذلك على تقليص الآمال في المستقبل وتخفيض التأييد لعملية السلام. أما في الجانب الإسرائيلي، فقد تضاءلت مصداقية منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بشكل كبير، وتراجع الدعم لاستراتيجيات صنع السلام والتوصل لحل دائم يمكن أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، ينسب كل من المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني وجود أسوأ الدوافع لدى القيادات السياسية لبعضهم البعض، مما يجعل الطرفان غير واثقين من إمكانية تنفيذ الاتفاقات، كما أن مسار الأحداث في الوقت الراهن يتسبب في تقويض حل الدولتين بسبب إضعافه لمعسكرات السلام لدى الطرفين وخلقه لحقائق واقعة من الصعب تغييرها، والتي تتمثل بشكل أساسي في التوسع الإستيطاني من قبل إسرائيل وتفتيت بنية الحكم الفلسطيني.

 

دائرة العنف: يدفع الفلسطينيون والإسرائيليون ثمن باهظا نتيجة لتصاعد وتيرة العنف، ووفقا لبعض التقديرات التي قام بها الموظفون الدوليون، وجد أن ما يتراوح بين 60-80 حالة وفاة بين الفلسطينيين في الشهر الواحد سببها العمليات العسكرية الإسرائيلية، علاوة على هدم مئات المنازل، أما في الجانب الإسرائيلي، فإن العمليات الانتحارية الفلسطينية تواصل تهديدها للأمن الشخصي ولرفاهية المواطنين الإسرائيليين. ويبدو أن حالة كلا الطرفين مثل كرة المضرب بين رحى الانتقام التي ستقضي على أي أمل في إنهاء العنف.

وقائع اقتصادية: يظهر أن الظروف الاجتماعية– الاقتصادية في الجانب الفلسطيني قد تدهورت إلى مستوى لم يسبق له مثيل، وبناءاً على البيانات الصادرة عن البنك الدولي، فإن ما يقارب 63% من السكان الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر بدخل مقداره 2$ في اليوم الواحد. ويعاني الوضع الاجتماعي - الاقتصادي الفلسطيني من أزمة شديدة، حيث أنه لو تمت مضاعفة المساعدات الدولية لتصبح 2$ مليار بدلاً من 1$ مليار كما هو الحال الآن فإن ذلك سيعمل على تقليص معدل الفقر بما نسبته 9% فقط، ليصبح 54%. لذا يظهر أن المساعدات الإنسانية لن تشكل حلا لظروف السكان الفلسطينيين القاسية. إضافة لذلك، يعتمد الاقتصاد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال سوق العمل وحركة البضائع بشكل أساسي، وبذلك توقع القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين مزيداً من الدمار على الاقتصاد الفلسطيني.

أما في الجانب الإسرائيلي، فإن إسرائيل تمر بأزمة اقتصادية قاسية ومتواصلة، فمنذ تسجيل سنة الرخاء الاقتصادية القياسية في عام 2000، ضعف الاقتصاد الإسرائيلي جدا وانخفض معدل الدخل الفردي وازداد ضغط التضخم المالي، وما لم يحدث تغيير كبير في الواقع السياسي سيبقى الأمل في نمو الاقتصاد الإسرائيلي ضعيفا جدا، حتى لو قدمت له قروض كبيرة. 

حقائق ديموغرافية "سكانية": وفقا لما ورد في بعض التقديرات، فإن الفجوة بين عدد اليهود والفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة الانتداب البريطاني، أي المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، آخذة في التقلص بحيث لا تتجاوز الآن 200.000 شخص. ولا تزال المستوطنات الإسرائيلية آخذة في التوسع، سواء في أعدادها أو في مساحاتها، ويعتبر هذا المزيج من السمات الديموغرافية والجغرافية عاملا يعزز الدمج الوظيفي للضفة -الغربية مع إسرائيل، الأمر الذي سيجعل من حل إقامة دولتين أمرا صعبا جدا.

القيادة الفلسطينية: لقد تم تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما يقارب 10 أجزاء منفصلة عن بعضها البعض تحتفظ كل واحدة منها بصفات اقتصادية وسياسية شبه مستقلة مما يجعل فرض سيطرة مركزية أمرا غير ممكنا. ويمثل ذلك تحديات أساسية وداخلية تواجه الرئيس ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية. وسيستغرق حصول قيادة فلسطينية ذات مصداقية وشرعية على السلطة ردحا من الزمن، يقوم البعض أنه قد يصل إلى فترة 2-3 سنوات. هذا بالإضافة إلى عدم وجود أي ضمانات تتعلق بنوع القيادة التي ستبرز في النهاية. إن الفراغ الحاصل نتيجة لتفكيك السلطة الفلسطينية سيتم ملؤه من قبل قادة محليين، سيأتون بشكل أساسي من العشائر المحلية وأصحاب النفوذ، مما سيخلق بيئة مجزئة، إضافة إلى قيام الجيش الإسرائيلي تدريجيا وعلى مضض بممارسة مهام مدنية تجاه السكان الفلسطينيين.

العنف يضعف إعادة البناء: تتسبب دائرة العنف في إضعاف جهود إعادة البناء، حيث تبلغ ميزانية إعادة البناء 1$ مليار وهي مجمدة لتردد الدول المانحة في دخول المناطق الفلسطينية لإصلاح البنية التحتية المتضررة، كما أن غياب الأمن سبب آخر لهذا التجميد، وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً هو طبيعة النزاع الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى إعادة تدمير ما يتم إصلاحه.

الجدار: أصبح الجدار الفاصل حقيقة واقعة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ففي الجانب الإسرائيلي، كان السياج استجابة للضغط الشعبي، وقد تم تصميمه بغرض تعزيز الأمن الإسرائيلي، ويأمل الإسرائيليون بأن يكون له، في مرحلة لاحقة، أثر إيجابي على تقنين وتنظيم نقاط التفتيش، مما يتيح المجال لتدفق اقتصادي أكبر بين الضفة الغربية وإسرائيل. أما في الجانب الفلسطيني، فهناك آثار سلبية للجدار على الحياة اليومية الفلسطينية وبشكل أساسي على المناطق المتاخمة للسياج مثل طولكرم وقلقيلية، وبناءا على المؤشرات الحالية، سيكون هناك ما بين سبعين إلى مائة ألف فلسطيني يعيشون في المنطقة الواقعة  بين الجدار والخط الأخضر، مما يسهم في خلق مخاوف لدى الفلسطينيين قيام إسرائيل  "بنقل" السكان الواقعين خلف الجدار إلى مناطق أخرى داخله، كما سيبقى معظم المستوطنين الإسرائيليين مقيمين شرقي الجدار.

شبح التدهور نحو الأسوأ: إذا استمرت الظروف الراهنة في التدهور بنفس وتيرة التسارع، فربما يؤدي إلى حدوث تطورات أسوأ، ففي غياب اعتراف إسرائيلي بشريك فلسطيني مفاوض، ودون تدخل فعال من قبل المجتمع الدولي، فإن من المحتمل تصاعد وتيرة العنف وتعميق الصراع. ويدعي البعض أنه إذا في حال إزاحة عرفات، فإن من المتوقع ارتفاع عدد العمليات الانتحارية، وإذا تم القضاء على السلطة الفلسطينية، فإن انهيار النظام الاجتماعي والسياسي سيتسارع بشكل لا يمكن تجنبه، مما سيجعل الانسحاب الإسرائيلي أكثر صعوبة. تقع الآن معظم المناطق الفلسطينية تحت الاحتلال الكامل وستصبح إسرائيل غير قادرة على ترك ظروف فوضوية تملأ الفراغ الناجم عن انسحابها. تعتبر جنين منذ اليوم شبه مغلقة أمام العاملين الدوليين الموجودين في مرمى النار من كلا الجانبين، وقد بدأ التأييد الفلسطيني المعروف للعاملين الدوليين بصرف النظر عن أصولهم القومية يأخذ في التلاشي، كما تعطلت المؤسسات المعنية بسيادة القانون وأصبحت غير قادرة على الاستجابة للأفراد على نطاق واسع، لذا، يمكن للتدخل الدولي أن يوفر لإسرائيل إمكانية للانفصال عن هذه الأوضاع الفوضوية إذا ما رغبت بذلك.

من ناحية أخرى، يؤمن بعض الإسرائيليين بأنه إذا تم التوصل لاتفاق مؤقت بين الأطراف، بوجود تدخل دولي أو دونه، فإن ذلك قد يشكل بداية لتحسن الأوضاع في حياة الإسرائيليين والفلسطينيين مما قد يؤدي إلى التوصل لاتفاق دائم. إن البديل عن ذلك هو أن استمرار الوضع على ما هو عليه وبقاء النزيف دون توقف. 

شعور باليأس: ينتشر الإحساس باليأس بين الفلسطينيين، ففي الأسابيع القليلة السابقة لعملية الجدار الفاصل، كان هناك راية في بيت لحم كتبت باللغة الإنجليزية: "أنا أموت، أنا أعيش". فعلى نقاط التفتيش، يتم تحدي الفلسطينيين ويطلب منهم رفع ملابسهم من قبل القوات الإسرائيلية للتحقق من وجود المتفجرات وفي بعض الأحيان يرفض الفلسطينيون القيام بذلك رغم معرفتهم بأنهم قد يتعرضون لإطلاق النار بسبب ذلك. لقد تم الاستعاضة بالقدرية عن المثالية الثورية في بحث الفلسطيني عن الاستقلال وبإيمان بعدم وجود بديل عن الصراع الحالي.

يوجد لدى الإسرائيليين إحساس مماثل باليأس، فبين القناعة بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع والاعتقاد السائد بأن القيادة الفلسطينية غير مستعدة أو قادرة على إنهاء الصراع، لا يرى الإسرائيليون أملاً في حل مستقبلي، كما لا يوفر التأثير المؤلم لاستمرار العمليات الانتحارية رؤيا مقبولة لمستقبل واعد، ولا يبدو أن الجيش الإسرائيلي قد استنفذ ما في جعبته من ضربات هجومية للتأثير على مجريات الصراع ويبدو أنه يركز على الحفاظ على الوضع الراهن فقط. وفي الوقت نفسه، تجد إسرائيل نفسها منغمسة في أفعال تعرضها أحيانا كثيرة للنقد الأخلاقي.

 لا يوجد آلية للقرار: لا يظهر في الأفق ما يشير إلى أمل بعملية سلام جديدة أو حتى إلى توفير أساس لاستئناف المفاوضات، ولا يبدو أن هناك آليات واضحة لكسر دائرة العنف القاسية، ويلقي الواقع بظلاله المحبطة على كافة المقترحات التي قدمت إلى وقتنا هذا.

التدويل: إن تدويل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في تزايد مضطرد، وهناك عدد من العاملين في منظمات دولية مختلفة يعملون حاليا في المنطقة، وينظر كثيرون إلى أن هناك حاجة لمستوى، حتى ولو ضئيل، من التدخل الدولي كأمر لا بد منه لإحراز أي تقدم، وفي نفس الوقت، وحتى يكون التدخل الدولي فعالا، لا بد من زيادة الالتزامات المطلوبة عند تصاعد الأزمة وهو أمر متوقع الحدوث. يشكل التدخل الدولي أداة تؤثر على الأطراف والدول ذات العلاقة لوقف الأزمة؛ وقد يوفر لإسرائيل استراتيجية خروج من الأزمة ويعزز الفرص أمام حل الدولتين، إلا أنه يبدوا واضحاً في هذه المرحلة أن المجتمع الدولي لن يكون قادرا على الخروج من الأزمة بزيادة الإنفاق فقط، حيث أن المشكلة هي مشكلة سياسية وتحتاج إلى حل سياسي، وسيكون الحل في النهاية على شكل اتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين، لذا، يبدو الحل الدائم هو الوحيد القادر على نقل المسار الحالي للأحداث وإنعاش آمال السلام على أساس من الاعتراف المتبادل بحق تقرير المصير لكلا الطرفين و في ظل دولتين قادرتين على الحياة.

 

2. التقارب حول التدخل الدولي

الموروث التاريخي: لدى كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني موروثا مختلفا فيما يتعلق بالتدخل الدولي. إن النظرة الإسرائيلية السياسية والعسكرية التقليدية للتدخل الدولي بشكل عام، وإلى النزاع مع الفلسطينيين بشكل خاص، هي نظرة شك، ولا تزال إسرائيل تعتقد أن أي تدخل دولي سيعمل ضد إسرائيل لصالح الجانب الفلسطيني، وهناك شعور بأن الطرف الثالث لن يدعم الفلسطينيين فقط، بل سيحد من قدرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها من خلال لجوئها للعمليات العسكرية، وبشكل أقوى تأثيرا، فإن موروث العلاقات الإسرائيلية مع الأمم المتحدة موروث غير مشجع، مرورا بتجربة انسحاب قوات الأمم المتحدة الطارئ من على الخط الحدودي بين مصر و إسرائيل في عام 1967 وحتى تجربة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، حيث أن هذا الموروث مشوه بخيبات الأمل المتبادلة.

أما بالنسبة للنظرة السياسية الفلسطينية التقليدية، فإنها ترى التدخل الدولي إيجابياً، آملة أن يعوض هذا التدخل عن الميزة العسكرية والدبلوماسية التي تتمتع بها إسرائيل وأن يعمل على  تقديم تقييم "موضوعي" للأفعال الإسرائيلية والفلسطينية، إلا أنه وبعد محاولتين لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أصبح الفلسطينيون معارضين بشدة لأي شكل من أشكال السلطة التي يعتبرونها غير شرعية أو عاجزة، ومن هنا يجب أن يؤكد التدخل الدولي وبوضوح على أن غايته هي تعزيز الأهداف الفلسطينية بالاستقلال بنفس الوقت الذي يسعى فيه لتعزيز الأهداف الإسرائيلية في توفير الأمن.

تغيرت عمليات السلام خلال العقد الماضي من كونها مجرد عمليات تقليدية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، والتي كان للأطراف تجربة معها، فمنذ نهاية الحرب الباردة، حدث تحول جذري في نوع ونطاق التدخل الدولي إلى تشكيلة جديدة من الخيارات التي ينبغي الاطلاع عليها.

 

التقارب:  شهد العام الماضي تناميا في قبول كلا الطرفين لفكرة التدخل الدولي، حيث أن الظروف الجديدة التي نجمت عن إعادة احتلال إسرائيل شبه الكامل للضفة الغربية، وتواصل العنف الفلسطيني ضد المدنيين الإسرائيليين، والتوسع في البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، والقلق الدولي من عدم قدرة الإسرائيليين والفلسطينيين على الانفصال عن بعضهم مجددا، عملت على خلق هذا التقارب في الرأي فيما يتعلق بالتدخل الدولي،  ورغم ذلك، لا يزال هذا التقارب غير كامل، وربما لا يعد أكثر من مجرد عناوين عريضة فقط. لقد أخذ الحزبان الرئيسيان الإسرائيليان وعدد من المسؤولين والمدنيين الفلسطينيين بقبول مفاهيم متعددة للتدخل الدولي، وأخذوا يستخدمون في بعض الأحيان مصطلحات متشابهة، لكنهم مع ذلك يحملون توقعات مختلفة إلى حد بعيد لمعاني التدخل والغرض منه، وتفسيرهم للتفاصيل التي تحدد أي مهمة من مهامه.

التوقعات: يتوقع الإسرائيليون بأن يوفر لهم التدخل الدولي أمنا شخصيا من الإرهاب، ومع ذلك، هناك اختلافات واضحة بين الإسرائيليين أنفسهم حول عناصر هذا التدخل المختلفة. أما بالنسبة للفلسطينيين، فهم يتوقعون أن يؤدي هذا التدخل الدولي إلى تحررهم من الاحتلال الإسرائيلي ويعتقدون أنه ربما يكون خطوة على طريق الاستقلال الكامل للدولة الفلسطينية التي تضم كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة، ويجمع المجتمع الدولي اليوم على اعتبار كلا الهدفين شرعيين. غدا واضحا، أن أي تدخل دولي يعمل لصالح طرف دون الآخر سيكون عديم الجدوى، بل وربما مدمراً.

 وبرغم ذلك، يتنامى إدراك كلا الطرفين في المحصلة بأنه لا يمكن إنهاء هذا النزاع دون مساعدة طرف ثالث، وقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن غالبية كلا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي راغبة في إنهاء النزاع وفقا لرؤيا دولتين تعيشان جنبا إلى جنب، ويجب تقييم الجوانب المختلفة لتدخل دولي بشكل استراتيجي، وعملياتي، وتكتيكي بشكل منهجي لتقرير إذا كان هناك إمكانية لزيادة درجة هذا التقارب.

مخاوف تتعلق بالتدخل: إن أحد المخاوف التي تتعلق بأي تدخل دولي هي مدى القدرة على تجنيد الحد الأدنى اللازم كي يكون التدخل فعالا. في الماضي، كان المجتمع الدولي كثيرا ما يلجأ إلى استخدام المنهج التدريجي، واستخدام موارد أقل مما يلزم في نزاع ما، بسبب اعتمادها الكبير على الأمل بدلاً من الواقعية، مما استدعى تدخلاً أكبر بكثير فيما بعد، ويمكن اعتبار قوة حماية الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك مثالا على العواقب الوخيمة لمثل هذه المنهجية.

هناك تخوف ثانٍ من أن يؤدي التدخل الشامل والفعال إلى توفير المجال أمام القادة السياسيين لتجنب مواجهة أي من الأسئلة الصعبة التي تعتبر أسئلة جوهرية لفض أي نزاع، وقد يؤدي ذلك إلى تجميد الوضع القائم لفترة مؤقتة طويلة الأمد، مما قد يزيد المخاطرة بظهور اضطرابات أكثر حدة، فمهما كان نوع التدخل، لابد أن يكون ضمن سياق خطة لإنهاء النزاع، ويقصد بذلك، أنه لا بد أن يصاحب التدخل عملية سلام على شكل مفاوضات وضع نهائي.

مصدر قلق رئيسي ثالث لأي تدخل، وهو احتمالية فشل التدخل في إنهاء النزاع، وقد يؤدي ذلك إلى جعل التوصل إلى اتفاقية الوضع النهائي أمرا أكثر صعوبة من ذي قبل. إن مثل هذا الفشل قد يعمل على زيادة التدخل الإسرائيلي غير المحدود وقد يقلص من فرص حدوث التدخل الدولي الهادف لصياغة تسوية دائمة، وقد يشجع الفلسطينيين على اللجوء للعنف.

أما مصدر القلق الرابع فهو التخوف من غياب قدرة الدولة على تغيير المشهد الاستراتيجي الحالي في الضفة الغربية وقطاع غزة (من حيث الجدوى والفعالية)، من أجل إحداث تغييرات سياسية، واقتصادية، واجتماعية فورية، مما قد يؤدي إلى استمرار الظروف الراهنة الصعبة تحت الاحتلال الإسرائيلي دون وجود مخرج في نهاية المطاف، ويعتبر هذا الأمر مصدر القلق الرئيسي لجميع السكان الفلسطينيين.

ومصدر القلق الخامس هو أن يغفل التدخل الدولي عن الديناميكيات المحلية ومراكز القوة في الضفة الغربية وقطاع غزة، علاوة على القطاع الأمني الفلسطيني، وكلاهما طرف رئيسي في عمل الطرف الثالث وخاصة عند البدء بالقيام بالواجبات العملياتية.

يتركز مصدر القلق السادس على الحرب ضد الإرهاب وفرص قيام دولة فلسطينية قادرة على الحياة، وعادة ما يتساءل الإسرائيليون عن قدرة القوات الدولية على محاربة الإرهاب بفعالية، واستخدامها، حيث يكون ضروريا، للوسائل اللازمة لمنع الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل، كما يتساءل الإسرائيليون حول قدرة التدخل الدولي على تشكيل قاعدة حكم فلسطينية فعالة قادرة على ضمان فرض القانون والنظام والأمن أثناء البحث عن حل للنزاع.

مسألة إلتزام: قد يكون الاحتمال ضعيفا حتى الآن في أن تكون إسرائيل و/أو الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لدعم مستوى فعال من التدخل الدولي حاليا، علاوة على ذلك، يرى البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تتساءل عن جدية الأطراف في رغبتها في إنهاء النزاع، ومن هنا فإنها قد تعمل على إدارة الصراع فقط وليس حله، ويرى أصحاب هذا الرأي أنه دون وجود مستوى معين من الاتفاق بين الأطراف، فسيكون من المبكر جدا البحث في وجود أي تدخل، ويرى آخرون أن السياسية الأمريكية في دعمها "لخارطة الطريق" نحو استقلال فلسطيني وأمن إسرائيلي، ستكون بشيرا للتدخل حيث لا يتوقع أحد أن تنفذ خارطة الطريق من قبل الأطراف وحدها. وقد أشار البعض إلى أنه لن يكون هناك ضغطا دوليا على الأطراف لقبول تدخل فعال ما لم يكن هناك حدث مأساوي،  مثل أزمة إنسانية أكثر قساوة بين الفلسطينيين، والتي ربما تتضمن إقصاءا للحكومة الفلسطينية، أو "هجوما إرهابيا مدويا" ضد إسرائيل، أو اتساع دائرة الاضطرابات الناجمة عن الحرب المحتملة مع العراق.

فرص ممكنة: على الرغم من هذه المخاوف، فهناك استعداد، حتى ولو كان ضئيلا، من جانب جميع الأطراف  للبحث في مسألة التدخل المطلوب، وهناك تدخل سياسي، واقتصادي، وأمني فعلي للعاملين الدوليين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشير هذا الاستعداد من قبل كافة الأطراف المعنية إلى أن هناك فرصة سانحة أمام حصول تدخل دولي، بغض النظر عن مستواه، يجب أن ينجز الجزء الصعب من العمل الآن في التحليل، والصياغة والتخطيط بحيث يمكن اقتناص هذه الفرصة عند بزوغها، ويشمل هذا الجزء من العمل تحديدا لنقاط الربط بين قطاعات وجوانب المهمة الدولية حتى يصبح تحديد التبعات السلبية والاستعداد للحالات الطارئة المتنوعة ممكنا، ويعتبر القيام بهذه الأمور جوهر العمل التخطيطي الشامل الذي يشكل مدخلاً لنشر قوات دولية لضمان كون التدخل الدولي فعالا.

 

 

3 . العوامل و الاعتبارات التشغيلية

أ) الانسجام و الترابط

البنى الحالية: يوجد حاليا مجموعة من عناصر العمل المحلية والدولية المتداخلة، والمستقلة وظيفيا، في الأراض المحتلة، ولا تزال بنية السلطة الفلسطينية قائمة إلى الآن على الرغم من إفتقارها للقدرة على ممارسة العديد من مهامها الأساسية في الوقت الراهن. أما من الناحية البنيوية، فقد أدت جهود الإصلاح الأخيرة إلى تعزيز وتحسين أداء بعض المؤسسات الفلسطينية، مثل وزارة المالية، رغم أن سيطرة السلطة الكلية أصبحت نظرية أكثر منها عملية.

وضعت الدول المانحة، بما في ذلك البنك الدولي، بنية مستقلة تتألف من الدول المانحة الرئيسية، أطلق عليها اسم لجنة التنسيق والارتباط للدول المانحة (AHLC)، التي كانت في السابق مسؤولة عن المساعدات التنموية ولكنها الآن مسؤولة عن توفير الدعم الإنساني متى أمكن ذلك.

وعمل تشكيل اللجنة الدولية الرباعية، التي تتألف من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، على خلق هيكلية منفصلة، لكن متداخلة في نفس الوقت للإشراف على الإصلاح الفلسطيني من خلال عاملين دوليين موجودين فعليا.

وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من مصر والأردن، بتشكيل "لجنة أمن" منفصلة و مستقلة للتعامل مع إصلاح قطاع الأمن داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

من الواضح أن هناك وجود دولي كبير نسبيا في كافة المجالات المدنية والأمنية، بعدد من العاملين يزيد عن 1,000 عامل، ومع ذلك لا يتمتع هذا الوجود بالقدرة الحقيقية على تنفيذ أي من مهماته الرسمية أو غير الرسمية، ولا يوجد هناك آلية مهيمنة للتحقق من وجود تنسيق وانسجام أو علاقات محددة بشكل واضح.

إن على أي تدخل دولي القيام وبشكل مسبق، بتحديد علاقته مع البنى العديدة القائمة، سواء كانت محلية أم دولية، والحصول على أقصى درجات القبول الممكنة حتى يتاح له أفضل أشكال الإدارة للتواجد الدولي، وفي ظل الجو العام السائد، قد يكون من الضروري لأي تواجد دولي أن يأخذ بالاعتبار تحديد المهام التي سيحتاج إلى القيام بها بشكل كامل وأي منها يمكن تفويضها للبنى القائمة.

التدرجية والتماسك: إن أحد أكبر المخاوف التي تواجه العاملين الدوليين هي التدرجية، وهي عادة ما تكون وسيلة سياسية فعالة تتيح المجال أمام دولة ما لتحقيق هدفها بعدد محدود من العاملين في بعثات دولية محدودة جدا في البداية، ولكن عند تدهور الوضع وبدء المهمة في الفشل، يتم نشر المزيد والمزيد من الموارد بطريقة تدريجية في محاولة للوصول إلى الحد الأدنى من التدخل اللازم لإدارة أو حتى تهدئة النزاع. يشكل هذا الأسلوب خطراً كبيراً على العاملين الدوليين الموجودين، وقد يعمل على خلق المزيد من التداخل مما يؤدي في النهاية إلى التناقض في العمل نتيجة لارتفاع درجة التدخل.

تعتبر نماذج التدخل الدولي الموجودة حالياً نتاجاً للعمل التدريجي المنفصل في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتعمل بعض أشكال التدخل الدولي على المستوى الإستراتيجي، والبعض الآخر على المستوى التشغيلي والتكتيكي. وتنفصل جميعها عن بعضها بنيويا، على الرغم من وجود العديد من التداخلات بين العاملين، وفي الاستشارات المكثفة حول موضوع ما، فاللجنة الأمنية، على سبيل المثال، منفصلة عن جهود الإصلاح لتعزيز سيادة القانون أو القضاء المستقل كما أنها منفصلة عن أي تدخل آخر، كما أن تدخل الاتحاد الأوروبي في إدارة الشؤون التفصيلية للمشاكل الأمنية في بعض المناطق منفصل عن محاولات الولايات المتحدة لإصلاح قطاع الأمن، ولا يوجد مؤسسة أو فرد مسؤول بالكامل عن الإشراف على الموضوع بأكمله، كما لا يوجد تفويض موحد أو هدف سياسي متصل بفض النزاع أو حتى بتهدئة الوضع بشكل أساسي.

إن هذه التدرجية ليست من القاعدة للقمة أو من القمة للقاعدة، إنها موسمية وغير متصلة، وهناك نقاش داخل الرباعية لربط الأبنية القائمة حاليا في بنية واحدة متماسكة على ضوء المتطلبات المتداخلة والموسعة "لخارطة الطريق"، ومع ذلك، وضعت خارطة الطريق أهدافا شبه مستحيلة لإعادة إنعاش المجتمع المدني، وخلق حكومة ديمقراطية وإعادة تجديد وتقوية قطاع الأمن الذي يمكن أن يوفر لإسرائيل الحماية ألا أنها تجنبت في نفس الوقت المطالبة بإجراء تحسينات على الظروف التي أدت إلى انهيار هذه القطاعات، وعلاوة على ذلك، تستند البنى المختلفة الموجودة فعليا على جهود تعزيز الإصلاح وليس على تنفيذ التغييرات. إن تحديد الخطوط العمودية والأفقية بين الآليات المتعددة لن يغير هذه الحقيقة بالضرورة.

هناك فجوة كبيرة جدا بين التدرجية الحالية وخيارات التدخل المتعددة التي قد تؤدي إلى "الوصاية" (إدارة حكم انتقالية تتولى المسؤوليات المدنية، والاقتصادية، والأمنية)، وقد تبلغ التطورات الميدانية حدا يدفع باتجاه تدخل حاسم وقوى من الطرف الثالث، مثلا في أعقاب وقوع حادث مأساوي. إن التدخل عند هذه النقطة لا بد أن ينظم من جديد، وألا يكون نتيجة لتدرجية سابقة، و إلا أصبح غير فعال.

 

ب) معالم المهمة الدولية

عناصر رئيسية: بغض النظر عن نوع التدخل – سواء كان على شكل الرقابة والتحقق، أو المراقبة التقليدية وحفظ السلام، أو حتى الفرض العسكري و"الوصاية" المدنية- هناك بعض العناصر الرئيسية المتشابهة في جميع أنواع التدخل، وستؤدي المراجعة الدقيقة لكل شكل من أشكال عمليات التدخل كما يمكن رؤيتها في الظروف الراهنة إلى تحديد العناصر الأساسية، ويستطيع المخططون البدء في التحضير للتدخل وفقا لهذه الثوابت، فعلى سبيل المثال، ما زال الجميع متفقون حتى اليوم، على أن العناصر المدنية والعسكرية تشكلان عنصران حيويان في بنية متكاملة.

تفرد المهنة: في الوقت الذي يمكن فيه موائمة الدروس المستفادة من المهمات الدولية السابقة للاستفادة منها في بيئة عمل جديدة، إلا أنه يجب مقاومة الميل لاستخدام الخطط التي تم استخدامها في تلك المهمات كما هي بل يجب القيام بموائمة مفهوم كل مهمة مع تطورات الواقع.

الغرض من التدخل: يجب أن يكون لأي تدخل دولي في سياق النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني غرض واضح، حيث أن الافتقار إلى الدقة سيؤدي إلى إعاقة المهام التشغيلية، وفي المقابل، سيؤدي تحديد الغرض إلى إضفاء الشرعية على المهمة الدولية وإلى تسهيل التعامل مع الأطراف، كما سيعمل على تسهيل تنفيذ المهمة بشكل فعال مما يؤدي إلى زيادة شرعيتها

التزامن: تدرك جميع الأطراف بدرجات متفاوتة، وجوب التعامل مع كل من الجبهات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية بشكل متزامن، ويجب أن تكون هذه المنهجية الشاملة جزءا من التفويض للمهمة الدولية، كما يمكن تنظيم التدخل على أساس المراحل التشغيلية وعلى ضوء التوقعات الدولية لمستويات التقدم المختلفة في مسيرة الاستقلال الفلسطيني خلال السنوات القادمة واتفاق الوضع الدائم.

نطاق العمل: في سياق هذا النزاع، سيحتاج التدخل الدولي لتحديد ما إذا كان هدفه تسهيل الانسحاب الإسرائيلي من الأرض الفلسطينية في ظل اتفاقية أو بدونها؟ وهل سيعمل على تعزيز الاستقلال الفلسطيني أيضا في ظل اتفاقية أو بدونها؟ هل هو موجود فقط لتهدئة الوضع و استقراره أم لتوفير وسائل وآلية للدفع نحو اتفاقية للوضع الدائم بين الطرفين؟  وفي مرحلة التهدئة، هل سيتولى التدخل الدولي مهاما لتطبيع الحياة اليومية الفلسطينية، والمساعدة في إعادة بناء البنى السياسية الفلسطينية، وتعزيز العملية السياسية بهدف تنفيذ رؤيا سياسية؟ وما هو الدور الذي سيلعبه التدخل الدولي في تجميد نشاطات الاستيطان الإسرائيلية بل حتى في الانسحاب من المستوطنات؟ ما هو الدور الذي سيلعبه التدخل في الإعداد لمرحلة اتفاقية ما بعد الوضع الدائم والذي قد يتطلب وجود قوات دولية؟ هل يستطيع التدخل الدولي البدء في الإعداد والتموضع المسبق لمهام قد يطلب منه القيام بها حتى بشكل مسبق لاتفاقية الوضع الدائم الكاملة؟

يمكن إنجاز الكثير بأشكال محدودة من التدخل الدولي، ويشمل ذلك: مراقبة مناطق الانسحاب؛ والإصلاح الفلسطيني؛ والدعم الإنساني، وتدريب أجهزة الأمن الفلسطينية، ومع ذلك، قد تكون هذه مجرد عناصر جزئية في سياق الحد الأدنى من التدخل اللازم لمعالجة كافة أنواع الظروف القائمة.

التفويض طويل الأمد: يحتاج تفويض التدخل الدولي على المدى القريب لأن يتبلور في ظل فهم للتدخل الدولي طويل الأمد بعد التوصل لاتفاقية الوضع الدائم، وعلى الأغلب أن ترغب أطراف النزاع في بقاء عناصر من المهمة الدولية حنى بعد التوصل لاتفاقية الوضع الدائم لمواصلة القيام بمهام معينة أو ربما للقيام بمهام أخرى جديدة، مثل العمل كقوة ردع، وسيقل الاهتمام الدولي حتما حال استقرار الوضع، ومع ذلك، سيؤدي الركود في المهمة إلى تزايد التحديات أمامها في ظل غياب إنجازات ملموسة تبقي الجهد مركزا وتعزز الاستمرارية في التقدم باتجاه الأهداف السياسية التي حددت بشكل مسبق عند التفويض، مثل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.

الحملة الإعلامية: هناك حاجة ماسة لتوضيح الهدف والتفويض ونطاق المسؤوليات الخاص بالتدخل الدولي لشعوب الطرفين وذلك لتجنب خلق توقعات غير واقعية ولتشجيع التعاون مع البعثة الدولية.

قيادة البعثة: يوجد لدى عدد قليل من الدول القدرة على قيادة تدخل مدني و/أو عسكري رئيسي، وستحظى الولايات المتحدة الأمريكية (كرئيس للتحالف، وكقائد لحلف الناتو) بالقبول لدى إسرائيل، ومع ذلك، قد يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على لعب دور الصدارة في مجال الإدارة المدنية إذا كان قادرا على تطوير القدرات المؤسساتية لإعداد الكادر اللازم من الأفراد.

القائد السياسي: من الضروري جدا اختيار القائد الدولي السليم للمهمة بأكملها منذ البداية، ولتحقيق الانسجام، يجب أن يكون القائد المدني مسؤولا عن كافة المدنيين في المنظمات والوكالات الدولية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب القوات العسكرية، ويجب أن يكون القائد مستعدا للالتزام بهذه المهمة المكلفة لعدة سنوات، فعلى سبيل المثال، تدعو "رؤية الرئيس الأمريكي بوش" الحالية و"خارطة الطريق" إلى التوصل لاتفاقية الوضع الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غضون يونيو – حزيران 2005. لذا، يجب أن تكون هذه القيادة مثابرة، وملتزمة، ومعنية، وصلبة، والأهم، يجب أن يتمتع القائد بأعلى درجة من الاستقلالية السياسية ودعم أطراف الرباعية، وأطراف النزاع، والأعضاء المشاركين، وهذا يتطلب شخصا قويا ومريحا في المجال السياسي.

الفريق المناسب: يجب أن يختار العاملون الدوليون فريق القيادة المناسب منذ البداية، ويجب أن يتم الاختيار بناءا على الكفاءة وليس الولاء الفردي، وعلى الأغلب أن المجموعة الأولى التي ستحضر إلى البلاد ستكون مؤشرا  لنمط العمل الدولي اللاحق.

التركيبة: لن تستطيع سوى مجموعة صغيرة من الدول فقط توفير الموارد الضرورية، مدنية كانت أو عسكرية، لاتمام المهمة المطلوبة، وعلى الرغم من أن هناك طلب كبير على وجود قوات شرطية– أو وحدات سيطرة ذات خلفية عسكرية- إلى جانب الجيوش ذات القدرات سواء المكثفة أو المحدودة، إلا أن استجابة الطرف الثالث لذلك ضئيلة.

وفي الجانب المدني، لم تظهر أي دولة أو منظمة دولية القدرة على إعادة إعمار البنية التحتية الإدارية المدنية، إذا تم اختيار هذا المستوى من التدخل، وعلى الرغم من محاولة الأمم المتحدة القيام بذلك في عدد من الأماكن، ولم يكن لدى أي من حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي التسهيلات السياسية والإدارية لمباشرة مهمة مدنية رئيسية من المحتمل أن يطلب إليها القيام بها في سياق هذا النزاع إلى وقتنا هذا، ويوجد لدى الأمم المتحدة البنى اللازمة لمباشرة مثل هذه المهمة، لكنه من غير الواضح فيما إذا كان لديها الأهلية للتدخل في مهمة تتطلب بالضرورة إعادة بناء السلطات الوطنية والمحلية و بناء الدولة. وكما حدث مع الوكالة الخاصة التي تم انشاؤها لإدارة نظام التفتيش في المعاهدة السوفييتية– الأمريكية حول الأسلحة النووية، أو القوة متعددة الجنسيات التي تم تعيينها لمراقبة والتحقق من البنود العسكرية لاتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية،  هناك حاجة لجهد مماثل إذا قامت دولة أو منظمة إقليمية واحدة بقيادة هذا المجهود.

الجدول الزمني: كانت جهود السلام فيما مضى غير مجدية لأن التفويض الذي منح لها كان لإنجاز المهمة وفق حدود زمنية غير واقعية، ورغم وجوب قيام الجداول الزمنية على أساس الأداء من كلا الطرفين ومن البعثة الدولية، فإنه لا بد من تحديد التواريخ المنشودة بشكل يشجع على الأداء الجيد واستمرار التأييد الشعبي أيضا، ويجب أن يتم تحديد الجدول الزمني بوضع خطط للوصول لإنجازات رئيسية محددة تكون جزءا من خطة شاملة.

