تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية
تقرير فريق العمل المستقل برعاية مجلس العلاقات الخارجية

ميشيل روكارد، رئيس الفريق - هنري سيغمان، مدير المشروع
المؤلفان الرئيسيان: يزيد صايغ وخليل الشقاقي

توطئة

حتى اليوم لم يكن هناك تقييم شامل ومنهجي لمؤسسات السلطة الفلسطينية: بنيتها وإجراءاتها، قدرتها على وضع الأولويات وتوزيع الموارد، ومدى شفافيتها وخضوعها للمساءلة. كذلك لم يكن هناك فحص منهجي للازدواجية بين المؤسسات أو لتعددها، أو لأثر ذلك على صنع القرار. إن فريق العمل الدولي هذا هو أول عمل كهذا.
على غير العادة بالنسبة لتقارير فرق العمل المستقلة التي يرعاها مجلس العلاقات الخارجية، فإن هذا التقرير حول تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية لا يركز على السياسة الأمريكية. وهو لا يتخذ موقفا من عملية السلام في الشرق الأوسط، ولا يتناول مسألة الدولة الفلسطينية. عوضا عن ذلك، فإن هدف التقرير عملي، وهو مساعدة السلطة الفلسطينية ومؤسسات الأسرة الدولية، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والدول المانحة العاملة لدى السلطة الفلسطينية في تحسين كفاءة ومصداقية مؤسسات الحكومة الذاتية الفلسطينية حديثة النشأة. إن السمات المميزة لتقرير فريق العمل هذا هي الإرشادات العملية والتفصيلية لتطوير مؤسسات سليمة وحكم صالح.
وجد فريق العمل أنه رغم الإنجازات الهامة، فإن على السلطة الفلسطينية القيام بإجراء تغييرات واسعة لضمان حكم صالح - بما في ذلك نظام سياسي مشارك، ومجتمع دولي تعددي، وتنمية مستدامة، واقتصاد سوق حرة - وذلك خلال الانتقال لتسوية دائمة وما بعده. من بين هذا الإجراءات، يحث التقرير السلطة الفلسطينية على تبني دستور، وإقامة نظام مساءلة للسلطة التنفيذية أمام السلطة التشريعية، ومركزة كافة الواردات والنفقات العامة في وزارة المالية، وتشجيع تحويل البرامج والمشاريع غير المرتبطة مباشرة بعمل الرئاسة إلى الوزارات والبلديات ذات العلاقة، وضمان استقلال القضاء.
إن الثقة في مؤسسات السلطة الفلسطينية تؤثر على المنافسة على الشرعية مع الجهات التي ترفض اتفاقات أوسلو وتدعي أنها تقوم بعمل أفضل مما تقوم به السلطة الفلسطينية في توفير خدمات معينة للشعب الفلسطيني. إن هذه الثقة تؤثر على قدرة السلطة الفلسطينية على التفاوض مع إسرائيل، كما تؤثر على ثقة إسرائيل في قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ الاتفاقات. بعبارة أخرى، الحكم الصالح شرط ضروري أيضا لنجاح عملية السلام.
إن مما يبعث على الارتياح والتشجيع أن فريق العمل سيستمر، استكمالا ومتابعة لهذا التقرير، في العمل مع السلطة الفلسطينية في المساعدة في وضع الأولويات وتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير. 
تشكل فريق العمل من مجموعة مرموقة بشكل غير عادي من رجال دولة أوروبيين وشرق أوسطيين وأمريكيين. أود بشكل خاص التقدم بالشكر لكل من ميشيل روكارد، وهنري سيغمان، ويزيد صايغ وخليل الشقاقي لعملهم الدؤوب ولإلتزامهم بهذا المشروع. إن التقرير المثير للإعجاب الذي أنتجوه ينبغي أن يشكل إسهاما بارزا ليس فقط لعملية بناء المؤسسات الفلسطينية، بل أيضا للسلام في الشرق الأوسط.

ليسلي غيلب
رئيس مجلس العلاقات الخارجية

 

شكر وعرفان

يتقدم مجلس العلاقات الخارجية بالشكر الجزيل لأعضاء فريق العمل المرموقين لمراجعتهم المتأنية وإسهامهم الهام في المسودات المختلفة لهذا التقرير. كما نشكر كافة المشاركين في مجموعة الخبراء لعملهم المخلص والدؤوب في الاجتماعات المتعددة في رام الله، ولإجرائهم المقابلات مع رسميين فلسطينيين، ولإسهامهم في صياغة التقرير.
لأن هذا المشروع جمع مشاركين من قارات ثلاثة فإننا نتقدم بالشكر والتقدير الخاص لمركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس، الذي عمل كمقر لسكرتاريا المشروع في المناطق الفلسطينية، ونتقدم بالشكر بشكل خاص لألفت حماد لقيامها بتنسيق اجتماعات الخبراء. وقد قام المركز أيضا بإنتاج النسخة العربية من الملخص التنفيذي والتقرير الكامل. كما أتقدم بالشكر أيضا لجوناثان باريس، الزميل في مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، لقيامه بالتنسيق الفعال بين الأطراف المشاركة المختلفة، ولمساعدتي التنفيذية باربرا ماكيرتن. وفوق كل شيء، فإنني مدين لليس غيلب، رئيس المجلس، إذ بدون مشورته ومساندته فإن عمل مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط ما كان ليكون ممكنا.
كما يعبر مجلس العلاقات الخارجية عن شكره وامتنانه العميق للدعم المالي السخي الذي قدمته لهذا المشروع كل من المفوضية الأوروبية والحكومة النرويجية. وفي هذا المجال، فإنني أود التقدم بشكر خاص للسفيرين ميخال أنجل موراتينوس وتيري رود-لارسن لصداقتهما وتأييدهما الدائمين ولميشيل روكارد لرئاسته المتوازنة والحكيمة والثابتة لفريق العمل. 
من يزيد صايغ وخليل الشقاقي، المؤلفين الرئيسيين لهذا التقرير، تعلمت درسا في معنى الاستقامة الأكاديمية والشجاعة المدنية لن أنساه قريبا.

هنري سيغمان
مدير المشروع وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية

 

