المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية

مدخل لفرض وصاية دولية على الفلسطينيين أم طريق نحو دولة مستقلة ذات سيادة؟ 

ملاحظات أولية على خطة "خارطة الطريق"  

د. خليل الشقاقي و عائشة أحمد

 

مدخل

رحب الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني بخطة "خارطة الطريق" بمسودتها الثالثة، لكن من المرجح ألا يتمكنا من تنفيذ التزاماتهما بما جاء فيها، مما قد يجعل مصيرها مثل سابقاتها من الخطط كشرم الشيخ وميتشل وتينت. في هذه الحالة ستصل الولايات المتحدة وبقية أطراف المجتمع الدولي لقناعة بأن الطريق الوحيدة لإنهاء هذا الصراع هو عن طريق فرض وصاية دولية أمنية ومدنية على الفلسطينيين. إن التحضيرات لاحتمال كهذا تجري اليوم على قدم وساق في واشنطن ونيويورك وأوتوا بالإضافة لعواصم أوروبية عديدة.

من الجانب الإسرائيلي قد تفشل خارطة الطريق لثلاثة أسباب: لأن إسرائيل لن تقبل بالتعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولن تكون على استعداد لإعطاء الفلسطينيين تواصلاً جغرافياً حقيقياً لدولتهم ذات الحدود المؤقتة، ولا على إعطائهم سيادة فعلية لتلك الدولة. أما في الجانب الفلسطيني فإنها ستفشل لسببين: لأن الرئيس ياسر عرفات غير قادر على القيام بإجراء إصلاحات حقيقية جذرية تهمش دوره الشخصي وربما غير راغب في القيام بها، ولأن السلطة الفلسطينية لن تتمكن على الأرجح من فرض وقف شامل لإطلاق النار في ظل النواقص العديدة التي تعتري الخطة.

سيعزي كل طرف فشله في تنفيذ التزاماته لفشل الطرف الآخر في تنفيذ ما التزم به. كما أن غموض بعض الالتزامات سيوفر للطرفين مخرجاً مناسباً. فالطلب من إسرائيل القيام "بخطوات أخرى متعلقة بالمستوطنات" في المرحلة الثانية من الخطة تثير الشفقة على أعضاء اللجنة الرباعية الذين افتقدوا الجرأة على مواجهة إسرائيل في موضوع حيوي مثل إخلاء مستوطنات. كذلك الحال في الطلب من الطرف الفلسطيني إعداد مسودة دستور يقوم على أسس "ديمقراطية برلمانية قوية"، كشرط مسبق للدخول في المرحلة الثانية من الخطة، رغم إدراك الجميع بعدم قدرة الطرف الفلسطيني على الخروج من نظام حكم الفرد منذ تأسيس السلطة الفلسطينية قبل تسع سنوات.

تستعرض هذه الورقة المسودة الثالثة لخطة "خارطة الطريق" المؤرخة في 20/12/2002، موضحة التزامات الأطراف، ومواعيد التطبيق، والفروقات البارزة بين المسودات الثلاث للخطة. كما تشير إلى ميزاتها ونواقصها. تنتهي الورقة بمجموعة من التوصيات التي تهدف لجعل الخطة قابلة للتطبيق ثم بخلاصة حول مستقبلها المحتمل.

 

وصف الخطة وجدول الالتزامات

تشتمل الخطة على أربعة أقسام هي المقدمة ومراحل الخطة الثلاثة. تشمل المقدمة وصفاً عاماً للخطة ومراحلها ولدور اللجنة الرباعية وللأسس التي تبنى عليها التسوية الدائمة. تدور المرحلة الأولى حول وقف العنف والعودة للحياة الطبيعية وإجراء إصلاحات سياسية فلسطينية، وتتعلق الثانية بمرحلة انتقالية تقوم فيها دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة، وتتعلق الثالثة بمفاوضات الحل الدائم. تحتوي بنود المراحل الثلاثة على مجموعة من الالتزامات الموضوعة على أربعة أطراف (الفلسطينيين، الإسرائيليين، الدول العربية، واللجنة الرباعية) بحيث يتم تنفيذ الالتزامات خلال ثلاث سنوات: مدة المرحلة الأولى تبلغ حوالي نصف سنة وتبدأ في مطلع عام 2003، وتنتهي الثانية في نهاية ذلك العام، فيما تستمر الثالثة حتى عام 2005. يوضح الجدول التالي كافة الالتزامات لكافة الأطراف في المراحل الثلاث وذلك حسبما جاء في المسودة الثالثة المعدلة المقدمة للأطراف بعد اجتماع الرباعية في 20/12/2002 في واشنطن.

 

جدول بعناصر خطة اللجنة الرباعية حسب المسودة الثالثة (20/12/2002) لخارطة الطريق 

 

الفروقات الرئيسية بين مسودات الخطة الثلاثة

خضعت الخطة لمشاورات واسعة منذ الإعلان عن مسودتها الأولى في 15 أكتوبر 2002 وحتى تبني مسودتها الثالثة في 20/12/2002. أدت هذه المشاورات إلى إجراء تعديلات هامة على بنود الخطة، جاء أبرزها في مجالات الأمن والإصلاحات السياسية وقيام الدولة ذات الحدود المؤقتة. لكن تعديلات أخرى أدخلت على أسس الحل الدائم، وعلى موضوعي المستوطنات ومؤسسات القدس المغلقة، وعلى دور الدول العربية واللجنة الرباعية.

توسعت المسودة الثالثة في تفصيل الالتزامات الفلسطينية الأمنية لتشمل وقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار، والقيام باعتقالات، ومواجهة مطلقي النار والجماعات التي تخطط للقيام بإطلاق النار، وجمع السلاح غير المرخص، والقيام بعمليات مستمرة لملاحقة وتدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية "الإرهابية". بينما لم تطالب المسودة الأولى إسرائيل بإصدار بيان بوقف العنف ضد الفلسطينيين، فإن المسودة الثالثة أشارت إلى أن على إسرائيل إصدار بيان كهذا.