مصدر السلطة والسيادة: إن أول القضايا الهامة والمثيرة للجدل في التدخل الدولي هي مصدر صلاحيات التدخل لممارسة سلطاته ومسؤولياته، ويرى البعض أن المصدر يأتي من الشعب الفلسطيني والذي سيمنح بشكل مؤقت للتدخل الدولي، بينما يرى البعض الآخر أن مصدر السلطة يأتي من مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وترى وجهة نظر ثالثة أن مصدر هذه السلطة يجب أن يأتي من خلال اتفاقية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن الآمال بوجود مثل هذا النوع من الاتفاقية قد تناقصت مع استمرار تفتت الجانب الفلسطيني بحيث لم يعد هناك طرف واضح يتم التخاطب معه والحصول على الموافقة منه، أما القضية الثانية فتدور حول التساؤل التالي: أين ستكون "السيادة" الفلسطينية أثناء أي مرحلة انتقالية قبل التوصل إلى اتفاقية الوضع الدائم؟

 

 

 

ج) النطاق الجغرافي

التداخل الجغرافي: في الوضع الراهن، أي قبل التوصل لاتفاقية الوضع الدائم، هناك غالبية عظمى من الإسرائيليين المؤيدين للانسحاب من مناطق "أ" و "ب" وحتى أبعد من ذلك، في سياق جهود الحد من وتيرة التصعيد، أما الحد الأدنى من توقعات الفلسطينيين على المدى القريب فهو الانسحاب الإسرائيلي، من مناطق "أ" بالإضافة إلى "ب"، ويتوقع الفلسطينيون انتشارا دوليا عبر كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، ويجب أن يأخذ التخطيط بعين الاعتبار التغيرات الأساسية المتنوعة في نطاق الانسحاب والانتشار، فعلى سبيل المثال، إذا انتشر التواجد الدولي عبر الضفة الغربية وقطاع غزة، قد يكون لديه مسؤوليات مختلفة في مناطق انسحبت منها إسرائيل وفي مناطق أخرى لم تنسحب منها، وقد يكون لديه مسؤوليات أمنية كاملة في مناطق انسحبت منها إسرائيل وتتولى مهام الرقابة والتحقق في مناطق بقيت فيها القوات الإسرائيلية.

المركزية/اللامركزية: إن الضفة الغربية وقطاع غزة منفصلتين جغرافياً عن بعضهما البعض منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، مما تسبب في خلق اتجاهات ثقافية واقتصادية وسياسية مختلفة في كل منهما، وقد تفاقم هذا الاختلاف بسبب احتلال الضفة الغربية من قبل الأردن واحتلال غزة من قبل مصر، حيث طبقت كلاهما قوانينها وأنظمتها الخاصة في حكم هذه الأراضي، وقد عمل احتلال إسرائيل لكلا المنطقتين في عام 1967 القليل لإحلال التوازن بين المناطق الفلسطينية، وخاصة أن السفر بين هاتين المنطقتين وعلى مر الأعوام القليلة الماضية بقي مقيدا جدا أمام الفلسطينيين، بل كان في أغلب الأوقات أمرا مستحيلا. وقد انتهت عملية إعادة البناء الوطني التي بدأت مع اتفاق أوسلو بين هاتين المنطقتين، بالتحول نحو أعمال العنف الحالية، كما تم فصل أكبر ثماني تجمعات سكانية في الضفة الغربية عن بعضها وقام الجيش الإسرائيلي بتقسيم قطاع غزة إلى ثلاثة أقاليم منفصلة، وسيحتاج أي تدخل دولي إلى الأخذ بعين الاعتبار المصادر والقدرات اللازمة لخلق إدارة وطنية فاعلة ذات قوانين وعلاقات طبيعية بين هذه المناطق المحررة من الاحتلال الإسرائيلي.

القدس الشرقية: يعتبر وضع القدس الرسمي قضية من قضايا الوضع الدائم، وتدعي الحكومة الإسرائيلية الحالية بأن القدس بكاملها عاصمتها، بينما يدعي الفلسطينيون أن النصف الشرقي المحتل منذ عام 1967 هو عاصمتهم، كما أن عملية إعادة دمج القدس الشرقية في مركز النسق الاقتصادي، والثقافي، والقومي الفلسطيني أثناء عملية أوسلو قد وصل إلى نهايته مع قيام النزاع الحالي، فقد قامت إسرائيل منذ ذلك الحين بإغلاق المؤسسات الفلسطينية في الجزء الشرقي من المدينة والتي كانت تقوم بالعديد من المهام الإدارية المدنية، ويجب على أي تدخل دولي أن يبحث عن طرق خلاقة لعدم الإجحاف بمفاوضات الوضع الدائم أثناء الفترة الانتقالية وذلك على ضوء نطاق مسؤولياته المحتمله.

الوضع الإقليمي: إن الدولتين المجاورتين، مصر والأردن، قلقتان من حالة عدم الاستقرار المستمرة والتجزئة التي كان الوضع الراهن سبب حدوثها، فالأردن، بالتحديد، معني بالحفاظ على معاهدة السلام التي وقعها مع إسرائيل ويتفهم في الوقت ذاته الدعم الذي يقدمه سكانه (الذين يشكل اللاجئون الفلسطينيون غالبيتهم) للفلسطينيين، ومن المتوقع أن تقوم كلا الدولتين بتقديم دعم مهم وربما المشاركة في بعض أجزاء البعثة الدولية، الأمر الذي سيتيح المجال أمام البعثة لتقديم دعم إضافي عبر كل من الأردن ومصر، وستتطلب السياسة العامة التعاون مع هذه البلاد علاوة على التعاون مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

 

د) السلطة والإدارة المدنية

السلطة الفلسطينية: من المفترض أن التدخل الدولي سيحتاج إلى إعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية، ولكن هناك اختلافاً جوهرياً في الرأي حول ما إذا كان التدخل الدولي سيهدف إلى إعادة بناء السلطة الفلسطينية كما كانت سابقاً أو سيعمل على استبدالها بقيادة جديدة كليا، وقد تعترض إسرائيل على تدخل لن يقوم بإنجاز الغاية الثانية، بينما يقف الفلسطينيون ضد عمل التدخل الدولي على تشكيل قيادة جديدة قد تقوم فيما بعد بالتفاوض على قضايا الوضع الدائم، وكبديل عن هذا كله قد يتم الاحتفاظ بالبنى الموجودة حاليا، في الوقت الذي سيتم فيه اختيار أفراد جدد عبر انتخابات شعبية.

الإدارة الانتقالية: السؤال الذي يجب التطرق له هنا يتعلق بالكيفية التي سيتم فيها حكم المناطق الفلسطينية في الفترة ما بين الانسحاب الإسرائيلي إلى أن يتم التوصل لاتفاقية الوضع الدائم، وهناك ترتيبات ودرجات متنوعة من التدخل بحيث تشترك الإدراتين الدولية والفلسطينية في مسؤوليات مختلفة المعايير، وسيكون هناك ميل بين المتدخلين الدوليين للتركيز على الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية الوطنية، لكن التركيز يجب أن ينصب أيضاً على المستوى المحلي، حيث ستحتاج المؤسسات الحاكمة لبناء شرعيتها إذا كانت ستحظى بأي فرصة للنجاح.

التجزئة والتدخل: في الوقت الذي يتزايد فيه تفتت السلطة الفلسطينية، ستزداد درجة إقحام التدخل الدولي كي يكون فعالاً، وهناك أربع درجات متسلسلة تصاعديا من التدخل الدولي في  ممارسة السلطة السياسية، وتتضمن: تقديم الدعم للسلطات المحلية (كما هو الحال الآن في أفغانستان)؛ والشراكة مع حركة التحرر الوطنية المتماسكة أو مع المحتل المنسحب (كما في ناميبيا)؛ والسيطرة على الجماعات المنقسمة (كما حدث في كمبوديا)؛ و أخيرا الحكم الكلي ولكن المؤقت للأراضي و سكانها (كما هو الحال في كوسوفو وتيمور الشرقية)، ويتوقف المعيار الذي سيتم استخدامه لقياس توقيت نقل السلطات التي تمارس دوليا إلى سلطة فلسطينية على مستوى من الإدارة الفاعلة ونحو قدر كاف من بناء القدرات.

قواعد القوة المحلية: هناك معضلة كبيرة تتعلق بعملية إعادة بناء السلطة المحلية، بهدف التحقق من وجود مشاركة شعبية حقيقية، وهو أمر لا تتم معالجته بشكل كاف من خلال الانتخابات البلدية أو الوطنية الواحدة، فهل سيواجه التدخل الدولي مراكز السلطة التي برزت، وذلك حتى يتمكن من القيام بدرجة واسعة من الهندسة الاجتماعية عند إنشاء المؤسسات الحاكمة؟ أم سيعتمد التدخل على مراكز القوة هذه، والتي قد تكون سلطوية أو غير ممثلة، إلا أنها تتمتع بدرجة من الشرعية المحلية، كأساس لإعادة البناء؟ قد يكمن الجواب في مرحلة انتقالية طويلة الأمد بحيث تتم إتاحة المجال للمشاركة الشعبية دون وضع نظام جديد بالكامل، قد يفتقر إلى الشرعية ويصبح منفصلا بأكمله عن الناس.

فمثلا، يبدو أنه بالإمكان الحصول على الشرعية السياسية المحلية من خلال الدور الذي تقوم به جهات فلسطينية مختلفة من تقديم خدمات الدعم للمجتمع ومن خلال قدرة هذه الجهات على مقاومة الاحتلال، ولفترة زمنية طويلة، كان التعبير عن ذلك يتم من خلال الانتماء إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعتبرت "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وبعد عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية في عام 1996، حصل كادر فلسطيني جديد لأول مرة على بعض الشرعية من خلال عملية ديمقراطية، إلا أن الوضع اليوم أكثر تعقيداً بكثير، وبوجود منظمتين رئيسيتين من خارج منظمة التحرير الفلسطينية هما حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، التي تلعب دورا بارزا في توفير الخدمات إلى جانب تعزيز ودعم الهجمات على المدنيين والأهداف العسكرية الإسرائيلية. ومن هنا يجب على أي تدخل ناجح أن يدمج في منهجية عمله المؤسسات، أو أجزاءا من المؤسسات التي تعتبر " شرعية" من قبل الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي.

تحديد دور الحكم المحلي:يجب إعداد تقييمين هامين قبل القيام بالتخطيط للتدخل الدولي، ويجب أن يقوم الأول بتحديد ماهية القوة "التقليدية" أو المحلية والبنى الاجتماعية التي كانت موجودة على مر التاريخ، وكيف تطورت إلى وقتنا الحاضر، وكيف تحولت نتيجة للنزاع، وما هي الديناميكيات لتوزيع القوة والتي برزت في الوقت الراهن، أما الثاني فيجب أن يعمل على تحديد التصورات المحلية السائدة والتي تتعلق بمن يفترض أن يتسلم السلطة ولماذا؟ إن مثل هذا الفهم للمفاهيم السياسية المحلية سيتيح المجال أمام المخططين لتحديد تصميم فعال وبنى حكومية تحظى بالقبول الشعبي إلى جانب مشاركة السكان الحقيقية في أجهزة الدولة، وسيكون من المهم جدا عند تصميم بنية الحكم المحلي، الإقرار بالمفاهيم والمؤسسات المحلية السائدة، في الوقت الذي سيتم فيه توفير المجال أمامها للتحول بشكل تدريجي بناءا على الإحساس بالمسؤولية المدنية في ظل مجتمع دولة، ومن خلال هذه العملية فقط يمكن لفكرة "المواطنة" أن تصبح ذات مغزى.

فض النزاع المحلي: يمكن من خلال فهم السبب الذي يدفع الناس نحو منح الشرعية للقادة الوطنيين أو الفصائليين أو غيرهم من القادة المحليين، أن يفهم المخططون الدافع وراء النزاعات الفلسطينية الداخلية بشكل أفضل، ومن هنا فإن تقييم وإدارة الديناميكيات المحلية سيتيح المجال أمام المتدخلين للإعداد للأمن الداخلي، والذي يتضمن منع وحل العديد من مصادر العنف، كما أنه سيساعد في بناء مؤسسات أمنية موحدة ويسهم في تعزيز سيادة القانون من خلال الالتزام الشعبي بالمؤسسات القضائية.

 

هـ) الأبعاد الأمنية

قطاع الأمن الفلسطيني: تتألف أجهزة الأمن الفلسطينية من العديد من أجهزة المخابرات والأمن، ولا يزال كل من غاياتها ومواقعها التنظيمية داخل السلطة الفلسطينية غير محددة بصورة عامة، مما أدى إلى الكثير من التكرار والتداخلات في وظائفها، فعلى سبيل المثال، لم تمارس بعض الأجهزة أي من الصلاحيات الوظيفية، بينما يوجد لدى أخرى مهام متعارضة، ويعمل العديد منها بشكل مستقل،  وجميعها تقريبا تتبع ياسر عرفات بشكل مباشر، بالإضافة إلى وجود ميليشيات مسلحة لا تخضع للسلطة الفلسطينية.

قبيل الانتفاضة الفلسطينية، أثبتت بعض الأجهزة الأمنية درجة من المصداقية والفعالية، فقد قام جهاز "الأمن الوقائي" في الضفة الغربية و قطاع غزة، وبمساعدة وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية، بتبادل المعلومات المخابراتية وحافظت على علاقات تعاونية قوية مع وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، وعملت "قوات الشرطة" على الحفاظ على مستوى معين من النظام والأمن العام.

وتعمل خطة الإصلاح الفلسطينية الحالية – بتوافق مع الخطط الدولية – على دمج جميع الأجهزة الأمنية في ثلاث هيئات رئيسية، وسيخضع كل من الأمن الوقائي وقوات الشرطة والدفاع المدني لسلطة وزارة الداخلية، بينما ستستمر كل من المخابرات العامة والأمن العام برفع تقاريرها بشكل مباشر إلى ياسر عرفات. وفي الوقت الحاضر، يصب الهدف من الإصلاح على جعل السيطرة على الأجهزة الأمنية مركزية والقيام بتطبيق الإصلاح في القطاع الأمني على جميع الأصعدة. بالإضافة إلى ذلك، تدعو الخطة إلى تخفيض عدد القوات بشكل ملحوظ، وإلى فصل السلطات، والتدريب والمساعدة الفنية، وإنشاء مجلس الأمن القومي ووضع ميزانيات حقيقية ولجان مراقبة تتمتع بسلطات مالية وموازنة.

نتائج الإصلاح المحدودة : كان تنفيذ خطط الإصلاح لإعادة تنظيم بنية وتركيبة الأجهزة الأمنية وهيكليتها وعلاقتها المتبادلة مع القيادة السياسية بطيئا، وكان في بعض الأحيان عديم الجدوى. وتستمر الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة في التفكك بخطى سريعة جدا، الأمر الذي قد يعبد الطريق أمام انهيار كلي، وبروز منظمات عسكرية يمكن أن تعرض الأمن الفلسطيني للخطر، وفي الظروف الراهنة لا تتمتع قوات الشرطة الفلسطينية بالقدرة على ممارسة السيطرة في الضفة الغربية، بينما تعتبر السيطرة في قطاع غزة محدودة جدا ولم يتم اختبارها. ولا يوجد لدى الفلسطينيين بالضرورة الكثير من التقدير للمهنية والأنظمة السلوكية لدى كل من قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية، ويجب أخذ هذا الأمر بالحسبان عند إعادة إحياء قطاع أمن متكامل وملتزم وقوي وفعال وذي ولاء للدولة الفلسطينية ويخدم مصالح الشعب الفلسطيني.

عقبات: هناك العديد من العقبات التي تقيد عملية إصلاح قطاع الأمن، ففي ظل الظروف الحالية للنزاع، يجد كل من رجال الأمن الفلسطينيين والمسؤولين الدوليين صعوبة في تنفيذ أو المشاركة في أي نوع من الإصلاح الحقيقي في قطاع الأمن، وقد منعت إسرائيل القوات الفلسطينية تماما من الوصول إلى المناطق الفلسطينية المهمة للقيام بالمهام المتعلقة بإصلاح قطاع الأمن والحصول على التدريب، وكنتيجة لذلك، غدت قوات الشرطة الفلسطينية غير قادرة على تعزيز فرض القانون أو الحفاظ على النظام. هذا بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الأمنية الفلسطينية طيلة العامين الماضيين، وقد طال تدمير البنية التحتية كل من الثكنات، والقواعد والسجون والمراكز الحكومية وقواعد بيانات المعلومات والمعدات، وقد أدت هذه الأعمال إلى إضعاف مصداقية ومعنويات قوات الأمن الفلسطينية، وما زالت تسبب مزيدا من التدهور في التسلسل القيادي وفي الوضع العام للأجهزة الأمنية، وستعمل في النهاية على إعاقة الجهود الفلسطينية والدولية المستقبلية لإنشاء قطاع أمن فعال.

أما العقبة الثانية فهي الافتقار إلى الموارد المالية المتاحة، حيث تسبب محدودية التمويل وغياب لجان الرقابة لمراقبة النفقات تقليص القدرة الفلسطينية على إعادة بناء القوات والبنية التحتية اللازمين للإصلاح وللحفاظ على الأمن الداخلي والقانون والنظام، وتتردد الدول المانحة، لأسباب عملية وربما نتيجة للتبعات السياسية، في توفير الدعم المالي حتى و إن كان تمويلا متواضعا، للسلطة الفلسطينية في غياب ضمان إسرائيلي بعدم تدمير المرافق الجديدة أو سجن واغتيال موظفي الأمن والمخابرات الذين حصلوا على درجات متقدمة من التدريب، وببساطة فإن الدول المانحة غير معنية بالسير في طريق قد يؤدي إلى نتائج سلبية سياسيا أو هدر للمساعدات الممنوحة.

أما العقبة الثالثة فهي سلوك القيادة الفلسطينية ومدى رغبتها في مواجهة الفصائل المسلحة المتطرفة الفاعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي من المحتمل أن تؤدي في النهاية إلى تعريض المحاولات المستقبلية للإصلاح الفعال في قطاع الأمن للخطر، وبدون إحداث تغيير في هذا الموقف، لن يتمكن قطاع الأمن من تحقيق المطلوب لإحداث التغيير حسب المنظور الأسرائيلي.

علاوة على ذلك، هناك نقص في الانسجام فيما يتعلق بإصلاح قطاع الأمن على كل الجبهات، فقد عملت الرباعية على تشكيل سبع لجان عمل تعالج المجالات التي تحتاج إلى إصلاح، وعلى الرغم من أن إصلاح قطاع الأمن يشكل في الوقت الحالي جزءا من قاعدة عمل اللجنة الدولية الرباعية إلا أن ذلك يتم من خلال فريق عمل منفصل لديه بنية وآلية عمل خاصة به، وقد تأخرت الرباعية في تشكيله لعدة أشهر، ولم يتح هذا الفصل المجال للكثير من التنسيق بين مجموعات العمل السبعة في التخطيط والتنفيذ، مما سبب المزيد من الإعاقة لجهود الإصلاح.

عناصر متعددة: يجب أن يأخذ تدخل أي طرف ثالث في الحسبان عددا من العناصر، فمثلا، سيتوقع الفلسطينيون أن يسهم التواجد الدولي في تعزيز الأداء وتحسين البنى الموجودة حاليا حتي يصبح من الممكن إنشاء قطاع أمن قوي ومتين يلبي احتياجات كلا الجانبين، ولكن هذا لا يعني المزيد من التدريب على النشاطات المرتبطة بالأمن وجمع المعلومات الاستخباراتية فقط، بل يجب أن يقدم التواجد الدولي أداءا أفضل مما يقدم الآن، حيث أن الإسرائيليون سيرفضون أي شيء أقل من دمج الفصائل الفلسطينية المسلحة في المجتمع الفلسطيني وتحت إمرة وسيطرة القيادة الفلسطينية، وحل الفصائل المسلحة الأخرى.

الجوانب المدنية: يجب أن يأخذ التدخل الدولي بعين الاعتبار الجوانب المدنية الهادفة لتنشيط المجتمع المدني وتشجيع المدنيين على الانخراط في القطاع الأمني، كما أن هناك حاجة قوية لوضع ميزانيات حقيقية لقطاع الأمن وضبط عمل لجان المراقبة لأغراض الشفافية والمصداقية، وأياً كانت الآلية التي سيتم وضعها للتعاون والتنسيق بين القوات الدولية وقوات الأمن الفلسطينية فلا بد أن تكون قادرة على التكيف مع التغيرات التي تحدث على الأرض في المجالات السياسية والأمنية.

 

و) القوات العسكرية

الإمرة والثقة: ستكون القوات العسكرية على الأغلب واحدة من عناصر توفير الأمن، ومن المهم جدا النظر إلى مهمة هذه القوات ضمن سياق عملية أكبر تتيح الفرصة أمام المجالات الأخرى للتطور، كما يجب أن تهدف العمليات العسكرية إلى بناء الثقة مع السكان المحليين في ظل هذه العملية الواسعة طوال تواجد القوات الدولية حتى تتمكن من خلق أفق سياسي مريح، وستدعم القوات العسكرية النظام وسيتم تشكيل قواتها وحجمها بناءا على درجة القبول، ودرجة الخطر المتوقع أن يتعرض له العاملين الدوليين وإمداداتهم، وخطر التسلل إلى إسرائيل، وخطر الهجمات على الفلسطينيين، بالإضافة إلى درجة سيادة القانون، كما يجب أن ترفع القوات العسكرية تقاريرها إلى السلطة السياسية لتسهيل الانسجام في التدخل الدولي.

 

عوامل انتشار فريدة: هناك ما يقارب 1.8 مليون فلسطيني في الضفة الغربية موزعين على ثمانية تجمعات مدنية، ويحيط كل واحد منها عشرات القرى الريفية، وفي قطاع غزة، ما يقارب 1.2 مليون فلسطيني يسكنون في مساحة تبلغ 360 كيلو مترا مربعا، مما يجعل المنطقة من أكثر مناطق العالم كثافة وأكثرها بؤسا، بالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 7000 مستوطن إسرائيلي يستخدمون ما يقارب ثلث قطاع غزة بشكل حصري، وهنالك ما يفوق 200.000 إسرائيلي موزعين في 140 مستوطنة تقريبا في الضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعين، علاوة على ذلك، هناك ما يزيد عن 200.000 إسرائيلي في مناطق من الضفة الغربية ألحقها الإسرائيليون بالقدس بعد عام 1967، ولا تشمل هذه الأرقام قوات الجيش الإسرائيلي المنتشرة في المناطق الفلسطينية المحتلة.

غالباً ما يكون موقع المستوطنات الإسرائيلية في وسط المراكز السكانية الفلسطينية أو مجاورا لها، ويجعل هذا الواقع الجغرافي من التواصل الإقليمي لانتشار القوات الدولية أمرا مستحيلا دون أن يكون هناك سلطة قضائية على المستوطنات أو دون أن يتم إخلاءها، وتعتبر المناطق التي يعيش فيها المستوطنون الإسرائيليون والفلسطينيون بجوار بعضهم المناطق الأكثر حساسية. إن التوزيع الحالي للمستوطنات يضع القوات الدولية في مأزق ما لم يكن هناك اتفاقية سياسية لتجميد بناء المستوطنات وإخلاء البعض منها.

أسئلة صعبة: هناك عدد من الأسئلة الصعبة المتعلقة بعمل قوات التدخل الدولي والتي ينبغي الأطراف ذات العلاقة الإجابة عليها بشكل واضح. كما ينبغي أن يستند التخطيط للسيناريوهات الأكثر سوءاً في كل الأحوال، وستحدد الأجابات على هذه الأسئلة طبيعة التفويض، ونوع، وأعداد، وأنظمة الاشتباك للقوات العسكرية والأمنية.

من المؤكد أن تكون الإجابات الفلسطينية والإسرائيلية المقدمة مختلفة أحياناً، كما أنها قد تكون مختلفة لدى الدول المشاركة في القوات الدولية، وفي بعض الحالات، قد يصر أحد الأطراف على تولي القوات الدولية مهمة ما بينما قد يرفض ذلك طرف آخر، وبالتالي فإن قبول أو رفض أي مهمة من قبل الأطراف أو المشاركين سيؤثر على تصميم بنية القوة الداخلية.

 

تتضمن هذه الأسئلة ، على سبيل المثال ما يلي:

·        هل ستقيم القوات الدولية نقاط تفتيش على مداخل إسرائيل و/أو بين المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتلك التي انسحبت منها إسرائيل؟

·         هل ستدافع القوات الدولية عن المدنيين الفلسطينيين من الهجمات التي قد يشنها المتطرفون اليهود عليهم؟

·        هل ستدافع القوات الدولية عن المستوطنات الإسرائيلية من الهجمات التي قد يشنها المتطرفون الفلسطينيون؟

·         هل ستعمل القوات الدولية على نزع سلاح الفلسطينيين؟ وكذلك سلاح المستوطنين اليهود؟

·        هل سيكون للقوات الدولية الصلاحية لاعتقال الإسرائيليين المسلحين؟ والفلسطينيين المسلحين؟

·        هل ستتولى القوات الدولية مسؤولية أمن العاملين التابعين للأمم المتحدة، وموظفي المنظمات غير الحكومية، وغيرهم من الطاقم العامل في منطقة عمل القوات الدولية؟

·        هل ستقوم القوات الدولية بالرقابة والتنسيق مع قوات الدفاع الإسرائيلية؟ ومع أجهزة الأمن الفلسطينية؟

·        هل ستقوم القوات الدولية بتجهيز وتدريب أجهزة الأمن الفلسطينية؟

·        هل ستعمل القوات الدولية على إخلاء المستوطنات والحيلولة دون بناء مستوطنات جديدة؟

·        هل ستقوم القوات الدولية باتخاذ إجراءات مباشرة ضد البنى التنظيمية لكل من حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، ومجموعات المستوطنين اليهود المسلحة، و المجموعات الأخرى التي تعمل على تشجيع العنف؟

·         هل ستشارك القوات الدولية في القيام بمشاريع هندسية عسكرية أو أمنية لازمة لإنجاح مهمتها؟

·        هل ستقوم القوات الدولية باتخاذ إجراءات ضد الجيش الإسرائيلي أو ضد أجهزة الأمن الفلسطينية؟

التبادلية و التماثل: عند الإجابة عن هذه الأسئلة، سيتوقع الفلسطينيون أن تعمل القوات الدولية على أساس مبدأ التبادلية، ويشير الفلسطينيون إلى تعرض الكثير منهم للهجوم من قبل الإسرائيليين أكثر مما يتعرض له الإسرائيليون على يد الفلسطينيين وبالتالي يجب أن تكون المحاولات الدولية لحماية الإسرائيليين موازية لمحاولات حماية الفلسطينيين، وسيتوقع الفلسطينيون من البعثة الدولية أن تكون "موضوعية"، متيحة المجال أمام التغيرات السياسية في كلا المجتمعين نحو تعزيز الحل القائم على دولتين مستقلتين تعيشان جنباً إلى جنب،  أما الإسرائيليين فإنهم فسيطالبون قوات التدخل الدولي بالعمل على إنشاء مؤسسات حكم تمتاز بالشفافية والمساءلة والقدرة، وإنشاء قوات موحدة وخاضعة للسيطرة ولديها القدرة على مقاومة أي جماعات منشقة، وربما ترى إسرائيل في ذلك شرطاً مسبقاًَ لقبول أي تدخل دولي، كما ستتوقع إسرائيل أن يكون هناك حدود لنطاق السيطرة الدولية على المواطنين الإسرائيليين أو على الأقل داخل المناطق التي لا تزال القوات الإسرائيلية منتشرة فيها.

 

ز) سيادة القانون

إعادة فرض سيادة القانون: يجب أن يأخذ التدخل الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة بعين الاعتبار التوقعات والفهم الفلسطيني لسيادة القانون، فقد سن الفلسطينيون مؤخرا قانون استقلال السلطة القضائية، الأمر الذي يعكس تقدما كبيرا في تواجد أسس لسيادة القانون. وسيكون من الخطأ تجاهل إنجازات الفلسطينيين حتى الآن والبدء من جديد، ويوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة عدد من المحامين الفلسطينيين الذين يتمتعون بدرجات متفاوتة من الكفاءة والتعليم، وينبغي دمج هؤلاء المهنيين القانونيين في النظام القانوني، كما تحتاج البنية القانونية الفلسطينية للدعم لتصبح أكثر انسجاماً في مختلف المجالات، ويجب ردع أي محاولات لممارسة أية نشاطات خارجة عن القانون بشدة وحزم والعمل على عقابها.

القانون الساري المفعول: لم تقبل إسرائيل في السابق بتطبيق معاهدة جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولذا، فلا بد أن يكون أي تدخل دولي مستنداً في عمله على هذه المعاهدة وما تنص عليه، و يمكن لهذا الأمر أن يخلق تعقيدات في المناطق التي سيبقى فيها المستوطنون الإسرائيليون، نظراً لطبيعة تصنيفهم في هذه المعاهدة، كما ستحتاج البعثة الدولية لتشجيع الهيئات التشريعية الفلسطينية على سن القوانين التي تتوافق مع المعاهدة والتي  يمكن تطبيقها، وسيكون على البعثة وضع قوانين اللعبة بشكل واضح أمام الفلسطينيين والإسرائيليين المتواجدين في نطاق سلطتها.

 

ح) إعادة بناء الاقتصاد

تأثير سريع : شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة حجما هائلا من الاستثمار والنمو أثناء عملية أوسلو، وقد اختفى هذا النموذج أو دمر بالكامل نتيجة للنزاع الراهن، وسيكون دعم كلا الطرفين لأي بعثة دولية مرهون بمدى سرعتها في تحسين حياتهما، كما سيكون النمو الاقتصادي السريع والمتواصل أحد المؤشرات الرئيسية لذلك، و يجب أن يؤخذ بالحسبان التضخم الاقتصادي الناجم حتما عن تدفق عدد كبير من العاملين الدوليين، كما ستنشأ حاجة ماسة لتقديم العون الاقتصادي الفوري (بدلاً من المساعدات الإنسانية) لأغلبية السكان الفلسطينيين الذين يعانون من الفقر والذين أصبحوا أقل تعليما بسبب إغلاق مراكز التعليم الفلسطينية لفترة طويلة.

 

ط) الجوانب الثقافية المشتركة

التوجهات الرئيسية: يجب على البعثة الدولية التعامل بحساسية مع الاتجاهات الثقافية والسياسية المتعددة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الجانب الفلسطيني مثلا، هناك مجتمعات مدنية وعلمانية واسعة، بالإضافة إلى المجتمعات التقليدية والمحافظة، خاصة في قطاع غزة. أما في الجانب الإسرائيلي، فهناك مجتمعات علمانية ومدنية تتألف بشكل رئيسي من المستوطنين الذين قدموا إلى الضفة الغربية بحثا عن حياة أفضل ونفقات معيشة أقل، وهو ما قدمته لهم الحكومة، كما أن هناك تجمعات أيديولوجية ودينية وحكومية، لذا ستجد البعثة الكثير من الأمور المشتركة بين العلمانيين الفلسطينيين والعلمانيين الإسرائيليين وبين التقليديين الفلسطينيين والتقليديين الإسرائيليين في كلا الحالتين، ويجب على البعثة أن تحترم المعتقدات الدينية والتقليدية لدى الجميع تحت نطاق سلطتها دون السماح لهم بإعاقة تنفيذها لتفويضها.

المستشارون الأنثروبولوجيون: سيحتاج مخططو البعثة الدولية للجوء للمستشارين الأنثروبولوجيين عند وضع الخطط لطلب مساعدتهم في تحديد الوقائع القائمة، والابتعاد عن اللجوء إلى الأنماط المقولبة التبسيطية، وسيكون توظيف الخبرات الأنثروبولوجية أمرا ملحا خاصة عند تطوير آلية منهجية شرعية وفعالة لتشييد بنى الحكم على المستوى المحلي.

أفعال تخلق رموزا: يجب تطوير حملة إعلامية قادرة على إيصال رسالة واضحة بالالتزام الدولي بالترتيبات النهائية، والانطباع الذي يجب نقله هو أن التواجد الدولي ملتزم تماما بإتمام تفويضه وأنه يخدم مصالح الطرفين لأجل إسرائيل آمنة وفلسطين مستقلة، وحيث أن كلا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي تطغى عليهما الصبغة السياسية بشكل كبير، وكما في جميع الشعوب الأخرى، قد يقعوا فريسة للانفصال العاطفي في أوقات الأزمات، لذا يجب أن تعمل البعثة على خلق معايير جديدة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين تشجع على احترام قدسية الحياة البشرية وضرورة عدم الاعتداء على المدنيين، لتحل محل رغبات الانتقام السائدة في كلا المجتمعين، وذلك من خلال أفعالها وأمثلتها ومن خلال حملاتها الإعلامية.

 

التقرير الثاني

(11-13 فبراير/ شباط 2003)

 

إعداد

عمر الدجاني

 

قام عدد من المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين والدوليين، والمحللين السياسيين، والأكاديميين، بالاجتماع في كمبردج، المملكة المتحدة، في الفترة ما بين 11-13 فبراير/ شباط 2003، للمشاركة في "منتدى الخبراء" حول التخطيط لتدخل طرف ثالث في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. استضاف برنامج كمبردج للأمن في المجتمع الدولي في جامعة كمبردج هذا اللقاء الذي ترأسه بالشراكة كل من يزيد صايغ، ونعومي باريعكوف، وعمر الدجاني، وشرع المنتدى بتقييم التطلعات والخيارات المتعلقة بتدخل طرف ثالث على ضوء الوضع السياسي والاقتصادي في الوقت الراهن. ركز المنتدى في هذه الجلسة، على الفرص والتحديات التي ستبرز نتيجة لانسحابٍ إسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة والانهيار الممكن للسلطة الفلسطينية.

وكما في الجلسات السابقة، كان من بين المشاركين في منتدى الخبراء ممثلون عن عدد من الحكومات المعنية والمنظمات الدولية، والتي أسهمت في كثير من التجارب والخبرات المحلية والدولية ذات الصلة بأمور عسكرية وإنسانية وسياسية في عمليات سلام معقدة. ورغم التطورات السياسية الجديدة في الشرق الأوسط (وأهمها المقترح الإسرائيلي بالانسحاب من غزة)، إلا أن هذه الجلسة قامت بالتركيز بشكل أقل على الأبعاد الوظيفية والتشغيلية للتدخل المحتمل لطرف ثالث، لصالح التركيز على الاعتبارات السياسية المتداخلة والتي يجب أن تكون جوهر التخطيط من قبل الأطراف المعنية. وكما هو مبين فيما يلي، سيكون من المهم أن يتم استكمال التحليل والنقاش السياسي الذي ييسره المنتدى إلى جانب القيام بفحص مفصل للخيارات المتاحة لمختلف الأطراف في تعاطيها مع سيناريوهات مختلفة متوقعة على المدى القريب.

يقوم هذا التقرير بمراجعة التطورات التي تم نقاشها في منتدى الخبراء الثالث والتي تتطرق للسؤال حول تدخل طرف ثالث في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتحديد القضايا والمعضلات الرئيسية التي ستبرز كنتيجة للانسحاب الإسرائيلي المحتمل من قطاع غزة. كما أنه يستخلص التوصيات حول الكيفية التي يمكن للمنتدى أن يسير بعمله للأمام بشكل بناء. ويعتمد هذا التقرير بشكل كبير على العمل الذي تم إنجازه خلال الجلسات السابقة في إرميلو وكمبردج. إن مسؤولية محتوى هذا التقرير تقع على عاتق المؤلف وحده.

1. الوضع الراهن

بقيت التوجهات المحددة للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية كما كانت خلال الأشهر الستة الماضية: فقد أسهمت الجهود الدولية ضمن إطار خارطة الطريق بقدر ضئيل من التعزيز للتسوية السلمية بين الأطراف أو كبح جماح العنف المستمر في حصد أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين. كما أن قدرات السلطة الفلسطينية وشرعيتها السياسية مستمرة في التراجع. وعلى الرغم من تكريس المجتمع الدولي لموارد إنسانية واقتصادية كبيرة، فإن الأزمة الإنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة مستمرة في التصاعد. وقد عمل تدني الوضع على خلق اليأس والتفتت بين الفلسطينيين وتنامي تأييد الإسرائيليين لصالح الإجراءات أحادية الجانب.

 

النظر إلى خارطة الطريق على أنها مفيدة رغم أنها قد لا تكون واقعية:

يؤمن غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين بأن خارطة الطريق " في سبات عميق" ومن غير المحتمل إعادة إنعاشها. وعلى الرغم من قبول كل من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية للخطة، والتي يستمر أعضاء الرباعية في الدفاع عنها، إلا أن تنفيذها قد تداعى. بل يجادل البعض بأنه لم يبدأ بتنفيذها أصلا. وتبقى الالتزامات الرئيسية من المرحلة الأولى غير منجزة:

·         فعلى الرغم من قيام السلطة الفلسطينية باستحداث منصب رئيس وزراء وقيامها بتنفيذ عدد من الإصلاحات السياسية والقانونية الأخرى، إلا أن حركة الإصلاح قد فقدت قوتها، علاوة على أن ما تم إحرازه من بعض التقدم في مرحلة مبكرة قد تم التراجع عنه، تحديدا فيما يتعلق بالإصلاحات في الجانب التنفيذي والقضائي وقطاع الأمن.

·         لم تنجح الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بين الأطراف، حيث أضحت الهدنة أو وقف إطلاق النار من الجانب الفلسطيني غير مجدية في ظل عدم التزام الجانب الإسرائيلي وعدم وجود إدارة فعالة من قبل المجتمع الدولي لإنجاح الهدنة أو التهدئة حيث تستمرالقوات الإسرائيلية في القيام بالعمليات العسكرية والاغتيالات في المناطق الفلسطينية، ويستمر الفلسطينيون في القيام بهجمات الانتحارية نحو إسرائيل.

·         تتسبب القيود الإسرائيلية على حركة البضائع والأشخاص في تقويض الاقتصاد الفلسطيني وتولد احتياجات إنسانية متزايدة. وعلى الرغم من قيام الحكومة الإسرائيلية بخطوات من شأنها تسهيل عملية تقديم المجتمع الدولي للمساعدة، إلا أنها لا تزال مقيدة بسبب الشروط المتصلة بالأمن. وقد أدى بناء إسرائيل لجدار الفصل شرقي الخط الأخضر إلى المزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية وإلى المزيد من القيود على حركة الأشخاص والبضائع في مناطق التماس، والتي تشمل المناطق المحيطة بالقدس.