تقديم


تقوم السلطة الفلسطينية بإدارة شؤون مليونين وتسعمائة ألف مواطن، وعدد السكان هذا أكبر من عدد مواطني دول مثل موريتانيا وغابون والكويت ومنغوليا أو سلوفينيا. وفي الحقيقة، فإنه يوجد لحوالي خمسين دولة عضو في الأمم المتحدة عدد سكان أقل من ذلك. ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ليست دولة بعد.
يعود تكوين السلطة الفلسطينية والاعتراف بهويتها إلى أيلول (سبتمبر) 1993 عندما قامت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاق أوسلو في واشنطن.
بالرغم من أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بسيطرة تامة على عملية دخول وخروج مواطنيها، أو زائريها، أو البضائع التي تتبادلها، أو مصادرها الطبيعية المحدودة، وبالرغم من أن المنطقة التي تسيطر عليها تفتقر للتواصل الجغرافي، فإنها تمكنت من إنجاز الكثير منذ تأسيسها. فقد تم انتخاب مجلس تشريعي في ظروف تم الاعتراف بأنها كانت ديمقراطية، وقد توفرت الخدمات العامة للجمهور، ويتم تشكيل بنية إدارية، وتأخذ التعددية السياسية في الظهور فيما تمارس حرية العبادة، مع أن حرية الصحافة لا تزال مشكلة جدية. وبالرغم من الصدمات العائدة بشكل كبير للإغلاقات الإسرائيلية للحدود، فإن الاقتصاد يظهر علامات التقدم.
إن ظهور ما قد يصبح مجتمعا ديمقراطيا وعلمانيا وتعدديا في العالم العربي هو أمر له أهمية خاصة. إن تمكنت السلطة الفلسطينية من النجاح في خلق مجتمع عصري يظهر احتراما تاما لحقوق الإنسان ومبادىء الأمم المتحدة فإن هذا سيشكل إنجازا ذا أهمية للعالم بأسره. فالبعد الرمزي لذلك واضح. وسيكون له تأثير على استمرار وجود شعب وعلى سلام منطقة حساسة. وفوق كل ذلك، سيكون لذلك مغزى للعالم العربي، في تمكن الفلسطينيين، وهم الضعفاء والمحرومون، من خلق مجتمع قادر تماما على التأقلم مع معايير العالم المعاصر.
من الواضح بالطبع أن عملية بناء الوطن لم تكتمل بعد. فالاستقرار السياسي غير أكيد والاستقرار المؤسسي أكثر ضعفا. يرفض المستثمرون الخارجيون، وحتى من بين فلسطينيي الشتات، القدوم لمنطقة لا يوجد فيها ضمانات أكيدة بنظام حسابات واضح، وباستقرار قانوني وقضائي، وبإدارة فاعلة. إن هذا قد يكون أمرا مؤسفا، لكنه مع ذلك ليس مفاجئا.
ليس من السهل إحداث تغييرات بسرعة وبدون عوائق في منظمة تم إنشاؤها أصلا للقتال الحربي بحيث تتحول إلى كيان دستوري معترف به دوليا. فالطبيعة الفردية للبنى العسكرية وسرية عملية صنع القرارات وإدارة الشؤون المالية كانت كلها ضرورية لمنظمة التحرير الفلسطينية لثلاثين عاما. يمكن لهذه العادات والبنى أن تتبدل ولكن بصعوبة كبيرة.
تعلم السلطة الفلسطينيةورئيسها كل ذلك كما يمكن رؤيته من حقيقة أن هذه الدراسة للمؤسسات الفلسطينية قد تمت بتشجيعهم. إن هذا الانفتاح للمراقبة الخارجية هو بحد ذاته أمر لا سابقة له.
إن هدف هذا التقرير هو إعطاء السلطة الفلسطينية صورة تشخيصية عما تم إنجازه من قبلها، وتعريف بالمشاكل المنبثقة، واقتراح حلول علاجية محددة لها. إن مجال التقرير يغطي النشاطات المتعددة لأي مجتمع عام: الشؤون الدستورية، التشريع، عمل الجهاز التنفيذي والإدارة، أوضاع الخدمات الأكثر أهمية كالعدالة والشرطة والخدمات الاجتماعية وأخيرا أوضاع الإدارة المالية العامة والاقتصاد والتخطيط.
إن المواد التي تشكل التحليل النقدي والاقتراحات قد تم جمعها من قبل فريق يتكون من أكثر من عشرين خبيرا كلهم تقريبا فلسطينيون. وقد تم تشكيل وتوجيه هذا الفريق من قبل يزيد صايغ وخليل الشقاقي، تمت مراجعة ومناقشة مسودات التقارير التي أعداها من قبل الخبراء ومن قبل فريق عمل دولي مستقل برعاية مجلس العلاقات الخارجية، يتكون الفريق من ست عشرة شخصية من إحدى عشرة دولة وكلهم ذوو مواقع وخبرة سابقة أو راهنة في المجال الدولي. يجد القارئ قائمة بأسماء أعضاء فريق العمل ومجموعة الخبراء ملحقة بهذه الوثيقة.
في وضعه لهذا التقرير، التزم فريق العمل بحيادية صارمة فيما يتعلق بمسألة الدولة الفلسطينية. وبالتالي فإننالم نتعرض للمفاوضات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع، كما لم نتعرض لأي من المسائل التي تتعلق بالجوانب الخارجية للسيادة. إن توصياتنا تهدف إلى تقوية السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
إننا نؤمن أن تطبيق التوصيات المتضمنة في هذا التقرير كفيل بإدخال تحسينات على عمل السلطة الفلسطينية وعلى نوعية حياة الشعب الفلسطيني. كما أن ذلك سيقوي لا محالة عضد الدولة المستقبلية التي، مهما كان تعريفها، ستنبثق عن مفاوضات الوضع الدائم.
بالنسبة لي، رئيس وزراء فرنسا سابقا ورئيس لجنة التنمية والتعاون في البرلمان الأوروبي حاليا، كان شرفا أن يعهد إلي برئاسة العمل الذي قام به فريق العمل. إن التعاطف القوي لأعضاء الفريق مع هدف السلام في الشرق الأوسط وتقوية السلطة الفلسطينية قد جعل من هذه المهمة تجربة مثيرة للمشاعر، أنتجت بالمناسبة صداقات عميقة.
بهذا الخصوص فإننا مدينون بالشكر لمجلس العلاقات الخارجية وبالأخص لهنري سيغمان لكونه صاحب الفكرة الأولية لهذا المشروع ولأنه تمكن من الحصول على تشجيع وتعاون الرئيس عرفات. كما أننا مدينون بالشكر للسيد سيغمان لأنه تمكن من الحصول على الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والنرويج مما جعل ممكنا إنجاز الإجراءات الإدارية واللوجستية للمشروع برمته.

ميشيل روكارد
رئيس فريق العمل


أعضاء فريق العمل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ميشيل روكارد: رئيس لجنة التنمية والتعاون في البرلمان الأوروبي، رئيس وزراء فرنسا الأسبق.
  2. هنري سيجمان: زميل أول ومدير مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية.
  3. كارل بيلدت: رئيس حزب الوسط، رئيس وزراء السويد الأسبق.
  4. هانس ديتريخ غنتشر: وزير خارجية ألمانيا الأسبق
  5. فيليب غونزاليس: نائب رئيس الاشتراكية الدولية، رئيس وزراء اسبانيا الأسبق، الأمين العام للحزب الاشتراكي سابقا.
  6. عبد اللطيف الحمد: مدير عام ورئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت.
  7. لي هاميلتون: مدير مركز وودرو ويلسون العالمي، عضو سابق في الكونغرس الأمريكي لمدة 34 عاما وعمل كرئيس للجنة العلاقات الدولية.
  8. دوغلاس هيرد: نائب رئيس شركة كوتس، وزير خارجية بريطانيا الأسبق.
  9. نانسي كاسيباوم بيكر: سيناتور سابق من كينساس في الكونغرس الأمريكي.
  10. أوتو غراف لامبسدورف: رئيس مجلس إدارة مؤسسة فريدريك ناومان، وزير الاقتصاد الألماني الأسبق.
  11. جاكوس دي لا روسير: مستشار بنك باريباس، رئيس صندوق النقد الدولي الأسبق، المحافظ الأسبق للبنك الفرنسي المركزي، الرئيس الأسبق للبنك الأوروبي للإعمار والتطوير.
  12. تيري رود لارسون: المستشار الخاص لوزير خارجية النرويج، وعمل كمنسق خاص للأمم المتحدة في المناطق المحتلة سابقا.
  13. ميجيل موراتينوس: المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط، سفير إسبانيا الأسبق في إسرائيل.
  14. رومانو برودي: الرئيس المعين للمفوضية الأوروبية، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق.
  15. ماريو سواريس: رئيس البرتغال الأسبق.
  16. ديك سبرينغ: عضو البرلمان الإيرلندي والناطق باسم حزب العمل، نائب رئيس وزراء ايرلندة ووزير الخارجية الإيرلندي الأسبق.
  17. دوف زاخايم: المدير المسؤول لشركة SPC العالمية، وكيل وزارة الدفاع الأمريكي الأسبق إبان ولاية الرئيس ريجان.