أما في مجال الإصلاح السياسي والقيادي فقد أشارت المسودة الأولى إلى ضرورة تعيين رئيس وزراء بشكل فوري فيما أشارت المسودة الثالثة إلى بدائل أخرى مثل حكومة ذات سلطات تنفيذية أو جسم لصنع القرار. كما أن المسودة الأولى أصرت على أن الانتخابات الفلسطينية يجب أن تكون تشريعية فقط فيما أشارت المسودة الثالثة للانتخابات بدون تقييد. ورغم أن المسودة الأولى أشارت للجنة دستورية ولأسس ديمقراطية برلمانية قوية، فإن الثالثة أضافت تفاصيل أخرى من أهمها أن يقوم الدستور على أسس ديمقراطية برلمانية قوية "ورئيس وزراء ذي صلاحيات". كما أن المسودة الثالثة أضافت نصاً جديداً، بطلب إسرائيلي كما يبدو، يؤكد على أن قيام الدولة الفلسطينية في المرحلة الثانية مرتبط بأن "تكون للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بحزم ضد الإرهاب وتكون لديها الرغبة والقدرة لبناء ديمقراطية". وقد يكون في هذا تحذير مبطن بأن قيام الناخب الفلسطيني بانتخاب ياسر عرفات رئيساً قد يعرقل البدء في المرحلة الثانية. أخيراً، فيما جاء في المرحلة الأولى من المسودة الأولى مطالبة بإصلاحات في مجال القضاء والإدارة والاقتصاد "كما يقرره فريق عمل"، فإن المسودة الثالثة أشارت بالتحديد إلى أن فريق العمل المقصود هو فريق العمل الدولي المنبثق عن اللجنة الرباعية.

طرأت عدة تعديلات على البند المتعلق بقيام الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. جاء في المسودة الأولى إشارة إلى أن قيام هذه الدولة يتم من خلال "مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية" فيما استخدمت المسودة الثالثة مصطلحاً آخر هو "تشابكengagement  فلسطيني-إسرائيلي". كذلك أشارت المسودة الأولى إلى ضرورة تطبيق اتفاقات مسبقة من أجل تعزيز التواصل الإقليمي للدولة الفلسطينية بدون الإشارة لكيفية التوصل لهذا التطبيق: هل هو خطوة إسرائيلية من طرف واحد؟ أم هو نتاج لمفاوضات ثنائية مع الطرف الفلسطيني؟ لكن المسودة الثالثة أشارت إلى أن تطبيق اتفاقات سابقة هو جزء من عملية "التشابك" الفلسطينية الإسرائيلية وأن ذلك "يشمل خطوات أخرى تتعلق بالمستوطنات". لكن المسودة الأولى كانت قد فصلت موضوع الخطوات الأخرى المتعلقة بالمستوطنات وعاملته كموضوع مستقل وأكدت ضرورة أن تكون هذه "الخطوات الأخرى" متزامنة مع simultaneous with قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة. بالإضافة لدمج "الخطوات الأخرى المتعلقة بالاستيطان" ببند قيام الدولة والتشابك الفلسطيني-الإسرائيلي وتطبيق اتفاقات سابقة، فإن المسودة الثالثة قامت أيضاً باستبدال كلمة "بالتزامن مع" لتصبح "مقترنة بـ in conjunction with". إن من المرجح أن النص الجديد يعطي إسرائيل حرية أكبر في توقيت الخطوات الأخرى المتعلقة بالاستيطان فيما كان النص السابق أكثر تشدداً من حيث التوقيت المتزامن.

بالنسبة لأسس التسوية الدائمة، أبقت المسودة الثالثة على مكانة المبادرة السعودية التي حاولت المسودة الثانية التقليل من شأنها. كما فعلت المسودة الأولى، اعتبرت مقدمة المسودة الثالثة المبادرة السعودية إحدى أسس عملية السلام. وكانت إسرائيل قد طالبت بعدم الإشارة للمبادرة التي لم تكن قد وافقت عليها. لكن المسودة الثالثة قامت بإبراز جزء المبادرة المتعلق بالتطبيع فقط ولم تأت على ذكر العودة لحدود 1967. كذلك قامت المسودة الثالثة بإزالة الإشارة للمبادرة العربية لقمة بيروت (أي المبادرة السعودية) من بنود المرحلة الثالثة حيث يجيء ذكر أسس التسوية الدائمة. كما أشارت المسودة الثالثة إلى أن على القيادة الإسرائيلية إصدار بيان "لا يقبل التأويل تؤكد التزامها برؤيا الدولتين وبدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وذات سيادة تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل". لكن الخطة أضافت أسساً جديدة لحل مشكلة اللاجئين حيث أشارت إلى وجوب كونه حلاً "واقعياً" وعادلاً ومتفقاً عليه، فيما أشارت إلى أن حل مشكلة القدس يجب أن "يأخذ بعين الاعتبار مصالح كلا الطرفين السياسية والدينية ويحمي المصالح الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين في العالم".

 أما في موضوع المستوطنات فقد جاء التغيير الأبرز في وضع الالتزام الإسرائيلي بتجميد الاستيطان في المرحلة الأولى بدلاً من الثانية حيث كان في المسودة الأولى. لكن المسودة الثالثة ألغت التأكيد الذي جاء في المسودة الثانية حول ضرورة إعطاء أولوية التجميد لتلك المشاريع الاستيطانية "المهددة للتواصل الإقليمي الفلسطيني بما في ذلك المنطقة الواقعة حول القدس". أما بالنسبة لمؤسسات القدس المغلقة فقد اكتفت المسودة الأولى بالإشارة لضرورة إعادة فتح الغرفة التجارية ومؤسسات اقتصادية أخرى فيما أكدت المسودة الثالثة على ضرورة "إعادة فتح الغرفة التجارية ومؤسسات فلسطينية أخرى مغلقة".