·         لم تقم إسرائيل بأي خطوة من شأنها إزالة المستوطنات غير الشرعية التي تم إنشاؤها منذ مارس/ آذار 2001 أو تعمل على تجميد البناء في مستوطنات أخرى.

 

وعلى الرغم من قيام آليات الرقابة الواردة في خارطة الطريق، والتي اعتبرت من الابتكارات الأساسية في الخطة، بتسهيل جمع معلومات كثيرة، إلا أنها لم تترجمها إلى عمل فعال. إن النموذج الذي تم تطويره مبكرا في استشارات الرباعية قد ركز على أسلوب التنسيق أحادي الجانب غير الممنهج الذي تتم إدارته من واشنطن مبتعدا عن أسلوب التنسيق بين البنى الموجودة حاليا والتي تتعامل مع النشاطات السياسية، والأمنية والإنسانية، وبناء المؤسسات، ووضع آلية عمل متكاملة ومتعددة الأطراف تديرها الرباعية. لم يتم عمل تقييم ختامي حول أداء الأطراف ومدى تطبيقها لالتزاماتها بالكامل، مما أدى إلى استمرارية الخلاف حول نطاق وتوقيت التزامات خارطة الطريق. وقد كانت البعثة الأمريكية ( التي ترأسها السفير وولف) والتي عينت لقيادة العملية غائبة عن منطقة البعثة لفترة طويلة، مما أبطأ من التقدم ودفع الأطراف للعودة للاتهامات المتبادلة حول عدم تنفيذ الالتزامات. أما بالنسبة للإصلاح الفلسطيني في قطاع الأمن، والذي كان من المفترض أن يشكل محركا أساسيا لنقل الصلاحيات مجددا للسلطة، فقد تم فصله عن عمل فريق العمل متعدد الأطراف لإصلاح السلطة الفلسطينية وتم دعمه بشكل متقطع ومبهم من قبل أعضاء المجتمع الدولي.

 

وعلى الرغم من هذه التحديات، إلا أن هناك دعماً مستمراً لإبقاء خارطة الطريق حية- على الأقل كإطار عمل موسع للجهود المستقبلية. أشار المدافعون عن خارطة الطريق إلى أنها الخطة الوحيدة المقبولة لدى الطرفين، ويرون بأن هدفها النهائي هو قيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل آمنة- وهذا هو الأساس الشرعي الوحيد لفض النزاع بشكل سلمي. وأضاف بعض الإسرائيليين أن حل الدولتين هو الوسيلة الوحيدة للحفاط على يهودية وديموقراطية إسرائيل والتي يمكن أن تضعف في حال قيام إسرائيل برفض خريطة الطريق. ويتساءل الآخرون عما إذا كان الإبقاء على العملية السلمية، دون القيام بجهود جدية لإنجاحها، أمر مجدي، أم سيخدم وبكل بساطة في زيادة التشاؤم حول نوايا، وفرص السلام بين الطرفين.

هناك إجماع واسع بأن تدخل القيادة الأمريكية هو أمر حاسم في إعادة الحياة لخارطة الطريق، إلا أن القليلين فقط مؤمنون بأن انخراط الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط أمر محتمل خلال عام الانتخابات الرئاسية. قد شجعت الرئاسة الآيرلنديةللاتحاد الأوروبي تنفيذ "خطوات صغيرة، وملموسة ومرئية" من قبل الأطراف؛ إلا أن، المراقبين يشكون في كون هذه الخطوات الصغيرة كافية لوقف التوجهات السلبية على أرض الواقع. وقد خلق هذا الشك التأييد لمزيد من التدخل الدولي في الصراع لدى بعض الدوائر.

تواجه السلطة الفلسطينية الضعيفة إمكانية الانهيار في الوقت الذي يزداد فيه الدعم للمعارضة الإسلامية:

على الرغم من بقاء المؤسسات الفلسطينية التي أعدتها عملية أوسلو على قيد الحياة، إلا أن شرعيتها الشعبية قد تضررت بشكل كبير. فقد أدت التجزئة الجغرافية الناجمة عن تقييد حركة الفلسطينيين إلى تفاقم التجزئة السياسية، فقد أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن تأييد فصائل المعارضة الفلسطينية قد تجاوز التأييد لحركة فتح (على الرغم من أن نسبة عالية (40%) لا تنتمي لأي حزب سياسي). ينظر بعض المراقبون بقلق بسبب هذا الانخفاض في التأييد السياسي لفتح وبالتالي للسلطة الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة الاعتماد الدولي على الضغط من أعلى إلى أسفل كمحرك لتعزيز التغييرات الإيجابية على الأرض.

هذا وقد تدنت قدرات السلطة الفلسطينية الوظيفية أيضا بشكل كبير، حيث تم تقييد قدرتها على إيصال الخدمات للسكان نتيجة للقيود المفروضة على الحركة والعجز في الميزانية، والذي يتوقع أن يصل إلى نصف بليون دولار في عام 2004، وقد توقف تمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم؛ وبينما يكفي دخل السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي لدفع رواتب ما يقارب 120.000 موظف مدني فقط، فإن ذلك قد لا يكون ممكنا في الأشهر القليلة القادمة ما لم تقم الجهات المانحة بتقديم دعم إضافي كبير للموازنة وبأقصى سرعة. وعلى ضوء حقيقة أن كل راتب من رواتب السلطة الفلسطينية يدعم ما بين خمسة إلى عشرة فلسطينيين، فإن الانهيار المالي قد يزيد الوضع الإنساني سوءاً.

كما أن قدرة السلطة الفلسطينية على ممارسة وظائف أخرى مقيد بالظروف الراهنة السائدة. أدى الضعف السياسي الداخلي، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في المناطق التي تقع ضمن سيطرة السلطة الفلسطينية، وفقدان الثقة بين الفلسطينيين من أن الأداء الأمني سيؤدي إلى مكاسب سياسية، إلى تقليص الحوافز والقدرة لدى السلطة الفلسطينية لتطبيق القانون. وبالمثل، فإن التفتت السياسي الفلسطيني وفقدان الإسرائيليين الثقة في القيادة الفلسطينية (على الأقل طالما أن ياسر عرفات باق في الرئاسة) قد أثار الشكوك حول الفترة التي سينظر فيها إلى السلطة الفلسطينية على أنها عنوان سياسي ساري المفعول. وعلى الرغم من وجود بعض الأمل في أن تساعد الانتخابات على استعادة القيادة الفلسطينية لشرعيتها في الداخل والخارج، إلا أن المراقبين لا زالوا متشائمين من إمكانية إجرائها في المستقبل القريب.

وعلى الرغم من ذلك، لا زال ممثلو المجتمع الدولي غير مستعدين لوقف دعمهم السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية. ويدرك المانحون الدوليون الوضع الهش للسلطة الفلسطينية تماما وقد أعربوا عن القلق من أن هذا الدعم قد يؤدي إلى الحفاظ على الوضع الراهن السيئ (ويرى البعض بأن إسرائيل قد تبدي استعداداً أكبر نحو إزالة قيود الحركة فيما لو التزمت مجددا بمسؤولياتها المالية عن السكان الفلسطينيين). وعلى الرغم من ذلك، ينظر المانحون للسلطة الفلسطينية على أنها أفضل قناة متوفرة لتقديم المساعدة ومنع المزيد من التدهور في الظروف السياسية والاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن ازدياد التأييد لحركة حماس (خاصة في قطاع غزة) قد جاء نتيجة لضعف السلطة الفلسطينية، وساهم بالتالي في تعزيز ذلك الضعف. وكما لاحظت "المجموعة الدولية للأزمات" فإن:

    "أسباب قوة [حماس] متنوعة، وتشمل الفكر الواضح، وجدول أعمال بسيط، وتنمية القاعدة الشعبية، وشبكة رفاه اجتماعي فعالة، ومصداقية إسلامية، وقدرة على إيذاء إسرائيل. كما أن منزلتها بين الفلسطينيين مستمدة أيضا من فشل السلطة الفلسطينية، كدولة في طور البناء، في حماية الصالح العام للناس والدفع نحو تقرير المصير. وطوال عملية أوسلو، راهنت حماس على عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الإيفاء بوعودها، وإلى وقتنا هذا يبدو أن حماس قد راهنت بنجاح. كما أنها كانت مرنة على المستوى التكتيكي. وعلى العكس من معظم المجموعات الفلسطينية المتطرفة، علمانية كانت أو إسلامية، فإن حماس حساسة تجاه رأي الشعب، وبارعة في قراءة توجهات الرأي العام والتصرف بطرق  تتلاءم معها بشكل أساسي–أو على الأقل ألا تكون متناقضة معها.[1]

يثير نفوذ حماس المتزايد أسئلة صعبة أمام المجتمع الدولي تتعلق بعلاقتها المستقبلية مع الحركة الوطنية الفلسطينية. فمن ناحية، قامت عدد من الحكومات الغربية بقطع اتصالاتها مع حماس، وإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة، خشية أن يفسر ارتباطهم مع هذه المنظمة على  أنه منح الشرعية لاستخدامها للعنف ولأجندتها السياسية المرفوضة. ومن ناحية أخرى، هناك إدراك متنامي بأن الرد العسكري الخالص على حماس لن ينجح في ظل الظروف الراهنة، حتى وإن تمتعت السلطة الفلسطينية بالقدرة والإرادة للقيام بذلك. يرى البعض أن أفضل طريقة هي احتواء حماس والمعارضة الإسلامية بجعلها شريكاً ومنحها دوراً سياسياً رسمياً في الحكومة الفلسطينية وبذلك يتم تشجيعها على ترك العمل المسلح.

يمثل الوضع الراهن اختياراً قهرياً من المنظور الإسرائيلي، فهناك اعتراف في بعض الدوائر بالحاجة إلى إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية للحد من التفتت في الحركة الوطنية الفلسطينية (والتي قد يكون لها تبعات غير متوقعة) مثل سيطرة حماس. وفي نفس الوقت، هناك غياب للثقة بالقيادة الفلسطينية، وتحديداً في ياسر عرفات. إن غياب الرغبة في التحدث مع السلطة الفلسطينية أو معارضيها يؤدي إلى تصاعد في تأييد الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، وذلك على شكل بناء الجدار في الضفة الغربية والانسحاب من قطاع غزة.

هنالك تواجد دولي كبير، إلا أنه يفتقر إلى إطار عمل سياسي ينظم الرد الدولي على تفاقم الوضع على الأرض:

إن المجتمع الدولي مستمر في التزامه بتقديم دعمه البشري والمالي الكبير لمعالجة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. فقد قدمت الدول المانحة للفلسطينيين نحو 3 بليون $ من الدعم منذ عام 2000، وكان ذلك من خلال دعم ميزانية السلطة الفلسطينية بشكل رئيسي. وعلاوة على ذلك، فقد قامت حكومات طرف ثالث ومنظمات دولية ببذل جهود إنسانية لا يمكن حصرها لصالح دعم بناء-المؤسسات الفلسطينية (عبر فريق العمل الدولي للإصلاح الفلسطيني)، وتوفير الدعم الإنساني (عبر لجنة تنسيق الارتباط، والبنىالمتصلة بها) ومراقبة التطورات السياسية، والاقتصادية، والأمنية (عبر جهود دولية فردية وبعثات متعددة الأطراف مثل فريق التواجد الدولي في الخليل).

وعلى الرغم من ذلك، وكما أشرنا سابقاً، فقد فشلت هذه الجهود في إحداث نقلة نوعية على الأرض. إن غياب إطار عمل متكامل لتنسيق الجهود ولفض النزاعات في مختلف القطاعات، وما يصاحب ذلك من فشل في معالجة الأسباب الجذرية للحرمان الاقتصادي والصراع السياسي، يضمن استمرار فشل الجهود الدولية في تلبية ما هو لازم وضروري.

 

2. ضرورة جديدة: الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة

يمثل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي حول تأييده لانسحاب المستوطنين والقوات الإسرائيلية من قطاع غزة حاجة جديدة لتحديد نماذج لتدخل دولي فاعل في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ونقوم في هذا الجزء بمراجعة وجهات النظر الإسرائيلية والفلسطينية والدولية التي تتعلق بالدور الدولي الوارد فيما بعد الانسحاب من غزة ويسلط الضوء على المعضلات التي يجب التعرض لها في الوقت الذي تسعى فيه الأطراف المعنية بالشروع في التخطيط لمثل هذا الأمر.

 

وجهة النظر الإسرائيلية

عبّر إسرائيليون من توجهات سياسية مختلفة عن ثقتهم بأن الانسحاب من غزة سيحدث فعلاً في عام 2004. وقد تم تكليف الجيش الإسرائيلي ومجلس الأمن القومي بإعداد خطط لإخلاء معظم (ما لم يكن جميع) المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزةولإنسحاب القوات الإسرائيلية. ومن المتوقع أن يمارس حزب شينوي (من الإئتلاف الحكومي) وحزب العمل (من خارجه) ضغطاً على حكومة شارون لضمان أن تصبح خطط الانسحاب واقعا.

أظهر الإسرائيليون تأرجحاً في المواقف تجاه الدور المناسب لطرف ثالث عند حدوث الانسحاب، فقد صرح وزير الخارجية سيلفان شالوم بأن الحكومة الإٍسرائيلية تعارض تواجد الموظفين الدوليين في قطاع غزة، على اعتبار أن ذلك سيحد من حرية حركة وعمل إسرائيل في غزة بدون القيام بترتيبات أمنية يمكن الاعتماد عليها. وأعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يخلق الانسحاب الإسرائيلي من غزة فراغا خطرا في السلطة في غزة ما لم يتم نشر قوات دولية؛ وقد رأوا أيضا بأن تفشي الفوضى في قطاع غزة قد يؤدي إلى مزيد من التوغلات الإسرائيلية العسكرية في القطاع في المستقبل وقد تخلق حوافز لعدم الانسحاب من أرض الضفة الغربية.

إلا أنه حتى بين المدافعين عن التدخل الدولي، يوجد لدى الإسرائيليين وجهات نظر متعددة حول طبيعة ونطاق التدخل المحبذ، ويرى البعض مصلحة في العمل لأجل قيام سيطرة دولية كاملة (على شكل وصاية) خلال فترة انتقالية؛ ويدافع البعض عن درجة أقل من التدخل كنموذج "المرشد"، والذي يقوم المجتمع الدولي من خلاله بتقديم الدعم الاقتصادي والفني للحكومة الفلسطينية ومراقبة نشاطات الأطراف على الأرض، وقد اقترح بعض الإسرائيليين أيضا أنه بإمكان المجتمع الدولي أن يسهم بشكل مفيد من خلال تمويل تعويضات المستوطنين الإسرائيليين الذين سيتم إجلاءهم من قطاع غزة، وتوفير حماية للمتلكات الإسرائيلية التي ستبقى في مستوطنات قطاع غزة في انتظار تسليمها للفلسطينيين، وتشكيل قوة فاصلة يمكن نشرها بين مواقع الطرفين.

ربما يكمن العامل الرئيسي في تجسيد اختلافات الرأي الإسرائيلية حول نطاق التدخل الدولي في اختلاف وجهات النظر التي تتعلق بقدرة السلطة الفلسطينية على الإصلاح، ويميل المدافعون عن "الوصاية" إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن إحراز تقدم سياسي إلا بعد ظهور قيادة فلسطينية جديدة، ويرون بأن التدخل الدولي الفعال وسيلة ملحة لمثل هذه الغاية. أما المؤيدون لتدخل أقل فيبدو أنهم أكثر ثقة بأن تتمكن القيادة الفلسطينية مجددا من لعب دور شريك سلام مع إسرائيل.  وعلى الرغم من وجود اتفاق عام على المخاطر الواردة في حالة الغياب الكامل للتنسيق، إلا أن إسرائيل لم تقرر بعد من هم شركاؤها في هذا التنسيق.

 

وجهات النظر الفلسطينية:

يختلف الفلسطينيون فيما بينهم على مزايا الانسحاب المقترح من غزة. يخشى البعض أن يكون "غزة أولا" هو "غزة أخيراً"، فهم ينظرون إلى مقترحات الانسحاب من غزة على أنها مخطط لتحويل الانتباه الدولي بعيدا عن الاحتلال الإسرائيلي المتواصل للضفة الغربية؛ وهم مصرون على أن يكون التنسيق الفلسطيني مع السلطات الإسرائيلية مشروطا بانسحابات متوازية من أرض الضفة الغربية واستئناف عملية سلام ذات مصداقية. ويرى آخرون ضرورة النظر إلى أي انسحاب إسرائيلي على أنه تطور إيجابي ويجب أن لا يتم ربطه بشروط مسبقة. وهم يعبرون عن أملهم بأن الانسحاب من غزة سيكون مدخلاً لبدء التعاون الأمني بين الأطراف في عهد جديد مما سيؤدي إلى إحياء العملية السلمية.

لدى الفلسطينيين أيضا وجهات نظر متباينة حول النتائج المحتملة للانسحاب الإسرائيلي. فوفقا لأحد التصورات، فإن الاستيطان والعمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية في غزة تضعف التأييد للسلطة الفلسطينية وتعمل على زيادة التأييد لحماس. وسيعمل الخروج الإسرائيلي من الصورة على تقديم فرصة هامة للقيادة الفلسطينية لإعادة بناء مقدرتها وشرعيتها، ويرى هؤلاء أن نجاح المعتدلين الفلسطينيين سيعتمد على نجاح "تجربة غزة".

ووفقا لتصور آخر، فإن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة سيخلق فراغاً في السلطة،  وسيتنافس كل من حماس، والقادة المحليين، وما تبقى من السلطة الفلسطينية على الدعم الشعبي. وفي هذه الظروف، سيحاول كل طرف أن يقدم إنجازاً أكثر من الآخرين لكي يحصد المزيد من الشرعية وذلك من خلال صراع مسلح ضد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ووفقا لوجهة النظر هذه، فإن المنتصر سيكون حماس، لأنها الحزب الوحيد المعبأ سياسيا وتنظيميا، أو قائد محلي ذو شرعية شعبية محدودة، في حالة حصوله على رعاية إسرائيلية. تحت ظل أي من هذين السيناريوهين، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية ستصبح أكثر تفتتاً وتطرفاً، مما سيسهم في تقليل فرص استئناف جهود السلام.

بشكل عام، يميل الفلسطينيون إلى تأييد التدخل الدولي كوسيلة لتقييد إستخدام إسرائيل للقوة. وبناءاً على ذلك، يدعو البعض إلى نشر تواجد دولي للمساعدة في إدارة ومراقبة الانسحاب الإسرائيلي من غزة وللإسهام في بناء المؤسسات الفلسطينية ماليا وفنيا. إلا أنهم مترددون في تأييد نقل المسؤولية الأمنية الفلسطينية للطرف الدولي (على الأقل إذا كانت القوات الدولية تفتقر إلى سلطة موازية على الإسرائيليين). إن ممارسة هذه السلطة، وكما يقولون، سيستبدل الاحتلال العسكري الإسرائيلي بآخر دولي. يتساءل الفلسطينيون عن الحكمة من وراء استبدال المؤسسات الفلسطينية التي استثمر الفلسطينيون والمجتمع الدولي الكثير لبنائها. قد يغير انهيار السلطة الفلسطينية، (الأمر الذي يعتقد البعض بإمكانية حدوثه إذا ما انسحبت إسرائيل من غزة)، التصورات الفلسطينية حول نطاق التدخل الدولي. يعتقد البعض بأن انهيار السلطة الفلسطينية سيتطلب بالضرورة تواجداً دولياً قادراً على لعب دور في فرض سلطة القانون وفي الإدارة المدنية.

 

وجهات النظر الدولية:

يؤيد الممثلون الدوليون انسحاب المستوطنين والقوات الإسرائيلية من المناطق المحتلة، سواء كان في قطاع غزة أو في أي مكان آخر. إلا أنهم يبحثون عن ضمانات لأجل: (1) أن يتم تنسيق الانسحاب مع السلطة الفلسطينية، (2) أن يكون  الانسحاب ملتزما بإطار عمل سياسي، كخارطة الطريق. إن النجاح في تلبية مثل هذه الضمانات سيؤثر على درجة استعداد المجتمع الدولي لتقديم المزيد من الموارد والأفراد لدعم التواجد الدولي في المنطقة.

وكما ورد سابقاً، فإن غالبية المجتمع الدولي لا تزال تنظر إلى السلطة الفلسطينية (أو منظمة التحرير الفلسطينية) على أنها الممثل السياسي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وكعنوان رئيسي لتعزيز تنمية الاقتصاد الفلسطيني. وعلى الرغم من إعراب المسئولين الدوليين عن قلقهم من تضاعف قدرات السلطة الفلسطينية، إلا أن هذه المخاوف توضع جانباً نظراً للافتقار لبديل أفضل عن السلطة الفلسطينية والتخوف من ازدياد الاضطرابات حال انهيار السلطة. وعلاوة على ذلك، أشار المسؤولون الدوليون إلى أن خارطة الطريق– وعملية السلام في الشرق الأوسط بشكل عام- قد قامت على أساس من الشراكة الثنائية للأطراف – وليس على أساس أحادية الجانب. ولهذه الأسباب، فهم مصرون على أن يعمل الانسحاب الإسرائيلي على توفير أساس لتعاون ثنائي، لا أن يكون بديلا عنه.

كما أن ممثلي المجتمع الدولي مقتنعون بضرورة ربط الانسحاب الإسرائيلي من غزة بأفق سياسي أوسع، فهم قلقون من إمكانية إضعاف الشرعية السياسية للسلطة الفلسطينية، بشكل أكبر، وبالتالي إضعاف قدرتها على الحفاظ على القانون والنظام، إذا ما نظر الشعب الفلسطيني للانسحاب من غزة على أنه نهاية (وليس بداية) لعملية السلام. وقد أشاروا إلى أن فشل الأطراف في السابق في تحديد تصور سياسي مشترك للمستقبل أثناء عملية أوسلو كان واحدا من بين الأسباب الأولى لفقدان الفلسطينيين والإسرائيليين الثقة بها. وعلى الرغم من إدراكهم للحاجة لوجود بعض من التدرج في التنفيذ، إلا أنهم يرون أنها ستنجح في حال كانت ضمن سياق أهداف سياسية محددة بشكل واضح.

تؤثر هذه المخاوف على مواقف الأطرف التي من المحتمل أن تسهم في التدخل الدولي. وعلى الرغم من تردد المسئولين الدوليين في الرد على مقترحات إسرائيلية-أولية، إلا أنهم أبدوا شكوكا حول إمكانية قيام أي عضو في المجتمع الدولي بوضع أفراده وموارده في خطر ما لم يحصل على ضمانات معينة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وتتضمن هذه الضمانات ما يلي:

·         الالتزام بأن يكون الانسحاب جزءا من عملية سلام شاملة (تقدم استراتيجية محددة للخروج من المأزق الراهن).

·         الاتفاق ما بين الأطراف فيما يتعلق بطبيعة ونطاق الأدوار الدولية (بحيث لا يصبح العاملون الدوليون أهدافا للاستياء والعنف من كلا الطرفين).

·         تعريف واضح ومحدد لأدوار الأطراف ذاتها ( كوسيلة من بين عدة طرق لضمان عدم تدمير المشاريع الممولة دوليا مجددا).

·         استمرار الإصلاح الفلسطيني لضمان الشفافية المالية، والشرعية الشعبية، بما في ذلك إجراء الانتخابات.

 

وعلى الرغم من استعداد المجتمع الدولي للأخذ بعين الاعتبار عددا من الأدوار الموسعة في السياق الفلسطيني – الإسرائيلي، إلا أنهم سيعملون على زيادة فرص النجاح وتقليص المخاطر قبل التزامهم بتواجد أوسع على الأرض.

ووفقاً لذلك، وبينما يؤيد المجتمع الدولي العمل على تسهيل تطبيق خارطة الطريق، إلا أنه لا يؤيد تشكيل منطقة فاصلة بين الطرفين.

 

معضلات

في الوقت الذي تعمل فيه الأطراف المعنية على التخطيط لإمكانية الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة وعلى بلورة دور دولي لتسهيل ذلك الخروج والمساهمة فيه، فإن على هذه الأطراف العمل على مواجهة المشاكل التالية:

أفق سياسي: على الرغم من وجود دعم كبير لإحياء خارطة الطريق والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي، إلا أن هناك القليل من الوضوح فيما يتعلق بالعلاقة بين الاثنين. فمن ناحية، قد يعمل دمج الانسحاب في إطار عمل خارطة الطريق على إعادة التأكيد على أن حل الدولتين يبقى الهدف النهائي ويمكن أن يقدم قاعدة لجهود السلام اللاحقة. ومن ناحية أخرى، فإن الفشل في تحديد كيفية ارتباط الانسحاب مع غيره من بنود خارطة الطريق بدقة قد يؤدي بالأطراف للاستنتاج بأن الخطة ليست سوى إطار فارغ من المحتوى وليست أهلاً للثقة. ومن هذا المنطلق، سيكون من المهم تحديد كيفية ارتباط الانسحاب مع (1) خطوات المرحلة الأولى من خارطة الطريق مثل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والإصلاح الفلسطيني وإعادة نقل المسؤوليات الأمنية، وتجميد المستوطنات؛ (2) خطوات المرحلة الثانية مثل عقد مؤتمر دولي وقيام دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة (3) الدور الدولي في المراقبة وفي تسهيل القيام بالخطوتين.

دور السلطة الفلسطينية: كما أشرنا في السابق، فإن إسرائيل لا تزال مترددة في تقييمها لمزايا استئناف علاقة تعاونية مع السلطة الفلسطينية، ويرى البعض في نقل مسؤوليات مؤقتة لقوة دولية كحل للمعضلة الإسرائيلية. إلا أن المجتمع الدولي متردد في القبول بأي دور جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة بدون موافقة الفلسطينيين، انطلاقاً من الخوف على تعريض العاملين الدوليين للخطر بسبب الاعتقاد بأن التواجد الدولي ما هو إلا احتلال جديد، وانطلاقاً من الاهتمام بحق تقرير المصير للفلسطينيين. ومن غير المتوقع أن تتمكن صيغة لا تعرّف الأدوار والعلاقة بين الأطرف بشكل واضح في أعطاء المجتمع الدولي الضمانات التي يريدها قبل الموافقة على دور أكبر له في المنطقة.

دور حماس: بالنظر إلى تناقص شرعية وقدرات السلطة الفلسطينية، أصبح من غير الواضح إلى أي مدى قدرتها على  تمثيل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وإلى أي مدى لديها القدرة على تنفيذ التزاماتها لناخبيها وشركائها.  يرى بعض المراقبين بأن هذه الظروف تحتم إشراك حماس في أية جهود لوضع ترتيبات جديدة لحكم قطاع غزة وإشراكها في القرار الفلسطيني فيما يتعلق بنطاق وطبيعة التدخل الدولي. وقد يكون لزاما على المجتمع الدولي نتيجة لذلك القيام بإعادة تقييم الموقف تجاه الحركة. بشكل عام، وكما أشارت التقارير السابقة للمنتدى، هناك حاجة للقيام بمراجعة دقيقة لشرعية البنى والمؤسسات والأطراف الفلسطينية المحلية والقومية وذلك عند القيام بالتخطيط لأي تدخل دولي.

الاحتمالات الخاصة بالضفة الغربية:  يثير الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة غير المصحوب بخطوات موازية في الضفة الغربية عدداً من الأسئلة السياسية والعملية الصعبة. إذا قامت السلطة الفلسطينية أو كيان فلسطيني آخر بفرض السلطه على قطاع غزة، فما هي المهام التي ستمارسها في الضفة الغربية؟ وإلى أي مدى ستكون مسئولة عن أي من الأعمال التي تحدث في الضفة الغربية؟ وإذا ما تولى طرف دولي درجة معينة من السلطة في قطاع غزة، فهل سيتولى أي دور في الضفة الغربية؟ وهل ستتم إدارة العمليات الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة بذات البنية القيادية؟

الردود على السيناريوهات غير المرغوب بها: وفقا لبعض المسئولين والمعلقين الإسرائيليين، فإنه من غير الوارد موافقة الحكومة الإسرائيلية على بعض الخطوات التي عرّفها المسئولون الدوليون على أنها شروط مسبقة ملحة لأي توسيع للتواجد الدولي. فإذا ما حدث الانسحاب الإسرائيلي في ظل شروط مثل (1) ألا يكون مندمجا في إطار عمل سياسي كخارطة الطريق، (2) وبدون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، و/أو (3) دون التزام على الأقل بخطوات هامة في الضفة الغربية، فإن المجتمع الدولي سيكون أمام مهمة صعبة للاختيار بين نشر عاملين دوليين بطريقة غير مضمونة النتائج وبين احتمالية تبلور ظروف خطرة تهدد بحدوث الفوضى العارمة في قطاع غزة (وما يرافقها من تبعات سياسية و إنسانية). إذا أبدت إسرائيل استعداداً للالتزام بعدم التدخل في قطاع غزة ولكن فقط في حالة وجود طرف دولي فيه، فهل سيؤدي ذلك إلى تغيير الموقف الدولي؟ إن إمكانية حصول هذا المأزق يفرض على الأطراف الدولية القيام بمراجعة لمتطلباتهم الدنيا للتدخل.

دور الدول المجاورة: يمثل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة تحديا فريدا لمصر، التي قد تواجه ضغوطا سياسية وإنسانية إذا ما نتج عن هذا الانسحاب أي فوضى، وفي ظل أي ظرف كان، ستسعى مصر لوضع إجراءات مستقرة لضمان السيطرة على حدودها مع قطاع غزة. يجب تنسيق الدور المصري بما في ذلك علاقة مصر مع إسرائيل والفلسطينيين والممثلين الدوليين بدقة. (وبالمثل، فإنه سيكون للأردن دور ومصلحة في أي تطورات موازية في الضفة الغربية).

 

3. توصيات

إن من الضروري توفير الفرصة للمخططين لفحص وتقييم طرق محددة لتدخل طرف ثالث في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في ظل سياق السيناريوهات السياسية الواسعة والتي تمت مراجعتها في هذا الاجتماع. يمكن التقدم بمقترحات مفصلة حسب عدد من نماذج التدخل المكنة (مثل، مساعدة السلطة الفلسطينية أو القيام بتشكيل سلطة انتقالية في حالة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب). ينبغي أن تعالج هذه المقترحات عناصر رئيسية تم الإشارة إليها في تقارير المنتدى السابقة، والتي تتضمن:

·        التفويض

·        النطاق الجغرافي

·        فض النزاع

·        التوقيت ( تزامني/ مرحلي)

·        القيادة

·        تركيبة التواجد الدولي

·        مصدر السلطة

 

 

التقرير الثالث

(25-26 أبريل/ نيسان 2003)

 

إعداد

أمجد عطا الله، جاريت شوبرا، ياسر الدجاني،

إورييت غال، جيم ماكاللوم ، جويل بيترز

 

في الفترة ما بين 25-26 أبريل/ نيسان2003، عشية تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وتقديم "خارطة الطريق" الرباعية للأطراف المعنية–قامت مجموعة من المسئولين الدوليين، والإسرائيليين والفلسطينيين بالاجتماع لمناقشة قضايا تتعلق بالجوانب العملية لتدخل طرف ثالث في الصراع الراهن. وبدعوة من يزيد صايغ وجاريت شوبرا تمت استضافة "منتدى الخبراء" هذا في كمبردج، إنجلترا، من قبل برنامج "أمن المجتمع الدولي"التابع لمركز الدراسات الدولية في جامعة كمبردج، وتمت رعايته من قبل وزارة الشؤون الخارجية في هولندا. وكان الهدف من النقاش الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يكون مجديا أو غير مجدٍٍٍٍ من ناحية عملية، في سياق الوقائع الاجتماعية والسياسية. وبحث اللقاء في عدد من الخيارات والقضايا المؤثرة على تصميم شكل التدخل لطرف دولي ثالث في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان من بين المشاركين ممثلون عن عدد من الدول والمنظمات الدولية الذين جمعوا بين الخبرات المحلية والدولية، والمعرفة بمواقف الأطراف والخبرة في عمليات السلام المعقدة، المتضمنة لعناصر عسكرية وإنسانية وسياسية. عملت هذه المجموعة على بلورة مجموعة من اعتبارات التخطيط الشاملة المبنية على المعلومات المتخصصة والدروس المستفادة من التجارب السابقة والمواقف الرسمية. يوضح هذا التقرير القضايا التي تم نقاشها، ويجمع العديد من الأفكار التي أسهم بها المشاركون. ويعتبر محتوى هذا التقرير مسؤولية المؤلفين وحدهم.

استكمل "منتدى الخبراء" العمل الذي بدأته الاجتماعات السابقة التي عقدت في هولندا في يناير- كانون الثاني عام 2003. تتوفر النتائج الأولية للتقرير الأول "اعتبارات التخطيط" على موقع الإنترنت للكلية الحربية للولايات المتحدة الأمريكية(http://www.carlisle.army.mil/usacsl/publications/PCII.pdf). وقد تم نشر وتوزيع هذه الوثيقة الأولية على دوائر التخطيط الدولي وعلى نطاق واسع، وبين الأطراف ومجتمعاتهم، علاوة على عدد كبير من الخبراء والمراقبين المهتمين. وعلى الرغم من احتواء التقرير الأول على بعض المبادئ اللازمة للعمل بشكل فعال ومتواصل في السياق الإسرائيلي– الفلسطيني، إلا أن هذا التقرير يوضح آخر التطورات الإقليمية على الأرض وآثار الحرب في العراق؛ ويحدد مزيدا من متطلبات التدخل التي طلبتها الأطراف ووقائع الوضع الراهن؛ كما يعيد النظر في طريقة المراقبة الحالية الواردة في "خارطة الطريق"؛ وفي تقييم درجات التزام المجتمع الدولي التي ستتوفر حال تدخل طرف ثالث بشكل عام.

إن النتيجة التي توصل إليها المؤلفون هي أن هناك فجوة واضحة بين الحد الأدنى من تدخل الطرف الثالث وما يتطلبه الواقع، إذا كانت الغاية منه هي عمل الطرف الثالث بفعالية، وبين طريقة المراقبة الحالية والمنصوص عليها في "خارطة الطريق"، كما أن درجة الالتزام الدولي لعدد من الدول حال تدخل طرف ثالث أكبر من الحد الأدنى الوارد في "خارطة الطريق". إلا أنه ما زال هناك نقص في الاحتياجات نتيجة للتدهور المتزايد لظروف النزاع، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هذا المستوى من الالتزام يتصف بالمرونة وقد يزيد أو ينقص، وستشكل مسألة جسر هذه الفجوات المتعددة تحديا أمام أي تدخلٍ مشروع وفعال في المستقبل.

 

1. التطورات الإقليمية والتطورات على الأرض

إن التطورات على الأرض منذ يناير- كانون الثاني 2003 كبيرة جدا، وهي إذ تشير إلى توفر الفرص لإحراز تقدم جديد، فإنها تشير أيضاً إلى احتمالات وجود معوقات خطرة. بشكل عام، هناك إجماع على أن الفرص الجديدة قد انبثقت لصالح تدخل دولي أكثر فعالية، وقد تم فعلا تنفيذ وإتمام بعض الأجزاء من المرحلة الأولى في "خارطة الطريق".

دائرة العنف: أظهرت الأشهر القليلة الماضية من المنظور الإسرائيلي، درجة معينة من الانخفاض في هجمات العنف ضد المدنيين الإسرائيليين، وفي نظر الشعب الإسرائيلي، ينسب ذلك إلى نجاح عمليات الجيش الإسرائيلي في محاربة المقاتلين المتطرفين. أما من المنظور الفلسطيني، فإنهم يعزون انخفاض هذه الهجمات ضد الإسرائيليين إلى التحول في البيئة النفسية للفلسطينيين بشكل عام، وليس كنتيجة لعمليات القوات الإسرائيلية أو "السياج الآمن"، وعلى الرغم من أن معدل العنف بدا متناقصا في الظاهر، إلا أن عدد الوفيات، ومعظمها من المدنيين، لا يزال مرتفعا لدى كلا الطرفين.

الواقع الاقتصادي-الاجتماعي: في الوقت الذي لا تزال فيه رحى الصراع دائرة، وصل التدهور في الظروف الاجتماعية- الاقتصادية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى نقطة الخطر، فهناك مؤشرات في المجتمع الفلسطيني لتفكك وحدة المجتمع، حيث أن درجات سوء المعاملة داخل العائلة في المناطق الفقيرة وفي مخيمات اللاجئين في ارتفاع مضطرد، وتظهر بعض المؤشرات حدوث انهيار في سلطة العائلة وبنيتها، وينسب ذلك إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة. وقد تم توجيه معظم مساعدات المانحين للاقتصاد الفلسطيني – ما يقارب 1 $ مليار سنويا- باتجاه الحيلولة دون الانهيار الكامل عوضا عن تعزيز التنمية الاقتصادية، كما استمر الوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل إسرائيل في التدهور ولا توجد مؤشرات حالية لأي تحسن، ومن المتوقع أن يقود الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي إلى ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، كما أنه من المتوقع أيضا أن يؤدي غياب إستراتيجية للخروج من الأزمة إلى مزيد من المعاناة النفسية والآثار الاجتماعية على كلا الطرفين.