أعضاء مجموعة الخبراء

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. سمير عبد الله: مدير عام البنك العربي للاستثمار سابقا، الناشر لمجلة "نبض فلسطين الاقتصادي" - رام الله.
  2. جابي برامكي: مستشار، وزارة التعليم العالي - رام الله.
  3. ريكس برينين: أستاذ مقيم، قسم العلوم السياسية - جامعة ماكجيل - كندا.
  4. يوجين قطران: قاضي في المحكمة العليا - بريطانيا.
  5. إبراهيم الدقاق: نائب رئيس مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية - ماس - رام الله.
  6. باسم زبيدي: أستاذ في جامعة النجاح الوطنية - نابلس.
  7. إيهاب أبو غوش: رئيس مركز المساعدة القانونية - رام الله.
  8. عزت عبد الهادي: مدير مركز بيسان، رئيس شبكة المنظمات غير الحكومية - رام الله.
  9. جميل هلال: باحث رئيس - رام الله.
  10. ريك هوبر: مدير برنامج فافو للتعاون الدولي وحل النزاع - أوسلو- النرويج.
  11. نصر عبد الكريم: نائب مدير بنك فلسطين الدولي - رام الله، عميد كلية الاقتصاد الأسبق - جامعة النجاح الوطنية.
  12. أنيس القاسم: محامي- عمان، عضو المجلس الوطني الفلسطيني.
  13. مروان خواجه: باحث، فافو - أوسلو - النرويج.
  14. كميل منصور: مدير معهد الحقوق - جامعة بير زيت - رام الله.
  15. جميل رباح: مرشح لشهادة الدكتوراة - رام الله.
  16. إيبرهارد راين: مستشار سياسي، مركز السياسة الأوروبي في بروكسل، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي السابق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحوض المتوسط.
  17. رمزي ريحان: نائب رئيس الجامعة للتخطيط والتطوير - جامعة بير زيت - رام الله.
  18. طالب صريع: أستاذ مشارك - الجامعة الأردنية - عمان.
  19. هاشم أبو سيدو: نائب مدير المشروعات، مؤسسة التعاون - غزة.
  20. صلاح عبد الشافي: رئيس مركز مصادر التنميةDRC - غزة.
  21. ثيودور سورنسون: محامي في مؤسسة بول ويس و ريفكند في نيويورك، المستشار الأول للرئيس كنيدي سابقا.
  22. راجي الصوراني: مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان - غزة.
  23. دنيس سوليفان: برفيسور، جامعة نورث إيسترن - بوسطن، مستشار البنك الدولي في الضفة الغربية - غزة.
  24. سليم تماري: مدير مؤسسة الدراسات المقدسية - القدس، أستاذ في علم الاجتماع - جامعة بير زيت - رام الله.


الملخص التنفيذي

لقد وصلت الفترة الانتقالية لترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تم تحديدها في اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل في 13 أيلول 1993، إلى نهايتها في 4 أيار 1999. وخلال هذه الفترة وقع الطرفان اتفاقيات أخرى حول نقل الولاية الوظيفية والإقليمية إلى السلطة الفلسطينية، التي تولت المسؤولية عن سير الحياة اليومية وعن التعاون والتنسيق مع إسرائيل في العديد من المجالات.
إن التقدم نحو تسوية دائمة للصراع المستمر منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ونحو علاقات سلمية في المنطقة، يتطلب إقامة كيان سياسي فلسطيني بكل معنى الكلمة، كيان يتمتع بالقدرة والمصداقية. إن حكما صالحا هو شرط ضروري لنجاح العملية السلمية، ولهذا فإن كافة الأطراف تتحمل مسؤولية مساعدة وتسهيل عملية تقوية المؤسسات الفلسطينية العامة.
هذا الرأي يتمسك به كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والنرويج كرئيس للمجموعة الدولية المانحة، والأسرة الدولية ككل. فهؤلاء طالما أبدوا التزاما متواصلا بهذه الأهداف تراوح ما بين الدعم السياسي القوي وإعطاء التطمينات إضافة إلى الدعم الدبلوماسي للعملية السلمية. وعلاوة على ذلك، فإن الأسرة الدولية قد تعهدت بـ 4.1 بليون دولار للمساعدة في عملية إعادة البناء والتنمية الفلسطينية خلال الفترة 1994-1998. وقد تم تخصيص 3.6 بليون دولار من هذه المساعدة للقيام بمشاريع محددة و 2.5 بليون دولار تم صرفها حتى نهاية 1998. ولقد تم إنفاق 10% من الصرف الكلي للبناء المؤسساتي الفلسطيني.
إن بناء وتمتين مؤسسات حكم ديمقراطية وفعّالة ترتكز على الشفافية والمساءلة يعتبر خطوة كبرى على طريق الحصول على تقرير مصير حقيقي للفلسطينيين، وسلام وأمن لإسرائيل وجيرانها، ولاستقرار المنطقة. ويشكل هذا الأمر القاعدة الأساسية بالنسبة للفلسطينيين وذلك للظفر بالسيطرة على برامج المساعدة والاستثمار والتخطيط التي ترعاها حاليا أسرة الدول المانحة والمؤسسات التي تمثلها في الميدان. إن الظفر بالسيطرة ضروري بالنسبة للفلسطينيين وذلك لإجراء تحول ناجح من وضع إعادة التأهيل الطارئ وإعادة البناء المستند إلى المساعدة الخارجية في مرحلة ما بعد الصراع، إلى وضع من التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، والاعتماد الأكبر على الذات، والتنافس الواثق في الأسواق العالمية.
ولابد أن يكون الهدف الأول للسلطة الفلسطينية ولشركائها ونظيريها في إسرائيل والمجموعة الدولية هو الوصول إلى الحكم الصالح المستند إلى:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • حكومة دستورية.
  • مساءلة سياسية ومراجعة قضائية.
  • إدارة للموارد العامة تتسم بالشفافية وتخضع للمساءلة.
  • حكم القانون وحقوق المواطنين.
  • سياسة قائمة على المشاركة الديمقراطية ومجتمع مدني يتسم بالتعددية.
  • إدارة عامة تتسم بالفعالية والتجاوب.

القضية ليست قضية تنظيم فقط، أي قضية بنى مؤلفة من أشخاص يعملون من أجل غايات مشتركة. بل الأكثر أهمية من ذلك أنها قضية القواعد والمعايير والممارسات التي تعرّف المؤسسات العامة وثقافتها العاملة وتقرر العلاقات مع جمهورها. إن الفلسطينيين ينتقلون إلى مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخهم الوطني، والغرض من هذا التقرير هو المساعدة في تشخيص وتحديد الحاجات التي لابد من تلبيتها لجعل عملية التحول عملية ناجحة.


الغرض من التقرير

يؤدي هذا التقرير مهام تشخيصية وتوصيفية فيما يتعلق بالمؤسسات العامة للسلطة الفلسطينية. وله ثلاثة أهداف هي:

 

 

 

 

 

 

  • تحديد الظروف والفاعلية الحقيقية لهذه المؤسسات.
  • تشخيص المصاعب التي تواجهها هذه المؤسسات والعراقيل التي تقف أمام تأديتها لوظائفها بشكل فعال.
  • اقتراح إجراءات عملية لتحسين فعالية ومصداقية هذه المؤسسات على المدى المتوسط والبعيد.