أما بالنسبة للدور العربي فقد طرأ عليه تعديلان. بينما أشارت المسودة الأولى لقيام دول عربية بقطع التمويل العام والخاص عن "الجماعات الفلسطينية المتشددة" فإن المسودة الثالثة أضافت للتمويل "وكافة أشكال الدعم" واقتصرت قطع هذا الدعم على "المجموعات التي تدعم وتقوم بأعمال عنف وإرهاب". أما التعديل الثاني فجاء حول موضوع التطبيع، حيث أشارت المسودة الأولى إلى أن على دول عربية قبول التطبيع مع إسرائيل "بما يتوافق مع مبادرة قمة بيروت العربية". لكن المسودة الثالثة أسقطت الإشارة للمبادرة العربية، ولعلها رغبت في عدم ذكر المبادرة ضمن بنود المرحلة الثالثة حيث يجيء ذكر أسس التسوية الدائمة.

أما بالنسبة لدور اللجنة الرباعية، فقد أكدت المسودة الثالثة على ضرورة القيام بإنشاء آلية المراقبة على التنفيذ في المرحلة الأولى وليس في الثانية كما كان الحال في المسودة الأولى. كذلك أدخلت المسودة الثالثة تعديلاً على قرار الحكم على أداء الأطراف حيث أكدت أنه سيكون بإجماع أعضاء الرباعية، فيما لم تأت المسودة الأولى على ذكر الحاجة للإجماع. أسقطت المسودة الثالثة الإشارة إلى التنسيق مع الرباعية فيما يتعلق بتطبيق الخطة الأمنية الأمريكية كما جاء في المسودة الأولى. أضافت المسودة الثالثة دوراً جديداً لأعضاء من الرباعية (وليس بالضرورة لكل أعضاء اللجنة) هو الدعوة لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة "بما في ذلك إمكانية العضوية في الأمم المتحدة".   

 

ميزات إيجابية للخطة

(1) رؤيا الحل الدائم:

 تشير الخطة إلى عدة أمور إيجابية ذات علاقة بالحل الدائم:

1.     أن قيام دولة فلسطينية مستقلة، ديمقراطية، ذات سيادة، وذات قابلية للحياة سيكون نتيجة لتطبيق الخطة. تشير الخطة أيضاً إلى أن قرار مجلس الأمن حول قيام الدولة الفلسطينية (رقم 1397) هو من القواعد التي ستبنى عليها التسوية.

2.     كما تشير إلى أن الاتفاقات السابقة التي تم التوصل إليها بين الأطراف هي إحدى القواعد التي ستبنى عليها التسوية.

3.     تشير الخطة كذلك إلى أن التسوية ستنهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967.

4.     كما تشير إلى أن المبادرة السعودية هي أيضاً من القواعد التي ستبنى عليها التسوية مثلها في ذلك مثل قرار 242.

5.     تشير الخطة أيضاً إلى أن الحل الدائم على المسار الفلسطيني هو جزء من جهد دولي للتوصل لحل شامل على كافة المسارات.

 

 (2) تدويل الحل:

بالإضافة لدور اللجنة الرباعية الدولية في بلورة خارطة الطريق، فإن في الخطة نفسها مجموعة من الوظائف الموكلة لهذه اللجنة مما يعطيها دوراً بارزاً يجعل من هذه الخطة مدخلاً لتدويل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي:

1.     يتم تنفيذ الخطة بكافة عناصرها تحت "رعاية" اللجنة الرباعية، حيث تقوم اللجنة الرباعية بالمساهمة في  تنفيذ الخطة، وفي تسهيل هذا التنفيذ، بما في ذلك العمل مع الأطراف ذات العلاقة من خلال المحادثات المباشرة .

2.     يقوم ممثلي اللجنة في المرحلة الأولى بمراقبة غير رسمية للأداء وبالتشاور مع الأطراف لخلق آلية مراقبة رسمية ووضعها موضع التنفيذ. ويتم تعزيز الدور الدولي في المراقبة خلال المرحلة الثانية. 

3.     تقوم اللجنة بتقييم أداء الأطراف أثناء عملية التنفيذ وتصدر (بإجماع أعضائها) الحكم اللازم للانتقال من المرحلة الأولى للثانية، ومن الثانية للثالثة.

4.     تقوم اللجنة بتقديم العون الاقتصادي وتسهيل خطوات الإصلاح السياسي الفلسطيني.

5.     تقوم اللجنة بعقد مؤتمر دولي في مطلع المرحلة الثانية بهدف تقديم الدعم الاقتصادي وبدء العد لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات الحدود المؤقتة من خلال اتصالات فلسطينية-إسرائيلية تبدأ في المؤتمر الدولي. ثم تقوم اللجنة بعقد مؤتمر دولي ثاني في مطلع عام 2004 للمصادقة على اتفاقية قيام الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة وإطلاق عملية المفاوضات الدائمة والشاملة.

6.     يقوم أعضاء من اللجنة بالدعوة لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية بما في ذلك إمكانية العضوية في الأمم المتحدة. (هذا هو المكان الوحيد في الخطة الذي يشير إلى "أعضاء لجنة" وليس إلى "اللجنة".)

7.     تشير الخطة إلى الإشراف الأمريكي-المصري-الأردني على تنفيذ الخطة الأمريكية لبناء وتدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية والعودة للتعاون الأمني.

 

(3) التوازي مقابل التتابع في التنفيذ:

يعني التتابع في التنفيذ اشتراط قيام طرف ما بتنفيذ التزاماته فقط بعد تنفيذ طرف آخر لما التزم به أولاً. أما التوازي فيعني أن على كل طرف تنفيذ التزاماته خلال الفترة المحددة بغض النظر عما يقوم الطرف الآخر به. تميل الخطة لتفضيل التوازي في التنفيذ إلا في أمر واحد هو وقف إطلاق النار حيث تشترط الخطة حصول الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من المناطق المحتلة منذ 29/9/2000 بالأداء الأمني الفلسطيني في ظل التزام فلسطيني فوري "بالتوقف غير المشروط عن العنف".

 

(4) المستوطنات:

1.     تشير خارطة الطريق إلى مسألة المستوطنات في المراحل الثلاث:

2.     في المرحلة الأولى: يتوجب على إسرائيل القيام بتفكيك مواقع استيطانية تمت إقامتها منذ مارس 2001، كما تقوم بتجميد كافة "النشاطات الاستيطانية" بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات.