نظام الإدارة التابع للجيش الإسرائيلي: لقد تم مؤخرا إلغاء واستبدال البنية التحتية في جميع مكاتب التنسيق والارتباط في الضفة الغربية بنظام جديد، وقد عملت هذه المكاتب في السابق على تنظيم التعاون والتنسيق بين السلطة الفلسطينية وقوات الجيش الإسرائيلي في قضايا مرتبطة بالأمن (مثل الدوريات المشتركة في المنطقة "ب") فقد قامت القوات الإسرائيلية في الأشهر القليلة الماضية بوقف الموارد وسحب الموظفين العاملين في مكاتب التنسيق والارتباط وتستخدمهم الآن في تنفيذ نظام جديد للإدارة المدنية، وتعامل كل مدينة في الضفة الغربية، باستثناء أريحا والقدس الشرقية، على أنها عوالم صغيرة منفصلة تابعة لمراكز قيادية في كل من القدس وتل أبيب. وفي الوقت الذي تطورت فيه علاقات العمل ما بين مجتمع المانحين الدولي والجيش الإسرائيلي، ستقف الإجراءات الإسرائيلية (مثل تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية على شكل كانتونات) في وجه أي محاولة حقيقية لتعزيز النشاطات الاقتصادية الفلسطينية، ومن غير الواضح فيما إذا كان مثل هذا النظام سيتيح المجال في المستقبل لإعادة مأسسة التعاون والتنسيق بين الطرفين، في حين من المحتمل أن يعمل على تعقيد الجهود المستقبلية الساعية لخلق آلية تنسيق وتعاون متماسكة.

جدار الأمن: لا تزال خطط إسرائيل للاستمرار في بناء المرحلة الأولى الحالية من الجدار الفاصل في الضفة الغربية على ما هي عليه ولم يتم تغييرها، ووفقا للمؤشرات الحالية، فقد تم تشييد 14 كيلومترا من السياج في عدد من المواقع في الضفة الغربية. ومخاوف الفلسطينيين من بناء الجدار الفاصل ليس فقط بسبب عدم بناء المرحلة الأولى من الجدار فوق الخط الأخضر، وما يعنيه ذلك من بداية لترسيم خط حدودي على شكل فرض واقع جديد داخل المناطق الفلسطينية، بل أيضا بسبب مخاوفهم من امتداده حول كافة المدن الفلسطينية في المستقبل. وعلاوة على ذلك يعتقد الفلسطينيون بأن القوات الإسرائيلية قد قامت بمصادرة 160.000 دونم من الأراضي، والتي تعادل ما يقارب 10% من أراضي الضفة الغربية، وتضمن ذلك اقتلاع 83.000 شجرة، مما أدى إلى الإضرار بما يقارب 10.000 دونم من الأراضي الزراعية، علاوة على حجز ما يقارب 13.000 فلسطيني بين الجدار الفاصل والخط الأخضر.

من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الغرض من الجدار الفاصل هو فصل الضفة الغربية عن إسرائيل فقط، بهدف منع المقاتلين الفلسطينيين من الدخول إلى المدن والبلدات الإسرائيلية، علاوة على ذلك، يقال بأن طلب وجود الجدار كان نتيجة للضغط الشعبي، وخاصة من قبل مؤيدي الوسط واليسار، آملين بأن يوفر مزيدا من الأمن وأن يتيح المجال لانسحاب سريع للقوات الإسرائيلية. ولا تزال قضية الجدار داخل المجتمع الإسرائيلي مثار جدل وخلاف ولا يزال مستقبله غير محدد، وقد تم عبر النقاش الداخلي معارضة فكرة الجدار فعليا من قبل اليمين المتطرف الذي رأى أن الجدار سيعمل على فرض حدود أمر واقع بين الضفة الغربية وإسرائيل. ويشك الإسرائيليون باحتمالية بناء المرحلة الأولى، بسبب الضغط السياسي المتواصل من قبل اليمين إلى جانب تكلفته الباهظة في الوقت الذي تمارس فيه الضغوط لأجل تقليص إنفاق الحكومة.

مبادرات الجيش الإسرائيلي: منذ يناير–كانون الثاني، 2003، قام الجيش الإسرائيلي بمأسسة آلية تنسيق جديدة لتسهيل إيصال الإمدادات الإنسانية للضفة الغربية وقطاع عزة، ويقوم المجتمع الدولي حاليا بتنسيق جهوده عبر هذا المكتب الخاص بشكل مباشر، كبداية للحد من التأخير غير الضروري. علاوة على ذلك، فقد قام الجيش بتوفير خط ساخن على مدار 24 ساعة لاستقبال الشكاوى، حيث يمكن للفلسطينيين أن ينقلوا عبره انتهاكات الحقوق الإنسانية وغيرها من سوء المعاملة، وقد يكون لهذا تأثير مباشر في النهاية على تحسين النظام السلوكي للجيش الإسرائيلي الذي يراه الفلسطينيون فاقداً للانضباط.

الانتخابات الإسرائيلية: إن الحكومة الإسرائيلية التي تشكلت بعد النصر الساحق لليكود من ائتلاف دخلت فيه عناصر من أقصى اليمين المتطرف، تضم أيضاً واحداً من أكثر الأحزاب اعتدالا، شينوي، مما يتيح المجال لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون الحصول على نفوذ أكبر عند عرضه لمبادرات سياسية جديدة. وقد يعمل تناقص الهجمات ضد الإسرائيليين إلى جانب خطة "خارطة الطريق" والصعوبات الإسرائيلية الداخلية في المجالين الاجتماعي- الاقتصادي، على توفير محفزات لمزيد من المرونة من جانب القيادة الإسرائيلية. وعلى الرغم من تشكك الفلسطينيين بشكل عام من نوايا الليكود، إلا أن البعض يعتقد بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية مستعدة لعقد صفقة مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. وعلى المجتمع الدولي أن يعمل مع حكومة الليكود الحاكمة في إسرائيل، إلى جانب الحكومة الفلسطينية الجديدة، لإيجاد مخرج من دائرة العنف الحالية ولتعبيد الطريق نحو سلام حقيقي.

القيادة الفلسطينية: تماشيا مع جهود الإصلاح الفلسطينية، فقد قام الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بتعيين رئيس الوزراء الجديد، محمود عباس (أبو مازن)، وقد وافق المجلس التشريعي على إجراء التغييرات في القانون الأساسي، والذي يخدم كدستور فلسطيني مؤقت حتى الاستقلال، لإقرار التغييرات التي اقترحها الرئيس. وقام رئيس الوزراء بدوره بتعيين مجلس وزراء جديد تم تقديمه إلى المجلس التشريعي الفلسطيني إلى جانب برنامج الحكومة للإصلاح متضمنا تأييده لوضع نهاية للعنف.

الدستور الفلسطيني: قامت منظمة التحرير الفلسطينية أيضا بتعيين لجنة للدستور لتقوم بصياغة مسودة للعرض على المؤسسات ذات العلاقة وذلك قبل أو عند قيام الدولة الفلسطينية. تنادي هذه المسودة بقيام نظام مساءلة ورقابة وفصل للسلطات وحماية للحقوق المدنية والسياسية للفرد.

إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني: كما دعا برنامج الحكومة إلى تنفيذ فوري لقرارات إصلاح قطاع الأمن السابقة، وتقع الأجهزة الثلاثة المكلفة بالأمن الداخلي الآن: الأمن الوقائي، وقوات الشرطة، والدفاع المدني- تحت سيطرة السلطة القضائية والإشراف العام لرئيس الوزراء، مما سيخلق تسلسلا واضحا من القيادة والسيطرة، وبتعيين وزير للشؤون الداخلية للدولة، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تخضع بذلك لعملية تعزيز السلطة وإعادة بناء قوات الأمن الفلسطينية مؤدية إلى تعزيز القانون والنظام والأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويعتمد تنفيذ هذه الخطة على مدى المشاركة الفعالة للولايات المتحدة في "مجموعة الرقابة الأمنية" إلى جانب مشاركة إسرائيل الفعالة في دعم العملية.

الحرب في العراق: إن في الوجود المستمر للقوات العسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية في العراق، اعتبارا من الآن، تبعات غير معروفة على تطور الجهود لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإٍسرائيلي، فقد أشار الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير مرارا وبشكل واضح إلى نيتهم إيلاء مسألة حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس رؤية الرئيس بوش لدولتين تعيشان جنبا إلى جنب نفس الأولوية التي أعطيت للتدخل في العراق. وقد يخفف إدخال العناصر العسكرية والمدنية في العراق من حدة القلق التقليدي من القيام بعمليات مماثلة في الأراضي الفلسطينية. تعيد إسرائيل الآن النظر في سياستها الدفاعية الاستراتيجية على ضوء الوقائع الجديدة، وهناك اعتقاد عام بين الدول العربية والأوروبية بأن الوضع في العراق يتيح المجال أمام تدخل كامل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في الوقت الحاضر.

 

2. متطلبات التدخل

معالجة فقدان الثقة: يعتبر عنصر فقدان الثقة بين الأطراف أكثر العناصر حيلولة دون حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وعلى أي طرف ثالث أن يبدأ بدعم عملية بناء الثقة بين الأطراف، وتعتبر أكثر الأوقات حرجا لطرف ثالث وفي أي تدخل هو عند البدء في الانتشار، بحيث يكون كل طرف قلقا من مدى رغبة الآخرين إتمام التزاماتهم، ويشدد الفلسطينيون والإسرائيليون على الأهمية القصوى لاستعداد الطرف الثالث وكفاية قدراته أثناء المراحل المبكرة من تواجده.

ضرورة إعادة الاستقرار النسبي للحياة اليومية: يمكن القيام ببعض الخطوات العملية الصغيرة لتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين بشكل كبير، ويحتاج كل من السكان الفلسطينيين والإسرائيليين إلى التحلي بالتفاؤل بإمكانية تغيير الظروف نحو الأفضل، في الوقت الذي فشلت فيه كافة المحاولات السابقة لتنفيذ خطط السلام، ويمكن لخطوات تكتيكية بسيطة أن تحقق منافع استراتيجية طويلة المدى. ويحتاج الطرف الثالث لمنح الأولوية للأعمال التي بإمكانها تحقيق مثل هذه الأهداف.

بناء الشراكة : على الطرف الثالث العمل مع كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كشركاء، وتعتبر موائمة مصطلحات التدخل أمرا بالغ الأهمية، حيث أن المجتمع الدولي سيقوم بـ "مساعدة" الأطراف، وليس فرض الحلول عليهم. علاوة على ذلك، فإن الغرض من هذه الشراكة هو بناء شراكة مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى البعيد. ولا يعني هذا بأن المجتمع الدولي لن يحصل على صلاحيات وموافقة من الطرفين لملء الفراغ الناجم عن غياب الثقة.

السيادة الإسرائيلية: كدولة ذات سيادة، فإن إسرائيل مسؤولة عن أمنها، وعلى أي طرف ثالث أن يقوم بالتعاون مع إسرائيل لوضع أنماط للتدخل تخفف من المخاوف الإسرائيلية الأمنية.

مساعدة الحكومة الفلسطينية:  وبشكل مماثل، يسعى الفلسطينيون إلى الحصول على مساعدة المجتمع الدولي، حيث أن حكومتهم الجديدة تقوم ببناء قدراتها الأمنية والحكومية وهي تمضي في طريقها نحو دولة ناجحة وذات سيادة.

التدخل الشامل: إن الحاجة إلى الأمن أمر مهم لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنه وحده لا يكفي، حيث أن الأمن مجرد أداة لجعل حياة الفلسطينيين والإسرائيليين طبيعية، ففي الجهود السابقة لم يتم ربط الأمن بالمجالات الوظيفية الأخرى مما أسهم في فشلها. إن القطاعات الإنسانية، والاقتصادية، وعملية بناء الدولة تحتاج إلى قدر متساو من الاهتمام وذلك لخلق البيئة اللازمة للاستقرار طويل المدى، وهنالك حاجة لنهج متكامل يظهر الحاجة لهذا العدد الكبير من المؤسسات الدولية والتمثيل الدولي بشكل منطقي. إن التدخل الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبر الأكثر كثافة في العالم. لقد تغير الزمن ويجب أن تتغير هذه المؤسسات أيضا، وسيكون هناك مخاطرة جدية في أن تصبح الجهود الفردية مضرة وقد تعمل على تأخر بناء مقدرات الدولة الفلسطينية دون تنسيق بين جهود المجتمع الدولي المختلفة. إن هذا المزيج من العناصر السياسية، والاقتصادية والإنسانية، وبناء الدولة، وربما العناصر الأمنية يجعل من الضروري وجود بنية متماسكة وقيادة موحدة للتدخل الدولي كي يكون أكثر فاعلية.

وضوح وشفافية آلية عمل الطرف الثالث: إن غياب الثقة بين الأطراف يجعل من وضوح وشفافية أعمال الطرف الثالث أمراً أساسياً لإعادة بناء الثقة بهذا الطرف الثالث أولا، ومن ثم بالعملية السياسية، وأخيرا بالأطراف. ولذا، فمن المهم أن يتضمن تخطيط الطرف الثالث القيام بحملات إعلامية موجهة نحو الرأي العام للطرفين، ويجب أن يكون وجود الطرف الثالث واضحاً ومرئياً كشريك إلى جانب المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين وذلك عند معالجتهم للانتهاكات.

من القمة للقاعدة ومن القاعدة للقمة: يمكن تحديد منهاجين لتدخل الطرف الثالث، الأول: "من القاعدة للقمة"، وهي طريقة متدرجة، لتلبية الاحتياجات وتجاوز القيود السائدة على الأرض عند القيام بمهام وأدوار جديدة حال تطور الوضع، وتسعى هذه الطريقة للعمل بشكل فوري ومن ثم البناء على ما يتم إحرازه من نجاح طالما يسمح الوضع بذلك، ويمكن تسويق هذا النهج عند بعض الأطراف ذات العلاقة وهو الأكثر سرعة عند التنفيذ، إلا أن هناك مخاوفا بأن لا تؤدي الأعمال الصغيرة في الأسفل إلى أعمال من شأنها فض الصراع. أما الطريقة الثانية، "من القمة للقاعدة"، فهي تدعو إلى نمط من التدخل الشامل ذي الأهداف الواضحة وطويلة المدى والتزامات كاملة ومسبقة للتنفيذ، وفي الوقت الذي تظهر فيه هذه الطريقة بناءة أكثر لصالح مجمل العملية السياسية وإدراك أهدافها النهائية، إلا أنها تتطلب من كافة الأطراف التزامات سياسية أكبر بكثير من السابق للتفاوض بنجاح على تفاصيلها وتلبية كامل الالتزامات الضرورية. وقد شهد نهج "من القاعدة للقمة" نجاحاً محدوداً حتى الآن في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

أنواع مختلفة من التفويض: من الممكن أن يكون لدى الطرف الثالث أنواعاً مختلفة من التفويض فيما يخص كل طرف على حده، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون لدى الطرف الثالث تفويضا بالمراقبة والاستقصاء مع أحد الأطراف بينما يكون لديه تفويضا ببناء المقدرات مع الطرف الآخر، والمفتاح هنا هو الوضوح المتبادل بحيث لا يقع الخطأ ويتبادر لذهن أحد الأطراف بأن التدخل الدولي موجود هناك للقيام بأمر معين في الوقت الذي يعتقد فيه الطرف الآخر بأنه موجود هناك للقيام بأمر آخر، وسيكون كلا التفويضين مكملين لبعضهما في ظل سياق الوضع القائم على الأرض.

التواجد ليس تفويضا:  يجب أن يكون لتدخل الطرف الثالث تفويض واضح ومهام محددة وأن يتم مطابقة ذلك مع الموارد الضرورية المناسبة، وقد تكون هناك رغبة في خلق زخم سريع من خلال القيام بخطوات ملموسة بحيث يتم البدء في العملية، إلا أن هذا كان سببا في فشل عمليات السلام في الماضي. إن تواجد الطرف الثالث على الأرض قد يساهم في استقرار الوضع، لكنه لن يكون كافيا كما هو الحال في حالة التفويض.

جمع المعلومات الاستخباراتية: على الرغم من حاجة الطرف الثالث لتطوير مستوى استخباراته التكتيكية والعملية، إلا أن هذا سيستغرق وقتا من الزمن. (من المفترض أن تتمكن أية مهمة من الاستفادة من وجود استخبارات استراتيجية). إلا أنه على حكومة كل من إسرائيل وفلسطين عقد اتفاقيات واضحة لتوفير وتبادل المعلومات الاستخباراتية التكتيكية والتشغيلية مع الطرف الثالث عند البدء بأي انتشار، وهذا لن يكون سهلا، لأنه في هذه المرحلة لن تكون الثقة قد تعززت لكنها ستكون مهمة جدا لأمن الطرف الثالث ولنجاح جهوده. كما أن الطرف الثالث سيكون بحاجة لمصادر لمعلوماته واستخباراته الخاصة المستقلة عن الأطراف، ويعتبر هذا الأمر مهما بشكل خاص عند التطرق لعلاج الخروقات المحتملة للالتزامات كما اتفقت عليها الأطراف.

قدرة الطرف الثالث على التعامل مع الأوضاع عند الوصول لطريق مسدود:  لا بد من وجود آلية فعالة لفض النزاع وتطبيقها بشكل فوري حتى يتمكن الطرف الثالث من فض الخلافات و/ أو الانتهاكات لما اتفقت عليه الأطراف، وتشمل عناصر الآلية الفعالة ما يلي: الصلاحية والقدرة على التواجد في أي مكان يرغب فيه الطرف الثالث؛ وبنية متدرجة تهدف إلى فض القضايا في أدنى مستوياتها؛ والصلاحية لاتخاذ القرارات وليس مجرد إعداد تقارير تحفظ في الملفات؛ ومجموعة من القيود والحوافز التي يمكن استخدامها عند اللزوم.

يعني هذا أن الطرف الثالث بحاجة إلى قيادة سياسية قوية، وتفويض بالسلطة على كل المستويات، ويحتاج المسؤول المحلي للطرف الثالث إلى ثقة وتأييد حكومته. كما أن آلية فض النزاع  يجب أن تختلف عن آلية التنسيق، ولكن بدون أن تكون بالضرورة ذات طبيعة تدخلية فظة، بل يجب أن تكون بالضرورة فعالة بما فيه الكفاية لإتمام تفويضها.

قيادة الولايات المتحدة الأمريكية: إن قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتدخل الطرف الثالث هو مطلب إسرائيلي ويعتبر أمر حيوي لجميع الأطراف الأخرى.

سد الفجوة بين القدرات الفلسطينية والانسحاب الإسرائيلي: يرى الإسرائيليون بأن هناك معضلة عند تخطيطهم لانسحاب قواتهم من أجزاء من الضفة الغربية، حيث لا بد من بناء وتطوير قدرة الحكومة الفلسطينية على إدارة مهامها الأمنية مما قد يستغرق فترة من الزمن، فهل يتوقف الانسحاب على إثبات القدرة لدى الفلسطينيين؟ وما هي المعايير؟ ومن هو الحكم؟ وإذا ما انسحبت القوات الإسرائيلية قبل بناء قدرة الفلسطينيين بشكل كامل، من سيكون المسؤول عن سد الفجوة في قدرة الفلسطينيين على القيام بهذه المهام الأمنية؟

الفجوة بين ما تريده الأطراف وما تستطيع الحصول عليه: يحتاج كل من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تحديد ما يريدونه من بعضهما وما يريدونه من تدخل الطرف الثالث بعبارات واضحة. كما تحتاج الدول والمنظمات التي ستسهم في تدخل الطرف الثالث إلى تحديد ما تريده من الفلسطينيين والإسرائيليين بعبارات واضحة أيضا، وما تبقى لينجز بعد ذلك هو التسوية ما بين المصالح المتضاربة لإسرائيل والفلسطينيين مقابل ما يستطيعون توقعه فعليا من المجتمع الدولي بطريقة تجعل من تدخل الطرف الثالث أمرا فعالا.

 

 

3. مراقبة "خارطة الطريق"

أ) تجاوز الإخفاقات السابقة

في الوقت الذي ركز فيه النقاش حول العالم على الآليات الضرورية واللازمة للاستقرار ومن ثم فض النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، اشتركت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة – أو الرباعية- في تطوير "خارطة الطريق" بحيث تقود إلى اتفاق الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وازدهار، وقد حاولت الرباعية من خلال خارطة الطريق تجاوز ثلاثة إخفاقات رئيسية في مبادرات السلام السابقة:

نطاق شامل للقضايا: أولا، خارطة الطريق شاملة، وتتضمن خطوات أمنية، واجتماعية-اقتصادية، وسياسية وخطوات تتعلق بالحكم، وتتضمن خطوات لتهدئة الوضع الراهن وتحديد المسؤوليات الأمنية لكلا الطرفين، وإنهاء سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني، وتعمل الخطوات السياسية على ضمان إبقاء التركيز على فض النزاع في نهاية المطاف. وتتضمن أيضا خطة للبدء في مفاوضات الوضع الدائم بين الأطراف بالإضافة إلى مزيد من التحول الديمقراطي الفلسطيني للحصول على دولة فلسطينية كاملة الفعالية.

تسلسل زمني واضح: ثانيا، توصي "خارطة الطريق"بتسلسل زمني لإتمام هذه الأهداف بما يتماشى مع "رؤية" الرئيس الأمريكي بوش لإنهاء المحادثات حول الوضع الدائم في غضون يونيو– حزيران 2005.

المراقبة: ثالثا، والأكثر أهمية لغرض هذا التقرير، فإن "خارطة الطريق" تدعو وبشكل واضح إلى مراقبة وتنفيذ كافة نصوصها:

"[ا]ستنادا إلى الآليات الموجودة حاليا وإلى الموارد المتاحة على الأرض، [سوف] يبدأ ممثلوالرباعية بمراقبة غير رسمية، واستشارة الأطراف لوضع آلية مراقبة رسمية وتنفيذها".

في هذه المرحلة، يظهر أن الرباعية تفتقر إلى إجماع حول المعنى الدقيق لمفهوم "المراقبة غير الرسمية" كما أنها لم تقم بعد بالنظر في آلية للمراقبة الرسمية.

 

ب) المراقبة غير الرسمية

هناك اختلافات في الرأي حول طبيعة "المراقبة غير الرسمية". ويبدو أن الرباعية ستبدأ بمفهوم يقوم ببساطة على تنسيق عمل الممثلين الدوليين الموجودين فعليا على الأرض في الوقت الذي ستقوم فيه باستخدام ما تبقى من المرحلة الأولى للتشاور مع الأطراف حول آليات إضافية تتماشى مع بنود "خارطة الطريق" البارزة.

فرق العمل الموجودة حاليا: يقوم المجتمع الدولي في الوقت الراهن بتنظيم جهود الإغاثة الدولية وجهود الدعم الدولي للإصلاح الفلسطيني عبر سبع لجان عمل منفصلة، تعمل هذه اللجان بالتعاون مع الفلسطينيين والإسرائيليين وتوصي بالطرق التي من شأنها تعجيل الإصلاح الفلسطيني وتعزيز الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين في غياب اقتصاد فاعل وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي، وتقوم لجان العمل برفع تقاريرها بشكل دوري لمبعوثي الرباعية والذين يقومون بدورهم برفع التقارير إلى قادة الرباعية، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، وممثل الاتحاد الأوروبي خافير سولانا، ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول، ووزير الخارجية في الاتحاد الفيدرالي الروسي إيغور إيفانوف.

أداة تنسيق: تعمل الرباعية بمبدأ الإجماع، وستعمل آلية المراقبة غير الرسمية على الاستفادة من القدرات الرقابية القائمة اليوم على أرض الواقع، وسيتم تناول موضوع الأمن بشكل منفصل ومواز مع لجان العمل الأخرى الموجودة بالفعل والتي ستشترك في ثلاثة مجموعات منفصلة: الإصلاح المؤسساتي الفلسطيني؛ والقضايا الاجتماعية- الاقتصادية،  التي تضم الدعم الإنساني؛ وما تبقى من مهام خارطة الطريق بما فيها تجميد وتفكيك المستوطنات، وسوف تدرج المسؤوليات الإسرائيلية في قائمة المسؤوليات التي ستحكم الرباعية على أدائها في ظل "خارطة الطريق". كما ستقوم الرباعية، بعد الاستشارة مع الأطراف، بوضع معايير للمتطلبات الفردية في "خارطة الطريق"، وقد يكون هناك منسق أمريكي بشكل غير رسمي، حيث سيقوم بجمع التقارير وتمريرها للأعلى لمبعوثيالرباعية.

إن "المراقبة غير الرسمية "ما هي إلا أدني آلية متاحة ذات قدرة مستقلة، إلا أنها ليست وسيلة لتوفير مجموعة من "المبادئ التنظيمية" أو "التنسيقية" لتدخل دولي قائم.

 

ج) النقاش الدولي

1- المنتقدون

اجتياز الخطوة الأولى: يدور الكثير من النقاش في المجتمع الدولي حول ما إذا كانت هذه الآلية غير الرسمية ذات جدوى في تنفيذ خارطة الطريق، إن المنتقدين، ويشملون الإسرائيليين والفلسطينيين على حد السواء، قلقون من أن المرحلة الأولى من "خارطة الطريق" هي الأكثر أهمية، حيث أن نجاحها سيشكل قاعدة لأية خطوة نحو الأمام، ومن هذا المنطلق، تتطلب من المجتمع الدولي أقصى حد من التشجيع والشراكة، ويجادل المنتقدون أن قائمة من "مبادئ التنسيق" لن تكون كافية لتجاوز موروث فقدان الثقة في العلاقة بين الطرفين.

مدخلات دون مخرجات: هناك قلق من أن تكتفي مبادئ التنسيق بتقديم مدخلات فقط للرباعية وليس مخرجات للأطراف، حيث أن متطلبات التقارير لا تتطرق لما سيحدث عند عدم تنفيذ أمر ما.

الفاصل الزمني قبل بدء المراقبة: هناك سؤال يتعلق بالتأثير السياسي للفاصل الزمني الكبير بين طرح "خارطة الطريق" والبدء بتنفيذها.

رسالة خاطئة حول جدية النوايا: من الواضح أنه قد تم أيضاً تصميم "مبادئ التنسيق" للمرحلة الأولى فقط من خارطة الطريق، ولم يتم التطرق بعد، وبأي شكل من الأشكال، للمرحلة الثانية، والتي تطالب باعتراف دولي بالدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، أوالمرحلة الثالثة، والتي تدعو إلى استئناف وإتمام مفاوضات الوضع النهائي. وقد يتم تفسير الإعداد البطيء للمرحلة الأولى من قبل الأطراف، وخاصة من قبل شعوبهم، على أنه نقص في التزام المجتمع الدولي بتنفيذ "خارطة الطريق". كما وقد يتم تفسير نقص الاستعدادات في المرحلتين الثانية والثالثة على أنه افتقار المجتمع الدولي للجدية في الانتقال إلى ما بعد المرحلة الأولى، وفي هذا تقويض لـ"خارطة الطريق" بأكملها.

عدم المقدرة على فض النزاعات: كما يخشى الكثيرون من عدم وجود آلية لفض النزاع واجتيازه، ويمكن من خلالها تجاوز حتمية اختلاف فهم الأطراف لما تتطلبه "خارطة الطريق" فعليا، وقد كان هذا مفقودا في كل الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية، وكذلك في خطط الطرف الثالث التي قدمت للأطراف منذ بدء عملية مدريد/ أوسلو.

الافتقار إلى التنسيق: علاوة على ذلك، يجادل البعض أنه حتى ضمن المقاييس البسيطة لتحسين التنسيق للتدخل الدولي الموجود أصلا، فلا بد من وجود علاقة أفقية بين لجان العمل وليس مجرد خطوط عمودية منفصلة لرفع التقارير إلى الرباعية. فمثلا، وفي ظل آلية المراقبة المقترحة، سيكون هناك ممثلين دوليين مختلفين وسيشتركون في مساعدة الفلسطينيين لإعادة بناء قدراتهم الأمنية وتحسين وضع القضاء والقضايا التي تتعلق بسيادة القانون، الأمر الذي سيكون مترابطا بشكل معقد. وفي مثال آخر، وهو مطالبة "خارطة الطريق" بالانسحاب الإسرائيلي إلى ما قبل 28/ سبتمبر –أيلول / 2000، نجد أن مواقع الانتشار قضية خاصة بلجنة العمل الأمني، بينما يقع طلب "خارطة الطريق"من الإسرائيليين بالعمل على تحسين الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين (من خلال رفع حظر التجول وتسهيل القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع) وإتاحة المجال لحركة حرة وآمنه للموظفين الدوليين والإنسانيين تحت إشراف لجنة العمل الاجتماعية –الاقتصادية، على الرغم من حقيقة تداخل الأمرين بشكل واسع.

عدم توازن الجهود: هناك أساسا تقييم عام بأن الموجود فعليا على الأرض على شكل تدخل دولي كان كافيا فقط للحيلولة دون تحول ظروف الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مأساة إنسانية أسوأ مما هي عليه، وفي الوقت الذي تم فيه إنجاز عمل عظيم في القضايا المتعلقة بالإصلاح الفلسطيني، في ظل الاحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك لا يساهم كثيراً في تحسين معيشة الفلسطينيين أوفي تغيير الظروف الرئيسية المشجعة على العنف.

معضلة بناء القدرات الأمنية: إن التحدي الكبير، كما أشار إليه بشكل خاص كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، هو وجود فجوة بين تهيئة الظروف الأمنية التي ستبدأ إسرائيل انسحابها في ظلها وبين القدرة على خلق هذه الظروف في الوقت الذي يتواصل فيه احتلال المناطق الفلسطينية. إن المعضلة المترتبة على ذلك تتمثل في أن الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني متفقان على أن الفلسطينيين بحاجة لإعادة بناء قدرتهم الأمنية التي دمرت على مدار العامين الماضيين، لكن إسرائيل بحاجة لضمانات تكفل بأن لا يؤدي إتاحة "المجال" اللازم لإعادة البناء الأمني هذا إلى ارتفاع في معدل حوادث العنف ضد الإسرائيليين.

الجهود الحالية هي أعظم فعليا: يشير المؤيدون لمزيد من التدخل إلى وجود فريق أمني غير رسمي تابع للاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد اشترك في مراقبة مدى الاستجابة للاتفاقيات الحالية. كما تمت المصادقة على وجود شرطي دولي من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين وقيام هذا الدور بمهام محددة في أريحا. وتعد نشاطات الطرف الثالث هذه أكبر مما هو وارد في "المراقبة غير الرسمية".

الافتقار إلى آلية مستقلة: هناك خلاف بين الأطراف حول حجم المجال وكمية الوقت والدعم المادي الذي قد يحتاجها الطرف الثالث لبناء القدرة الأمنية في الوقت الذي يقوم فيه بإعطاء الإسرائيليين والفلسطينيين الضمانات الضرورية بأن العنف ضد أيمنهما سيتوقف. ومع هذا، لا توفر "مبادئ التنسيق" الحالية آلية مستقلةً لإجراء تقييم يهدف إلى تحديد المجال، والوقت والدعم المطلوب من الطرف الثالث، كما أنها لا تشير إلى أي استعداد لتلبية هذه الاحتياجات بعد تحديدها.

 

2- المؤيدون

البدء ببطء: يجيب المؤيدون "لمبادئ التنسيق"، بأنها مجرد بداية وتبقى هناك إمكانية قيام آلية مراقبة رسمية في المستقبل تكون قادرة على الاستجابة، لبعض، ما لم يكن لجميع، هذه المخاوف.

فض النزاع غير الرسمي: يشير المؤيدون أيضا إلى وجود آلية غير رسمية لفض النزاع ملازمة "لمبادئ التنسيق"، حيث ستقوم لجان العمل بوضع معايير للتقدم بشكل غير رسمي، ستشكل تفسيراً "لخارطة الطريق"، وفي حال ظهرت اختلافات في التفسير أو على التنفيذ لا يمكن حلها عبر لجان العمل، سيحاول الأعضاء الرئيسيون في الرباعية الوساطة في النزاع بشكل غير رسمي.

الاعتماد على الإداره السياسية: يرى المؤيدون أيضا بأن جهود الرباعية الحالية تعكس محدودية الإداره السياسية لدى بعض الأطراف تجاه عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية. كما يشيرون أيضا إلى أن نجاح "خارطة الطريق"سيكون مستندا إلى القبول السياسي للأطراف كافة، بمن فيهم أعضاء الرباعية، وليس إلى أي آلية مراقبة محددة.

 

4. درجات الالتزام الدولي

سيناريوهات للتوضيح: هناك عدد من السيناريوهات التي يجب أخذها بالحسبان والتي قد تؤثر على الاستعداد الدولي الممكن للتدخل لما هو أبعد من المستوى الحالي من المراقبة الواردة في خارطة الطريق. أولا، قد يتم توسيع دور الطرف الثالث في ظل "خارطة الطريق"، ثانيا، قد "تفشل" خارطة الطريق، مما قد يقود إلى مبادرة بديلة مع نوع آخر من تدخل الطرف الثالث. ثالثا، قد يتم نشر قوات دولية في ظروف قد تبدو مواتية ومن ثم تنهار، مما قد يتطلب حجماً أكبر من الالتزامات في وسط الطريق، بالإضافة إلى ذلك، قد يجد التواجد الدولي نفسه في مواجهة سيناريوهات غير متوقعة، لذا يجب أن يتم توضيح حالات الطوارىء الممكنة حتى يمكن استيضاح مدى استعداد الدول المختلفة للمساهمة بهذا التواجد الدولي.

إلتزامات متصاعدة: يوجد حالياً التزام بجهود المراقبة وبالإصلاح الفلسطيني، وهناك استعداد ممكن لتقديم المزيد من الإسهامات إذا تم طلبها من خلال عملية السلام المرتبطة "بخارطة الطريق"، رغم أن القرار السياسي للحكومات بعمل ذلك قد يستلزم وجود طلب ملموس أولاًَ. أما بالنسبة لآخرين فهناك استعداد قائم الآن للتجاوب مع احتياجات النزاع اكبر مما نصت عليه الرقابة الواردة في "خارطة الطريق". 

أسئلة صعبة تؤثر على المشاركة: يوجد لدى المشاركون الدوليون أسئلة صعبة بحاجة إلى إجابة قبل إبداء الاستعداد لاتخاذ القرار حول ما سيسهمون به في تدخل الطرف الثالث. لماذا يتطلب الأمر تواجداً للطرف الثالث؟ ما هو التفويض؟ من سيقود؟ ما هو الوضع النهائي بحيث يعرفون الوقت الذي سيرحلون فيه؟ إن الدول غير مستعدة لتقديم التزام مفتوح لا نهاية له، ولن يشاركوا في ترتيبات قد تصبح لاحقاً مشابهة للحال في قبرص. هل سيأخذون دورا إشرافيا أكبر، ويمارسون صلاحيات وسيطرة في مواقع مختارة حصل فيها فشل أمني؟ أو يمارسون مراقبة على التحريض؟ أو يستلمون عدداً من المسؤوليات الأمنية المختلفة؟ هل سيكونون مقيدين بمهام حفظ السلام التقليدية، وتزويد الخدمات الطبية والقيام بالنشاطات التدريبية؟ إنهم يتوقعون جهدا متكاملاً للهيئات المدنية والعسكرية، والتي يمكن إنجازها، بعد توضيحها وتفصيلها.

مسؤولية الأطراف: يفضل المجتمع الدولي المضي قدما وتقديم الالتزامات بمجرد قيام الأطراف بواجباتها ومن ثم طرح احتياجاتهم على المجتمع الدولي. (لكن الإسرائيليين والفلسطينيين يشيرون إلى أنه كلما كان التوصل إلى تفاهم مسبق بأنفسهم ممكناً، فإن ذلك يقلل من الحاجة إلى تدخل وتواجد طرف ثالث).

شرط عسكري مسبق قبل التدخل: إذا ما تم طلب وجود قوات عسكرية، سيكون هناك حاجة ملحة لأن يتناسب حجم القوة مع التفويض، ومن الأمور الضرورية لمثل هذا القرار تحديد ما ستقوم به القوة وما لن تقوم به. إن نشر قوة صغيرة قد يكون بحاجة لتوفر قوة أكبر واستعداها للعمل في حال ساءت الأمور، على الرغم من أن هذا النموذج ليس هو المفضل.

شرط مسبق يتعلق بتشكيلة التواجد الدولي: ترى بعض الدول المحتمل إسهامها في التواجد الدولي أن اشتراط تدخل وقيادة الولايات المتحدة لهذا التواجد يعتبر عائقا، ويعتبر حجم التدخل أحد القضايا الهامة، وكذلك يعتبر المكان الذي قدمت منه القوات والموظفين المدنيين قضية أخرى بنفس الأهمية. إن المشاركة الأوروبية قد توفر الحياد للجهود، وقد يعمل التدخل العربي على توفير الشرعية وإشراك الأطراف العربية المعنية سيجعلهم ملتزمين بالعملية. كما يمكن أن توفر الدول العربية التدريب لأجهزة الأمن، علاوة على الرقابة، ويوجد لدى بعض الدول العربية ميزة خاصة كونها صديقة لكلا الطرفين، ويمكن أن يتم الحد من أو الاستغناء عن إسهام بعض الدول نتيجة لاعتبارات تاريخية أو إقليمية أخرى.

شرط سياسي مسبق للتدخل: يجب أن يخضع أي قرار بدعوة أي طرف ثالث للمساهمة في التواجد الدولي لسياق سياسي، ويحتاج المساهمون الدوليون لنوع من الاتفاق ما بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية، وبالنسبة لمعظم الأطراف الدولية فإنه لا يكفي وجود اتفاق بين إسرائيل والمجتمع الدولي، وبين الحكومة الفلسطينية والمجتمع الدولي. ويبقى السؤال المطروح: ما هو المعنى المحدد "لاتفاقية"؟ هل يعتبر أي اتفاق أقل من اتفاق الحل الدائم مقبولاً؟ وهل يعتبر أي "تفاهم" بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية أمرا كافيا؟

الاجماع كشرط مسبق: تعتبر موافقة كلا الطرفين أحد جوانب الإجماع الذي يطلبه المجتمع الدولي، كما أن هناك مطلباً بوجود جو عام من الإجماع لدى الرأي العام عند الطرفين حيث أن الطرف الثالث سيختلط مع السكان المحليين وهو بحاجة لدرجة معقولة من الدعم من قبلهم،  ويعني القبول أيضا الموافقة على تركيبة الطرف الثالث المشتركة.