لهذا الغرض، فإن التقرير يعمد إلى تقييم المؤسسات العامة الفلسطينية بالإشارة إلى المتطلبات الأربعة التالية:

 

 

 

 

 

 

 

 

  • المساءلة أمام هيئات سياسية قانونية مخولة بذلك بتفويض شعبي.
  • العمل وفق إطار واضح من الناحية القانونية والتنظيمية، ويحقق الشفافية والمساءلة والمراجعة القضائية.
  • الاستجابة لمشاركة واستشارة هيئات المجتمع المدني بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية والقطاع الخاص.
  • التأثير والفاعلية في أداء المهام والمسؤوليات وفي تعبئة واستخدام الموارد العامة.

لقد أعد هذا التقرير لاستخدامه من قبل أربع جهات: أولها، الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية للسلطة الفلسطينية. وثانيها، كبار الموظفين المدنيين وضباط الشرطة في السلطة الفلسطينية. وثالثها، المنظمات غير الحكومية ومؤسسات أخرى تابعة للقطاع الخاص والمجتمع المدني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ورابعها، الحكومات والمؤسسات المتعددة الأطراف التي تقدم وتنسق المساعدة الدولية للفلسطينيين. ولهذا السبب، فإن التقرير قد أعد باللغة الإنجليزية والعربية، كما أن فريق العمل يقترح متابعة توصياته الرئيسية من خلال حوار مستمر مع السلطة الفلسطينية والهيئات الأخرى ذات العلاقة.


طبيعة التحدي

لقد تقلدت السلطة الفلسطينية مسؤولياتها في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، مقارنة بأية مؤسسة حاكمة أخرى في حالة ما بعد الصراع. وكان المتوقع من السلطة الفلسطينية في ظل تلك الظروف الصعبة والاستثنائية أن تبني مؤسسات عامة قادرة على تعزيز حكم صالح ونظام سياسي ديمقراطي ومجتمع مدني قائم على التعددية واقتصاد السوق الحرة. ومع نهاية الفترة الانتقالية المحددة، كانت السلطة مسؤولة مباشرة عن الشؤون المدنية لـ 95% من الفلسطينيين باستثناء أولئك الذين يعيشون في القدس.

ومع ذلك فإن السلطة الفلسطينية افتقرت إلى السيطرة التامة على المصادر الرئيسية كالأرض والمياه والتواصل الإقليمي والولاية الكاملة لأنظمتها القانونية والإدارية على شعبها والوصول الحر إلى الأسواق الخارجية. وبقيت هذه السلطة تعتمد على تحويل الضرائب والجمارك التي تجمعها إسرائيل لصالحها لتشكل جزءا كبيرا يصل إلى 40% من مداخيلها المحلية في عام 1998 .

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه مع حلول أيار 1999 كانت إسرائيل لا تزال تمارس سيطرتها على 71% من الضفة الغربية و30% من قطاع غزة وعلى حركة الجمهور والبضائع بين المنطقتين وفي داخلهما. كما تتولى إسرائيل المسؤولية الأمنية الكاملة في مساحة إضافية تبلغ 19% من الضفة الغربية تخضع للولاية الإقليمية والوظيفية للسلطة الفلسطينية، ويقيم فيها حوالي نصف السكان المحليين الفلسطينيين. وقد احتفظت إسرائيل بالسيطرة التامة على كل الحدود الخارجية والمجال الجوي والمياه الإقليمية والمجال الألكترومغناطيسي للضفة الغربية وقطاع غزة.

من خلال هذه القيود كان من المطلوب أن تبني السلطة الفلسطينية نظاما سياسيا تعدديا، وأن تحافظ على القانون والنظام داخليا، وأن تعزز السلام مع إسرائيل والأمن للإسرائيليين خارجيا. ولقد واجهت السلطة هذه التحديات في جو سياسي كان مشحونا ومشوبا بالعنف إلى درجة كبيرة. وفي الوقت ذاته، كان مطلوبا منها أيضا متابعة مفاوضات سياسية صعبة مع إسرائيل حول نقل مناطق إضافية إليها، وأن تتعامل في الوقت ذاته بطريقة سلمية ومنظمة مع قضايا خلافية كبيرة، مثل النشاط الاستيطاني الإسرائيلي وهدم البيوت وإغلاق الحدود.

في السنوات الخمسة منذ تأسيسها نجحت السلطة الفلسطينية في:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • إنشاء مجلس وزراء عامل.
  • إجراء انتخابات عامة للرئاسة والمجلس التشريعي.
  • توفير التعليم والعناية الصحية وخدمات أساسية أخرى.
  • صياغة تشريعات وأطر تنظيمية لعمل الإدارة العامة والنشاط الاقتصادي والتجاري الخاص.
  • المحافظة على الأمن والقانون والنظام العام.

لقد استطاعت السلطة الفلسطينية تحقيق مستويات من توفير الخدمات وجمع العائدات والمحاسبة المالية واستخدام المساعدة الدولية التي تتساوق مع، وفي بعض الجوانب تفوق، تلك السائدة في بلدان ذات مستويات متشابهة من التنمية والدخل. وتبين المعطيات الأخيرة توجها نحو الارتفاع في مؤشرات اجتماعية واقتصادية رئيسية. ونظرا لأن هذه الإنجازات الهامة يتم أحيانا تجاهلها في تقارير مثل تقريرنا، حيث يتم التركيز أولا على العمل العلاجي، فإنها تستحق تشديدا خاصا عليها. إن أداء السلطة الفلسطينية لابد وأن يقاس مقارنة بالأداء في العالم الواقعي وليس في العالم المثالي.
ولكن بقي الكثير مما يتوجب عمله. فالسلطة الفلسطينية تواجه مشاكل وتعاني من نقائص تتراوح ما بين المأسسة غير الكافية لحقوق المواطنين، وتركيز الصلاحيات بيد السلطة التنفيذية، واستخدام التوظيف في القطاع العام بشكل كبير لتخفيف البطالة أو للمكافأة على الولاء السياسي، إلى حالات استخدام العنف من قبل الشرطة و الإدارة المالية غير السليمة. 
تواجه السلطة الفلسطينية أيضا نفس المعضلة التي تعاني منها الاقتصاديات الناشئة. فكل تقدم في رفع مستوى المعيشة وتعزيز النمو الاقتصادي يزيد من توقعات المستهلك ويعمق الحاجة إلى رأس مال مكثف وتكنولوجيا متقدمة. وبالمثل، فإن التنمية الاجتماعية والاقتصادية المرافقة للنمو السكاني تدفع باتجاه تحضر سريع مؤدية إلى تحديات معقدة من حيث الحاجة إلى التزويد بالبنى التحتية والخدمات والمصادر الأخرى، كما تزيد من الحاجة إلى حكم محلي فعال.
تواجه السلطة الفلسطينية تحديات أخرى تفرض عبئا متزايدا على مصادرها البشرية والمالية وعلى قدرتها التنظيمية في المستقبل. ومن بين هذه التحديات النسبة العالية جدا من النمو الطبيعي للسكان والتي ستضيف ما يقدر بـ 1.8 مليون فلسطيني إلى الـ 2.9 مليون الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك القدس الشرقية، وذلك مع حلول عام 2010. فمنذ عام 1991 استقبلت الضفة الغربية وقطاع غزة تدفقات سكانية كبيرة عندما فقد الفلسطينيون إقامتهم وأعمالهم في الكويت وليبيا والجزائر. ولابد وأن يضاف إلى ذلك الأثر المحتمل للاستيعاب الممكن للاجئين الفلسطينيين من حربي عام 1948 و 1967 والذين قد يعودون من الشتات.
إن النمو السكاني يفرض طلبا متزايدا على البنى التحتية والخدمات العامة ومن ثم تكون هناك حاجة مستمرة لتوسع متناسب في الإدارة العامة والتوظيف والتمويل. وهذا الأمر يجب على السلطة الفلسطينية والأسرة المانحة الدولية أخذه بالاعتبار عندما توصي وتخطط لإصلاحات معينة. ولكن التوظيف المفرط وغير المثمر في القطاع العام أدى إلى تكبيل السلطة الفلسطينية بخليط متناقض من فاتورة أجور كبيرة ورواتب متدنية ومتطلبات تقاعد مستقبلية لا تقدر على توفيرها. إن أي تقدم في توفير البنية التحتية العامة يشتمل على تكاليف جارية طويلة الأجل وذلك من أجل التشغيل والصيانة. وبهذا، فإن مسألة إدارة الديون ستصبح على الفور تحديا إضافيا آخر.
يجب على السلطة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني على حد سواء أن يستخلصوا من طبيعة هذه التحديات أن السياسة والممارسة الحاليتين لا يمكن أن تدوما. فالمجموعة الدولية كانت قد وعدت مؤخرا بـ 3,3 بليون دولار كمساعدة لعام 1999-2003 ولكنها لن ولا يمكن أن تستمر في المساعدة المالية والتقنية بهذه المستويات للأبد، مهما كانت درجة التزامها السياسي بالسلام الفلسطيني-الإسرائيلي وبحق تقرير المصير للفلسطينيين.
إن الظروف السياسية والمادية، ماضيا وحاضرا، هي ظروف صعبة. فالأطراف الخارجية، بما في ذلك إسرائيل، مسؤولة عن المساعدة في حل المشاكل التي أسهمت فيها. ولكن هذا لن يلغي مسؤولية السلطة الفلسطينية في معالجة النقائص والفجوات في عملية البناء المؤسسي والعمل المتواصل لتحسين أدائها وإيجاد حكم أكثر فعالية خاضع للمساءلة.
ولابد للسلطة الفلسطينية، بل ومن مصلحتها، إظهار قدرتها على رؤية ومعرفة نقائصها وتولي عملية الإصلاح وتوجيهها. إن نهاية الفترة الانتقالية المحددة توفر الفرصة المواتية للدخول في مرحلة جديدة من الدستورية والإصلاح، حيث يتقدم الفلسطينيون باتجاه حق تقرير المصير الكامل، وهذه الفرصة لابد من الظفر بها.