3.     في المرحلة الثانية: يتوجب على إسرائيل اتخاذ "خطوات أخرى" تتعلق بالمستوطنات بهدف السماح بقيام دولة ذات حدود مؤقتة.

4.     في المرحلة الثالثة: يتوجب على الطرفين التوصل لتسوية دائمة حول المستوطنات.

 

(5) القدس:

تطالب الخطة إسرائيل بإعادة فتح الغرفة التجارية ومؤسسات فلسطينية أخرى، في المرحلة الأولى،  بحيث تعمل هذه المؤسسات في نطاق ما هو مسموح به حسب الاتفاقات السابقة بين الطرفين.

 

نواقص الخطة

(1) ماهية الدولة المستقلة ذات الحدود المؤقتة:

رغم أن جوهر خارطة الطريق يتمحور حول الخروج من دوامة العنف الراهنة والعودة للمفاوضات الدائمة من خلال قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة، فإن الخارطة لا تشير بأي قدر من الوضوح لماهية هذه الدولة. تدور المرحلة الثانية، المعنونة "الانتقال"، حول "خيار" إقامة هذه الدولة في عام 2003 وتعطيها المواصفات التالية:

(1)        مستقلة

(2)        ذات حدود مؤقتة

(3)        ذات سمات سيادة

(4)        قائمة على الدستور الجديد

(5)        محطة نحو التسوية الدائمة وبالتالي فهي تبقى قائمة حتى يتم التوصل للتسوية الدائمة.

(6)        تولد من خلال مؤتمر دولي تدعو له اللجنة الرباعية ومن خلال "تشابك أو تواصل engagement " فلسطيني-إسرائيلي ينطلق من هذا المؤتمر.

(7)        تتمتع بأقصى حد من التواصل الإقليمي الذي يتم تعزيزه من خلال "تطبيق التزامات سابقة" بما في ذلك خطوات أخرى على صعيد المستوطنات.

(8)        يقوم أعضاء من الرباعية بالدعوة لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية بما في ذلك إمكانية العضوية في الأمم المتحدة.

                

إن الأمرين الجوهريين في هذه القائمة هما ما جاء في البندين الثالث والسابع أعلاه، فالبند الثالث يشير إلى أن الدولة ستتمتع بسمات سيادة فيما يشير السابع إلى تمتعها بأقصى حد من التواصل الإقليمي. لقد تركت الخطة الباب مفتوحاً أمام إمكانية محتمة: ستشير إسرائيل إلى أن النص يعني "بعض" وليس "كل" سمات السيادة المتعارف عليها دولياً،  وأن التواصل الإقليمي قابل للتحقيق من خلال الشوارع والأنفاق والجسور وليس من خلال الانسحابات وإعادات الانتشار وإخلاء المستوطنات. إن النصوص المتعلقة بهذين البندين هما في الحقيقة جوهر وقلب خارطة الطريق فيما يتعلق بالمكاسب الفلسطينية ولكنهما في الوقت ذاته الأسوأ من حيث الوضوح والتفصيل.

كما أن إشارة الخطة "لخيار" و"إمكانية" إقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة يشير كما يبدو لتردد فلسطيني في الالتزام بالإعلان عن دولة فلسطينية قبل التوصل لحل دائم. لقد أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة موافقتيهما على قيام هذه الدولة، وبالتالي فإن عدم الحسم الوارد في النص يشير لتردد فلسطيني. ربما تعتقد بعض أطراف القيادة الفلسطينية أن قيام دولة ذات حدود مؤقتة قد يدفع العالم للاعتقاد بأن الصراع قد انتهى، والتوقف بالتالي عن الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال عن بقية المناطق الفلسطينية التي ستبقى تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية وخاصة في حالة فشل المفاوضات النهائية في التوصل لحل دائم في عام 2005. قد يعكس هذا التردد الفلسطيني أيضا وجود إشكالية قانونية في قيام دولة فلسطينية لا تعلن بشكل حاسم أن حدودها هي حدود 1967وذلك بقبولها بحدود مؤقتة للدولة. كما أن هناك شكوكا عميقة بنوايا شارون التي تهدف إلى تحويل الترتيبات المؤقتة إلى ترتيبات دائمة.

 

(2) رؤيا الحل الدائم:

رغم احتواء الخطة على عناصر إيجابية حول الحل الدائم، مثل المبادرة السعودية والإشارة لإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967، فإنها تفتقد لأية تفصيلات تساهم في ضمان عدم فشل المفاوضات النهائية. كما أن الإشارة للمبادرة السعودية جاء في مقدمة الخطة وليس في بنود المرحلة الثالثة حيث من المفترض أن تكون. وحتى عندما يتم الإشارة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل (في البند السادس من المرحلة الثالثة) فإن الخطة تتجنب أيضاً الإشارة للمبادرة السعودية مما يزيل الربط القائم حالياً بين التطبيع والعودة لحدود عام 1967.

كما أن من المتوقع أن تقدم إسرائيل تفسيراً للنص القائل "بإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967" على أنه لا يعني بالضرورة الانسحاب إلى تلك الحدود، بل يعني إزالة صفة الاحتلال وهو أمر يمكن أن يتم مثلاً بضم تلك المناطق لإسرائيل كنتيجة لعملية المفاوضات. ستدعي إسرائيل أن ضم تلك المناطق فيه تنفيذ لقرار مجلس الأمن 242 وللرؤيا التي قدمها الرئيس جورج بوش في 24/ حزيران 2002 واللذين أشارا لعودة إسرائيل لحدود قابلة للدفاع عنها.

كذلك لا تشير الخطة إلى أي جديد حول حل مشكلة اللاجئين والقدس إلا بإشارات بسيطة تخدم الموقف التفاوضي الإسرائيلي فقط. فالبند الخامس من المرحلة الثالثة يشير إلى أن هدف التسوية هو "إنهاء  الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي"، وأن تسوية مشكلة اللاجئين ستشمل حلاً "واقعيا" وأن تسوية وضع القدس ستأخذ بعين الاعتبار "المصالح الدينية والسياسية للطرفين" و"سيحمي مصالح اليهود والمسيحيين والمسلمين في العالم بأسره". إن هذه الإضافات الجديدة قد تشكل مدخلاً لطلبات إسرائيلية جديدة لا ترد في قرارات الأمم المتحدة السابقة أو في المبادرة السعودية وتضعف بالتالي من الموقف التفاوضي الفلسطيني. 