شروط بنيوية مسبقة للتدخل: يجب أن يكون هناك وضوح تام للمهمة وحدود واضحة للمسؤولية، ولا يمكن مشاركة الآخرين في أي مهمة من المهام البعيدة عن نطاق المراقبة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمسؤوليات الأمنية؛ بحيث يجب أن تكون المسؤولية الكاملة ملقاة على عاتق طرف واحد. كما أنه يجب القيام بتخطيط مفصل بمجرد اتخاذ القرار بتفويض طرف ثالث، وسيعمل هذا التخطيط المفصل على تطوير الطرق التي سيتم من خلالها إنجاز التفويض. يحدد التفويض حجم ونوعية الموارد اللازمة، وليس العكس، ويجب أن يكون هناك شفافية مطلقة عند التخطيط وأن تكون الجهود الدولية القائمة اليوم نقطة الانطلاق لهذا التخطيط، وغني عن القول أن الوضع الراهن يكتنفه الغموض والاضطراب.

الحاجة للمضي قدما رغم الخلافات المتواصلة: في الوقت الذي يجب أن تقوم فيه الأطراف بالتوفيق بين ما تريده وما يستطيع المجتمع الدولي تقديمه، قد يواجه المجتمع الدولي طلبا بالتدخل قبل الحصول على ما يريده من الطرفين، ولن تختفي هذه الخلافات، لذا يجب القيام بما يضمن المضي قدما على الرغم منها، فهل يستطيع دخول طرف ثالث تغيير المعادلة السياسية وإرجاع الأطراف على طريق التسوية الدائمة؟

التقارب السياسي: على مدار العام الماضي، تزايد تقارب الرأي السياسي بين الدول الغربية حول كيفية التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك نتيجة لما قامت به الرباعية بشكل أساسي، وبالمثل، فقد أبدت جميع الدول العربية في قرار جامعة الدول العربية لشهر آذار (مارس) 2002 استعدادها للبدء في بناء علاقات طبيعية مع إسرائيل حال انسحابها من الأراضي العربية المحتلة واستعدادها للتوقيع على معاهدة سلام مع جيرانها. إلا أنه، وفي الوقت الذي يوجد فيه اتفاق عام على المبادئ، لا تزال الآليات الدبلوماسية والمادية لتنفيذ رؤيا السلام هذه ناقصة.

ثنائي يقابله رباعي: تشعر بعض الدول بأن ما يتم إحرازه من التقدم بطيء جدا ولهذا أبدت استعدادها لوضع ترتيبات بشكل ثنائي مع كلا الطرفين لاستيعاب الفجوات بين أهداف "خارطة الطريق" الطموحة والجدول الزمني وبين الجهود المتواضعة لتنفيذ الأهداف في ظل هذا الإطار الزمني، ويبدو أن هذا الاستعداد يتضمن إرسال رجال شرطة ورجال أمن، إلى جانب الموظفين المدنيين لدعم تنفيذ المرحلة الأولى من "خارطة الطريق". وقد أبدى منتقدو هذه السياسة قلقهم من أن جهود التنسيق ستصبح صعبة مجددا إذا قامت الدول باللجوء للاتفاقيات الثنائية، أما المؤيدون فقد أشاروا إلى أنهم يفضلون العمل من خلال الرباعية، لكن إذا جعل مطلب الإجماع في الرباعية العمل الفعال أمرا مستحيلا، فلن يكون لديهم الخيار في العمل المباشر مع الأطراف.

توسع دولي أكثر من اللازم: إن عدد الدول التي تحظى بقبول من كلا الطرفين قليل، وتعتبر هذه الفترة بشكل عام فترة صعبة للحصول على استعداد بالمساهمة في تواجد دولي على ضوء العدد الكبير من الالتزامات الدولية الحالية حول العالم، إن هذه الدول مثقلة فعليا كما أنها بالإضافة إلى ذلك تقوم بالتحضير لمزيد من التدخل المحتمل في المستقبل في العراق. ومع ذلك، وافقت جميع الدول عمليا على أن حل النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي يشكل الأولوية الأولى للمجتمع الدولي في الوقت الراهن.

 

5 . الخلاصة

الخلافات المتصارعة: هناك خلافات واضحة داخل المجتمع الدولي وبين الأطراف فيما يتعلق بطبيعة ونطاق التدخل الدولي في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. فمن جهة، هناك عملية سياسية موجودة حاليا ومقدمة من قبل الرباعية "وخارطة الطريق"وتطرح إطار عمل لما يتطلبه التدخل الدولي، ومع ذلك، لا يزال الإسرائيليون والفلسطينيون وبعض الدول المتشككين في رغبة المجتمع الدولي السياسية بالقيام بالخطوات اللازمة لضمان نجاح "خارطة الطريق". ويعتقد الجميع بأن فشل "خارطة الطريق" سيؤدي إلى زيادة الأزمة سوءا وبشكل كبير وربما إلى إلغاء الفرص الإيجابية التي ظهرت مؤخرا، وهكذا، يجادل البعض بوجوب أن يأخذ التخطيط بعين الاعتبار مستوى أعمق من التدخل الدولي حال فشل خارطة الطريق.

أنت أولا: هناك خلاف آخر يعكس التوجه العام لدى المجتمع الدولي لتقليد التوجه القائم لدى الإسرائيليين والفلسطينيين في الطلب من بعضهم القيام بخطوات أولا قبل أن يكون الآخر مستعدا للقيام بخطوات مقابلة، وتقول الأطراف أنها بحاجة لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية و/أوالمجتمع الدولي لكسر الجمود الناجم عن غياب الثقة. ومن ناحية أخرى، يسعى المجتمع الدولي بشكل عام لزيادة الضمانات إلى أقصى درجاتها لضمان النجاح قبل إبداء الاستعداد للتدخل، في هذه الحالة، تكون هذه الإجراءات الوقائية على شكل الطلب من الأطراف التوصل إلى اتفاقية أولا مثل "خارطة الطريق" ومن ثم تحميل كامل مسؤولية تنفيذها للأطراف نفسها. وفي السياق الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن مثل هذه الطريقة التي تتمثل في انتظار الطرف الآخر قبل القيام بأي خطوات مهمة ستكون ذات قدرة نجاح محدودة جدا.

الفجوات: تبرز هذه الخلافات الفجوات في الوضع الراهن والتي يجب جسرها قبل إحراز أي تقدم محتمل، وتشير الظروف الإنسانية والأمنية المفجعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة واستمرار التهديد الأمني الإسرائيلي إلى جانب تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل إلى الحاجة لجعل تدخل الطرف الثالث كحد أدنى شاملا بدرجة معقولة، وذلك مقارنة مع مستويات التدخل السابقة والحالية. إلا أن هناك فجوة كبيرة ما بين هذا الحد الأدنى و"مبادئ التنسيق" الواردة في "خارطة الطريق". بالإضافة إلى وجود فجوة بين ما يظهر أن المجتمع الدولي مستعد للقيام به، وهو أكبر بكثير مما تقترحه "مبادئ التنسيق" في خارطة الطريق، وبين ما تتطلبه الظروف الراهنة من حد أدنى للتدخل. ويمكن تصوير هذا بيانيا كما في الشكل التالي:

 

الظروف الحالية على الأرض تتطلب مستوى ) س) من التدخل الدولي

 

 

 

رغبة المجتمع الدولي في التدخل ( أكبر مما ورد في "مبادئ التنسيق"لكن أقل مما هو مطلوب)

 

 

"مبادىء التنسيق" لمتطلبات خارطة الطريق

 

تعقب الفجوات: على طول كل خط من "خطوط الفجوات"تكمن أشكال عدة من التدخل، ويجب أن تركز الجهود المستقبلية على تعريف لا يقتصر فقط على ما هو كامن على كل هذه الخطوط، بل ما يتطلب أيضا من جهود إضافية إذا فشلت طريقة التدرج الحالية، كما فشلت في العديد من الصراعات الدولية، وكما يشير المخططون في العادة، يجب تصميم الاستعدادات دوما للتعامل مع أسوأ الحالات الطارئة. وفي السياق الإسرائيلي - الفلسطيني فإن مما لا شك فيه أن المرغوب به هو الوصول إلى الأفضل، إلا أن هذا نادرا ما يصبح أمرا واقعيا، لذا يجب إعداد التحضيرات لأنواع متعددة من التدخل اللازم لعلاج الظروف الحالية وللظروف المستقبلية المحتملة في حالة وجد المجتمع الدولي أنه لا يمتلك الإداره اللازمة لتشجيع الأطراف على تنفيذ التزاماتها في "خارطة الطريق".

 

التقرير الرابع

(6-7 أيار/ مايو 2004)

 

إعداد

أمجد  عطالله، جاريت شوبرا، ياسر م. الدجاني

أورت جال، جويل بيترز، مارك وولش

 

في أعقاب رفض الليكود لخطة شارون للانفصال عن قطاع غزة واجزاء من شمال الضفة الغربية بتاريخ 6 و7 مايو/أيار 2004، اجتمعت مجموعة من الإسرائيليين والفلسطينيين والمسؤولين والخبراء الدوليين لنقاش الجوانب العملياتيه لتدخل طرف ثالث في عملية الانسحاب. ترأس الاجتماع جاريت شوبرا ومارك وولش، واستضافته وزارة الشؤون الخارجية الهولندية في مدينة نوردويك آن زي، وتمت رعايته من قبل "برنامج أمن المجتمع الدولي" التابع لمركز الدراسات الدولية في جامعة كامبردج، وجرى تنظيمه بالاشتراك مع "مبادرة التقييمات الاستراتيجية". هدف النقاش إلى دراسة المّجدي وغير المّجدي عملياً، في سياق الواقع الاجتماعي والسياسي.

 تناول الاجتماع سلسلة من القضايا المؤثرة في تصميم الدور الذي سيقوم به أي طرف ثالث أثناء فترة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، وقد جمع المشاركون ما بين الخبرات المحلية والإقليمية، والمعرفة المباشرة بوضع الأطراف بالإضافة إلى خبرتهم في عمليات السلام المعقدة، وفي مجالاتها الإنسانية، والعسكرية، والسياسة الانتقالية، وقد أتاح هذا المزيج من الخبرات المجال أمام بلورة فهم متخصص للمنطقة واستخلاص الدروس المستفادة من المهام الدولية متعددة الأبعاد، منتجاً مجموعة شاملة من اعتبارات التخطيط، ويعكس التقرير التالي القضايا التي تم نقاشها، ويدرج كثيراً من الأفكار التي أسهم بها المشاركون، ويعتبر مضمون هذا التقرير مسؤولية المؤلفين وحدهم.

إن نتائج هذا الاجتماع هي استكمال للتقارير السابقة المتعلقة باعتبارات التخطيط، وقد أوضحت التقارير السابقة بعض مبادىء التدخل الفعال والقابل للاستمرار في السياق الإسرائيلي – الفلسطيني، وقد نشرت على نطاق واسع في دوائر التخطيط الدولي وبين الأطراف المعنية ومجتمعاتها، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الخبراء والمراقبين المهتمين. يحدد التقرير التالي الجوانب الاستراتيجية للانسحاب الإسرائيلي في الوقت الحالي؛ واصفاً بيئة العمل للطرف الثالث؛ وموضحاً لطبيعة التدخل الدولي المحتمل في نظام الحدود، وفي الحكم الفلسطيني، وفي نقل الممتلكات في قطاع غزة؛ وينتهي باستخلاص عوامل واعتبارات التخطيط العامة.

إن خلاصة ما توصل إليه المؤلفون هي ان مشاركة طرف ثالث هو مطلب حاسم وحتمي إذا كان الهدف من الانسحاب هو خدمة مصلحة كافة الأطراف المعنية.

 

1. الجوانب الاستراتيجية للانسحاب

السياق الحالي: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي في 18 كانون أول (ديسمبر) 2003 نية حكومته الانفصال من "طرف واحد" عن قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية مع نهاية عام 2005. وصادق الرئيس الأمريكي على خطة شارون في 14 نيسان (إبريل) 2004، بعد أشهر من النقاش، كما صادق الرئيس الأمريكي بوش أيضا على الصياغة الإسرائيلية لقضيتين من قضايا الوضع الدائم وهي: قضية اللاجئين الفلسطينيين وحدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، كما قام بتغيير السياسة الأمريكية فيما يخص "الجدار الفاصل" الذي تبنيه إسرائيل، مؤيداً استمرارية بنائه حول الضفة الغربية عوضا عن بنائه فوق الخط الأخضر.

خطة الانفصال أحادية الجانب: تبين النسخة الأصلية والمعلنة لخطة شارون أن "إسرائيل ستخلي قطاع غزة، بما في ذلك كافة المستوطنات الإسرائيلية الموجودة هناك حاليا، وأنها ستعيد انتشارها خارج أرض القطاع". كما وتشير الخطة أيضا إلى نية إسرائيلإخلاء أربع مستوطنات ومنشآت عسكرية دائمة في الأجزاء الشمالية من الضفة الغربية، ومن المتوقع أن يخطط لـ "تواصل إقليمي" في شمال الضفة الغربية ولتواصل شبكة المواصلات عبرها، وتؤكد الخطة أن الانفصال لن يبطل "الاتفاقيات الحالية"، وتشير إلى استمرار العمل "بالترتيبات الحالية"، وتنص هذه الخطة أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة "لن يكون هناك أساس للادعاء بأن قطاع غزة أرض محتلة".

 

"الانفصال أحادي الجانب": تدعي إسرائيل بأنه سيتم تنفيذ هذه الخطة من طرف واحد لأنه "لا يوجد شريك فلسطيني من الممكن إحراز تقدم معه عبراتفاقية ثنائية"، وتدعو مبادئ الانفصال إلى الحفاظ على الترتيبات الحالية، ومن هنا تقر باستمرارالمستوى الوثيق من الاعتمادية المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهناك العديد من العلاقات بين أطراف العمل الفلسطينية وبين كل من الجيش الإسرائيلي، والشركات وموردي الخدمات، والحكومة الإسرائيلية، وتستوجب هذه الاتصالات قدرا معيناً من التنسيق والتفاهم، مما يعني الحاجة إلى وسائط بديلة عن المفاوضات الثنائية.

 

أ) الردود على الفصل أحادي الجانب

الرد الدولي: صادق أعضاء الرباعية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الفيدرالي الروسي، والولايات المتحدة) في 4 مايو-أيار 2004، على خطة شارون للانسحاب من غزة واصفينها كخطوة إيجابية باتجاه تحقيق جزء من متطلبات خارطة الطريق التي سبقتها بعام، والتي قبلتها كل من الحكومة الإسرائيلية (مع 14 تحفظ) والسلطة الفلسطينية، وقد أعلنت الرباعية أنها "ستعمل، على أساس طارىء بالاشتراك مع البنك الدولي ومكتب منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، ولجنةالتنسيق الخاصة بالدول المانحة، بالاستناد إلى الدراسة التقييمية العاجلة التي أعدها البنك الدولي ومكتب منسق الأمم المتحدة، على ضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية الفلسطينية، وإحياء وتطوير البنية التحتية الفلسطينية، وإنعاش النشاط الاقتصادي".

الرد الفلسطيني: أبدت السلطة الفلسطينية امتعاضاً تجاه كل من إعلان إسرائيل للخطة والتأييد الأمريكي لها، وتستمر السلطة الفلسطينية في الجدال بأن أي انسحاب يجب أن يحدث في سياق مفاوضات ثنائية كما أنها شددت على قدرتها على ضمان الأمن الداخلي في الأراضي التي ستخليها إسرائيل في حال كان الانسحاب من قطاع غزة كاملاً، وجاء عبر عملية تفاوضية، وإذا ما سُمِح للرئيس عرفات بحرية الحركة الكاملة.

أما حركة المعارضة الإسلامية حماس، فقد أعلنت أنها ستوقف جميع العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين بناءً على انسحاب كامل من غزة، لكنها حذرت من استمرارها في شن الهجمات ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية، وبالمثل فقد أعربت العديد منخلايا فتح والمنظمات غير الموحدة عن استعدادها لوقف كامل للعمليات في قطاع غزة في ظروف مماثلة.

 

الرد الإسرائيلي: أخضع شارون خطة الفصل أحادية الجانب لتصويت أعضاء حزب الليكود في 2 مايو-أيار 2004، إلا أنه تم رفض الخطة بعد الحشد والحملة الشعبية المكثفتين التي قامت بهما حركات المستوطنين، وكنتيجة لذلك، أكد شارون عزمه مواصلة الإعداد للانفصال أحادي الجانب، ولتقديم خطة منقحة لمجلس الوزراء الإسرائيلي لإقرارها، وقد أشارت استطلاعات الرأي العام إلى أنه وجود تأييد غالبية الشعب الإسرائيلي للخطة، وكذلك غالبية ناخبي الليكود، كما أعلن حزب شينوي شريك ائتلافالليكود البارز، استمراره في تأييد الخطة وترقب عرضها على الحكومة، والمصادقة عليها وتنفيذها، كما أكد حزب العمل تصويته لصالح خطة الانسحاب إذا عرضت على الكنيست.

 

ب) احتياجات ومخاوف الانفصال

الاحتياجات والمخاوف الإسرائيلية: إن الأهداف الإسرائيلية الرئيسية من الانفصال هي الحد من نقاط الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتسهيل إدارتها عن طريق إعادة الانتشار على طول الخطوط الأمنية، وتأمل إسرائيل، على المدى المتوسط والبعيد،أن تساهم هذه الخطوة في الحد من تأييد الشعب الفلسطيني للمقاتلين المتطرفين، وستعزز وجود ما تعتبره شريكاً مسؤولاً في مفاوضات السلام الثنائية. أما بعد الانفصال، فيبقى البعد الأمني مصدرا لقلق إسرائيل الأساسي (أي منع الأنشطة الإرهابية، ووقف إعادة بناء البنية التحتية للإرهاب أو إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل)، فقد تزيد الفوضى من قوة الحركات المتطرفة، فالاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قد يشكل مصلحة لإسرائيل، وكذلك يحقق المزيد من التنمية في قطاع غزة، أما فيما يتعلق بالتدخل الدولي لإعادة البناء والتأهيل، فتفضل إسرائيل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

 كما ترغب إسرائيل بتوظيف انفصالها وإجلائها للمستوطنات لتحسين منزلتها الدولية، إلا أن إعادة توطين المستوطنين تنطوي على مخاطر سياسية داخلية، نتيجة للاعتقاد الشعبي أن الانسحاب هزيمة، وقد يتفاقم هذا الأمر إذا ما استولى المقاتلون الفلسطينيون أو دمروا المستوطنات التي يتم إجلاءها، ومن المتوقع أن تؤثر هذه الأحداث بصورة سلبية على تأييد الشعب الإسرائيلي للانسحاب التالي من الضفة الغربية، وعليه، فإن إسرائيل معنية بضمان النقل المنظم لجميع الممتلكات المتبقية للأطراف التي تستطيع دعم عملية السلام بشكل أفضل.

الاحتياجات والمخاوف الفلسطينية: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة المستقلة هو الاهتمام الأول للفلسطينيين، ويخشى الفلسطينيون من قيام إسرائيل بإخلاء قطاع غزة فقط، وتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، وقد ازداد قلقهم بهذا الشأن بعد تصريح بوش تأييده لقرار إسرائيل الخاص بالحدود و "الجدار العازل"، ويحتاج الفلسطينيون إلى توظيف الانسحاب كخطوة نحو الأمام تجاه مفاوضات الوضع النهائي وحل الصراع.

تختلف المخاوف الفلسطينية الأخرى من طرف لآخر، فقد أصبحت السلطة الفلسطينية الشريك المفاوض الفعلي مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة على الرغم من افتقارها للتفويض الشعبي، إلا أنها تخشى فقدان مصداقيتها لدى الفلسطينيين إذا كانت غير قادرة على تحقيق وعدها بالتفاوض لإنهاء الاحتلال، أما حماس، فترغب بترجمة انسحاب القوات الإسرائيلية على أنه نصر سياسي تجيره لنفسها للعب دور مستقبلي في حكم قطاع غزة دون المساومة على وجهات نظرها الخاصة بالوضع النهائي، ويسعىعدد من الفلسطينيين لخلق سلطة قادرة على الاستجابة لنداء الديمقراطية والحكم الصالح في قطاع غزة.

كما تتضمن المخاوف الفلسطينية عدم الثقة في أهداف وممارسات الولايات المتحدة الأمريكية مما قد يؤثر على القبول الفلسطيني لمشاركة معينة في قوات الطرف الثالث.

الاحتياجات والمخاوف الدولية: تبرز المصالح الدولية في عملية السلام الإسرائيلي– الفلسطيني على مستوى كل من الحكومات الوطنية والبيروقراطية الدولية، فمن منظور القيادة الوطنية، قد ينطوي التدخل الناجح في حل النزاع على تحقيق مكاسب سياسية كبيرة محليا ودوليا، إلا أن هذا التدخل يستلزم مخاطرة سياسية شخصية هائلة يمكن التخفيف من وطأتها بتقديم الفلسطينيين والإسرائيليين لبعض الضمانات، كما أن موارد العديد من هذه الدول موزعة بشكل واسع في مناطق صراع أخرى وقد لا يتم تصنيف الوضع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه الأولوية الأكثر أهمية.

أما على المستوى البيروقراطي، فقد أنشأ المجتمع الدولي عددا من المؤسسات، والمنظمات، والعلاقات مع السلطة الفلسطينية ومع إسرائيل، وتشمل هذه المنظمات مثلاً لجنة التنسيق التابعة للدول المانحة (AHLC) والتي تتألف من صناع القرار على مستوى عال؛ ولجنة تنسيق الدعم المحلي (LACC)، حيث تشارك جميع الدول المانحة؛ و"مجموعة العمل لتنفيذ المشاريع"، والتي تقوم بتسهيل وصول الدعم، بالإضافة لأمور أخرى؛  و"مجموعة سياسات القضايا الإنسانية والطارئة" والتي سنقوم بمراقبة الأزمة الإنسانية وتقديم مقترحات بالأساليب السياساتيه، و"مجموعة العمل الخاصة بالإصلاح الفلسطيني" التي تشارك في تعزيز جهود الإصلاح المؤسساتي؛ وبرامج البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ووكالة غوث اللاجئين، ومكتب تنسيق الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للتطوير، وبرنامج الغذاء العالمي ومسؤوليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ بالإضافة إلى المنظمات الدولية غير الحكومية والمشاريع التي تقوم دول مختلفة بتمويلها مباشرة، وسيكون من الصعب إجراء تغييرات على عمل هذه الأجهزة عند تبلورظروف جديدة وذلك لعدم قدرة هذه المؤسسات على التأقلم.

إن بعض جوانب البنية التحتية التنظيمية اللازمة لتدخل طرف ثالث قائمة بالفعل وتشمل أكثر من ألف موظف دولي ناشط على مسرح الأحداث، إلا أن هذا التدخل يهدف إلى تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية لتتمكن من إدارة مناطق محدودة ومن غير الواضح وربما من المستبعد أن يستطيع وحده توفير مظلة واقية لإحداث نقلة نوعية في العمل الدولي وفي إدارة النزاع والقرارات اللازمة للانسحاب.

 

ج) الانفصال كفرصة

توقعات ومخاوف: يقر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين أن خطة الانفصال أحادية الجانب تعكس فشل المؤسسات السياسية عند الطرفين في التفاوض بنجاح للتوصل لاتفاق لإنهاء النزاع، مع ذلك، فإن انسحابا كاملاً من قطاع غزة ومناطق أخرى في شمال الضفة الغربية يوفر فرصة لتغيير الواقع ورفدها بديناميكيات جديدة وبناءة.

يعتبر الإخلاء الكبير الأول للمستوطنات ذا أهمية رمزية كبيرة من المنظور الإسرائيلي، حيث تكمن إن الأبعاد السياسية الكبيرة لهذا العمل في أن من تقدم باقتراح الإخلاء هي حكومة يرأسها الجناح اليميني رغم تداعياتها السياسية.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فهناك أمل وخوف من الانسحاب، حيث أن الغالبية الكبرى من الفلسطينيين، وخاصة في المناطق المتوقع إخلاؤها، يتطلعون إلى إزالة المستوطنات والجنود، إلا أن هناك تخوفاً كبيراً من التبعات السياسية وخطر تحطيم الطموحالوطني الفلسطيني بدولة مستقلة.

 بالرغم من أن الخطة ذاتها أحادية الجانب، إلا أنه يترتب على كافة الأطراف ذات العلاقة (على كلا الصعيدين المحلي والدولي) تحمل عبء مضاعفة استعداداتها إلى أقصى حد وتوظيفها لبناء الثقة بحيث تكون قادرة على دفع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين مجددا نحو عملية السلام، ويمكن أن يلعب المجتمع الدولي دورا ايجابيا وذلك من خلال التأثير على توقعات الطرفين وضمان تحقيق المصالح الممكنة.

تدخل طرف ثالث: إن الإصرار الإسرائيلي على أحادية الانسحاب يترك الكثير من القضايا الثنائية المشتركة بحاجة للحل، إذا كان للانفصال أن يعمل على تعزيز السلام والأمن والحرية لكافة المعنيين، إن غياب الاتفاقيات الثنائية المباشرة تبرز الحاجة إلى طرف ثالث لتسهيل التفاهم المشترك والقيام ببعض المهام المحددة والتي يمكن أن تخدم المصالح المشتركة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، كذلك تؤكد خطة الفصل وبشكل علني للمرة الأولى منذ بدء التواجد الدولي المؤقت في الخليل عام 1994، على رغبة إسرائيل في النظر في دور طرف ثالث في العديد من المجالات، وتصرح الخطة بأن "إسرائيل توافق على قيام خبراء أمريكيون وبريطانيون ومصريون وأردنيون وغيرهم ممن ستوافق عليهم إسرائيل العون، والمشورة والتوجيه لقوات الأمن الفلسطينية لمحاربةالإرهاب والحفاظ على النظام العام شرط أن يتم التنسيق معها لذلك، كما تشير الخطة أيضا إلى احتمالية وجود خبراء أمن أجانب يتم التنسيق معهم والموافقة عليهم من قبل إسرائيل، وتدعو أيضا "إلى وجود هيئة دولية تقبل باستلام الممتلكات الموجودة فيالمستوطنات".

 

2. ظروف العمل في قطاع غزة

الأرض والسكان: يبلغ عرض قطاع غزة حوالي 11 كيلومترا ويبلغ طوله 30 كيلومتر، ويحاذي البحر الأبيض المتوسط والحدود المصرية في الزاوية الجنوبية الغربية لإسرائيل، ويؤلف القطاع ما نسبته 5.8% من مجموع أراضي الضفة الغربية والقطاع مجتمعين،ويعتبر قطاع غزة موطنا لما يقارب 1.2 مليون فلسطيني (منهم 80% تقريبا من اللاجئين) يعيشون على مساحة تتراوح بين 60-70% من الأراضي المتاحة، وهناك ما يقارب 7500 مستوطنا إسرائيليا يقيمون في 23 مستوطنة حيث تؤلف المستوطنات مع بعضها البعض إلى جانب المنشآت والمواقع العسكرية ما نسبته 30-40% من مساحة قطاع غزة.

السيطرة والعبور: تنتشر القوات الإسرائيلية لتقديم الدعم المباشر للمستوطنات وللسيطرة على طرق المستوطنين القادمة من إسرائيل مباشرة والتي تقسم قطاع غزة إلى ثلاثة أجزاء، بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ إسرائيل بسلسلة متطورة من آليات المراقبة الالكترونية على طول السياج الذي يفصل إسرائيل عن قطاع غزة تضم طائرات بدون طيار، وكاميرات الفيديو، وآلات التصوير الحراري وأدوات التنصت.

ولا يزال المجالان الجوي والبحري المحيطان بقطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية منذ بداية الانتفاضة في عام 2000، عندما توقف التعاون في هذه المجالات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولا يوجد لقطاع غزة أي ميناء بحري، على الرغم من وجود مخططات لبنائه، أما مطار "غزة" القريب من الحدود المصرية فلا يعمل ويحتاج إلى نحو 6 أشهر حتى يعود للعمل من جديد.

التقسيمات الجغرافية: يعتبر قطاع غزة بيئة أسهل للعمل بسبب كونه منطقة مترابطة مما يجعل إدارته أكثر سهولة، مقارنة مع الضفة الغربية، لكن، وبسبب طبيعة العنف الدائر على مدار الأعوام الثلاث الأخيرة فقد قامت القوات الإسرائيلية بإغلاقات داخلية وخارجية مشددة أدت إلى تشكيل عدد من الجيوب الجغرافية المنفصلة – مفاقمة الانقسامات السياسية بين المجموعات الفلسطينية، ومقلصة شرعية السلطة الفلسطينية، وتبرز هذه الظاهرة وبشكل واضح في منطقة خان يونس وسط قطاع غزة وفي رفح جنوبه، ومن المتوقع استمرار هذه المناطق وتحت أي سيناريو في تشكيل تحد للوحدة الفلسطينية، كما تستلزم معاملة خاصة، وتعاني المنطقتان بشدة من الفقر المدقع وانتشار واسع للبطالة وضعف القانون والنظام.

 

خطوط الإمداد: بالرغم من النزاع فقد قامت إسرائيل من خلال إدارتها المدنية، بتسهيل استمرار الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، وهدف ذلك إلى إيجاد السبل لتجاوز معضلة تلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية في الوقت الذي يجب فيه العمل للحد منتأثيرها على الوضع الاقتصادي والإنساني الفلسطيني، وكذلك، استمرت إسرائيل في تزويد الخدمات (المياه، الطاقة، الغاز، وغيرها) للفلسطينيين ولم تستخدم هذه الخدمات كسلاح ضدهم، وهناك نقاط احتكاك أخرى مع الفلسطينيين في نقاط العبور في قطاع غزة بكل ما فيها من مهمات مثل الجمارك والهجرة والأمن.

 

3. الترتيبات الحدودية في قطاع غزة

أ) الاعتبارات المتعارضة حول حرية الحركة

الحركة الأرضية: يؤثر اعتباران جوهريان لكنهما متعارضين على كيفية إتاحة عبور الناس، والسلع، والخدمات من وإلى قطاع غزة،  بالنسبة للفلسطينيين، فإن العبور إلى إسرائيل والضفة الغربية ومصر وباقي أرجاء العالم، خاصة مقدرتهم على التجارة، يعتبر عنصراً هاماً للاستقرار والتنمية الاقتصادية في قطاع غزة، وفي أي محاولة للموازنة بين حرية الحركة وتدفق الموارد وبين فرض قيود على الحدود لتجنب الهجمات الممكنة، فإن إسرائيل ستقرر لصالح الأمر الثاني، أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن سيطرة إسرائيلالحصرية في ظل الترتيبات الأمنية الحالية لن تتيح المجال لفرصة حقيقية لفتح منطقة قطاع غزة، وقد يكون هناك إمكانية لجسر الهوة بين الطرفين والمساعدة في وضع آليات تخفف من مخاوفهما في وجود طرف ثالث في البداية، وكذلك، تتوقف طبيعة أي نظام حدودي في قطاع غزة على المدى البعيد على تعزيز المؤسسات والمهام الحكومية الفلسطينية وعلى التطبيق الفعال للإصلاحات الأمنية على نطاق واسع النطاق.

المنظور الإسرائيلي: لدى إسرائيل حاجة لضمان عدم تعريض مطالبها الأمنية للمساومة بسبب الانسحاب، وهي ترغب في ضمان مراقبة تدفق السلع والناس من وإلى قطاع غزة بعناية، وأن يتم حجز السلع واعتقال الأشخاص عند اللزوم، كما يوجد لدى إسرائيل مجموعتان متشابكتتن من المخاوف، فالأولوية الأولى لإسرائيل هي السيطرة التامة على حدودها ونقاط العبور مع قطاع غزة حتى تتمكن من وقف الفلسطينيين العازمين على مهاجمة مواطنيها، وتأمل إسرائيل أيضا بتوفير الوسائل اللازمة لمنع تهريب الأسلحة والمتفجرات عبر الحدود باتجاه إسرائيل والضفة الغربية، وتقع هذه المهمة ضمن حقوق السيادة الإسرائيلية ولا تؤثر بشكل مباشر على الحقوق الفلسطينية.

 

أما مجموعة المخاوف الأخرى فتتعلق بتدفق الناس والسلع والموارد إلى قطاع غزة، وتأمل إسرائيل بمنع الفلسطينيين في قطاع غزة من تطوير القدرة والخبرة لتأسيس البنية التحتية للإرهاب وشراء أنظمة أسلحة تفوق الحد الضروري لحفظ القانون والنظام المحلي، أو الحصول على موارد لتمويل هذه الأنشطة، بالإضافة للحد من دخول الأفراد الخبراء في هذه الأمور، وترى إسرائيل ضرورة لحفاظ على بعض أشكال السيطرة على نقاط العبور بين قطاع غزة ومصر، وعلى طول مناطق الحدود المصرية، وعلى مداخل قطاع غزة البحرية والجوية، وتؤثر هذه المهمة مباشرة على الحقوق الفلسطينية.

المنظور الفلسطيني: من المهم قدر المستطاع بالنسبة للفلسطينيين، إدارة العديد من الجوانب المعقدة للترتيبات الحدودية للحد من تأثيرها على الظروف الاجتماعية– الاقتصادية والإنسانية، ويمكن القيام بهذا الأمر بشكل أفضل بمساعدة المجتمع الدولي وحكومة إسرائيل، ويخشى الفلسطينيون بأنه لن ينجم عن الانسحاب من قطاع غزة سوى توسيع "للسجن"، وفي الوقت الذي ستزيد فيه الحركة داخل القطاع، ستكون حركة الأفراد والنقل التجاري عبر نقاط العبور الأرضية محدودة جداً وخاضعة لسياسة إغلاق متشددة، ولذا يجب الحفاظ على الروابط الإقليمية بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإسرائيل، وباقي العالم، من أجل إعادة إنعاش الوضع الاقتصادي؛ ولتسهيل تدفق التجارة والعمال والأشخاص والخدمات من وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ولتسهيل أنشطة الصيد على شواطئ القطاع. ستؤدي السيطرة الفلسطينية على نقاط العبور الدولية مع مصر وإعادة بناء الميناء البحري والمطار الجوي إلى تعزيز الآمال بالنجاح الاقتصادي.

تعتمد قدرة الفلسطينيين على الاستفادة من الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كثيرا على البيئة التي سيعملون من خلالها، وخصوصا على مدى فتح القطاع على العالم الخارجي. وتحتاج بيئة العمل المنشودة إلى الحد الأقصى من القدرة على المرور وسط ظروف الأمن والاستقرار، وسيعيق أي صراع عسكري بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد الانسحاب تهيئة هذه الظروف وسيمنع تدخل المجتمع الدولي لتحقيق الأهداف بعيدة المدى.

إن قيام السلطة الفلسطينية بمنع الهجمات وإطلاق الصواريخ الموجهة ضد إسرائيل مسألة هامة جدا، ولا بد أن تكون السلطة الفلسطينية قادرة على تأمين الحدود مع إسرائيل ومصر، بما فيها الشريط الساحلي لقطاع غزة، لاعتراض عمليات التسلل والتهريب والأنشطة غير القانونية الأخرى، ويتطلب هذا نشراً للقوات الفلسطينية على طول الحدود بين قطاع غزة – إسرائيل وقطاع غزة – مصر، واستئناف الدوريات البحرية، ويعتبر التدريب والتسليح أمرين أساسيين في إعادة بناء قدرات الأمن البحري الفلسطيني.

 

دور الطرف الثالث: يمكن للمجتمع الدولي لعب عدد من الأدوار البناءة، وستكون للمهمة ذات جانبان؛ الأول: يمكن أن يقوم العاملون الدوليون مباشرة بتسهيل وتنسيق إدارة القضايا المتعلقة بالحدود، مثل المشاكل البيئية والصحية. وثانياً: ستلزم المساعدة الدولية عند إنشاء المؤسسات الفلسطينية الجديدة لإدارة نظام الحدود ونقاط العبور، وفيما يتعلق بتبادل المعلومات، قد ترغب إسرائيل والفلسطينيون الموجودون على نقاط العبور في قطاع غزة بالتعاون لوقف الأنشطة الإجرامية مثلاً، ويمكن لآليات ثلاثية الأطراف تسهيل هذه العملية، خاصة في حالة تدخل الطرف الثالث في العديد من الهيئات الحكومية الفلسطينية، كما يلزم أيضا وجود بعض آليات فض النزاع الرسمي و/أو غير الرسمي، ومن المحتمل بروز الخلافات الإسرائيلية-الفلسطينية حول قضايا الحدود (نقل البضائع، والأشخاص، والموارد) إلى السطح، كما من الممكن دعوة التواجد الدولي للانتشار في بعض أو كل نقاط العبور في قطاع غزة.

 

ب) عمليات نقاط العبور

نقاط العبور: يتشكل نظام الحدود الحالي في قطاع غزة من أربع نقاط عبور موزعة كالتالي: أولا، معبر إيرز (أو بيت حانون) ويعتبر نقطة العبور الرئيسية للعاملين في المنظمات الدولية والمجتمع الدبلوماسي إلى قطاع غزة قادمين من إسرائيل، ويخرج العمال الفلسطينيون الباحثون عن العمل في إسرائيل من قطاع غزة من هذه النقطة، كما توجد منطقة إيرز الصناعية في نفس موقع هذه النقطة، والتي توظف ما يقارب 4,000 فلسطيني، والذين تدعم أجورهم 40,000 فلسطيني آخر. ثانياً، تعتبر نقطة التفتيش فيكارني محطة رئيسية للمواد الاستهلاكية المحفوظة وغير المحفوظة الواردة والصادرة كما يوجد فيه هذه النقطة ممرات متعددة، ونظام التحميل المعروف باسم ظهر-إلى-ظهر (Back-to-Back)، كما يستخدم رجال الأعمال الفلسطينيون هذه النقطة للسفر من وإلى إسرائيل والضفة الغربية. ثالثاً: يخدم معبر صوفا كنقطة عبور رئيسية للمواد الصناعية ومواد البناء إلى جانب بعض العمالة الفلسطينية.