تقوية المؤسسات العامة في ظل ظروف معاكسة
لابد من الاعتراف بأنه كان على السلطة الفلسطينية أن تقيم وتشغل مؤسسات عامة وفعالة في فترة قصيرة من الوقت وفي إطار ولاية إقليمية محدودة، وتشرذم جغرافي، وسيطرة بلا سيادة على الأرض والسكان والمصادر الطبيعية، والتزامات أمنية صارمة تجاه إسرائيل. إن ضيق الوقت المتاح والإطار العملي قد أعاقا تطور البنية والممارسات المؤسساتية الفضلى. كما فرضا أحيانا متطلبات متناقضة على السلطة الفلسطينية فيما يتعلق، مثلا، باحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير السياسي وتوفير الأمن. وتكمن المجازفة في أن البنى والممارسات الحالية، إذا لم يتم إصلاحها، ستشكل، بل وستقرر مسبقا، البنى والمؤسسات المستقبلية بطريقة سلبية
ومن وجهة نظر الفلسطينيين، فإن كثيرا من النقائص والتوترات المنبثقة من البناء المؤسساتي خلال الفترة الانتقالية يمكن علاجها فقط في سياق الدولة ذات السيادة. وحسب وجهة النظر هذه أيضا، فإن ثنائية السيطرة وعدم الوضوح حول التسلسل القيادي الملائم وتقاسم السلطة السياسية بين هيئات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تعطي مثالا على المشاكل التي تبرز لأن الفلسطينيين لا يمارسون حقهم في تقرير المصير بشكل دولة مستقلة. ويمكن تفهم التخوف الفلسطيني من أن الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية التي وُضعت لحكم ذاتي محدود خلال الفترة الانتقالية، قد تكتسب ديمومة غير مرغوبة سواء أكان ذلك عن قصد أو بغير قصد.
وبدون إعطاء حكم مسبق على نتيجة المفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل، فإن هذا التقرير يوصي بإصلاحات يمكن القيام بها ضمن الصلاحيات الحالية للسلطة الفلسطينية حتى وإن تم تطبيقها في ظل ظروف غير مؤاتية. وهذه التوصيات أساسية لإقامة حكم صالح، ونظام سياسي ديمقراطي، ومجتمع مدني قائم على التعددية، وتنمية مستدامة، واقتصاد سوق حرة وذلك خلال الانتقال إلى التسوية الدائمة وما بعد ذلك. وعلى الفلسطينيين أن يعتبروا هذه الإصلاحات خطوات أساسية في تشكيل دولة فعالة، فاعلة وديمقراطية:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. دستور رسمي أو قانون أساسي يبين المبادئ الأساسية التي تحكم عملية التأسيس، وتوزيع الوظائف، والفصل، والاستقلالية، والمساءلة فيما بين الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة.
  2. مكتب رئاسة أكثر رشاقة ينقل المهام الإدارية العملياتية والروتينية إلى المكاتب والفروع والمستويات الحكومية الأخرى مما سيؤدي إلى تقوية قدرة الرئيس على تقديم قيادة سياسية ودبلوماسية ووطنية أكثر فعالية في الوقت الذي سيؤدي فيه إلى تعزيز أداء تلك المهام الأقل أهمية.
  3. مجلس تشريعي أكثر فعالية سيمارس مراقبة أقوى ومشاركة في صنع القرار في القضايا المتعلقة بالسياسات العامة والميزانية، وسيكون مسؤولا عن استلام وتنفيذ توصيات المراقبة والتدقيق الخارجي لهيئة الرقابة العامة.
  4. نظام قضائي أكثر استقلالا وتحت إشراف مجلس قضائي أعلى مستقل سيعزز من حكم القانون وقدسية التعاقد وإيجاد إطار وطني قانوني ومنظم متكامل ومتناغم وأكثر ملاءمة لمجتمع حر وسوق حرة.
  5. عمليات مالية أكثر شفافية ومساءلة وتوحيدا ستؤدي إلى تحقيق توازن أفضل بين كلفة وفعالية الإدارة العامة والتوظيف، والقدرة على توقع الحاجات المتزايدة لسكان يتنامون بصورة سريعة، وشمولية التدقيق الداخلي والخارجي وتعزيز ثقة الجمهور العام.
  6. إدارة عامة أكثر رشاقة، مع تقليص واسع في عدد الموظفين وتبني معايير توظيف تعتمد الكفاءة، وبنية تنظيمية أبسط، ستخفف من العبء المالي وتحسن من أثر وفاعلية توفير الخدمات.
  7. قوة شرطة خاضعة للسيطرة المدنية ستخضع لإشراف رقابي سياسي وقانوني ومالي من قبل المجلس التشريعي والوزارات المعنية، وسيتضح كل من دورها وقواعد عملها وعلاقاتها بالحكم المحلي.