 

(3) الاستيطان:

رغم وجود جانب إيجابي يتعلق بتجميد كافة النشاطات الاستيطانية في المرحلة الأولى "بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات" فإن النص لا يشير صراحة إلى أن ذلك ينطبق على مستوطنات القدس. هناك جانبين آخرين للاستيطان فيهما نقص واضح. فاللغة المستخدمة للإشارة للبؤر الاستيطانية، في المرحلة الأولى، تتحدث عن تفكيك "بؤر استيطانية تمت إقامتها منذ مارس 2001". إن في هذا تجاهل لبؤر استيطانية عديدة تمت إقامتها منذ حكومة نتنياهو. كما أن هذا النص يعفي إسرائيل من إزالة "كافة" هذه البؤر. كذلك، فإن الإشارة "لخطوات إضافية حول المستوطنات"، وهي الإشارة الواردة في البند الخامس من المرحلة الثانية، يكتنفها الغموض التام. فمن جهة، ليس واضحاً ما هو المقصود بكلمة "خطوات action". فبالرغم من أن أطراف الرباعية قد ترى في ذلك إخلاء لبعض المستوطنات، فإن إسرائيل لن تقبل على الأرجح بهذا التفسير بسهولة. ومن جهة أخرى يوجد في النص التباس بحاجة لتوضيح: فهذه الخطوات الإضافية تجيء ضمن سياقين: "عملية قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة... بما في ذلك خطوات إضافية تتعلق بالمستوطنات"، و"تطبيق اتفاقات سابقة، تهدف لأقصى حد من التواصل الجغرافي، بما في ذلك خطوات إضافية تتعلق بالمستوطنات" وليس واضحاً أيهما المقصود. فإن كان المقصود السياق الثاني، أي أن الخطوات الإضافية هي تطبيق لاتفاقات سابقة، فإن إسرائيل ستدعي على الأرجح أن ذلك لا يشمل إخلاءً لأي مستوطنات قائمة لأن ذلك الإخلاء لم يأت ذكره في أي من الاتفاقات السابقة. 

(4) الإصلاح السياسي والقيادي:

تشير الخطة إلى جملة من الإصلاحات السياسية المطلوبة في المرحلة الأولى: (1) صياغة دستور بنظام برلماني ديمقراطي قوي ورئيس للوزراء ذي سلطات، (2) تعيين رئيس وزراء انتقالي ذي سلطات أو إقامة حكومة مخولة أو جسم معين لصناعة القرار، (3)إصلاح مؤسسي وقانوني يؤدي لفصل حقيقي بين السلطات (4) تعديل قانون الانتخابات الفلسطيني، (4) إصلاحات في الإدارة والاقتصاد والقضاء حسبما حددت لجنة الإصلاح الدولية المنبثقة عن اللجنة الرباعية  (5) تشكيل لجنة انتخابات مستقلة وإجراء انتخابات حرة ومفتوحة.

ليس هناك أي مشكلة في مضمون هذه الإصلاحات فيما عدا الإصلاح الوارد في البند الرابع أعلاه الذي يعطي للجنة الإصلاح الدولية الحق في وضع بنود محددة للإصلاح حتى بدون موافقة أو تنسيق مع الطرف الفلسطيني. إن في هذا البند مؤشر لتوجه دولي جدي نحو محاولة فرض وصاية مدنية وإدارية على السلطة الفلسطينية.

لكن هناك مشكلة كبيرة في وضع شرط الإصلاح السياسي ضمن مبادرة دولية حيث أن في ذلك تدخلاً سافراً في شؤون داخلية للطرف الفلسطيني. لا يكمن الخطأ في المطالبة الدولية بالإصلاح وإنما في جعل إجراء هذه الإصلاحات شرطاً مسبقاً للاستقلال. ومما يفاقم المشكلة اشتراط الانتقال للمرحلة الثانية من خارطة الطريق بموافقة كافة أعضاء الرباعية وإقرارهم بأن الطرف الفلسطيني قد أوفى بكافة هذه التعهدات. إن من المعروف أن للولايات المتحدة (وإسرائيل بالطبع) تفسيرها الخاص لكافة هذه الإصلاحات وهو تفسير يجيء تحت عنوان "تغيير النظام". بعبارة أخرى، إن لم تؤد هذه الإصلاحات إلى جعل منصب الرئيس عرفات منصباً رمزيا (وهو أمر يوجد حوله خلاف واستقطاب فلسطيني داخلي) فإن الولايات المتحدة قد تعارض أي ضغوط على إسرائيل للانتقال للمرحلة الثانية، بل وربما تعارض أي ضغوط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها في المرحلة الأولى. إن النص الوارد في مقدمة المرحلة الثانية من الخطة، والذي يؤكد على أن قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة "سيتحقق عندما يكون للشعب الفلسطينيقيادة تعمل بحزم ضد الإرهاب، ولها الرغبة والقدرة على بناء ممارسة ديمقراطية..." سيوفر بالتأكيد الذريعة المناسبة للولايات المتحدة وإسرائيل وذلك في حالة قيام الناخب الفلسطيني بإعادة انتخاب ياسر عرفات في الانتخابات المقررة في نهاية المرحلة الأولى. إن الموقف الأمريكي تجاه هذه المسألة ليس سراً وقد تم إبلاغه أكثر من مرة لوفود فلسطينية رسمية زارت واشنطن، وهو الموقف المعلن للحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون.