نقطة عبور رفح: وهي نقطة العبور الرابعة الموجودة في رفح وتشكل مدخلاً دولياً لجمهورية مصر العربية من خلال المحطة الفلسطينية، وتخضع لسيطرة إسرائيلية، وهي أيضاً مركز عبور مصري، وتعتبر الجمارك، والهجرة، والتواجد العسكري الفلسطيني حاليا في أدنى حدوده بعد تدمير معظم المرافق، كما أنها لا تكفي لاستيعاب تدفق المارة، ولذا، تحتاج المحطة الفلسطينية لإعادة البناء والتطوير.

تشير خطة شارون (للفصل أحادي الجانب) للرغبة الإسرائيلية بنقل هذه النقطة نحو 2 كيلو متراً إلى جنوب موقعها الحالي، باتجاه مثلث الحدود بين مصر و قطاع غزة وإسرائيل. من المنظور الفلسطيني، يصبح نقل معبر رفح شأن فلسطيني داخلي، في حال انسحبت القوات الإسرائيلية من المنطقة، وتمثل نقطة عبور رفح تحدياً فريداً ومعقداً نسبياً لمخططي نظام الحدود في قطاع غزة، فقد يتطلب موقعها وأهميتها الجغرافية كمركز اقتصادي اعتبارات خاصة، لهذا، فإن السياسات والخطط وعمليات التشغيل المتعلقة بهذه النقطة قد تحتاج لمعالجة منفصلة عن الترتيبات الحدودية بشكلها الواسع.

التحقق من فاعلية العمليات التشغيلية على الحدود: تتمتع الفاعلية التشغيلية للمعابر على الحدود بتأثير مباشر وعميق على الأهداف الفلسطينية والإسرائيلية بعد الانسحاب، وتشمل وسائل مساعدة الطرف الثالث للتحقق من هذه الفاعلية تطوير بنية نظام الحدود مما سيساعد في التوصل لمفهوم عملي وفي ابتكار نظام سيطرة على الحدود مما سيمكن فيما بعد من تصميم المعايير التقنية التكميلية، يليها آلية لفض النزاع وبرنامج قوي للاتصال والتنسيق وربط النظام بين الجانبين.

ويمكن توجيه دعم الطرف الثالث في جميع النقاط الحدودية نحو تنسيق الجدول الزمني،  والنقل المنظم للمتلكات؛ وتطوير البنية التحتية؛ وتبادل المعلومات؛ وتأسيس سلطة الميناء؛ وتطوير الفاعلية التشغيلية؛ والإدارة الفعالة والتدريب، والتنسيق؛ والارتباط مع النقاط الحدودية الأخرى مثل رفح، ونقل الشحنات من وإلى الموانيء الإسرائيلية البحرية والجوية.

 

ج) ترتيبات حدودية مؤقتة

نظام السيطرة على الحدود: يحتم الفصل الإسرائيلي أحادي الجانب وجود نظام حدود جديد لقطاع غزة قد تحتاج عملية بنائه وتعديله لفترة طويلة، وفي تلك الأثناء، يجب القيام بترتيبات انتقالية في البنية التحتية والإجراءات، بالمقابل، تتيح الفترة الانتقالية فرصة للطرف الثالث لقيام لدعم طرف ثالث لتقديم المساعدة المؤقتة للحد من تعطيل الخدمات، فقد يقوم الطرف الثالث بفحص الممرات الحدودية ووضع معايير لتحديد أكثر نقاط العبور فعالية لحمايتها ومراقبتها حتى تتحقق أقصى المنافع الاقتصادية لسكان قطاع غزة.

يوفر نظام السيطرة على الحدود فرصا عديدة للطرف الثالث لتقديم الاستشارة والمساعدة والدعم، وتشمل هذه المساهمة تدخلا معقولا في تخطيط وتصميم وتنفيذ بنية النظام؛ والمساندة في اكتساب المفاهيم ووضع المعايير الفنية للأمن؛ وتحديد وتطبيق إجراءات المتابعة والضبط؛  وإنشاء آلية مناسبة لفض النزاع والتي يمكن من خلالها حل مجموعة من مشاكل الحدود، والتي تتراوح بين أشكال العبور المختلفة إلى إغلاق الممرات، وهناك برنامج تنسيق فعال ملحق بهذه الآلية يكمل ويعزز العلاقة بين سلطات السيطرة على الحدود الإسرائيلية والفلسطينية.

تصنيف المخاوف المتعلقة بالحدود: هناك درجة معينة من المخاوف المختلفة التي يشترك فيها الطرفان فيما يتعلق بنظام الحدود في قطاع غزة وبتشغيل بعض نقاط العبور، ففي حالة انتقال الفلسطينيين من قطاع غزة إلى إسرائيل، فإن كل نطاق الحركة للأشخاص، والبضائع، والخدمات، يشكل قلقاً كبيراً لإسرائيل، وكذلك، فإن حركة الأشخاص والبضائع والخدمات في الاتجاه المعاكس، أي من إسرائيل إلى قطاع غزة، تشكل للإسرائيليين قلقا أقل، ولذا، فإن لدى إسرائيل مخاوف أقل فيما يخص نقل البضائع وحركة الأشخاص من قطاع غزة إلى مصر، والتي تعتبر أساسا مسألة من شأن السلطات الفلسطينية والمصرية التي تدير وتسيطر على تدفق الحركة.

يعتبر دخول الأشخاص والبضائع والخدمات من مصر إلى رفح من أكثر القضايا تعقيداً عندما يتعلق الأمر بنقاط العبور على الحدود، وتعتبر نقطة العبور هذه مثالاً للربط بين الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية والعلاقة الثنائية المستقبلية بين مصر والفلسطينيين في قطاع غزة. كما تتطلب السيطرة على الحدود الجديدة في هذا الموقع إجراءات فعالة لمنع تهريب الأسلحة وكافة أنواع السلع والحيلولة دون تسلل الأفراد ذوي النوايا العدوانية.

إن إتاحة المجال لإسرائيل للإشراف والمراقبة على حركة مرور البضائع والموارد والأفراد إلى داخل قطاع غزة مصلحة أمنية عليا، ولن ترغب في نقل مسؤولية العبور إلى قطاع غزة بأكملها للفلسطينيين، ولذلك، فقد اقترحت إسرائيل أن تكون حركة معابر الحدود من رفح إلى "مثلث الحدود" وإنشاء محطة ونظام حدوديين جديدين، يشملان إجراءات الجمارك والأمن والهجرة ويمكن إشراك طرف ثالث للمساعدة في تصميمها ونقل وظائفها في حال قبول الفلسطينيين لذلك.

تدقيق المهام التشغيلية الدولية: يمكن لوجود طرف ثالث المساعدة في وضع نظام ثلاثي الأطراف يمكن من خلاله تسهيل دخول الأشخاص والسلع إلى قطاع غزة في نفس الوقت الذي يستجيب فيه للاحتياجات والمخاوف الإسرائيلية والفلسطينية، لكن القيام بذلك يستلزم وضع "تدقيق عملي" مناسب للترتيبات القائمة في كل نقطة من نقاط العبور الحدودية، وسيأخذ هذا التدقيق المصالح والمخاوف الإسرائيلية والفلسطينية بعين الاعتبار ويستكشف حجم الخيارات والحلول المتاحة لرفع مستوى الفاعلية والأمن إلى حده الأقصى، وسيتمكن الشكل الجديد من تقليص الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حدوده الدنيا، كما يمكن إدارة التدقيق في ظل دعم المجتمع الدولي والإسهام الإسرائيلي والفلسطيني، كما يمكن توضيح نطاق العمل لتدخل الطرف الثالث الفعلي.

 

د) الجو، والبحر، والأرض، وغيرها من الترتيبات

إدارة المطار والميناء: تتيح إعادة فتح المطار وبناء الميناء في قطاع غزة للفلسطينيين امتلاك مرفقين رئيسيين، يمكن أن يكونا محركان للتنمية الاقتصادية ومصدران أساسيان لفرص العمل. ويمكن من خلالهما تقليل الاعتماد الفلسطيني على النقل عبر إسرائيل، وبالرغم من ضيق الممرات الجوية في المنطقة، إلا أنه من الضروري تحديد الإجراءات الإدارية الفعالة للمجال الجوي في قطاع غزة. ويمكن أن يكون للطرف الثالث دور مهم في التوفيق بين السياسات، والأعمال، والإمدادات، والتمويل، والروابط الجوية لكلا الطرفين، ولذا، يمثل الميناء والمطار أقصى حدٍ لتواصل الشعب الفلسطيني مع العالم.

تدعو الاتفاقيات الحالية المتعلقة بالترتيبات الأمنية في المطار بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى: السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي، والسيطرة العليا على إجراءات الجمارك والهجرة، ومنح السلطة الفلسطينية سيطرة محدودة في إدارة وتشغيل المطار نفسه، مما يتطلب تمركزا لموظفي الأمن الإسرائيليين في حالة إحياء هذه الترتيبات عند إعادة فتح المطار في قطاع غزة. ولن تكون إسرائيل على استعداد لنقل هذه المسؤولية بمفردها للفلسطينيين، ويمكن لوجود طرف ثالث، إتاحة المجال لتطويرالترتيبات الأمنية والجمركية التي يمكن من خلالها تقليص، وربما الحد، من ضرورة التواجد الإسرائيلي في المطار على أن تتم بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية. إن تشييد الميناء في قطاع غزة سيخلق مجموعة من المخاوف الأمنية المرتبطة به مما يتطلب ترتيباتجديدة، ولذا يجب دراسة إمكانية تنزيل السلع المتجهة إلى قطاع غزة في ميناء أشدود أو ميناء حيفا أولا، ثم  ونقلها لاحقاً إلى قطاع غزة إما عن طريق القوارب أو القطار.

الدوريات في المياه الإقليمية: تمثل المياه الإقليمية في قطاع غزة مورداً طبيعياً هاماً للفلسطينيين وتوفر فرص عمل لحوالي 5000 فرد في صناعة صيد السمك خارج الشريط الساحلي، وتمر هذه الصناعة بتغيرات مستمرة بين فترات "الخطر الأمني الأدنى"، والتي تعمل قوارب الصيد الفلسطينية خلالها بعيداً في عمق البحر، وفترات "الخطر الأمني الأعلى"، عندما تجبر قوارب الصيد على البقاء قريبة من الشاطيء أو حتى البقاء في الميناء.

في الوقت الذي يعتبر فيه الصيد مصدراً مهماً للدخل المحلي، تشكل القوارب وسيلة لتهريب السلع، والأشخاص، والمتفجرات أيضا إلى قطاع غزة، وترى إسرائيل حاجة ماسة لتسيير دوريات فعالة في هذه المياه بينما يرى الفلسطينيون في وجود السفن الإسرائيلية المتواصل في قطاع غزة خرقا للسيادة الفلسطينية. إن ضمان الأمن البحري في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه هو أمر أساسي لنجاح الفلسطينيين في حكم القطاع، ويمكن لطرف ثالث المساعدة في جسر هذه المخاوف المتعارضة، يملك المجتمع الدولي خبرة قيمة في مكافحة المخدرات والسيطرة على عمليات الصيد مما قد يساعد على استكمال أو تخفيف الحاجة الإسرائيلية للسيطرة على الشريط الساحلي، ويرتكز تطوير هذه العمليات البحرية على وضع الخطط المفصلة، ومفاهيم العمل، وبنى التنظيم الفعالة، والإجراءات اللوجستية المناسبة، وشمولية التدريب والموارد المتاحة.

السيطرة على طريق فيلادلفي: يمثل طريق فيلادلفي نقطة خلاف قوية بين المخاوف الأمنية الإسرائيلية والمصالح الفلسطينية الاقتصادية-السياسية ويكمن السؤال هنا عمن سيكون مسؤولا عن إدارة وحماية الحدود بين قطاع غزة ومصر، لذا، ستبقي إسرائيل على وجودها العسكري على طول الحدود للحد من المخاطر، وقد بينت إسرائيل عزمها الحفاظ على سيطرتها على طول طريق فيلادلفي لفترة غير محددة من الوقت، أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن استمرار أي وجود إسرائيلي عسكري أو مدني على طول الحدود يمثل استمرارية للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة،  وعلى الرغم من ذلك، تلتقي مصالح كلا الطرفين في إزالة القوات الإسرائيلية من المنطقة.

يهدف الدور الرئيسي لتواجد الطرف الثالث على طول طريق فيلادلفي إلى التوفيق بين المصالح المتعارضة وتسهيل تطوير النظام الحدودي الجديد والذي يأخذ الاحتياجات السياسية والأمنية لكافة الأطراف ذات العلاقة بالحسبان. إن مشاركة مصر في تخطيط وتنفيذ أي من الترتيبات هو أمر ضروري وحيوي، ويمكن من خلال التقييم الأولي تقدير المخاوف الأمنية الإسرائيلية، والمتطلبات التقنية والالكترونية وبنية القوات اللازمة لتجاوزها على طول هذه الحدود. أما لاحقاً، فيمكن تصميم نماذج يتيح التواجد الدولي من خلالها تقليص تواجد القوات الإسرائيلية على طول طريق فيلادلفي إلى حده الأدنى، وقد تتضمن هذه الترتيبات من المنظور الإسرائيلي دوريات وتواجد إسرائيلي ودولي مشترك على طول خط الحدود مع مصر. أما من المنظور الفلسطيني، فإن أي شيء أقل من السيطرة الفلسطينية التامة على تلك المنطقة لا يشكل استمرارية للاحتلال فقط، بل يمثل نقطة خلاف رئيسية أيضا. يمكن أن يقبل الفلسطينيون بتواجد فلسطيني دولي مشترك في الفترة الانتقالية على طول الحدود.

يمكن أن يقوم الطرف الثالث أيضا بتسهيل واستكمال عمل الفلسطينيين على نقاط العبور الحدودية وفي ادارة الخدمات والبنية التحتية للحدود، وفي حال إرساء قواعد العمل وتحديد قيادة البعثة الدولية، فقد تكون إسرائيل على استعداد لقبولانتشار دولي على طول الحدود بين مصر و قطاع غزة، إلا أن نشر هذه القوة قد يستلزم تكاليف مرتفعة ومخاطرة سياسية لأية دولة قد ترغب في الاسهام بمثل هذه المهمة، كما تتطلب دعما كاملا من جميع الأطراف لتأمين الشرعية المحلية، ولذا، سنحتاج لتطوير آليات الاتصال والتنسيق وفض النزاع المناسبة بين كل من إسرائيل، ومصر، والطرف الثالث، وأجهزة الأمن الفلسطينية، ويجب أن يقوم أي ترتيب على طول الحدود بتقسيم واضح للأدوار، والمسؤوليات وقنوات الاتصال الفعالة، وقد يستلزم الأمرالنظر في إمكانية توسيع تفويض القوة الدولية والمراقبين المتمركزين في سيناء.

مراقبة أنفاق مصر – وقطاع غزة:  يسبب تهريب الأسلحة والبضائع عبر الأنفاق على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة قلقا آخر لإسرائيل. لذا، تستوجب الحيلولة دون التهريب القيام بمجموعة من الإجراءات التكتيكية لإغلاق الأنفاق. ولا يمكن للتواجد الإسرائيلي و/أو التواجد الدولي على طول طريق فيلادلفي علاج هذا الموضوع في أي نظام حدودي جديد، طالما أن نقاط الدخول والخروج لهذه الأنفاق تقع خارج منطقة الحدود المتاخمة تماما، لذا، فإن لمصر دور محوري تلعبه في تصميم وتنفيذ أي عنصرمرتبط بالطرف الثالث، ويمكن أن يسهل الطرف الثالث عملية رصد الأنفاق وتطوير آلية التنسيق والاتصال لتبادل المعلومات الاستخبارية للحد من قدرات الأنشطة التهريبية. يمكن أن يساعد الطرف الثالث كلا الجانبين في وضع الإجراءات المناسبة التي تخضع لإجراءات التحقيق الدولي حيث أن مكافحة التهريب والتسلل تشكل هدفا مصرياً- فلسطينياً مشتركاً.

معالجة القضايا الثنائية الأخرى: تؤثر السيطرة الشاملة على حدود قطاع غزة تأثيرا مشتركا، بالإضافة للجوانب المتعلقة بالبحر والجو، وتشمل الاعتبارات الأقل أهمية عند تصميم نظام حدود فعال كل من الاتصالات، والبيئة، والصحة، والزراعة، وهناك حاجة لصياغة وتطبيق بروتوكولات متعددة مع جيران قطاع غزة ومع المجتمع الدولي بهدف إدارة هذه القضايا الحيوية لنظام الحدود بالتساوي، ويمكن أن تتضمن مساعدة الطرف الثالث تحليلا للاعتبارات القانونية وتحديدا للبروتوكولات الدولية ذات العلاقة، وتنسيقاً للخطط والسياسات مع الأطراف المعنية، وتعريفاً بواجبات ومسؤوليات المؤسسات والسلطة الفلسطينية في قطاع غزة.

تسهيل تنمية المجتمع المحلي: تعتبر التنمية الاقتصادية ركيزة للأهداف الاستراتيجية الفلسطينية بعد الانفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة، ويشكل أحد المكونات الأساسية لمستقبل قطاع غزة الاقتصادي في مجال تنمية المجتمع المحلي، ويمكن من خلال إجراءاتالطرف الثالث – مثل تقييم الاقتصاديات المحلية، وتمويل المشروعات سريعة التأثير، والبرامج التدريبية والمهنية لتزويد المهارات على الصعيد المحلي – تعزيز وتحسين فرص تطوير المجتمع، لذا ينبغي على الجهود الدولية ضمان وجود مصادر خارجية مستمرة لهذه المشروعات.

 

4. الحكم الفلسطيني في قطاع غزة

أ) تقارب المصالح

المصالح الفلسطينية: يعتبر الفلسطينيون أن طبيعة نظام الحكم مسألة داخلية، إلا أنه ونظراً للضرورة فهم على استعداد لنقاش وتنسيق عدد من القضايا مع إسرائيل والمجتمع الدولي، فقد تم تحديد بنية السلطة الفلسطينية عبر المفاوضات مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين، جرت عدة محاولات للتعامل مع مخاوف الفلسطينيين والأطراف الأخرى حول نوعية، إن لم يكن حول طبيعة، ترتيبات الحكم، ويوفر الانسحاب من قطاع غزة فرصة للفلسطينيين، بمساعدة المجتمع الدولي، لتطوير أسلوب ومقياس جديدين للحكم يتماشيان مع المصالح الفلسطينية كوحدة وطنية واحدة.

 

يتيح الانسحاب الإسرائيلي من قطاع للفلسطينيين وللمرة الأولى، خاصة إذا كان انسحابا كاملا وتضمن نقلاً لسلطات السيادة، ممارسة المهام الحكومية بقيود محدودة كأي مجتمع عادي، كما أنه سيخلق فرصاً فريدة للفلسطينيين لوضع قانون ونظام على أساس من التعاون بين كافة الفصائل الموجودة حالياً، والتي أعربت جميعها عن استعدادها للتقيد بوقف إطلاق شامل للنار في قطاع غزة بمجرد إتمام الانسحاب الإسرائيلي منه.

ويتيح الانسحاب للفلسطينيين كذلك مرونة أكبر لوضع سياساتهم الاقتصادية الخاصة، وقد يتمكن الفلسطينيون من ابتكار نظام حدودي يمكن من خلاله الحد من عائدات التهريب واقتصاديات السوق السوداء، وسيؤثر نجاح ذلك بدوره على قضايا الأمن والقانون والنظام، فمثلا، تستخدم الأنفاق لغايات تهريب الذخيرة من مصر إلى قطاع غزة، لكنها في نفس الوقت نفسه تجني أرباحاً نتيجة لتهريب السجائر والتى يبلغ سعرها نصف سعر السجائر المستوردة من إسرائيل (5-7 شيكل مقابل 13-17شيكل)، فمع وجود نظام حدودي فعال بين إسرائيل ومصر وقطاع غزة، يمكن للفلسطينيين استيراد منتجاتهم بحرية أكبر، مما يؤدي إلى تقليص أي ميزة للتهريب.

المصالح الإسرائيلية: يشكل الحكم الفلسطيني الفعال في قطاع غزة مصلحة لإسرائيل وذلك لأن الحكم الفلسطيني الفعال قد يكون أقدر على تلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، فمثلا تطالب إسرائيل السلطة الفلسطينية باستمرار ببذل جهود كبيرة لإصلاح قطاع الأمن وأدائه، وستطلب منها القيام بهذا الأمر في قطاع غزة أيضا لتجنب أي مبرر لتوغل إسرائيلي جديد في القطاع.

كما ستستفيد إسرائيل من تطبيع الاقتصاد الفلسطيني وتأمين الخدمات الحكومية الكاملة والأساسية لأجزاء المجتمع الفلسطيني كافة، طالما يقلص ذلك من فرص الانجذاب نحو منظمات مسلحة مثل حركة حماس.

تدخل طرف ثالث: تتراوح إمكانيات المشاركة الدولية في الحكم الفلسطيني بين المساهمة في البناء المؤسسي ومنح الشرعية، والتطوير الاقتصادي، وبناء القدرات وخاصة في المجال الوارد في خطة شارون بشكل خاص مثل: النصح، والدعم وإرشاد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويظهر أن كلا الطرفين راغبان أكثر من أي وقت مضى، في قيام المجتمع الدولي بدور المراقبة والتحقق.

 إن التدخل الدولي ضروري لأجل تطوير الوظائف المؤسساتية الأساسية في الحكم، بما في ذلك إعادة بناء القدرات الشرطية وتزويد الخدمات العامة، ويحتاج الخبراء الدوليون والفلسطينيون إلى تقييم إطار العمل التنظيمي والحكومي الموجود في قطاع غزة، وحدود القدرات الإدارية وما يلزم من موارد مالية، ومعدات، وبرامج تدريبية لإتاحة هذا التطوير، بالإضافة إلى مراجعة القضايا الاقتصادية والقانونية المختلفة.

سيكون على الفلسطينيين تحديد طبيعة ودرجة التدخل الذي سيقبلون به عند النظر في حاجتهم لتدخل طرف ثالث، وسيكون على الإسرائيليين كذلك النظر في طبيعة ودرجة التدخل التي سيدعمونها، كما سيكون على المجتمع الدولي النظر في طبيعة ودرجة ما سيتولونه، وقد تكون وجهات النظر الإسرائيلية متأثرة أساسا بطبيعة القيود الأمنية التي قد تطرأ وفقا للسيناريوهات المختلفة، هذا بالإضافة إلى أن على المجتمع الدولي تعزيز درجة الانسجام في عمله، فكلما زادت درجة التدخل الدولي كلما ازدادت الحاجة إلى وضوح ووحدة القرار اللازم اتخاذه بشأنه.

ينحصر الدور الدولي حاليا في الحكم الفلسطيني في تقديم الدعم للسلطات الضعيفة، والذي يعتبر من أدنى مستويات التدخل الدولي الممكن عند العمل على إعادة بناء أي سلطة سياسية في مرحلة الخروج من النزاع ويمكن في حالة التدخل الواسع أن يتدخل الطرف الثالث كشريك للسلطة الفلسطينية الهشة، وسيحتاج المجتمع الدولي إلى ممارسة تدخل أكبر في ظل بيئه سياسية منقسمة ومفتتة كما هو الحال في قطاع غزة الآن.  وأخيرا، فإن أعلى درجة في التدخل الدولي تتمثل في إدارة دولية انتقالية قد تحكمأجزاءا من أو حتى جميع الأراضي الفلسطينية بالكامل.

 

ب) درجات التدخل في الحكم الفلسطيني

المساعدة: في ظل أي سيناريو للانسحاب، سيكون من المتوقع استمرار الدعم الدولي للدوائر الحكومية الموجودة حاليا، ويستلزم هذا النوع من التدخل من تدخل الممثلين الدوليين، إما كجزء من مهمة واحدة أو كجهود منفصلة، وتؤيد إسرائيل هذا النوع من التدخل، والذي يتضمن تقديم الدعم للاحتياجات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار التي تقدمها وكالات الغوث الدولية بالتعاون مع الوزارات الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية المحلية، وتعمل لجنة التنسيق التابعة للدول المانحة واللجنة المحلية للدول المانحة علىتقديم الاستشارة والتوجيه لتعزيز البنى الحكومية الضعيفة.

بوجه عام، فإن هذا الحد الأدنى من التدخل متأصل في طبيعة عمل الممثلين الدوليين (وتشمل المنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمانحون لهذه الدولة)، والتي تفتقر إلى بنية-فوقية متماسكة، وأهداف استراتيجية مشتركة، وصرف منظم للموارد، كما أنه فإن من المتوقع تقليص التواجد الدولي الحالي في قطاع غزة، ما لم يتم إزالته تماما، إذا نجم عن الانسحاب الإسرائيلي حالة من الفوضى.

وقد لا تكون آلية عمل لجنة التنسيق وغيرها من الآليات المتاحة حاليا من بين أفضل الوسائل للتعامل مع الانفصال الإسرائيلي الكامل خاصة في حالة احتمال حدوث تطورات مختلفة، وحتى لو تم اعتبار الانسحاب مجرد إعادة انتشار، فإن على المجتمع الدولي إعادة تقييم نطاق مساعدته وتصميم قواعده وشروط تفويضه.

الشراكة: قد تحتم طبيعة تشرذم الحكم في قطاع غزة درجة كبيرة من تدخل طرف ثالث، وفي هذا السيناريو، سترسم المهمة الدولية السياسية في ظل علاقة تكاملية مع الفلسطينيين لتزويد الحكومة ببعض الترابط ولتصبح شريكا أكبر من مستشار (كما حدث،مثلا، في ناميبيا)، فقد يتخذ المسؤولون الدوليون بعض القرارات المتعلقة مباشرة بتطوير المؤسسات الحاكمة، أما بالنسبة للمؤسسات الدولية الإنسانية كوكالة الغوث فمن المتوقع أن تعمل بالاشتراك مع البعثة الدولية لاستكمال إنجاز العديد من الخدمات الأساسية بالتعاون مع الفلسطينيين، وتقوم حركة حماس بتزويد بعض الخدمات الاجتماعية الهامة والتي تسهم في تحسين أوضاع الناس، ومن المتوقع أن تغدو هذه الخدمات جزءاً من أي نظام جديد للحكم، إلا أن ذلك، قد يخلق معضلة للمجتمع الدولي الذيأدرج هذه المنظمة على القائمة السوداء.

يوجد لدى الإسرائيليين مخاوف تتعلق بنموذج الشراكة حيث من الممكن أن ينطوي على مساوىء كل النماذج الممكنة لأنه قد يؤدي إلى الحد من حرية التصرف الإسرائيلية، وكذلك،  فقد لا يكفي هذا النموذج لإحداث التغيير في الظروف التي تتطلبها الحاجات الأمنية الإسرائيلية.

 وهكذا، فقد لا تتوفر الرغبة لدى المجتمع الدولي لزيادة مستوى مشاركته، لما في ذلك مخاطرة ما لم يتمتع بمزيد من النفوذ لممارسته على الأطراف المختلفة.

أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فقد تفضل نموذج شراكة يعزز من قدرتها على توفير الخدمات الاجتماعية، بل حتى على تعزيز طاقاتها الأمنية، دون التخلي عن موقعها في السيطرة على الأرض.

 يستلزم التخطيط لمثل هذا الخيار رصداً أوليا لقياس مواطن القوة والضعف في المؤسسات الفلسطينية الحالية – للتوصل إلى خيارات تضعها أمام القيادة الفلسطينية لتقسيم العمل وتحديد المهام الحكومية التي يمكن ان يتولاها الطرف الثالث.

السيطرة: ناقش العديد من ممثلي الطرف الثالث هذا المستوى من التدخل من قبل العديد من ممثلي الطرف الثالث (وكانت كمبوديا هي المثال لذلك)، ففي هذا السيناريو، على الوحدات العسكرية الشرطية من الطرف الثالث توفير الكثير من الأمن، كما ستكون مسؤولة عن إعادة تأسيس قوات الشرطة الفلسطينية، وستقوم البعثة السياسية الدولية بممارسة السيطرة بشكل انتقائي، إلا أنها ستتفاوض مع جميع الأطراف، كالسلطة الفلسطينية، وكحماس، ومجموعات فتح المحلية فيما يتعلق بمعظم القضايا، وعلى الطرف الثالث تولي بعض المسؤوليات المتعلقة بالمرافق الأساسية، مما يعني إمكانية خوض في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل – والتي تمثل مصدر الغاز والكهرباء والمياه للفلسطينيين في قطاع غزة.

تتوقع إسرائيل أن ينجم عن هذا المستوى من التدخل مسؤولية دولية كبيرة في مجال الأمن في المناطق التي ستنسحب منها، وستحتاج أجهزة الأمن الإسرائيلية والقوات المسلحة والشرطة المتواجدة والتابعة للطرف الثالث إلى الاتفاق على آليات تنسيق واسعة، وشاملة للضمانات المتعلقة باستراتيجية الخروج.

سيؤيد الفلسطينيون والمجتمع الدولي هذا النموذج على الأغلب إذا كان في سياق حل سياسي نهائي فقط، وكما ورد في خطة خارطة الطريق، وليس من الواضح كيفية رد المعارضة الفلسطينية على هذا المستوى من التدخل الدولي طالما لم تعرف طبيعة الوضع النهائي الذي سيلي التدخل.

الحكم: عادة لا يؤخذ هذا النوع من التدخل في الحسبان إلا في حالات انهيار الدولة، وما قد ينجم عنها من فوضى وضياع دون وجود حكومة فاعلة، مما يخلق ملاذا للإرهاب أحيانا، أو عند انسحاب القوة المحتلة وبروز فراغ في السلطة، ويكمن الهدف الرئيسي للممارسة الدولية للسلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية في التهيئة لحكومة محلية ذاتية تقوم بكامل الوظائف مع أعلى مستوى من المشاركة الشعبية، وتشمل الأمثلة لهذا التدخل (كوسوفو وتيمور الشرقية)، وعلى نقيض ما هو شائع، يبدو أن هناك تأييداً ملحوظاً بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، لأخذ هذا المستوى من التدخل بعين الاعتبار على الأقل.

بالنسبة للفلسطينيين، فمن المحتمل أن تحميهم الإدارة الانتقالية من الهجمات الإسرائيلية، كما ستمنح الأطراف الفلسطينية والعلمانية والمعتدلة الفرصة لتثبيت سلطتها مجدداً في بيئة خالية من التهديد، أما بالنسبة للإسرائيليين، فإن هذه المهمة قد تكون وسيلة لاستبدال النظام الفلسطيني الحالي الذي لا تثق به بإدارة مؤقتة موثوقة حتى يتم خلق قيادة فلسطينية جديدة.

 

ج) الانتخابات والحكم الفلسطيني

نقص في الشرعية: إن فتح المجال لتطوير المجتمع المدني أمر متوقع الحدوث في أي درجة من درجات التدخل الدولي، بشكل خاص إجراء الانتخابات، ففي عام 1996، خولت الاتفاقيات التي عقدت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بإدارة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكن، ولأسباب مختلفة لم يتم إجراء أي انتخابات لاحقة على أي من المستويين المحلي أو التشريعي، إن الفشل في تنظيم انتخابات منتظمة كان سبباً لتراجع الشرعية، ليس فقط بين المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية بل أيضا بين السلطة والشعب الفلسطيني.

التخطيط للانتخابات: أعد المجتمع الدولي اقتراحات لإصلاحات انتخابية تتضمن تغييرات في القوانين الانتخابية وقد كانت هذه الجهود ضمن عمليات الإصلاح التي قامت بها لجنة التنسيق واللجنة المحلية للدول المانحة. وفي ظل الانسحاب، ستنشأ حاجة لإعداد تقييم لتحديد مدى إمكانية تطبيق الإصلاحات في الوضع الجديد، وإذا تم اعتبار قطاع غزة أو أي جزء من الأراضي الفلسطينية، جزءا محررا، فقد تختلف الانتخابات التي ستجرى هناك من حيث النوعية، وبالتالي ستنشأ حاجة لابتكار منهجية للتحقق من التوازن بين المناطق المحتلة والمحررة قدر الإمكان، فهل يجب عقد الانتخابات في كليهما؟، وهل يجب عقدها في آن واحد أم على التوالي؟ كيف ستختلف القواعد الانتخابية في كل منهما؟، ولأي غرض سيتم إجراء الانتخابات؟ هل سيعمل المجتمع الدولي مع العناصر المدنية في المنظمات التي حظرتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي رسميا؟ وكيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي إذا كسبت حركة حماس الانتخابات؟

المهام الانتخابية الدولية: سيدعم الطرف الثالث ويراقب ويرفع التقارير عن مدى "حرية ونزاهة" العملية التي تديرها لجنة الانتخابات الفلسطينية استناداً إلى درجة تدخله أو سيقوم بتنظيم وإدارة كافة جوانب الاقتراع من خلال لجنة انتخابات دولية، وفي كلتا الحالتين، يحتاج المخطط لأخذ كافة الأنشطة الانتخابية والمعروفة جيداً من قبل المجتمع الدولي بعين الاعتبار، متضمنة: شن حملة معلومات عامة حول الجداول الزمنية، والحقوق والمسؤوليات، وسرية التصويت، والإجراءات، وصياغة القوانين لتشكيل الأحزاب، ونظام إدارة الحملات الانتخابية، وتسجيل الأحزاب والأفراد، والتحقق من الأمن العام، وحماية المقترعين، وحرية الحركة والتعبير والتجمع، إلى جانب القيام بكافة المهام الضرورية الأخرى لضمان حرية ونزاهة الانتخابات، كذلك، يجب ضمان سلامة العاملين الدوليين وضمان وصول الناخبين إلى المراكز الانتخابية، والذي يعتمد على البيئة الأمنية، والتي تعتمد بدورها على الوضع الأمني، وحجم الدعم الجماهيري، والمضمون السياسي للانتخابات، ويستوجب الأمر اتخاذ إسرائيل القرار باستعدادها لتيسير تنظيم الاقتراع على المستوى التكتيكي، فمثلا، هل ستسمح إسرائيل بقدر محدود من التواجد الأمني مع التفويض لضمان حماية العاملين الدوليين أو حرية حركة الناخبين؟

مراقبة التحريض: لإسرائيل مصلحة عامة في الرقابة الدولية على التحريض الفلسطيني في وسائل الإعلام الجماهيري، والتعليم المدني، والنظم الدينية، وقد يفضل الفلسطينيون أي آلية لرقابة الأجواء العامة الإسرائيلية أيضا، وحتى يحرز ذلك التأثير المطلوب، يجب الإعلان عن النتائج، وأثناء الانسحاب، قد يشكل هذا التحريض مشكلة لكلا الطرفين، خاصة في اللحظات الحرجة،  مثل لحظة الخروج الإسرائيلي وربما أثناء الانتخابات أيضاً.

 

د) الأمن والحكم الفلسطيني

التوقعات الإسرائيلية من الطرف الثالث: تعتبر إسرائيل التدخل الدولي في دعم ومراقبة العمل الأمني الفلسطيني، خاصة ضد الخلايا والبنية التحتية للإرهاب، عملاً حيويا بصرف النظر عن مكانة المنطقة التي انسحبت منها، ونظراً لفقدانها الثقة في القدرات الأمنية والإدارة السياسية الفلسطينية، فستفضل إسرائيل قدرا أكبر من المراقبة والتحقق الدولي الممكن، إلا أنها ستزن هذه المنفعة المحتملة مقابل القيود التي ستُفرض على العمليات العسكرية الإسرائيلية.

القبول الفلسطيني للطرف الثالث: سيتوقع الفلسطينيون بالمقابل بقاء التدخل الإسرائيلي في شؤونهم الأمنية محدوداً كما كان عليه في فترة التعاون الإسرائيلي – الفلسطيني، خاصة في الفترة 1996-2000، وذلك في حالة استمرار احتلال قطاع غزة، وقد يقبلون تدخلاً مشابهاً أو أقل من ممثلي الطرف الثالث إذا تغيرت مكانة القطاع.

صياغة تفاهم ثلاثي الأطراف: يتوقع الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء أن يتم وضع الآليات المتعلقة بالأمن من خلال تفاهم ثلاثي الأطراف (إسرائيلي، دولي، فلسطيني) ويمكن التوصل لهذا التفاهم بعد الانسحاب، حتى لو أصرت إسرائيل أن تتم إدارة الانسحاب نفسه بشكل أحادي، فمثلا، يمكن إعادة تفعيل اللجنة الأمنية الثلاثية، حتى لو كان عليها التأقلم مع الظروف الجديدة.

متطلبات الطرف الثالث: إن المشاركة الدولية الإيجابية في مجال الأمن وهي أقل من التدخل العملياتي الكامل ستعتمد على ما يملكه الطرف الثالث من قدرة مستقلة للحصول على المصادر الاستخبارية للموارد البشرية، والمهارات الكمية والنوعية الضرورية لتقديم الرقابة والتحقق الناجح ومن الشرعية واحترام كلا المؤسستين الأمنيتين الإسرائيلية والفلسطينية.