البعد السياسي للإصلاح
إن التحدي الأساسي الذي يواجه تطور مؤسسات عامة فعالة ليس تحديا تقنيا، تنظيميا أو ماليا، بل هو سياسي. فالسلطة الفلسطينية لديها مصادر بشرية كبيرة تحت تصرفها مع كثير من المهنيين المختصين المؤهلين بدرجة كبيرة وقوة عاملة مثقفة وماهرة، بالإضافة إلى نوايا سياسية طيبة ودعم مادي، تقني ومالي، من الأسرة الدولية. وهناك العديد من الدراسات الاستشارية الإدارية والمراجعات التي تشخص الحاجات وتوصي بحلول محددة، وهي دراسات تغطي مجموعة كبيرة من المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن الذي يقرر فاعلية الحكم هو طبيعة الثقافة المؤسساتية الناشئة والأسلوب الذي تتفاعل من خلاله الأجزاء المختلفة لنظام الحكم. وبهذا المعنى، فإن أي تحسين سيكون سياسيا إلى درجة كبيرة، كما أن الأثر الذي تتركه الفائدة من أي إصلاح سيكون شاملا.
إن الثمن الأكثر خطورة على السلطة الفلسطينية من النواقص في مؤسساتها العامة سيكون على الأرجح سياسيا أيضا. فاستطلاعات الرأي التي أجريت في الضفة الغربية وقطاع غزة تكشف بانتظام عن عدم الرضى عن مستوى الخدمات العامة وتعبر عن مدى الاعتقاد بوجود الهدر والفساد في المؤسسات العامة والشرطة، وعن فقدان الثقة بمؤسسات الحكم، وخاصة المجلس التشريعي الفلسطيني والسلطة القضائية.
إن هذه النتائج السلبية قد وفرت الذخيرة لمعارضي السلطة الفلسطينية في الداخل وفي إسرائيل والخارج لمهاجمتها. وليس أقل خطورة من ذلك التآكل المحتمل للدعم السياسي من الأسرة الدولية المانحة مع تساؤل دافعي الضرائب والبرلمانيين عن الحكمة من تحويل نسبة عالية من "كعكة" المساعدة المحدودة للفلسطينيين بدلا من بلدان أخرى نامية. إن عدم الإصلاح ليس خيارا.
إن تقوية وإصلاح المؤسسات تتطلب إرادة سياسية ومهارات كبيرة. والقيام بذلك، في وقت تجري فيه مفاوضات الوضع النهائي مع إسرائيل ويتم فيه التحضير للانتقال إلى تسوية دائمة وحق تقرير مصير كامل، يتطلب شجاعة كبيرة وبعد نظر ومواظبة. وهذه كلها صفات أظهرتها القيادة الفلسطينية التي انشغلت منذ عام 1994 بمهمة إقامة حكومة ذاتية فاعلة في الوقت الذي كانت فيه منشغلة بمفاوضات حول مراحل أخرى من الفترة الانتقالية. 
لابد وأن تكون القيادة الفلسطينية قوية وقادرة وواثقة بذاتها حتى تستطيع مواجهة هذه التحديات الماثلة أمامها، ولها الحق في تعريف وتحديد وتوجيه مسارها وفق ذلك. ولهذا، لابد لها أن ترى في الحكم الصالح وفي الإصلاحات الهادفة إلى الوصول إليه مصدر قوة. وكجزء لا يتجزأ من ممارسة حق تقرير مصير حقيقي للفلسطينيين لابد من مأسسة حقوق المواطنين، وإقامة حكم القانون، وإيجاد نظام قضائي مجدي ومستقل، وتمكين المجتمع المدني، وتفعيل القطاع الخاص، وتفويض السلطة، والتأكيد على الاستقلالية المؤسساتية في كافة مناحي الإدارة العامة.


توصيات رئيسية

(أ) جوانب دستورية
إن اتفاقيات أوسلو والاتفاقيات اللاحقة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل قد شكلت الإطار الذي من خلاله ستتشكل القاعدة الدستورية والنظام القانوني للسلطة الفلسطينية. والمجلس التشريعي الفلسطيني الذي تشكل خلال الانتخابات العامة في كانون ثاني 1996 صادق على القانون الأساسي كوثيقة دستورية أولية للسلطة الفلسطينية، ولكن هذا القانون لم يتم المصادقة عليه. وبدلا من ذلك، تم تطبيق خليط من القوانين والنظم الموروثة والتي كانت مطبقة حتى الخامس من حزيران 1967. وهذا أدى إلى الاتهامات بالتركيز الواسع للسلطة الرئاسية والحكم عن طريق إصدار المراسيم، والاستخدام الانتقائي للقوانين، وتجاهل العملية الديمقراطية. وحقيقة أن إطار أوسلو لا يشترط بالتحديد تجديد أو تمديد الرئاسة والمجلس التشريعي أدت إلى ازدياد غموض الترتيبات الدستورية.

 

 

 

 

  1. ينبغي على رئيس السلطة الفلسطينية إما أن يصدر القانون الأساسي ككل، أو يصدر أجزاءاّ منه على الأقل، على شكل قوانين أساسية منفصلة. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن القوانين الأساسية المنفصلة لابد وأن تشتمل على أحكام عملية التشريع واستقلالية القضاء وحقوق المواطنين. إن انتهاء الفترة الانتقالية المحددة والانتقال إلى التسوية الدائمة يجب أن لا تؤثر على ذلك، حيث ستبقى المبادئ الدستورية الأساسية دون تغيير.
  2. ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تقيم محكمة دستورية أو أن تخول المحكمة العليا، وبطريقة ملائمة، لضمان دستورية القوانين والأنظمة.

(ب) السلطة التنفيذية
يتبع الفرع التنفيذي للسلطة الفلسطينية النموذج الرئاسي للحكومة مع تركيز كبير للسلطة. وهذا يتضمن سلطة إصدار قوانين بمراسيم في كل المجالات، وإجراء التعيينات في الخدمات المدنية والشرطة، وتأسيس أو حل المؤسسات العامة وصرف الأموال العامة. إن كثيرا من هذا التركيز للسلطة قد تجسد في إطار أوسلو. ولكن مركزية السلطة، والإدارة التفصيلية للأمور، وعدم تفويض السلطة الإدارية في بعض الحقول، قد أضعف القدرة التنفيذية على إدارة نظام ناشئ ومعقد للإدارة العامة والمالية العامة. وحصيلة هذه الحالة هي فقدان الاتجاه في السياسة الاجتماعية والاقتصادية، والتطور التنظيمي غير المنسق، والتوسع غير المكبوح في التوظيف العام. إن تعديل الممارسة التنفيذية الراهنة سيقلص من العبء الإداري على الرئاسة بشكل خاص ومن ثم يقوي القيادة السياسية والإدارة العليا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي على مجلس الوزراء أن يصيغ ويلتزم ببرنامج حكومي يكون مقنعا، ومتماسكا، ومفصلا بشكل واضح. ولابد من تمكين الوزراء من العمل وفق مهام وميزانيات موضوعة لا تخضع لتغيير اعتباطي أو إعادة تفاوض بشكل مستمر.
  2. ينبغي أن يكون مجلس الوزراء مخولا بتنسيق السياسات الحكومية والإشراف على تطوير وإصلاح الإدارة العامة والقطاع العام عموما.
  3. لابد للحكومة من أن تقدم الميزانية العامة للمجلس التشريعي لمراجعتها والمصادقة عليها في الوقت المناسب.
  4. إن تقليص عدد ونطاق المؤسسات العامة المرتبطة حاليا بمكتب الرئاسة سيؤدي إلى تقليص العبء الإداري عن الرئاسة ومن ثم يقوي قدرتها على صياغة ومتابعة الأهداف الرئيسية للسياسات الحكومية.
  5. على مكتب الرئاسة أن يحول إلى الوزارات والوكالات المعنية كل البرامج والمشاريع ذات العلاقة بالإنفاق والتي لا ترتبط مباشرة وبالضرورة بمهام الرئاسة.
  6. على السلطة الفلسطينية أن تعزز دور الحكم المحلي، ولهذه الغاية فإن الانتخابات البلدية يجب أن يتم إجراؤها. كما أن على السلطة الفلسطينية أن تحول كثيرا من الصلاحيات المتعلقة بتوفير الخدمات المدنية وجباية الواردات والأشغال العامة إلى الحكم المحلي، وأن ترسم بشكل واضح حدود المسؤوليات بين وزارة الحكم المحلي ووزارة الداخلية والشرطة والمجالس البلدية.