(5) "التشابك" الفلسطيني-الإسرائيلي لإقامة الدولة

تشير الخطة إلى أن "تشابكاً" فلسطينياً-إسرائيلياً (ينطلق من المؤتمر الدولي الذي يعقد في المرحلة الثانية) سيؤدي لولادة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. كما تشير الخطة إلى أن عملية "التشابك" هذه ستشمل "تطبيقاً لاتفاقات سابقة لتعزيز الحد الأقصى من التواصل الإقليمي، بما في ذلك خطوات أخرى تتعلق بالاستيطان..." ليس واضحاً ما هو المقصود "بالتشابك". يمكن لإسرائيل في ظل هذا الغموض الادعاء بأن المقصود هو "مفاوضات" (كما جاء في المسودة الأولى لخارطة الطريق) وأنه يعطي بالتالي لها الحق في تحديد كل هذه الأمور. ويمكن للطرف الفلسطيني إعطاء نفس التفسير وبالتالي المطالبة بدور مماثل لدور إسرائيل في رسم الحدود المؤقتة وتحديد سمات السيادة. إن هذا الغموض لا يخدم أحداً إلا الطرف الإسرائيلي. ماذا سيحدث في حالة كهذه؟ وخاصة عندما يفشل الطرفان في التوصل لاتفاق حول قيام الدولة أو عدم قيامها؟ حول سمات السيادة التي ستتمتع بها؟ حول المقصود بتنفيذ الاتفاقات السابقة؟ حول المقصود بالتواصل الإقليمي؟ وحول المقصود بخطوات أخرى تتعلق بالاستيطان؟ ستدّعي إسرائيل عندها أنها هي وحدها صاحبة الحق في رسم الحدود المؤقتة وتحديد سمات السيادة وأن "التشابك" لا يعني إلا "التنسيق" مع الطرف الفلسطيني لإبلاغه بالقرارات الإسرائيلية. 

 (6) موعد بدء المفاوضات النهائية

ليس واضحاً لماذا تؤجل الخطة عملية بدء المفاوضات النهائية حتى مطلع عام 2004. فإن نجح الطرفان في المرور بسلام من المرحلة الأولى، فما المانع في بدء المفاوضات النهائية فور بدء المرحلة الثانية وانطلاقاً من المؤتمر الدولي الأول الذي يتم عقده في تلك الفترة؟ في هذه الحالة تسير المفاوضات النهائية جنباً إلى جنب مع "التشابك" الفلسطيني-الإسرائيلي الهادف لإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة. فإن نجح الطرفان في التوصل لحل دائم بشكل سريع فيمكن عندها القفز عن مرحلة الدولة ذات الحدود المؤقتة.

(7) مؤسسات القدس

تطالب الخطة إسرائيل بإعادة فتح الغرفة التجارية "ومؤسسات أخرى مغلقة في القدس الشرقية". إن هذه الصياغة لا تعني بالضرورة كافة المؤسسات الأخرى المغلقة، وبالتالي يمكن لإسرائيل الادعاء مثلاً بأن هذا البند في المرحلة الأولى من الخطة لا يعني إعادة فتح بيت الشرق.

(8) الأسرى والمعتقلون

تخلو الخطة من أي ذكر لمصير آلاف الأسرى والمعتقلين الذين شاركوا في الانتفاضة فلا تأتي على ذكرهم في أي من مراحلها الثلاثة.

(9) الأداء والبرنامج الزمني وقدسية المواعيد

تحمل الخطة عنواناً ذي مغزى: "خارطة طريق مبنية على الأداء". إن المقصود بالطبع أن للأداء في تنفيذ الالتزامات أهمية قصوى في تحديد الانتقال من مرحلة إلى أخرى خلال الفترة الزمنية المحددة لتطبيق الخطة وهي ثلاث سنوات على أقصى حد. أما الجدول الزمني فهو جدول "واقعي" كما جاء في مقدمة الخطة، وهناك فرق هائل بين ما هو "واقعي" وما هو "ملزم". لهذا فإن المواعيد ليست مقدسة، وهي ليست سوى اقتراحات مقدمة للطرفين، فإن جاء الأداء سريعاً فإن مقدمة الخطة تبشر بأن التقدم عبر المراحل قد يكون أسرع مما هو مقترح. أما إن كان الأداء بطيئاً أو ناقصاً، فإن مقدمة الخطة تهدد بأن ذلك "سيعيق التقدم" عبر المراحل.

تتجاهل الخطة أن هناك عدم تماثل في الثمن المدفوع من كل طرف عند التقاعس عن الأداء. فللفلسطينيين مصلحة في إنهاء المراحل بأسرع فرصة ممكنة للوصول للحل الدائم. أما إسرائيل فسرعان ما تفقد الدافعية للتقدم عبر المراحل فور التزام الطرف الفلسطيني بوقف إطلاق النار في الأيام والأسابيع الأولى من المرحلة الأولى. بل على العكس، إن لإسرائيل مصلحة في تأخير الانتقال للمرحلة الثانية لأطول فترة ممكنة. كما أن لها مصلحة في تمديد المرحلة الثانية لعشرات السنوات. كل ما على إسرائيل عمله هو تأجيل تنفيذ التزاماتها. فمن الذي سيفرض عليها تطبيق التزاماتها في مواعيدها "المقترحة"؟

 (10) الحكم على الأداء في ظل ادعاءات متناقضة من الأطراف

تعطي اللجنة الرباعية نفسها الحق في تقييم أداء الطرفين والحكم عليه وبالتالي تحديد الموعد الحقيقي للانتقال من مرحلة إلى أخرى. تحدد الخطة في مقدمة المرحلة الثانية ومقدمة المرحلة الثالثة أن على هذا الحكم أن يكون بإجماع أعضاء الرباعية. لكن الخطة لا تضع آلية لمعالجة وضع يدعي فيه أحد طرفي الصراع أنه قد أكمل التزاماته فيما يرفض الآخر هذا الادعاء. ما هي قيمة إجماع الرباعية عندها ما لم تكن مستعدة لإلزام الطرف الآخر بقبول حكمها؟

 