بناء سجن مركزي: ادعت إسرائيل خلال السنوات الثلاث الماضية بأن السجون الفلسطينية كانت إما عبارة عن " أبواب دوارة" سمحت بمرور المقاتلين خلالها بكل بساطة، أو مراكزا لتخطيط النشاطات الإرهابية. ورد الفلسطينيون بأن الهجمات الانتقامية الإسرائيلية على مراكز الاعتقال، وما ينجم عنها من ضرر على قوات الشرطة والسجناء، أدت إلى تقويض دعم أجهزة الأمن الفلسطينية بالكامل ومعارضة اعتقال الأفراد لأي سبب كان، و بناءا عليه، فقد اقترح الفلسطينيون على الاتحاد الأوروبي إنشاء سجن مركزي، واحد في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة، حيث يتم بناءهما وصيانتهما و حمايتهما على يد قوات الشرطة الأوروبية إلى جانب المشاركة الفلسطينية. ومن ميزات هذه الفكرة إسرائيليا، التأكد من عدم إساءة استخدام السجون والتحقق من حجز السجناء الفعلي. أما الميزة الفلسطينية فتكمن في تطبيق المواطنين من تطبيق المقاييس والإجراءات الأوروبية المرعية وأن السجناء سيكونون بمأمن من الهجمات الإسرائيلية. ولكن لم يتم العمل بهذه الفكرة أبدا ولأسباب مختلفة، وقد يعاد النظر في بناء سجن مركزي على ضوء الانسحاب. إلا أن مسألة السيطرة الدولية على السجن تعقدت بسبب الادعاءات بسوء معاملة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للسجناء العراقيين. ويجب الاستفادة من تجربة الرقابة الأوروبية على سجن أريحا والتي تلت حصار مقر عر فات في شهر نيسان (أبريل) 2002 وأزمة كنيسة المهد.                                           

 

 

 

5. نقل الممتلكات في قطاع غزة

أ) مصالح الأطراف في نقل الممتلكات

المصالح الإسرائيلية في نقل الممتلكات: لدى إسرائيل مصلحة في النقل المنظم لممتلكاتها إلى أيدي الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والتي تشمل: المنازل، والمرافق الإنتاجية، والبنية التحتية العامة، وتقوم هذه المصلحة على الأساس المبدئي وعلى رغبة إسرائيل في دمج هذه الخطوة في إطار الوضع الدائم، وعندما يبحث الإسرائيليون في قضايا الانسحاب من المستوطنات مع الفلسطينيين، من المتوقع أن يطالبوا بالتعويض عن الممتلكات التي سيخلونها وراءهم، علاوة على أن إسرائيل ناقشت استخدام الممتلكات الموجودة في المستوطنات لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، في مفاوضات الوضع الدائم في الماضي، لكن إمكانية حدوث أعمال سلب ونهب وتدمير، أو السيطرة على الممتلكات من قبل جماعات فلسطينية متطرفة، سيكون لها آثارا سياسية كبيرة على الإسرائيليين، بل على الكثير من المصالح الفلسطينية أيضا.

 وسيحتاج الانسحاب لنقل المئات من العائلات الإسرائيلية من منازلها، وقد تستدعي المقاومة الشديدة استخدام بعض القوة، كما يمكن التوقع أن يكون لصور الإخلاء تأثير سلبي ودرامي على الشعب الإسرائيلي، وقد ترسخ هذه الأحداث– إذا ارتبطت بمشاهد لسيطرة الجماعات الفلسطينية التي خاضت صراعا مريرا مع إسرائيل- مسألة الربط بين الانسحاب والهزيمة، مما قد يعيق الدعم لمزيد من الانسحاب، وكذلك، تخشى إسرائيل من التطرف بين بعض فئات المستوطنين، الذين قد يحاولون العودة إلى منازلهم في المستقبل في المناطق المخلاة، ولذا، ستأخذ إسرائيل في اعتبارها خيار الهدم الكامل للمباني على يد قواتها العسكرية قبل الرحيل.                                                           

المصالح الفلسطينية في نقل الممتلكات: لدى منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، والعديد من الفلسطينيين الآخرين أيضا مصلحة في الحيازة المنظمة للمتلكات الإسرائيلية الموجودة في المستوطنات، بسبب مغزاها النفسي في رفع الروح المعنوية للشعب وبسبب احتمالية الحصول على منفعة اقتصادية منها، ويكمن الهدف الرئيسي للسلطة الفلسطينية في وضع سابقة للمزيد من نقل الممتلكات في الضفة الغربية مستقبلا، إن كل ما يعزز فكرة نقل الممتلكات لدى الشعب الإسرائيلي يعتبر تطورا إيجابيايؤدي إلى تعزيز الأهداف الفلسطينية طويلة المدى عبر مزيد من التشجيع على الانسحاب، كما يسعى الفلسطينيون كذلك إلى دفع المكاسب الاقتصادية إلى أقصى درجة بالسيطرة على الممتلكات، حيث أنهم لا يعتبرون الاستخدام الحالي للأرض سواء لغاية الزراعة أو السكن هو الاستخدام الأكفأ عند النظر للحاجات التنموية الفلسطينية.                                             

إن الفلسطينيين قلقون من عدم قدرتهم على مواجهة المجموعات الفلسطينية التي قد تسعى للسيطرة على الممتلكات الإسرائيلية عند استلامها. ترغب حركة حماس وغيرها من حركات المعارضة بتصوير الانسحاب من هذه المناطق على أنه نصر لأجنحتها العسكرية على إسرائيل، وفي المحصلة ستفضل هذه المجموعات أي إجراءات للنقل من شأنها تعزيز هذه النظرة في عيون الشعب الفلسطيني. سيكون توزيع الممتلكات (في أي حالة كانت) والاستفادة منها بعد الانسحاب مثار جدل محتمل بين الفلسطينيين تعرضوا في السابق لاختلاس الأرض والملكية على يد بعض أطراف السلطة الفلسطينية، أو بعض قادة الجماعات المحلية، أو واضعي اليد. وكذلك، سيطالب المالكون الحقيقيون للأرض مجددا بإعادة ملكيتهم لها.                                                                                

 

ب) تنسيق تسليم الممتلكات

ضرورة التنسيق الدولي: بالنظر إلى المصالح الفلسطينية والإسرائيلية، ندرك بأنه لا يوجد أي طريقة لتسليم الممتلكات بفاعلية دون تخطيط وتنسيق مفصل، ولا يميل المجتمع الدولي، (رغم مساندته الكاملة لنقلها من الإسرائيليين للفلسطينيين)، لافتراض امتلاكه سلطة انتقالية على الممتلكات – بسبب الصعوبات العملية في ضمان إدارة هذه الممتلكات، وانطلاقا من خشيتها أن يعتبرها الفلسطينيون محتلا جديدا، خاصة إذا تم فرض قيود على دخول السكان المحليين إلى المستوطنات، لكن إسرائيل ربطت قرارها بتدمير أو نقل الأصول بقبول الطرف الثالث باستلامها منها. وعليه، يستوجب النقل المنظم لهذه الممتلكات إما ترتيبا مباشرا بين إسرائيل والفلسطينيين (الأمر الذي ترفضه إسرائيل حاليا)، أو التنسيق بين إسرائيل والطرف الثالث والفلسطينيين، ويجب أنيشتمل التدخل الدولي في نقل الممتلكات على المهام والأهداف التالية:

جرد الممتلكات: ستنشأ حاجة لوضع تعريف منهجي واضح وشفاف لما يعتبر "ممتلكات" منقولة وثابتة قبل عملية الانسحاب، كما سيكون هناك حاجة لمسح شامل لكافة الأبنية، والبنى التحتية، والاستخدام الحالي للأراضي وجمع هذه المعلومات في قاعدة بيانات متاحة للجميع، ويمكن استخدام هذا الجرد في إدارة عملية تسليم الممتلكات وتقييم أية أضرار قد تنتج عن عملية الانسحاب، كما يمكن استخدامه كقاعدة بيانات عند إجراء التحسينات على الممتلكات، أثناء المرحلة الانتقالية إذا تطلب الأمر.                                         

التخطيط للاستخدام خلال مرحلة انتقالية: ستنشأ حاجة لصياغة خطة اقتصادية وإدارية متكاملة للاستخدام القصير والمتوسط المدى للممتلكات استنادا إلى نتائج الجرد، وذلك قبل البدء في عملية النقل. وقد تتضمن هذه الخطة صيانة البنية التحتية لإبقائها في حالة جيدة، والحفاظ على أو زيادة معدل إنتاجية الأراضي الزراعية و/أو إعادة بناء الأملاك المتضررة، كما يجب أن توضح الخطة وسائل حماية الممتلكات في الوقت الذي تضمن فيه قدرة الفلسطينيين على الوصول إليها بناءا على شروط العمل المطبقة خلال المرحلة الانتقالية، ومن المهم، وضع الخطة الانتقالية ضمن الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى في التخطيط الفلسطيني للتنمية الوطنية، ولذا، يستلزم الأمر وجود درجة من الوضوح في النوايا الفلسطينية فيما يتعلق بخطط استخدام الممتلكات قبل تطوير الخطة الانتقالية، وذلك بعد القيام بحوار شعبي داخلي وصياغة سياسة واضحة. سيؤدي التعامل مع المناطق التي سيتم إخلاؤها بطريقة تختلف عن مناطق قطاع غزة الأخرى إلى مزيد من تجزئة الأرض.                                               

ينبغي كذلك أن تنسجم هذه الخطة الانتقالية مع خطة التنمية الدولية العامة لقطاع غزة في إطار إعادة الإعمار واسع النطاق وبرنامج إعادة التأهيل، فمثلا، قد يكون من الضروري الاستفادة من عوائد المناطق الزراعية في الترتيبات التمويلية لدفع اقتصاد قطاع غزة إلى الأمام، وسيحتم المنهاج المتكامل وجود صلة واضحة بين خطة إدارة الممتلكات والخطة الشاملة متعددة الوظائف لقطاع غزة ككل.                                                            

الاستعداد لنقل الممتلكات: تتضمن عملية النقل المثالية في أحسن الأحوال تسليم قطعة تلو القطعة وبشكل منظم، وذلك للتحقق من التدرج والفاعلية في السيطرة، إلا أن أسلوب الخطوة –خطوة أو الأسلوب المرحلي قد لا يكون ممكناً من الناحية السياسية، فكلما كان الانسحاب مفاجئا ونتائج الانتقال أكثر فورية، كلما زادت الحاجة للاستعداد المسبق لاستلام هذه الممتلكات، وتهدف هذه الاستعدادات لتحقيق الاستمرارية في الإنتاج والحفاظ على البنية التحتية إلى أن يصبح إعادة تنظيم استخدام الأرض كما هو مرغوب فيه أمرا ممكنا، وسيتطلب إنجاز هذا الأمر جهودا متكاملة ومتعددة الوظائف تجمع عناصر الاقتصاد والأمن والإدارة وغيرها من العناصر بالإضافة لما يستلزمه الأمر كافة في ظل قيادة موحدة (ويتراوح ما بين التنسيق بين الممثلين الدوليين، إلى تفويض هيئة رئاسية أو وضع قاعدة قيادية رئيسية)، ولذا، يجب تنظيم هذه الجهود بشكل جيد وسابق للانتقال حتى تكون جاهزة لفرض السيطرة على الممتلكات في اليوم المشهود تبعاً للظروف السياسية، فإن الجلاء النهائي والتخلي الإسرائيلي عن السيطرة قد يفتح نافذة ضيقة لعدة ساعات لتسلم الممتلكات بطريقة مأمونة.                     

حملة التأييد الشعبي: سيكون من الضروري الإعداد بحذر لحملة شعبية للحصول على أكبر قدر من تأييد غالبية الشعب الفلسطيني في فترة التمهيد للانسحاب وخلال المرحلة الانتقالية، بما في ذلك عملية التوزيع النهائي للمتلكات، حيث سيخفف الدعم الجماهيري من الحاجة للاعتماد على قوات الأمن من أي نوع كانت، وهي قوات لن تكون قادرة حتما على مواجهة أي تحد واسع الانتشار، ولتطوير هذه الحملة، سيكون هناك حاجة لتقييم المشاعر الشعبية حول عملية الانسحاب ونقل الممتلكات بشكل واقعي، ولن تكون هذه المهمة وحدها قادرة على التعامل مع الادعاءات القانونية المختلفة التي ستظهر مطالبة بالأرض، مع أي محاولات مقصودة للسيطرة على الممتلكات، كما ستكون هناك حاجة ماسة لإرسال إشارات واضحة لتعبئة الجماهير لصالح عملية منتظمة قدر الإمكان.                                                          

حماية الممتلكات:  سيؤثر قرار إسرائيل بتدمير الممتلكات أو عدم تدميرها ودرجة الضرر الذي سيحدثه الانسحاب على حماية الممتلكات خلال المرحلة الانتقالية، ويمكن التفرقة بين تدمير إسرائيل للمنازل وما يقابلها من تدمير للبنية التحتية، كما أن هناك احتمال بأن يقوم المستوطنون بالإضرار بالممتلكات قبل الانسحاب، وعلى الرغم من احتياجات حملة التأييد الشعبي الفعالة، سيكون هناك حاجة ماسة لنشر قوات الأمن حول الممتلكات حال انسحاب القوات الإسرائيلية،  ومن المستبعد وجود قوة دولية رئيسية مستعدة لضمان حصول انتقال سلس للمتلكات أو للحفاظ على السيطرة طوال الفترة الانتقالية، وسيطلب من قوات الأمن الفلسطينية أن تلعب دورا رئيسيا، إلا أنها قد تفتقر أيضا إلى القدرة اللازمة للقيام بالمهام المطلوبة، أو الاستعداد لإطلاق النار على الفلسطينيين لحماية الممتلكات في إطار عمل الطرف الثالث، وقد لا يكون هناك وقت لبناء قوات أمنها للوصول إلى المستوى الضروري من المقدرة، بصرف النظر عن مستوى المساعدة الخارجية، لذا قد يكون هناك حاجة للنظر في ترتيبات أمنية موحدة بين العناصر الفلسطينية والدولية، كما سيكون هناك حاجة لتطوير أسلوب عمل يربط حملة التأييد الشعبي بالمهام الأمنية.                    

ترتيبات التنسيق: على الرغم من تفضيل إسرائيل “للأحادية"، إلا أن هناك إمكانية لتصميم ترتيبات تنسيق تلائم مصالح كلا الطرفين بالإضافة إلى المجتمع الدولي، وقد تستلزم هذه الترتيبات الحد الأدنى من العلاقة بين إسرائيل والطرف الثالث وبين الطرف الثالث والفلسطينيين، سيكون هذا الترتيب المؤقت مغايرا لأسلوب عمل الطرف الدولي الحالي إلا أنه قد يستلزم تنسيق على الأقل، مع أنه من المفضل وجود درجة من التكامل بين الأطراف الرئيسية الموجودة فعليا، وقد لا تنطلي هذه الترتيبات بالضرورة على تدخل واسع النطاق، إلا أنها ستتطلب درجة من المرونة لجسر التناقض البارز بين الأحادية والتنسيق، وبالإضافة إلى مظلة العمل، سيكون التنسيق مطلوبا في القاعدة وعلى المستوى التكتيكي للتمهيد لليوم المشهود وفي أعقابه، سيكون من غير الواقعي توقع عملية نقل مثلى أو منظمة بدون ترتيبات تنسيق محددة ومفصلة لهذا الغرض.

إن وجود طرف ثالث وصياً على الممتلكات لا يعني وجوب توليه لكامل السلطات التنفيذية عليها. أما بالنسبة للدور الدولي في الحكم الفلسطيني بشكل عام، فهناك مجموعة من الخيارات تتراوح في درجات التدخل حسب التصنيفات في طبيعة المهام: المساعدة، أو الشراكة، أو السيطرة، أو الحكم، ويمكن لعملية نقل الممتلكات أن تتم على ضوء هذه الخيارات في ظل استلام الفلسطينيين للمزيد من السلطة على الممتلكات، وقد يكون انتقال الممتلكات إلى "وصي انتقالي" أمرا عمليا طالما تم في إطار دعوة وموافقة فلسطينية على تدخل طرف ثالث – مما قد يعني ملكية فلسطينية مبكرة أو فورية إلى جانب إدارة دولية مؤقتة، تكون متوافقة مع الأحادية الإسرائيلية، وفي الوقت الذي يمكن فيه أن تكون مفوضة، فإن خطوة كهذه ستتطلب التوصل لاتفاق أو قرار لمجلس الأمن يوفر الغطاء السياسي الأعلى والدعم، بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث يشكل الأمران معاً مصدراً للسلطة، وقد تفصل خطة العمل درجة التداخل بين الإسرائيليين والطرف الثالث والفلسطينيين في كل مرحلة من مراحل الانسحاب والانتقال، كما أنها ستحدد جدولا زمنيا يلبي احتياجات ومخاوف الإسرائيليين والفلسطينيين المتناقضة.                                                                                                    

 

6. عوامل و اعتبارات التخطيط العامة

أ) الانسجام والتماسك:

البنى والأطراف الحالية: يستمر حاليا تفتت السلطة السياسية والأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة،  وقد قامت إسرائيل بإعادة نشر قواتها عبر المنطقة بالدخول المنتظم وشن العمليات وسط التجمعات السكانية الفلسطينية، ولا تزال السلطة الفلسطينية تتمتع بالمسؤولية الإدارية الرسمية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لكنها غير قادرة فعليا على ممارسة المهام الحكومية بالكامل في ظل الظروف الحالية، خاصة في المناطق الواقعة إلى الجنوب من مدينة غزة وغيرها، ويتم تقديم الخدمات الاجتماعية غالبا من قبل كل من وكالة الغوث وحركة حماس لنسبة كبيرة من السكان، كما تتواجد مجموعات فتح المحلية، والمنظمة أساسا من قبل العائلات الكبيرة، في عدة أماكن وتمارس درجات مختلفة من السيطرة.

  إن على أي طرف ثالث أن يقوم بتحديد علاقته مع الكثير من الأطراف الموجودة، سواء محلية كانت أم دولية، للحصول على أعلى درجة من القبول لتدخله، وقد يكون ذلك أكثر سهولة في سياق الانفصال الإسرائيلي، حيث أعربت كافة الأطراف الرئيسية عن استعدادها لوقف النشاطات العسكرية المنطلقة من قطاع غزة بعد الانتهاء من الانسحاب الإسرائيلي الكامل.

التدرجية والتماسك: تعتبر سياسة التدرج المؤسساتي والتنظيمي أحد أكبر نقاط ضعف التدخل الدولي ولا تزال النموذج المهيمن الذي تتخذ من خلاله القرارات السياسية، كما أنه النموذج السائد في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضا، بالرغم من الدور الذي تلعبه الرباعية، التي فوضت لتوجيه عملية السلام وفقا لخارطة الطريق؛ أو الدور الإسرائيلي الذي يمثل دور سلطة الاحتلال كما يراه المجتمع الدولي، ودور السلطة الفلسطينية التي تمارس مهاما مدنية وأمنية محددة وفي مناطق معينة، إلا أنه لا توجد مؤسسة أو فرد مسئول عن الإشراف على مجمل العمل المتعلق بإدارة الأراضي المحتلة.

لذا ستكون مشكلة بنية البعثة الدولية المتداخلة وتفويضها أكثر تعقيدا في حالة اختلاف مكانة قطاع غزة ومناطق شمال الضفة الغربية بعد الانسحاب عن مكانة المناطق المتبقية في الضفة الغربية.

 

ب) معالم المهمة الدولية

تفرد المهمة الدولية: من الممكن الاستفادة من دروس البعثات السابقة والتأقلم مع بيئة العمل الجديدة، على الرغم من الحاجة الدائمة لوضع مخططات جديدة، وهناك تحديات معينة تواجه المخططين الدوليين عند التعامل مع الانسحاب الإسرائيلي من جزء من الأراضي الفلسطينية لإنهاء المقاومة الفلسطينية هناك، في الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال لأجزاء أخرى. وعلى الرغم من الاختلافات في بعض الجوانب، إلا أنه يمكن الاستفادة من تجربة سلوفينيا الشرقية، حيث قامت البعثة الدولية بإدارة المنطقة التي تم نقلها من صربيا إلى كرواتيا في الوقت الذي بقيت فيه النشاطات الدولية مستمرة في كرواتيا والبوسنة، وتمثل "بوركو" نموذجا معقدا آخر للتدخل الواسع في منطقة صغيرة ومنفصلة في سياق مهمة أكبر. 

الهدف من التدخل: من الواضح أن التدخل الدولي في الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية له هدف معقد وبسيط في آن واحد، فقد أشارت خارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن إلى أن حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني سيكون من خلال مفاوضات ثنائية مباشرة بين الأطراف، ينجم عنها قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، ومن هنا يمكن أن يكون هدف الطرف الثالث هو خلق الظروف اللازمة لضمان حدوثه، إلا أن تهئية مثل هذه الظروف أمر معقد، حيث يشمل اعتباراتجيوبوليتكية، تماما كما يشمل اعتبارات متعلقة بالأمن وبناء الدولة.

نطاق العمل: في السياق السياسي الحالي، لن يسهل التدخل الدولي الانسحاب بحد ذاته فقط، بل سيساعد في تأمين الظروف التي تضمن أن يكون الانسحاب دائماً ومقدمة لاتفاق سلام في المستقبل، علاوة على ذلك، فأنه لن يقوم بذلك كنتيجة لاتفاق بين الأطراف، بل استجابة للقرار الأحادي الجانب الذي اتخذه طرف واحد بالانسحاب بمساعدة من الطرف الآخر الذي قام بتخفيف حدة العمليات المعادية، بالتالي، فإن نطاق النشاط الدولي سيعتمد على الظروف التي تخلقها الإرادة السياسية للأطراف، ويعني ذلك الحد الأدنى للحفاظ على أمن كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي بدونه ستصبح عودة العنف في المستقبل مؤكدة، وكذلك وإعادة تأهيل الحياة السياسية الفلسطينية، والتي لا يمكن ضمان المفاوضات المستقبلية بدونها.

التفويض بعيد المدى: ينبغي ربط التفويض بالتدخل الدولي على المدى القريب باستمرار تدخل المجتمع الدولي على المدى البعيد، بما في ذلك المرحلة اللاحقة للتوصل للحل الدائم،  وفي مفاوضات الوضع الدائم السابقة، ناقشت الأطراف أفكارا تتعلق بالطلب من القوات الدولية القيام بمهام معينة، كالمساعدة في نظام الحدود أو العمل كرادع يضمن وحدة أراضي كلا الطرفين إذا تم الانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وسيتولى الفلسطينيون السيطرة على الحدود مع دولة أخرى غير إسرائيل وللمرة الأولى، وتعتبر منطقة الحدود الفلسطينية – المصرية مثار قلق إسرائيلي كبير، حيث أنها ترى أن الظروف غير مهيأة لانسحابها من تلك المنطقة بعد، وقد يوفر دور طرف ثالث قصير المدى في السيطرة على الحدود، سواء بتقديم العون للفلسطينيين أو بالحلول محلهم، نموذجاً لترتيبات الوضع الدائم طويلة المدى، وقد يؤثر كذلك على درجة ونطاق التدخل الدولي في ذلك الحل.

التركيبة: هناك مجموعة صغيرة فقط من الدول القادرة على تقديم المساعدات المدنية والعسكرية اللازمة للاستجابة لمتطلبات للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومن شمال الضفة الغربية، فقد دار نزاع آخر منذ عام 2003 تطلب التزاماً من عدد من الدول المقتدرة، وهو الحرب في العراق، ففي هذه الأثناء، استمرت الحرب في أفغانستان، والتي شكلت مزيدا من الاستنزاف للموارد والقدرات الدولية، لكن، وللمرة الأولى، يبدي الإسرائيليون والفلسطينيون اهتماماً باشتراك المصريين في العديد من المهام، فكلاهما مستعد لأخذ دور مصري في تأمين الحدود الفلسطينية-المصرية وفي إصلاح قطاع الأمن بعين الاعتبار، على الأقل في قطاع غزة. على أية حال، يجب على تدخل كهذا أن يأخذ المصالح الوطنية المصرية والتي تشمل استقرار المنطقة، وتجنب الصراع المحتمل مع جيرانها الفلسطينيين أو مع إسرائيل، والحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، وضمان موقع قيادي لها بالمنطقة بالحسبان.

قبول القوات: من المهم بالنسبة للطرف الثالث أن يحصل على أعلى مستوى من القبول الممكن لدى الأطراف الدولية على ضوء التعويض المتاح، وذلك للمساعدة في ضمان إنجازها لأهدافها. ولا تزال إسرائيل مصرة على القيادة الأمريكية لأي قوات دولية، في الوقت الذي تأخذ فيه الدور المصري المعزز بعين الاعتبار، ويؤيد الفلسطينيون تواجداً تقوده الولايات المتحدة ويرحبون بالتواجد المصري حيث ينظرون للأمر كمساعدة في تسهيل انسحاب القوات الإسرائيلية، إلا أن التطورات الأخيرة في المنطقة قلصت درجة القبول الفلسطيني للتدخل الأمريكي، وأي تدخل دولي ينظر إليه كضامن للمصالح الأمنية الإسرائيلية على حساب التطلعات الوطنية الفلسطينية سيشجع على حصول ردود فعل عنيفة على الأرجح، وبالمقابل، فلن تدعم إسرائيل أي قوة دولية تفشل في خدمة مصالحها الأمنية. إن درجة القبول المنخفضة بالتواجد الدولي بدون إجراء حملة شعبية شفافة توضح الكيفية التي تنوي البعثة الدولية من خلالها تلبية كلا المطمحين قد تقلص من فرص نجاحه.

الجدول الزمني: لا تكون الجداول الزمنية المرتبطة ببعثات دولية في العادة واقعية، وتنطلق من أهداف سياسية تبتعد عن الوقائع العملية، وغالباً ما تكون هذه الجداول حصيلة تخطيط متأخر لرد فعل على ظروف قاهرة. تخلق خطة شارون للانفصال في نهاية عام 2005، وخارطة الطريق بمراحلها المختلفة، فرصة للمخططين الدوليين والإقليميين لإعداد جدول زمني لتدخل طرف ثالث يتلاءم مع التوقعات المحلية ويستند إلى تقييم صادق للوضع وستكون كل المعايير، والمراحل والمعالم الهامة، وتتابعية العمل، مرتبطة بشكل منطقي بقضايا التنسيق.

 

 

 

ج) الجوانب القانونية

مصدر السلطة: إن السمة المقلقة لأي تدخل دولي هي مصدر تفويض السلطة وممارستها للصلاحيات والمسؤوليات، ويعتبر قبول الدولة ذات السيادة عادة سمة رئيسية لهذه السلطة الدولية، بما يتوافق مع قرار للأمم المتحدة، ويمكن الاستغناء عن الدعوات الرسمية في حالات الفرض بالقوة فقط كما ورد في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. تعتبر موافقة الأطراف في النزاعات المحلية - سواء كانت حكومة، أو حركات مقاومة موحدة، أوجماعات متعددة – ضرورة عملية تؤثر على حجم وقوة التدخل الدولي، وينظر المجتمع الدولي إلى إسرائيل على أنها قوة محتلة تمارس سيطرتها على الأرض الفلسطينية في الوقت الذي تدير فيه السلطة الفلسطينية مناطق محددة، ويرى الفلسطينيون أن السيادة في النهاية تعود للشعب الفلسطيني الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، وللمرة الأولى منذ مفاوضات الوضع النهائي، أعربت إسرائيل عن رغبتها في إنهاء اعتبار قطاع غزة أرضا محتلة بعيد انسحابها، مما يثير التوقعات بأن منظمة التحرير الفلسطينية، إذا تم الاعتراف بها دوليا، قد تكون قادرة على ممارسة السيادة باسم الشعب الفلسطيني حتى تستطيع دعوة البعثة الدولية إلى أراضيها، على الرغم من أن هذا الأمر قد يتطلب موافقة إسرائيل ومصر من الناحية العملية.

القانون النافذ: إذا بقي قطاع غزة و/أو شمال الضفة الغربية أرضا محتلة ضمن التعريف الدولي، فإن اتفاقية جنيف الرابعة ستطبق على أي كيان يمارس السلطة، إسرائيلي أو فلسطيني،  أما إذا أصبح قطاع غزة أرضا غير محتلة، من خلال صدور قرار من الأمم المتحدة على سبيل المثال، وتم الاعتراف بسيادة الحكومة الفلسطينية عليه، عندها سيطبق القانون الفلسطيني على أي وجود لطرف ثالث، وأخيرا، إذا أصبح قطاع غزة محررا وغير محتل من قبل إسرائيل، ومنح المجتمع الدولي طرفا ثالثا السيطرة عليه لإدارة انتقالية، عندها، سيكون هذا الطرف الثالث ملزما باتفاقية جنيف الرابعة بنفس الدرجة.

مكانة الأرض: تعتبر إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية "أرضاً متنازعا عليها"، باستثناء القدس الشرقية والتي تم ضمها بعد حرب عام 1967، إلا أن الفلسطينيين والمجتمع الدولي يعتبرون الأرض التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 "أرضا محتلة"، وترىالخطة الإسرائيلة أنه، وفي الحد الأدنى، ستتغير مكانة قطاع غزة بعد الانسحاب، إلا أنه من غير الواضح إذا كان الفلسطينيون سيقبلون باعتبار جزء منفصل من أرضهم محرراً حتى لو كان الفلسطينيون والمجتمع الدولي مستعدين للإقرار بانتهاء الاحتلال، فإن ذلك لا يعني بالضرورة قيام دولة فلسطينية.

وضع اللاجئين: ترى إسرائيل أنه إذا تم الاعتراف بسيادة الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، فيجب عندها تغيير الوضع القانوني للاجئين الذين يعيشون فيه، أما الفلسطينيون فيرون بأن ما سيحدد وضع اللاجئين هو مكانهم الأصلي وليس الدولة التي ولدوا فيها.

موقع السيادة: من سيتولى السيادة على قطاع غزة نتيجة لتطبيق خطة الانفصال الإسرائيلية؟ في العقد الماضي، قامت منظمة التحرير الفلسطينية، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بالتفاوض في العديد من الاتفاقيات مع إسرائيل والمجتمع الدولي، كما اتفقت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على تعيين سلطة فلسطينية لإدارة أجزاء من الأراضي المحتلة حتى إتمام مفاوضات الوضع الدائم، وبالاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية لا تتمتع صراحة بحق ممارسة السيادة إذا بقي قطاع غزة أرضا محتلة، لذا، فإن من المتوقع أن تستأنف السلطة الفلسطينية توسيع إدارتها لقطاع غزة، في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بفرض السيطرة عليه، أما إذا انتهى الاحتلال، فلا بد أن تمارس قوة ما السيادة، وتشمل الخيارات منظمة التحرير الفلسطينية أو جسم منبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية (قد يشمل عناصر من السلطة الفلسطينية الموجودة حاليا)، تقوم بتعيين حكومة نيابية، ديموقراطية وشفافة؛ أو قد يتم تعيين سلطة دولية انتقالية حاكمة؛ أو ربما مزيج من الاثنتين.

التقرير الخامس

(30 حزيران/ يونيو - تموز/ يوليو 2004)

 

إعداد

عمر الدجاني

 

استضاف برنامج كمبردج للأمن في المجتمع الدولي منتدى الخبراء حول التخطيط لتدخل طرف ثالث في النزاع العربي- الإسرائيلي وذلك في الفترة ما بين 30 حزيران (يونيو) وحتى نهاية تموز (يوليو 2004)، وترأس جلسات المنتدى د.يزيد صايغ. جمع المنتدى مسئولين في عدد من الحكومات والمنظمات ذات العلاقة، بالإضافة إلى محللين وأكاديميين سياسيين ذوي خبرة في شؤون الشرق الأوسط والأبعاد القانونية والإنسانية والعسكرية لعمليات السلام. تم تمويل الاجتماع من قبل كل من مركز البحوث للتنمية الدولية وحكومات هولندا والسويد.

أتاحت جلسات المنتدى فرصة لنقاش التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط بهدف تقييم عواقبها المتوقعة على أي تدخل لطرف ثالث في المنطقة. بقي النقاش مركزاً على الدور الدولي الممكن لتسهيل انفصال إسرائيل عن قطاع غزة وعن أجزاء من شمال الضفة الغربية[1]، وناقش المشاركون القضايا التي يثيرها المقترح الإسرائيلي بالإضافة إلى القضايا العملية والتشغيلية التي سيحتاج إليها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين والدول المرشحة للتدخل كي يكتب "النجاح" لعملية الانفصال، وهو "نجاح" عرفته الأطراف بشكل متباين.

وجد المشاركون فائدة في التقرير المعد من قبل الخبراء الفلسطينيين والإسرائيليين والدوليين في هولندا في أيار (مايو) 2004، والذي حدد الجوانب الاستراتيجية للانسحاب الإسرائيلي واصفاً بيئة العمل للطرف الثالث، وموضحاً طبيعة التدخل الدولي المحتمل على الحدود والمعابر وفي إصلاح المؤسسات الفلسطينية، وفي نقل الممتلكات في قطاع غزة.

يراجع هذا التقرير التطورات الحديثة في الشرق الأوسط وأثارها الممكنة على تدخل طرف ثالث في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويحدد القضايا والمعضلات الرئيسية القائمة في خطة إسرائيل لفك الارتباط. وبالرغم من أن هذا التقرير يستند إلى الأفكار والمعلومات التي قدمت أثناء الجلسة الرابعة للمنتدى، إلا أن مسؤولية محتوى التقرير تقع على عاتق المؤلف وحده.

 

أولاً: الوضع الراهن

بالرغم من تفاؤل بعض المشاركين في المنتدى، وخاصة الإسرائيليين، بأن تعمل خطة الانفصال الإسرائيلية على تقديم فرصة جديدة للتقدم السياسي والأمني والاقتصادي، إلا أن الغالبية كانت متشائمة حول فرص نجاحها.

على الرغم من تخفيف القيود المفروضة على الحركة في بعض المناطق، إلا أن الوضع الأمني والاقتصادي العامين في الضفة الغربية وقطاع غزة يبقيان في مهب الريح.

يتفق المراقبون على أن نجاعة وسلامة الاقتصاد الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة مرتبطة وبشكل معقد بالوضع الأمني، إلا أنهم يقدمون تقييمات متباينة لمغزى التطورات الحديثة. يرى الإسرائيليون أن تحسناً دراماتيكياً قد طرأ على الوضع الأمني، مشيرين إلى الهبوط الحاد في الهجمات القادمة من شمال الضفة الغربية واعتقال أو قتل عدد كبير من الأشخاص المطلوبين. أدت هذه التطورات كما يقولون، لإزالة ثلث الحواجز على الطرق ونقاط التفتيش في الضفة الغربية (والبالغ عددها الآن حولي المائة)، وعمل ذلك بدوره على تعزيز النشاط الاقتصادي الفلسطيني في كل من مدن جنين وطولكرم وقلقيلية بمقدار 35%. بالرغم من إقرار الإسرائيليين بارتفاع مستويات العنف في قطاع غزة، إلا أنهم يعتبرون الوضع مستقراً وقابل للاحتواء. وفي الوقت الذي تلقت بلدة سديروت الإسرائيلية القريبة من غزة هجوماً صاروخياً فلسطينياً، رأى المحللون العسكريون في ذلك حالة شاذة، وليس كنتيجة لتطور الأسلحة. عموماً، فإنهم يرون بأن تحسناً مستمراً في الوضع الأمني لن يؤدي إلى تحسن الظروف الاقتصادية فقط، بل سيحدث نقله في الحوار المرتكز في الوقت الحالي على الوضع الأمني؛ فكما قال أحد المشاركين في المنتدى: "يمكن أن يكون هناك أمن بدون اقتصاد، لكن لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد بدون أمن".

قدم المسؤولون الدوليون تقييماً أقل تفاؤلاً بكثير، واصفين الوضع الأمني في قطاع غزة "كأسوأ وضع منذ سنوات عدة" مشيرين إلى أن ما بين 6-12 اشتباك يقع كل يوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأن عمليات الجيش الإسرائيلي الأخيرة خلفت 2000 مواطن فلسطيني مشردا في جنوب غزة. لقد كان لهذه الاضطرابات المتجددة آثار اقتصادية حادة: فوفقاً للمنظمات الدولية، فإنه يسمح لأربعة أو نحوها من بين عشرين حاوية تصل إلى معبر كارني يومياً بالدخول، ويغلق معبر كارني كلياًَ في أيام التصعيد والتوتر. بشكل عام،  وجد تقرير البنك الدولي[2] المعد مؤخراً أن الاقتصاد الفلسطيني ككل مستمر في الضمور بسبب الإغلاقات، ويعاني من تدهور الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر في حجمه مما كان عليه حجم الكساد العظيم في الولايات المتحدة ومن الانهيار المالي الأخير للأرجنتين[3]، وعلى الرغم من إشارة تقرير البنك إلى استقرار الوضع الاقتصادي الفلسطيني بعض الشيء في عام 2003، إلا أنه يحذر من عدم إمكانية تعزيز هذا الاستقرار في غياب "تسهيلات جذرية للإغلاقات الداخلية في كافة أنحاء الضفة الغربية، وفتح الحدود الخارجية الفلسطينية أمام تجارة السلع، ودعم تدفق العمالة الفلسطينية نحو إسرائيل بشكل معقول.[4]

كذلك، كان المراقبون الفلسطينيون متشائمين أيضا من هذا الوضع، معربين عن قلقهم من احتمالية أن يكون التدني في العنف الذي ساد الضفة الغربية مؤخراً مجرد وضع مؤقت لا غير، وتشير الاستطلاعات الفلسطينية مثلاً إلى أن 77% من السكان الفلسطينيين يشعرون بعدم الأمان، مع بقاء نسب التأييد للمصالحة مع إسرائيل ووقف العنف المتبادل مرتفعة (بنسبة 72%، و79% على التوالي)، تبقى الغالبية (59%) مؤيدة للهجمات الانتحارية داخل إسرائيل ما لم يتم التوصل لاتفاق لوقف العنف.

وسط الفوضى السياسية المتنامية في المناطق الفلسطينية، يستمر التأييد لحركة لحماس بالارتفاع.