(ج) السلطة التشريعية

إن تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني من خلال انتخاب عام وشامل في كانون ثاني عام 1996 كان إحدى الإنجازات الكبرى للسلطة الفلسطينية. ولقد راكم المشرعون الفلسطينيون خبرة قيمة وأظهروا مقدرة نامية على مناقشة التشريعات والسياسات الحكومية والميزانيات. ولكنهم واجهوا تحديا أساسيا تمثل في محاولة تجنب التهميش والعمل على تعزيز دور السلطة التشريعية. وإطار أوسلو لا يشترط بالتحديد تجديد أو تمديد الرئاسة والمجلس التشريعي طارحا بذلك تساؤلات أخرى حول دورهما والعلاقة بينهما بعد الفترة الانتقالية المحددة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. على المجلس التشريعي أن يتبنى أجندة تشريعية لعدة سنوات كوسيلة أكثر واقعية لتنظيم وإتمام وظيفته الأساسية.
  2. على السلطة التنفيذية أن تمكن المجلس التشريعي من مراجعة الميزانية العامة بشكل أكثر فعالية، وذلك بتقديمها له في الوقت المناسب وبالإلتزام ببنود الميزانية المقرة.
  3. ينبغي تخويل المجلس القيام بمراقبة فعالة على السلطة التنفيذية. ولهذه الغاية، فإن على المجلس التشريعي أن يصادق على الميزانيات التشغيلية للسلطة القضائية وهيئات المراقبة المستقلة الأخرى بما في ذلك هيئة الرقابة العامة.
  4. لابد من إتمام عملية جمع وتكامل مجموعة القوانين والأنظمة المتنوعة والمتعارضة أحيانا السارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة.
  5. لعب المجلس التشريعي دورا مركزيا في الصياغة الأولية للإطار الدستوري الفلسطيني في الفترة الانتقالية، ولابد وأن يستمر في لعب هذا الدور لاسيما وأن السلطة الفلسطينية تستعد للتسوية الدائمة. إن مشروع القانون الأساسي يقدم نقطة انطلاق مفيدة لأية وثيقة دستورية جديدة ستعد للمرحلة القادمة.

(د) السلطة القضائية

إن حكم القانون وتوفير الرقابة على الفرعين التنفيذي والتشريعي للحكومة لا يمكن أن يتحققا دون سلطة قضائية عاملة. وهذا شرط هام أيضا في تنظيم المجتمع المدني وعمل السوق الحرة. ولكن السلطة القضائية لم تلق العناية التي تستحقها وبقيت في حالة من الانهيار. وقد تحمل جزءاّ من العبء مؤسسات وممارسات اجتماعية تقليدية، في حين أن الجزء الآخر قام به بطريقة غير رسمية مسؤولون مثل الحكام الذين يعينهم رئيس السلطة الفلسطينية. وهذه الأطر مجتمعة يمكن أن تقدم آليات بديلة لحل الخلافات، إلا أنه ليس من اللائق تحويل الحاجة إلى فضيلة زائدة عن الحد. إن مثل هذا النظام لا يمكن أن يكون بديلا عن ضرورة وجود قضاة متمرنين ومستقلين وعن نظام قانوني موحد، إذ بدونهما يتهدد حكم القانون والنظام العام وتنفيذ العقود.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي إصدار قانون النظام القضائي الذي وافق عليه المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون أول 1998.
  2. ينبغي على السلطة التنفيذية المساعدة في إعادة تأسيس مجلس قضائي أعلى يتمتع باستقلال حقيقي.
  3. ينبغي تحديد صلاحيات ومسؤوليات وزير العدل بشكل واضح، وهذه يجب أن لا تتطابق أو تحل محل صلاحيات ومسؤوليات المجلس القضائي الأعلى أو المسؤولين القضائيين الكبار.
  4. ينبغي تطبيق التوصيات والوصول إلى الأهداف التي وضعت في خطة التطوير الاستراتيجي لحكم القانون، والتي صدرت عن وزارة العدل عام 1996، وذلك بشكل عاجل.
  5. ينبغي إلغاء محكمة أمن الدولة، وكخطوة أولى يجب على السلطة التنفيذية تحديد مهمة هذه المحكمة بشكل واضح وفتحها أمام الجمهور مع السماح بحق دفاع ذي مصداقية وبحق الاستئناف إلى المحكمة العليا.

 

(هـ) الإدارة العامة
لا زالت الإدارة العامة في السلطة الفلسطينية ضعيفة في مجالات معينة. وهذه المجالات تشمل تعددا في الوظائف والمؤسسات التي تؤدي أو تقوم بنفس العمل، وتشمل تسلسلا متضاربا في القيادة والتحكم، وتفويضا غير كاف للسلطة، والتفتيت المفرط في جوانب معينة وفقدان استقلالية الدوائر في جوانب أخرى، وعدم كفاية الإجراءات الرسمية، ونقص تدفق المعلومات داخل المؤسسات وفيما بينها، وعدم كفاية التدقيق الخارجي الروتيني. إن التدخلات ذات الدوافع الشخصية والسياسية تعني أن الأحكام والتنظيمات الداخلية لا تعمل بثبات كإجراءات مستقرة وممأسسة ومتوقعة ولا يمكن قلبها بسهولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي إصدار قوانين تأسيس تحدد الصلاحيات والمهام والوصف الوظيفي لكل الوزارات والوكالات وذلك ريثما يتم الإعلان عن القانون الأساسي أو أية وثيقة دستورية أخرى.
  2. ينبغي إجراء مراجعة عامة للإدارة العامة وذلك لتبسيط بنيتها الشاملة وتقليص عدد الوزارات والوكالات بشكل عام.
  3. ينبغي تطبيق مجموعة الإصلاحات التي أوصت بها "مجموعة الإدارة العامة" في السلطة الفلسطينية دون تأخير.
  4. ينبغي أن تكون القواعد والنظم والأحكام الداخلية متاحة لاطلاع جميع موظفي القطاع العام، وينبغي تطبيقها دون اعتبار للروابط الشخصية والانتماء السياسي أو الاعتبارات التجارية.