التوصيات

(1) إن البندين المتعلقين بسمات سيادة الدولة وبتواصلها الإقليمي والواردين في المرحلة الثانية بحاجة إلى شرح تفصيلي يوضح ماهية الدولة وحدودها بدون أن يترك لإسرائيل الفرصة لتجميد تطبيق خارطة الطريق عندما ترفض السماح بسيادة حقيقية للدولة وعندما ترفض إجراء إعادة انتشار ثالثة وإخلاء للمستوطنات القائمة في وسط الضفة الغربية وقطاع غزة والتي لا يمكن في ظل تواجدها قيام تواصل إقليمي حقيقي للدولة. إن الفشل في إجراء هذا التعديل على الخطة كفيل بتجميد تنفيذها عند الانتهاء من المرحلة الأولى. على هذا التعديل أن يضمن كامل السيادة للدولة فيما عدا ما يتم الاتفاق عليه بين الأطراف، وعليه أن يضيف لخارطة الطريق خارطة جغرافية تفصيلية ترسم الحدود المؤقتة للدولة الفلسطينية وتحدد أسماء المستوطنات التي سيتم إخلاؤها من أجل ضمان التواصل الإقليمي الفلسطيني. كما يجب على الخطة أن تحدد الموعد الأقصى لإعادات الانتشار وإخلاء المستوطنات المحددة. إن الإهمال الذي تظهره الرباعية في التعامل مع قضايا السيادة والحدود المؤقتة قد يخفي خلفه خطراً مستتراً. قد تعتقد الرباعية أن الفلسطينيين سيقبلون بدولة بالاسم فقط وعلى حدود سيطرتهم الحالية في منطقتي "أ" و"ب" فقط. إن صح هذا التخوف، فإن خطة الطريق تصبح نكتة سمجة سرعان ما ستفجر الأمور وتجعلها أكثر سوءاً مما هي اليوم. 

(2) هناك حاجة ماسة لإعادة ذكر المبادرة السعودية وذكر عنصريها الأساسيين (حدود 1967 والتطبيع) ضمن قواعد التسوية الدائمة الواردة في البند الخامس من المرحلة الثالثة. كما أن هناك حاجة ماسة لربط عملية التطبيع الواردة في البند السادس من المرحلة الثالثة بالمبادرة السعودية وذلك لجعل اشتراط التطبيع بالعودة لحدود 1967 اشتراطاً إلزامياً.

(3) هناك حاجة لتوضيح الموقف من مسألة إزالة البؤر الاستيطانية في المرحلة الأولى: هل المقصود جميعها أم بعض منها. كذلك، هنالك حاجة أولاً لتوضيح المقصود "بخطوات إضافية تتعلق بالمستوطنات" وثانياً لفصل هذه المسألة عن قضية تنفيذ الاتفاقات السابقة بحيث يكون واضحاً أن في ذلك البند التزامات إسرائيلية جديدة وبحيث يكون واضحاً أيضاً أن هدف هذه "الخطوات الإضافية" ضمان التواصل الإقليمي الفلسطيني. 

 (4) هناك حاجة لتعديل البند السادس الذي يأتي تحت الفرع المعنون "بناء المؤسسات الفلسطينية" في المرحلة الأولى من الخارطة بحيث يكون عمل اللجنة الدولية للإصلاح المنبثقة عن اللجنة الرباعية مرتبطاً بتنسيق وتعاون وإقرار فلسطيني وليس فرضاًَ كما قد يُفهم من النص الحالي.

 (5) هناك حاجة لإيضاح البنود المتعلقة بإجراء إصلاحات قيادية كالإشارة لرئيس وزراء ذي سلطات أو لمجلس وزراء مخول أو لجسم يصنع القرار. إن أي غموض في هذا المجال سيتيح لإسرائيل والولايات المتحدة الادعاء بأن الطرف الفلسطيني قد أخل بالتزاماته. وينطبق الأمر ذاته على النص الوارد في مقدمة المرحلة الثانية والذي يشير إلى قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة عندما يكون للفلسطينيين قيادة ذات صفات معينة. هناك حاجة لإضافة نص واضح هنا يؤكد على أن الرباعية ستقبل بالقيادة التي سينتخبها الشعب الفلسطيني.

 (6) هناك حاجة لإيضاح المقصود "بالتشابك" الفلسطيني-الإسرائيلي الوارد في البند الخامس من المرحلة الثانية، وهل يعطي إسرائيل حق الفيتو على قيام الدولة أو على سمات سيادتها أو على تواصلها الإقليمي؟ إن بقاء النص كما هو يوفر لإسرائيل كل ما تحتاجه لإيقاف خارطة الطريق عند المرحلة الأولى ومنع تقدمها تجاه الدولة ذات الحدود المؤقتة وتجاه المفاوضات النهائية. إن من الأفضل إعطاء المؤتمر الدولي الحق في حسم اختلافات كهذه.

(7) ليس هناك من سبب يمنع إطلاق المفاوضات النهائية مع بداية المرحلة الثانية، وليس الثالثة، بحيث يطلق المؤتمر الدولي المنعقد في بداية المرحلة الثانية عمليتي إقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة والمفاوضات النهائية في آن واحد.

(8) من أجل ضمان الإبقاء على التزامات الطرفين  السابقة غير المطّبقة حتى الآن ولضمان عدم تفسير هذه الخطة وكأنها إلغاء لما قبلها من التزامات غير مطبقة، هناك حاجة لتضمين مقدمة الخطة ما يؤكد على أن كافة البنود الواردة في الخطة لا تشكل إعفاءاً من التزامات مسبقة تعهد الطرفان بها.

(9) هناك حاجة لتعديل البند المتعلق بفتح مؤسسات القدس في المرحلة الأولى بحيث يتم الإشارة بالإسم لبيت الشرق أو يتم استبدال النص القائم بنص يطالب بإعادة فتح كافة المؤسسات المغلقة.

(10) هناك حاجة لإضافة بند في المرحلة الأولى من الخطة يضمن إيجاد آلية تشرف عليها الرباعية ويحدد تواريخ محددة للإفراج عن أسرى ومعتقلي الانتفاضة.