وفقاً لما أورده مراقبون فلسطينيون ودوليون، فإن فاعلية السلطة الفلسطينية وشرعيتها الداخلية مستمرة في التدني، وتلقى دعوات الإصلاح السياسي الشامل تأييداً من قبل الغالبية العظمى من الفلسطينيين (92%)، وقد تم القيام ببعض المبادرات الإيجابية، كما حدث مثلاً في انتخابات فتح الداخلية. ورغم ذلك، لم تكن هذه الخطوات كافية لوقف التفتت السياسي الذي يحدث حتى في الأوساط العليا للقيادة الفلسطينية. إن النجاحات الأولى التي تحققت من خلال النقل الجزئي للسلطة من قبل الرئيس الفلسطيني إلى رئيس ومجلس الوزراء قد تبددت بسرعة، فمجلس الأمن القومي الفلسطيني لم يقم فقط بإعادة المسؤوليات الأمنية للرئيس، بل أخذ في مناقشة قضايا غير أمنية، وقد علق أحد المشاركين في المنتدى بالقول بأن الفلسطينيين "قد حصلوا على رئيس رمزي للوزراء، بدلاً من الحصول على رئيس سلطة رمزي". في ظل هذه الظروف يبدو أنه من غير الممكن القيام بإصلاح حقيقي في أجهزة الأمن الفلسطينية.

في هذا السياق، ارتفع التأييد للمنظمات الإسلامية إلى أعلى مستوى له منذ عام 1995 حيث بلغ 35%، وكان لحماس تأثير متنام بشكل خاص، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى أن تأييد الحركة ارتفع بنسبة 10% على الأقل في غضون الأشهر الستة الأخيرة، على الرغم من الاغتيالات الإسرائيلية لزعمائها. وهناك نسبة تفوق 90% من الشعب الفلسطيني تؤيد مشاركة حركة حماس في حكم قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه. من المحتمل أن تطالب حركة حماس بالتالي أن يتم اتخاذ القرارات الفلسطينية بالإجماع بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة. أما الإسرائيليون فقد فكانت آراؤهم متضاربة بشأن تأثير حماس المتنامي، معترفين بأن تأييد حركة حماس لا يعني بالضرورة تأييدا للعنف. كما أن بعض الإسرائيليين يعتقد بأن حماس قد تكون بديلاً أفضل للسلطة الفلسطينية.

    يختلف المحللون حول المدى الذي ستغير فيه الانتخابات المشهد السياسي الفلسطيني بما في ذلك دفع حركة الإصلاح، ووفقاً لأحد التصورات، فإن الانتخابات ستنعش المؤسسات السياسية الفلسطينية، وستعمل بالضرورة على تقليص قوة رئيس السلطة الفلسطينية. ووفقاً لتصور آخر، من غير المحتمل أن يكتب للانتخابات في الوقت الحالي النجاح في تغيير الوضع الراهن أكثر من نجاحها في عام 1996.

قد يعمل بناء إسرائيل لجدار الفصل حول الضفة الغربية على تغيير الدينامكية على الأرض بطرق غير متوقعة.

على الرغم من أن المشاركين في اللقاء لم يناقشوا بالتفصيل الآثار التي قد تترتب على بناء إسرائيل لجدار الفصل في الضفة الغربية، إلا أن هناك إدراكاً عاماً بأنه سيؤثر في العام المقبل وإلى حد كبير على كل من البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية في الأراضي المحتلة. يؤمن الإسرائيليون، من خلال ملاحظتهم للنجاح الذي أحرزه وجود الجدار مؤخراً في منع الهجمات في الظاهر، بأن تشييده قد يساعد على ازدياد تأييد الرأي العام لعملية السلام. وفي هذا الشأن، رأى البعض أن وجود الجدار عمل أيضاً على تقليص مخاوف اليهود الإسرائيليين من انتشار التطرف بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل (على الرغم من أن البيانات الخاصة باستطلاع الرأي الذي تم القيام به مؤخراً بين اليهود الإسرائيليين قد أظهرت التأييد المتنامي "للترحيل" مما يزيد الشكوك في صحة هذا الرأي). كما يتوقع الإسرائيليون بأن تغيير مسار الجدار الفاصل بما يتفق مع قرارات محكمة إسرائيل العليا الأخيرة سيقلل من التأثيرات السلبية للجدار الفاصل على الفلسطينيين الذي يعيشون داخل وحول المنطقة المتضررة، مما سيعمل على الحد من التوتر في النهاية. وقد أبدى مراقبون آخرون قلقهم بشأن بناء الجدار والذي ينظر إليه الفلسطينيون على أنه ليس مجرد مصدر للمشقة الاقتصادية ومصادرة لممتلكاتهم فقط بل أيضاً كمحاولة للقضاء على أية تسوية نهائية يتم التفاوض عليها حيث سيعمل على إفساد الجو العام في الوقت الذي ستقدم فيه إسرائيل على فك ارتباطها مع قطاع غزة.

يدعم المجتمع الدولي الجهود المصرية في التوفيق ما بين خطط إسرائيل لفك الارتباط مع خارطة الطريق، إلا أنه في نفس الوقت متشائم عندما يتعلق الأمر بفرص نجاحها.

تعتبر الجهود المصرية الأخيرة في محاولة التأثير على عملية إصلاح الجهاز التنفيذي الفلسطيني والأجهزة الأمنية ومحاولتها ربط الخطة الإسرائيلية لفك الارتباط مع خريطة الطريق جديرة بالتقدير على الرغم من الشك في إمكانية نجاحها، ويشير المشككون إلى وجود نقطتي ضعف في المقترح المصري: الأولى، كما يقولون، هي أن هذه الخطة تتطلب تقديم تنازلات فلسطينية تتمثل في تقليص سلطات الرئيس عرفات دون أن يكون هناك خطوات من قبل الطرف الإسرائيلي بالمقابل ودون وجود أية ضمانات لقيام الطرف الإسرائيلي ببعض الخطوات إذا ما قام الفلسطينيون بإنجاز المطلوب منهم. أما نقطة الضعف الثانية، فتكمن في أن الرئيس عرفات "يعتقد بأن المصريين راغبون في الظهور على أنهم جادون لكنهم في حقيقة الأمر غير ذلك؛ بالنتيجة، هو نفسه غير جاد في ذلك". يقترح المشككون، أنه على الرغم من رغبة الحكومة المصرية بالظهور على أنها تساهم في إدارة الصراع، فإن الحوافز غير مشجعة لعمل الكثير. كما أنهم يشكون في أن مصر ستقوم بإرسال أفراد لقطاع غزة-حتى لإغراض التدريب- ما لم توقف إسرائيل نشاطها العسكري في المنطقة.

على الرغم من الدعم الدولي الذي لم يسبق له مثيل "لرؤيا" الدولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان، فإن جدية واشنطن في تحقيق ذلك ليست كبيرة وهي لا تبدو مستعدة لتفصيل مضمون هذه الرؤيا".

قامت إدارة بوش "بتطبيع" النقاش داخل الأروقة الأمريكية حول حل الدولتين وحول فرص قيام دولة "فلسطين"- إلا أن صناع السياسة الأمريكية يختلفون جوهرياً أكثر من أي وقت مضى حول الشكل الذي ينبغي أن يأخذه حل الدولتين. يقول بعض المراقبين أن إدارة بوش تجنبت وبحزم المصادقة على "الإجماع المفترض" من قبل المجتمع الدولي حول الحل الدائم، ونقصد هنا ترسيم الحدود النهائية استناداً إلى خط 1967، مع وجود تعديلات طفيفة وجعل القدس المفتوحة والموحدة عاصمة للدولتين، إلى جانب الاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة من حيث المبدأ مع تطبيق ذلك الحق بشكل محدود. علاوة على ذلك، فإن الرئيس بوش لا يؤمن بأن الأمر جدير بالمحاولة خوفاً من الفشل.

وبناءاً على ذلك، فإنه من غير المحتمل أن تربط إدارة بوش بشكل واضح ما بين خطة فك الارتباط في قطاع غزة والوضع النهائي. ويبقى من المبكر جداً الحكم على ما ستقوم به إدارة كيري في حالة فوزه في الانتخابات الأمريكية.

 

ثانياً: خطة فك الارتباط الإسرائيلية/ التطورات والتصورات

في السادس من حزيران (يونيو) 2004 صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي على خطة فك الارتباط المنقحة، ومن بين النقاط الرئيسية التي وردت بها ما يلي:

توجه أحادي الجانب: تستند الخطة على أساس أنه "ليس هناك شريك في الجانب الفلسطيني يمكن معه إحراز التقدم في عملية سلام ثنائية في الوقت الراهن". إن الهدف من فك الارتباط هو تحسين البيئة الأمنية والسياسية إلى أن "تظهر قيادة فلسطينية جديدة قادرة على محاربة الإرهاب وتطبيق الإصلاح". لن تستأنف إسرائيل المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين ما لم يتحقق ذلك.

إخلاء المستوطنات: تخطط إسرائيل للانسحاب، على أربعة مراحل، من جميع المستوطنات في قطاع غزة ومن أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، هي: جنيم، كاديم، سانور، وحومش.

السيطرة على الغلاف الخارجي: ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الحصرية على المجال الجوي لغزة وبالتواجد العسكري على طول الشريط الساحلي لها. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تنظر إلى وجودها في ممر فيلادلفي "كمطلب أمني أساسي" في الوقت الحالي، رغم أنها ستأخذ بعين الاعتبار الانسحاب منه فيما بعد، مستندة في ذلك على تقدير "للواقع الأمني السائد".

الانسحاب الكلي النهائي من غزة: تتوقع الخطة أنه "وفي أي ترتيب نهائي لن يكون هناك وجود إسرائيلي في قطاع غزة". أما القرار الفعلي بإخلاء المستوطنات (في كل من غزة والضفة الغربية)، فإنه لن يتم إلا بعد تقييم الظروف وبعد إتمام التحضيرات لذلك.

الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس: تحتفظ إسرائيل بحقها في القيام بالرد أو اتخاذ إجراء "وقائي" ضد التهديدات "القادمة من قطاع غزة" حتى بعد انسحابها منه.

بقاء الاتفاقيات القائمة "ذات العلاقة" سارية المفعول: ستبقى الترتيبات التعاونية الحالية (المحددة في اتفاقية أوسلو) لإدارة نقاط العبور، وإمدادات المياه والمرافق الأخرى، والبريد والاتصالات، والنظام الضريبي والنقدي، والقيود المفروضة على امتلاك الفلسطينيين للأسلحة الثقيلة سارية المفعول. وبمرور الوقت ستسعى إسرائيل لتقليص تدفق العمالة الفلسطينية نحو إسرائيل حتى تصبح صفراً.

هدم منازل المستوطنات: ستقوم إسرائيل بتدمير منازل المستوطنين أو المباني الدينية، لكنها ستترك بالمقابل الممتلكات الزراعية والصناعية بدون تدمير.

الأدوار الدولية: تسعى إسرائيل للحصول على الدعم الدولي في عدة مجالات: (1) تسهيل بناء المؤسسات الفلسطينية؛ (2) مراقبة الجهود الفلسطينية الرامية للإصلاح ومكافحة الإرهاب. (3) مساعدة وتدريب أجهزة الأمن الفلسطينية (حيث ستقبل إسرائيل التدخل الأمريكي والبريطاني والأردني والمصري في هذا المجال)؛ (4) إدارة نقل الملكية للممتلكات الموجودة في المستوطنات؛ (5) الدعم الإنمائي للفلسطينيين.

رفع المسؤولية: عند إتمام خطة فك الارتباط وفقاً لإسرائيل، ستنتفي صحة الادعاءات الموجهة ضد إسرائيل فيما يتعلق بمسؤوليتها تجاه السكان الفلسطينيين في قطاع غزة".

يشير المسؤولون الإسرائيليون إلى أنه بالرغم من أن تاريخ إتمام الخطة هو نهاية عام 2005، فإن هناك أمل أن يتم تنفيذها في وقت سابق لذلك. وتم بالفعل البدء في إعداد الترتيبات اللازمة لعملية الفصل، وقامت وزارة الدفاع الإسرائيلية بإفراز لجنة للتعاون مع مصر فيما يتعلق بالترتيبات الخاصة بإدارة ممر فيلادلفي. بالإضافة لذلك، تعتزم الحكومة الإسرائيلية عرض خيارين على المستوطنين: التعويض على شكل الدفع النقدي (بالقدر الذي يمكنهم من شراء بيت جديد في مكان آخر، سواء في إسرائيل أو في مستوطنات الضفة الغربية)، أو إعادة توطينهم في النقب في بلدة شيفيل شالوم، وستقوم الحكومة الإسرائيلية بعرض حوافز لتشجيع المستوطنين على الانتقال للنقب.

كما أكد المسؤولون الإسرائيليون على وجوب عدم إغفال الضفة الغربية في خطة الانفصال، مشيرين إلى أنهم سيخلفون وراءهم في شمال الضفة منطقة خالية من المستوطنات والوجود العسكري الإسرائيلي يفوق ضعف ما سيخلفونه وراءهم في قطاع غزة. وقد أشاروا إلى أن إسرائيل تعتزم أيضاً تسهيل الحركة بحرية أكبر في باقي مناطق الضفة الغربية وإنشاء خط مواصلات متصل، أي بناء طرق جديدة لربط المناطق الفلسطينية. لكنه ليس من المطروح حالياً بناء "ممر آمن" بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على الرغم من أنه سيسمح لبعض الفلسطينيين المرور عبر إسرائيل، وقد توضع ترتيبات ملموسة أكثر في حال "نجح" الانفصال عن غزة.

 

أ) التصورات الإسرائيلية:

يرى الإسرائيليون أن خطة شارون لفك الارتباط قد نتجت عن عدد من العوامل: الضغط الشعبي للمضي قدماً في جهود السلام، التي سينتج عنها انحساراً للعنف داخل إسرائيل؛ والحاجة لملء "الفراغ السياسي الذي نجم عن سلبية شارون"، وزيادة وعي شارون بالبعد الديموغرافي للصراع؛ والاهتمام بأن يصبح الفلسطينيون بشكل عام – وقطاع غزة بشكل خاص – مشكلة الآخرين". ويختلف الإسرائيليون حول المدى الذي يعتبر فيه الأمن عاملاً مهماً في الخطة، حيث يرى البعض بأنه قد تم بالفعل احتواء التهديدات القادمة من قطاع غزة، ويرى آخرون بأنه لا أحد يرغب بأن يكون أحد أفراد أسرته "آخر جندي إسرائيلي يموت في غزة".

يرى بعض المخططين الإسرائيليين في التدخل الدولي المحدود أمراً أساسياً لإنجاح خطة الفصل، إلا أنهم يشيرون إلى وجود نقاش متواصل داخل إسرائيل حول طبيعة الأدوار الدولية المفضلة ولا يزال هذا النقاش مفتوحا، لكن من الواضح الآن أن انتشارً القوات العسكرية الدولية أمر يستبعد أن تقبله الحكومة الإسرائيلية، رغم إدراكها بالحاجة "لضمان حماية العاملين الدوليين". يميل صانعوا السياسية في إسرائيل إلى عدم الثقة بالقوات الدولية مستذكرين تجاربهم السلبية في لبنان مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ومع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مصر أثناء أزمة السويس. كما أنهم يشيرون إلى أن تجربتهم مع الإشراف الأمريكي والبريطاني على السجناء في أريحا كانت غير مرضية. ووفقاً لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يركز على نماذج أخرى من التدخل مثل المساعدة في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. كما يأخذ الإسرائيليون على العاملين الدوليين عدم حرصهم في استخدامهم للتعابير اللغوية مثل "القوات الدولية"، إلا إذا كان المقصود "فرق عمل" دولية.

ينصح الإسرائيليون المجتمع الدولي بوقف محاولات فرض الشروط على إسرائيل للقيام بخطوات في الضفة الغربية معتبرين ذلك أمراً "غير واقعي"، فهم لا يرون خطة الانفصال كجزء من خريطة الطريق. بل إن الحكومة الإسرائيلية ترفض وبشكل واضح اتخاذ خطوات "سياسية" ما لم يقم الفلسطينيون بإتمام التزاماتهم الواردة في المرحلة الأولى من خارطة الطريق، على أكمل وجه-خاصة الإصلاح السياسي والأمني بشكل أساسي.

عوضاً عن ذلك يأمل الإسرائيليون أن يعمل المجتمع الدولي وبسرعة على تسهيل نجاح الانفصال من خلال تشجيع العمل وفق خطة الانفصال الموضوعة بحيث تصبح قادرة على تلبية الاحتياجات الفلسطينية، ويعتقدون بأن احتمالات حصول تقدم في الضفة الغربية ستعتمد على مدى نجاح الانفصال عن غزة، ووفقاً لذلك، فإن الموقف السائد في العواصم الأجنبية "انتظر وانظر ماذا سيحدث" "يجب أن ينتهي". ويمكن القيام بعمل فوري من خلال التطرق لعدد من القضايا مثل ابتكار سبل تكفل دخول المشاريع الإسرائيلية إلى منطقة إيريز الصناعية – والتي كان من المقرر إغلاقها نتيجة لأمر من الحكومة بعد السماح للإسرائيليين بالدخول إلى غزة بهدف إبقاءها مفتوحة، فقبل كل شيء يشدد الإسرائيليون على أنه في الوقت الذي لا يزال هناك بعض المرونة في تحديد الأدوار الدولية في سياق الانفصال، لا يزال هناك خطين أحمرين لا يمكن تجاوزهما: الأول، ستحتفظ إسرائيل بحق الفيتو فيما يخص الأشخاص أو السلع التي تدخل إلى إسرائيل، ثانياً، تصر إسرائيل على الاحتفاظ بالمسؤولية الكاملة في الدفاع عن نفسها. بالنظر إلى النقطة الأخيرة، يحذر المسؤولون الإسرائيليون من أنه إذا تعرضت إسرائيل للهجوم من قطاع غزة أثناء أو بعد فك الارتباط، فإن القوات العسكرية الإسرائيلية "ستعود" وبكل بساطة للقطاع.

بالنظر إلى المستقبل يرى الإسرائيليون بأن "واقعاً اقتصادياً جديداً تتم الآن صياغته وتعتبر عملية الانفصال جزءاً منه. وهم يدفعون المجتمع الدولي نحو إدراك أن تحرك الأفراد بحرية إلى داخل إسرائيل أمر يعارض مصالحنا" ونحو تحديد "الحلول التي ستدعم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني". وفي النهاية فإنهم يوصون بأنه يجب ألا ترتكز الجهود لإيجاد فرص العمل على إسرائيل بل على قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، بل وأيضاً على الشمال الشرقي لسيناء مع الإشارة إلى أن الوضع الأمني قد لا يشجع الاستثمار في قطاع غزة للفترة القادمة. وبالمثل فإنهم يعبرون عن الرغبة في اتخاذ خطوات لتسهيل حركة السلع إلى داخل وخارج غزة، مثل زيادة عدد معدات الفحص في معبر كارني، وهم يركزون على أن إسرائيل، وبكل الأحوال، معنية بفصل الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنها غير معنية بالتكامل الاقتصادي الذي سعت إليه اتفاقيات أوسلو.

 

ب) التصورات الفلسطينية

هناك ردود فعل مختلفة من قبل الفلسطينيين على خطة فك الارتباط الإسرائيلية. البعض يراها كمناورة لتسهيل ضم أراض من الضفة الغربية، والبعض يخشى أنه سينجم عنها إعادة احتلال للأرض الفلسطينية من قبل الأردن ومصر؛ ويشكك الكثيرون فيما إذا كانت ستطبق الخطة بالفعل على أرض الواقع، وعليه، فمن الصعب توقع الكيفية التي سيرد بها الفلسطينيون على الانفصال. أشار بعض المحللين الفلسطينيين إلى أن هنالك احتمالية كبيرة للعنف: على الرغم من عدم رغبة إسرائيل في الظهور وكأنها تنسحب تحت النار، إلا أن هذا ما يريده المتشددون الفلسطينيون بالتحديد، فهم يرون فك الارتباط نموذجاً آخر لجنوب لبنان ويأملون في انتهاز اللحظة التي يتم فيها "دفن السلطة الفلسطينية" وتصوير الانسحاب الإسرائيلي على أنه انتصار للكفاح المسلح. بناءا على هذا التحليل، فإن الأحادية الإسرائيلية تسهم في إضعاف السلطة الفلسطينية بشكل  أكبر، حيث تفتقر السلطة إلى كل من الشرعية والقدرة، وهما أمران سيصبحان أسوأ بعد الانفصال – خاصة إذا كان من المتوقع قيام السلطة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الأطراف التي ينظر إليها الشعب على أنها ساعدت في إجبار إسرائيل على الانسحاب. في هذا السياق، بينت استطلاعات الرأي أن حجم الانسحاب الإسرائيلي سيحدد بشكل أساسي إذا كان سيتم بدون عنف: تؤيد الأغلبية بنسبة (55%) استمرار الهجمات المسلحة من قطاع غزة إذا ما اتضح أن هذا الانسحاب غير كامل، بينما عارضت الأغلبية وبنسبة (59% ) مثل هذه الهجمات في حالة كان الانسحاب من القطاع تاما.

تؤيد غالبية كبيرة من الفلسطينيين وجودا دوليا واسعاً في سياق الانفصال، كما يؤيد الفلسطينيون وبشكل كبير الدور الدولي في بناء القدرة الفلسطينية (كما لاحظ أحد المشاركين قائلا: "يعتقد الشعب الفلسطيني بأن السلطة الفلسطينية تحتاج للمساعدة، حتى وإن لم يعتقد ذلك بعض المسئولين في السلطة الفلسطينية". وبشكل أكثر تحديدا، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تأييدا لمشاركة العاملين الدوليين في إعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني (78% )، والمساندة في بناء المؤسسات (70%)، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية ( 64%)، وإدارة الحدود المصرية –الفلسطينية (60%). كما سيعتمد الفلسطينيون على المجتمع الدولي لتقديم الضمانات بأن عملية الانفصال ستؤدي إلى إعادة استئناف العملية السياسية. و يحذر المحللون من أن التواجد الدولي لن يكون فعالا ما لم تستأنف المفاوضات وما لم تجري الانتخابات الفلسطينية، حيث ستكون هاتان الخطوتان أساسيتين في إعادة الشرعية للقيادة الفلسطينية.

 

ج) التصورات الدولية

تتسم تصورات الحكومات المتوقع إسهامها في التدخل الدولي لدعم خطة الانفصال الإسرائيلية بموافقتها المترددة تجاه الخطة ذاتها، ويرى مسئولون حكوميون من الطرف الثالث أن على المجتمع الدولي " التعامل مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة على أنها أخبار سارة بحد ذاتها" ؛ وأشاروا إلى استعداد حكوماتهم لتقديم الخبرات والدعم  لجهود الإصلاح وإعادة بناء المؤسسات في قطاع غزة، أما الآخرون، فيشككون في قدرتهم على النجاح في إعادة الحياة للعملية السلمية، وهناك بعض المخاوف من أن تخدم الخطة أهداف شارون في وضع ترتيبات انتقالية طويلة المدى، وهم غير راغبين في مساندة أي مبادرة لا تصب في مصلحة السلام والأمن، وهم قلقون بشأن الديناميكية الحالية التي تقوم فيها إسرائيل بإملاء الشروط بينما تتوقع أن يقوم المجتمع الدولي بمعالجة أي نتائج سلبية تتبعها.

يحذر المسؤولون الدوليون من أن انفصال إسرائيل لن يعمل على تحسين الظروف الاقتصادية في قطاع غزة ما لم يتضمن فتحا للحدود الفلسطينية أمام حركة الأشخاص والسلع الاعتيادية إلى جانب استئناف تدفق العمالة الفلسطينية باتجاه إسرائيل. أما إذا كان "الغلاف الخارجي" محكم الإغلاق، فقد تصبح الظروف أسوأ بالرغم من إزالة المستوطنات والحواجز أمام الحركة في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. بالإضافة لذلك، فإنهم يحذرون من أن تطويرا للعلاقات التجارية الربحية سيتطلب ارتفاعا في القدرة الشرائية والقدرة الإنتاجية للفلسطينيين، مما سيستغرق وقتا من الزمن.

أشار ممثلو الدول المتوقع إسهامها في التدخل الدولي إلى تردد حكوماتهم في التعهد بإرسال المزيد من الأفراد والموارد إلى المنطقة ما لم يتم الانفصال من خلال إطار عمل سياسي وأمني متماسك، وهم يسعون لإيجاد أهداف واضحة (مثل الشروط السياسية التي أرفقها الاتحاد الأوروبي لموافقته على خطة الانفصال)، والحصول على الموافقة بالإجماع من كلا الطرفين على مزيد من التدخل الدولي، وضمان عدم استهداف العاملين والممتلكات الدولية من قبل كلا الطرفين. وفيما يتعلق بالشرط الأخير، يشدد المسئولون الدوليون على أنهم لا يطلبون من إسرائيل التنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها، لكنهم يطالبونها بتحديد الظروف التي ستمارس فيها هذا الحق وبشكل أكثر دقة.

 

ثالثا: التدخل الدولي في قضايا خطة فك الارتباط

قام المشاركون بتحديد ونقاش عدد من القضايا الحيوية اللازمة في أي تخطيط للتدخل الدولي في سياق الانفصال الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الأسئلة التي طرحت كانت أكثر من الأسئلة التي أجيب عليها، إلا أن المشاركين بدأوا بنقاش ليس فقط الأبعاد السياسية، بل أيضا بعض التحديات التشغيلية التي قد تبرز.

 

أ) نقل الممتلكات

تتضمن خطة الانفصال الإسرائيلية المنقحة هدم بيوت المستوطنين والمباني الحساسة ونقل ممتلكات المستوطنين الأخرى إما للفلسطينيين أو لإطراف ثالثة (حيث سيتم نقل الملكية لهذه  الأطراف الثالثة على أساس انتقالي)، وتبدو الحكومة الإسرائيلية مستعدة لمناقشة أية مقترحات "متماسكة وغير استفزازية" فيما يخص نقل الملكية، وعلى أية حال، فقد أشار المسئولون الإسرائيليون إلى أن " هناك تساؤل جدي عن مدى وجود كيان فلسطيني يمكن الوثوق به في توليه لهذه العملية بأسلوب منظم". ووفقا لاستطلاعات رأي حديثة، فإن غالبية الفلسطينيين يؤيدون هدم منازل المستوطنين (وإن كان عدد المؤيدين في قطاع غزة أكبر منه في الضفة الغربية)، وقد يكون السبب في ذلك كما يعزوه أحد المحللين، إلى أن ذلك الهدم يؤكد انسحاب إسرائيل من غزة وبشكل حاسم. وعليه، فإن الفلسطينيين يحثون السلطة الفلسطينية على البدء بوضع خطط للتصرف بممتلكات المستوطنين الآن والقيام بذلك بشفافية، محذرين من أن ذلك "سيكون اختبارا لمصداقية السلطة الفلسطينية".

يعبر المجتمع الدولي عن استعداده لتقديم المساعدة في نقل منظم للممتلكات مشيرين إلى سوابق مفيدة في التاريخ الأوروبي (مثال: أوروبا الشرقية)، وقد علق أحد المسؤولين قائلا: "لا يوجد أحد في المجتمع الدولي يرى من مسؤولياته تولي أمر الممتلكات التي ستتركها إسرائيل في قطاع غزة، إن الجميع مهتم بتقديم المساعدة للفلسطينيين في إدارتهم لتلك المسؤولية بجدارة".

 

ب) نظام الحدود/ الغلاف الخارجي

بالرغم من إعلان إسرائيل عن انفصالها عن جميع أجزاء قطاع غزة باستثناء غلافها الخارجي، إلا أن المحللين يتفقون على الكيفية التي ستدير بها إسرائيل المحيط الخارجي للقطاع، أي الدخول والخروج من وإلى قطاع غزة، سيؤثر بحد ذاته على التطورات السياسية والاقتصادية أكثر من أي عامل آخر، ووفقا للنسخة الحالية لخطة الانفصال، فإن إسرائيل تسعى للحفاظ على السلطات التالية: السيطرة الحصرية على المجال الجوي لقطاع غزة؛ والتواجد العسكري على طول الشريط الساحلي للقطاع بما يفي لاعتراض السفن المحملة بالأسلحة أو السلع المهربة الأخرى والمحظورة وفقا لاتفاقية أوسلو؛ ووجود عسكري في ممر فيلادلفي ذا قدرة على وقف عمليات التسلل والتهريب من قطاع غزة؛ والتواجد على معبر رفح بما يتفق مع الترتيبات الحالية، واستنادا إلى المخططين الإسرائيليين، فإن إسرائيل ستأخذ بالحسبان إنهاء تواجدها في فيلادلفي إذا ما تطلب "الواقع الأمني" ذلك أثناء وبعد الانفصال وتحديدا إذا كانت إسرائيل واثقة من عدم تهريب الأسلحة الثقيلة عبر الحدود، وطبقا لما ورد في الخطة، فقد تسمح إسرائيل بإعادة بناء المطار الجوي والميناء البحري الفلسطينيين. في غضون ذلك، تبدي إسرائيل استعداداً لتخصيص جناح في ميناء أشدود لتجارة قطاع غزة كوسيلة لتسهيل النشاطات الاقتصادية الفلسطينية.

يتوقع المحللون الإسرائيليون أن تقوم إسرائيل بالنظر في الأدوار الدولية التالية فيما يتعلق بالغلاف الخارجي: 1) الدعم المصري في إدارة الحدود (رغم توقع استمرار "مشكلة الثقة" على هذه الجبهة؛ 2 ) مراقبة دولية ( ربما من قبل قوات المراقبة متعددة الجنسيات في سيناء) على ممارسة مصر لهذه المهام؛ 3) قيام طرف ثالث بأداء دور إسرائيل في صالة الوصول في معبر رفح، وفي المطار، وفي الميناء البحري؛ 4) رقابة طرف ثالث وإشرافه على قوات الأمن الفلسطينيية ؛ 5) مساعدة طرف ثالث في إدارة وقف إطلاق النار، وقد أعرب الإسرائيليون عن ثقة أكبر في قدرة الطرف الثالث على القيام بمهمة الفحص في رفح أكثر من القدرة والرغبة في ضمان حماية الحدود ( الأمر الذي قد يستدعي الحاجة لدخول المنازل، وردم الأنفاق، واعتقال الناس)، كما أنهم يرون بأن على إسرائيل أن تكون أكثر واقعية "عندما يتعلق الأمر بوقف التسلل والتهريب"، مشيرين إلى أن الحلول المثالية غير الواقعية قد تكون أسوأ من الحلول الواقعية الجيدة.

ورغم ذلك كله، ترغب حكومات الطرف الثالث في استكشاف هذه الأدوار، ويركز المسئولون الدوليون على أن استمرار الوجود الإسرائيلي في ممر فيلادلفي قد يكون عامل زعزعة للاستقرار، ويعبرون عن قلقهم بأن هذا التواجد سيعمل على زيادة احتمالية لوم الفلسطينيين للعاملين الدوليين على الأعمال الانتقامية الإسرائيلية وتعرضهم بذلك للهجوم والاختطاف. علاوة على ذلك، فإنهم يطلبون الوضوح من جميع الأطراف المشاركة فيما يتعلق بالتفويض الدولي والقيود المفروضة على استخدام جميع الأطراف للقوة كرد على التهديدات المتوقعة.

 

ج) الحكم الفلسطيني

كما أشرنا سابقاً، تم تقديم خطة الانفصال الإسرائيلية استنادا إلى الفرضية القائلة بأن إسرائيل تفتقر إلى شريك فلسطيني موثوق به، بالرغم من وجود اختلافات أكيدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحكومات الطرف الثالث عما إذا كان الإصلاح المؤسساتي الفلسطيني شرطا مسبقا لاستئناف العملية السلمية إلا أن هناك إدراكاً عاماً بأن الدعم المقدم لبناء المؤسسات السياسية والأمنية سيبقى عنصرا حيوياً في الدعم الدولي للشعب الفلسطيني.

وكما لاحظ المشاركون في المنتدى، فإن خطة الفصل الإسرائيلية تطرح عددا من الأسئلة الصعبة: 1) هل ستلعب الانتخابات الجديدة دورا في إعادة الشرعية للقيادة الفلسطينية في غزة؟ ما هو التوقيت المناسب؟ وما هي العواقب من خلال المنظور الإسرائيلي لمشاركة حماس في الانتخابات؟ 2) ما هي المعايير التي ستعمل بها إسرائيل عند اتخاذها القرار بشأن إعادة العلاقة التعاونية مع السلطة الفلسطينية؟ هل سيقابل الإصلاح الفعال والفعلي في المؤسسات الأمنية الفلسطينية توسع في الأدوار الفلسطينية في حكمها لقطاع غزة؟ (مثال: هل سيتولى الموظفون الفلسطينيون الأدوار الإسرائيلية والدولية في الغلاف الخارجي؟) 3) كيف سيتم التعامل مع الأسئلة التي تتعلق بمسائل الحكم في الضفة الغربية؟ 4) كيف يمكن  ربط الإصلاح في مجالي الأمن وتطبيق القانون مع الأسئلة العريضة التي تتعلق بالحكم وسيادة القانون؟

 

د) الدور المصري

تتوقع معظم الأطراف المعنية أن تلعب مصر دورا هاما في سياق الانفصال، ورغم ذلك، فإنهم يختلفون حول أفضل السبل لذلك وحول إمكانيات النجاح، ويؤكد الإسرائيليون عدم إمكانية السماح بتواجد جنود مصريين ذوي مسؤوليات أمنية مباشرة في قطاع غزة، إلا أن البعض يعتقد بإمكانية إسهام مصر بشكل مفيد في مجال أمن المحيط الخارجي وفي إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية. يشير الكثيرون إلى أن مصر بقيت ملتزمة بحذافير شروط اتفاقية السلام بينها وبين إسرائيل كما أنها تعاملت بفاعلية مع القضايا الأمنية المحلية مثل النزاعات بين الصيادين المصريين والفلسطينيين في منطقة العريش. من ناحية أخرى، أثار كل من المسئولين الإسرائيليين والدوليين الشكوك فيما إذا كان لدى مصر الرغبة والقدرة على ضبط النظام على الشريط الحدودي، مشيرين إلى عدم نجاحها إلى وقتنا هذا في منع التهريب إلى رفح كما يحذر المشككون بأن الخبرة التدريبية المصرية لم يتم اختبارها و أن مشاركتها في حفظ السلام في الصومال كان " كارثة"، مشيرين إلى أن "المصريين ليسوا جهازا شرطيا جيدا للمجتمع".

 

هـ) التنسيق

كما لاحظ أحد المشاركين الإسرائيليين، " فإن الشيء الوحيد الذي سيكون بالضرورة أحادي الجانب في خطة الانفصال هو شروط انسحاب إسرائيل من قطاع غزة"، وتعمل الخطة على الحفاظ على آليات التعاون الموجودة في مواجهة عدد من الاحتياجات الفلسطينية – الإسرائيلية المتبادلة، بما فيها الجمارك، والأمن، والتجارة، والصحة، والمرافق، وزيارات السجون، والسيطرة على حركة التنقل الجوي، وبالنظر إلى إعلان إسرائيل عن نيتها الانفصال التام عن غزة، يجب صب الاهتمام على الأدوار التي يمكن أن تلعبها الأطراف الثالثة في إدارة هذه المجالات. هل ستوحد آليات التنسيق تحت مظلة تنسيق واحدة، أم سيتم العمل بطرق مختلفة وغير مترابطة؟ من الذي سيحدد أي الترتيبات ستكون "ذات علاقة" بالواقع الجديد الذي سينجم عن الانفصال؟ هل سيتم التفاوض على توزيع المسؤوليات من قبل الأطراف؟ وإذا حدث ذلك، هل ستنظر إسرائيل إلى درجة معينة من الإصلاح الفلسطيني كشرط مسبق؟ هل سيلعب الطرف الثالث دورا في حل الخلافات حول تلك المسائل أكبر مما سمح لهم بلعبه في ترتيبات أوسلو؟ ناقش المشاركون كذلك دور المؤسسات الدولية الراهنة مثل لجنة الارتباط الدولية في سياق عملية فك الارتباط بما في ذلك تناول الحاجة لإجراء تغييرات على عمل وعضوية وقيادة هذه المؤسسات بحيث تصبح أكثر استعداداً للعب الدور المرجو منها.

 

و) أسئلة قانونية

تعبر خطة الانفصال المنقحة عن رغبة الحكومة الإسرائيلية في جعل تنفيذ الخطة إلغاءا لأي ادعاءات ضد إسرائيل فيما يخص مسؤوليتها تجاه السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين "لا ينتظرون قرارا قانونيا من الأمم المتحدة، إلا أنهم يتوقعون تغيراً في طبيعة مسؤوليتهم"

يثير المسؤولون الدوليون عددا من الأسئلة التي تتعلق بالحقوق والمسؤوليات القانونية ذات الصلة بالانفصال. أولا، هل يمكن رؤية الاحتلال الإسرائيلي لغزة منتهيا في حال بقاء إسرائيل مسيطرة على "الغلاف الخارجي" خاصة إذا احتفظت بهذه السيطرة دون موافقة من الفلسطينيين؟ بالمثل، وعلى ضوء اعتراف إسرائيل المسبق بأن الضفة الغربية وقطاع غزة تشكلان "وحدة إقليمية واحدة" وعلى ضوء الحق في تقرير المصير، كيف سيؤثر استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية على الوضع القانوني الدولي لقطاع غزة؟ ثانيا، ماذا سيكون وضع اتفاقية أوسلو في ظل الترتيبات الجديدة؟ وهل سيتم القيام بأي جهود رسمية لتحديد أي أجزاء الاتفاقية التي ستبقى نافذة المفعول في سياق الانفصال؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة لن يؤثر فقط على طبيعة الترتيبات القانونية المعدة لتسهيل أي تدخل دولي إضافي، بل أيضا على مدى استعداد الأطراف الثالثة للتعهد بتقديم موارد إضافية، حيث سيكون الوضوح والشرعية القانونية التي ستقدمها هذه الإجابة أمرا مهما للتحقق من سلامة العاملين والممتلكات الدولية.