(11) هناك حاجة لإعادة النظر في مسألة الربط بين الأداء والبرنامج الزمني المحدد في الخطة بحيث يراعي ذلك وجود عدم تماثل في دافعية الطرفين للتقدم عبر المراحل. فإن كان من مصلحة إسرائيل ربط التقدم عبر المراحل بالأداء الفلسطيني المكتمل في كل مرحلة، فإنه ليس من مصلحة الفلسطينيين الربط بين الأداء الإسرائيلي والتقدم عبر المراحل. ما يحتاجه الفلسطينيون هو إيجاد آلية لإلزام إسرائيل بتنفيذ التزاماتها بنفس السرعة التي يلتزم الفلسطينيون فيها بالتزاماتهم.

 (12) هناك حاجة لتضمين الخطة بنداً يجعل الأحكام المتعلقة بأداء الأطرف أحكاماً إلزامية أو بخلق آلية للاستئناف عليها وذلك لإعطاء المصداقية للدور الذي ستلعبه اللجنة الرباعية وللخطة بمجملها.

 

الطريق نحو وصاية دولية؟

ليس هناك شك أن الخطة تفرض بنوداً صعبة على الجانب الفلسطيني في الجوانب الأمنية والإصلاحية والسياسية التفاوضية. فالجوانب الأمنية لا تكتفي بوقف شامل لإطلاق النار، بل تطالب بإجراء اعتقالات لأفراد ومجموعات، وتدمير القدرات والبنية التحتية لمجموعات مقاومة فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، وجمع السلاح غير المرخص، وتوحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ثلاثة أجهزة تخضع لإمرة وزير داخلية ذي سلطات، والعودة للتعاون الأمني مع إسرائيل حسبما جاء في خطة تينت. لن يكون ممكناً للطرف الفلسطيني الاكتفاء بإطلاق تصريحات أو بيانات بوقف إطلاق النار أو بتوجيه الدعوات المؤدبة لفصائل المقاومة الفلسطينية بالتوقف عن إطلاق النار كما حدث في مرات سابقة.

كما أن الجوانب الإصلاحية تشمل في جوهرها تقليص تدريجي لدور الرئيس عرفات في صناعة القرار الفلسطيني وتحويل بعض من صلاحياته الأمنية والمالية وغيرها إما لرئيس للوزراء أو لمجلس الوزراء أو للوزراء أنفسهم. لن يكون من الممكن إجراء تعديلات صورية كما تعودت القيادة الفلسطينية على عمله في مرات سابقة عندما واجهت طلبات دولية أقل من هذه بكثير.

كذلك الأمر بالنسبة للجوانب السياسية التفاوضية حيث ستجد القيادة الفلسطينية نفسها مطالبة بإعلان قيام دولة على جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة ولقبول أسس لحل دائم بالنسبة للقدس واللاجئين تميل في جوهرها لخدمه الأغراض التفاوضية الإسرائيلية أكثر من الفلسطينية. لن يكون من الممكن تجاهل هذه الأسس عند بدء المفاوضات النهائية.

حتى لو افترضنا جدلاً أن إسرائيل أظهرت استعداداً مفاجئاً لتطبيق الخطة بأمانة، فإنه في ظل الضعف الذي طرأ على قدرات السلطة الفلسطينية وفي ظل فقدان قيادتها للكثير من التأييد الشعبي والإرادة السياسية، وفي ظل تجربة السنوات التسعة الماضية، وخاصة سنوات الانتفاضة، يبدو أن قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ التزاماتها حسبما جاء في خطة خارطة الطريق ضئيلة. ففصائل المقاومة، وخاصة الإسلامية منها، لن تتعاون في تطبيقها، ولن يقبل الرئيس عرفات بإجراء إصلاحات حقيقية تقلص من صلاحياته، بل ولن يمتلك على الأرجح الإرادة السياسية الحازمة لإخراج الشعب الفلسطيني من مأزقه الراهن في ظل الشروط القاسية المفروضة في الخطة.

في ظل الغموض الذي يعتري الكثير من مصطلحات الخطة فإن من المرجح أيضاً أن تجد حكومة إسرائيل الجديدة، التي ستتشكل بعد الانتخابات القادمة في نهاية يناير 2003، صعوبات كبيرة في تطبيق بنود الخطة بالتفسير الفلسطيني لها. ستعمل هذه الحكومة على وضع تفسيرات لبنود الخطة تتلاءم مع ظروفها السياسية التي لن تكون مستعدة لقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة حقيقية بدون ضغط أمريكي هائل. هناك شك كبير في وجود إرادة سياسية أمريكية لممارسة ضغط كهذا على الدولة اليهودية.

إن صحت هذه الاستنتاجات، فإن خارطة الطريق لن تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وإنهاء الاحتلال، بل ستقود لقيام وصاية أمنية ومدنية دولية تستبدل الاحتلال الإسرائيلي باحتلال عسكري دولي وتستبدل السلطة الفلسطينية بإدارة دولية وذلك عندما تستنتج الولايات المتحدة وبقية أطراف الرباعية أن طرفي الصراع غير قادرين وحدهما على إنهائه. إن الطريق الأنجع لمنع حدوث تطور كهذا يكمن في اتخاذ القيادة الفلسطينية قراراً جريئاً وحاسماً بتطبيق خارطة الطريق بأي ثمن رغم ما فيها من مساوئ، أو اشتراط قبولها بإدخال تعديلات عليها تجعلها قابلة للتطبيق. إن غرس الرأس في الرمال والتظاهر بقبول الخطة رغم ما فيها من نواقص وغموض لن يقود إلا لفرض ما هو أسوء منها على الطرف الفلسطيني من خلال وصاية خارجية. إن هناك تخوفاً أن أطرافاً في القيادة الفلسطينية قد تفضل الوصاية الخارجية على القيام بتطبيق خارطة الطريق. فالوصاية تعني إعفاءً لها من مسؤولية اتخاذ قرارات صعبة قد تفتقد الإرادة السياسية لاتخاذها. لكن الوصاية الدولية ستجلب العار لشعب يستحق الأفضل، وذلك عندما يأتي الأجنبي ليفرض عليه نظام حكمه السياسي وشكل إدارته، وستحول الصراع المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي لصراع مسلح ضد احتلال أجنبي جديد عندما تحاول قوات مسلحة أجنبية فرض وقف لإطلاق النار في ظل تسوية سياسية يرفضها الفلسطينيون.