(و) الموظفون
لدى السلطة الفلسطينية تعداد مضخم بشكل بارز لموظفي القطاع العام. يوجد توظيف زائد عن الحد في الخدمة المدنية، وهناك تضخم في عدد الموظفين في الوزارات والمرافق الإدارية وفي مستويات معينة من التعيين، في حين أن هناك نقصا في عدد الموظفين في مستويات أخرى خاصة تلك التي تتطلب طاقما متخصصا وذا تأهيل عال. إن الرغبة في التخفيف من البطالة، إضافة إلى العوامل السياسية والشخصية، قد حولت التوظيف العام جزئيا إلى وسيلة للمكافأة على الولاء ولتأمين قاعدة جماهيرية. وهذا أدى إلى تراجع نوعية وفعالية الخدمات العامة عن المستوى الأفضل وأضر بالتوازن بين الكلفة والمردود. ويهدد ذلك الشرعية الداخلية للسلطة الفلسطينية، فيما يثقلها بفاتورة الأجور المبالغ بها بالإضافة إلى متطلبات التقاعد في المستقبل والتي من المحتمل أن لا تقدر على تلبيتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. كل البنود الواردة في قانون الخدمة المدنية الجديدة، ما عدا المتعلقة بالرواتب، ينبغي أن تطبق فورا. كما ينبغي وضع هيكل وظيفي مركزي موحد للضفة الغربية وقطاع غزة.
  2. التوظيف في مجال الخدمة المدنية ينبغي أن يتم ويصادق عليه من قبل المسؤولين المخولين والمؤسسات المعنية، كما ينبغي أن يخضع للتدقيق من قبل هيئة مستقلة ومركزية.
  3. ينبغي أن تدرج شؤون الموظفين في الخدمة المدنية تحت مسؤولية ديوان الموظفين العام.
  4. ينبغي أن تدرج ميزانية الرواتب في إدارة وزارة المالية فقط.
  5. لابد من تنفيذ برنامج يتم فيه مراجعة التوظيف في الوزارات الرئيسية وأن يغطي ذلك عددا ومستوى من الوظائف والمهارات والخبرات المتطلبة لملء هذه الوظائف.


(ز) التخطيط
لقد حققت السلطة الفلسطينية مستويات أعلى في مجال التخطيط وفي فترة زمنية قصيرة، من الكثير من الدول النامية. فالاهتمام المتزايد بالمنهاج القطاعي، ووضع جداول أولوية للمشاريع، والتحليل الاقتصادي العام، سمح لها مؤخرا في امتلاك خطة تنمية فلسطينية معدلة للفترة 1999-2003. ولكن الوضوح غير الكافي لدى السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بأهداف سياستها الشاملة قد أعاق تحديد الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والإدارية الواضحة وصياغة استراتيجيات عملية مناسبة. كما أعاق أيضا تخطيطا طويل المدى لمعالجة مسائل القدرة الاقتصادية واستدامة السياسة الاجتماعية على ضوء معدلات النمو السكاني والتوجهات المتوقعة في الأسواق الإقليمية والعالمية. والتحدي الماثل هو تقني، جزئيا، ولكنه يتعلق أيضا بالسلطة السياسية والتقسيم الملائم للمهام بين المؤسسات العامة ذات العلاقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. هناك حاجة لهيئة تخطيط فلسطينية واحدة، هذا الدور الذي تقوم به الآن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، مع تفويض لا منازع فيه في عملية التخطيط. ولهذه الغاية لابد وأن تحظى هذه الجهة بدعم سياسي من الحكومة والمجلس التشريعي.
  2. ينبغي أن تقود وزارة التخطيط والتعاون الدولي مجموعات عمل قطاعية تمثل "التكتلات" المعنية من الوزارات والوكالات.
  3. إن تقسيم المسؤوليات ما بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية فيما يتعلق بإدارة المصاريف العامة ينبغي أن يتم توضيحه.
  4. ينبغي التأكيد على كون وزارة التخطيط والتعاون الدولي هي حلقة الوصل لكل الوزارات والوكالات التي تتقدم بطلبات المساعدة الدولية.
  5. ينبغي أن يعير التخطيط اهتماما خاصا للزيادات المتوقعة في الطلب على الخدمات والبنية التحتية العامة نتيجة للنمو السكاني والتطور الاجتماعي والاقتصادي وللتكنولوجيا وأنماط التجارة المتغيرة في الأسواق العالمية.


(ح) الإدارة المالية العامة
تخضع المساعدة الدولية للفلسطينيين لمراقبة صارمة من الدول المانحة والمؤسسات الممثلة لها. ولكن الواردات والنفقات الداخلية للسلطة الفلسطينية تفتقر إلى الشفافية وتمامية الحسابات، وقد أدى هذا إلى اتهام الهيئات الفلسطينية بتبديد الأموال وسوء الإدارة وسوء تخصيص المبالغ المالية وخاصة في الفترة 1994-1996. لكن هناك مستوى عال من الرضى الدولي عن عمل أجهزة تنفيذية، مثل وزارة المالية والمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، ولكن الإدارة والتخطيط والتطبيق المالي بحاجة إلى تمتين أكثر. إن تشعب العائدات العامة إلى حسابات لا تخضع لوزارة المالية قد أدى إلى مشاكل في السيولة. وهذا بدوره أدى إلى ضغط في الإنفاق النقدي وزيادة الاقتراض الداخلي المكلف وتراكم المتأخرات. وفي الوقت ذاته، فإن جمع الواردات مركزيا بعيدا عن السلطات البلدية قد زاد من التكلفة التي تتحملها الخزينة في إدارة وتقديم العون للحكم المحلي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي أن تقوم السلطة التنفيذية بتقديم الميزانية العامة التي تعدها وزارة المالية للسلطة التشريعية لمناقشتها والمصادقة عليها وذلك في وقت مناسب. وهذه الميزانية يجب أن تعكس كل الواردات والمصروفات العامة وأن تحتوي على تفصيل لكل بنودها.
  2. ينبغي الإفصاح عن كل الواردات العامة وأن تدرج في حساب واحد يتبع وزارة المالية.
  3. الأطر التنظيمية والآليات التطبيقية التي بلورتها وزارة المالية لضمان ممارسة مالية ملائمة في كافة أرجاء السلطة الفلسطينية ينبغي أن توضع موضع التنفيذ دون تأخير.
  4. إعداد ميزانية الرواتب العامة ينبغي أن تقوم به وزارة المالية بشكل تام من أجل ضمان الفصل بين الضبط المالي والإداري.
  5. ينبغي أن تتقلد وزارة المالية مسؤولية الضبط والإدارة لصناديق تقاعد القطاع العام وأن تقدم حسابا شفافيا بديون والتزامات الحكومة بشكل عام.
  6. ينبغي أن يكون لهيئة الرقابة العامة إطار من القوانين والنظم المحددة يتم بموجبها تدقيق ومراقبة القطاع العام، وينبغي أن تكون الهيئة مسؤولة أمام السلطة التشريعية.
  7. ينبغي أن تحول الحكومة المركزية مسؤولية جمع ضريبة الأملاك إلى الحكم المحلي، والسلطات البلدية يجب أن تطالب مستخدمي خدماتها بدفع الأثمان الحقيقية لهذه الخدمات.


(ط) الخدمات الاجتماعية
إن الوزارات التي تقدم الخدمات الاجتماعية قد تحملت عبئا ثقيلا بشكل خاص منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، كما وعملت بشكل مثير للإعجاب في ظل قيود مالية وإدارية شديدة. ولكن فاعلية هذه الوزارات قد أعيقت نتيجة لقدرتها المحدودة على جذب طاقم مؤهل، والحاجة إلى تسهيلات ومعدات مناسبة، ونتيجة لعدم كفاية القدرات المتوفرة ولوضع التوقعات والتخطيط للأجل الطويل.

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي تطوير وتطبيق مؤشرات الأداء وأنظمة حساب التكاليف من أجل تحسين فعالية ونوعية الخدمات الاجتماعية المقدمة.
  2. ينبغي على وزارات الخدمات الاجتماعية تطوير الإطار القانوني والتنظيمي الذي يمكّن المزودين لهذه الخدمات من القطاع غير الحكومي والخاص من التنافس مباشرة على تقديم الخدمات.
  3. ينبغي تطوير منهجية وضع التوقعات والتخطيط كأمر ملح، وذلك لتوفير القدرة على التنبؤ للطلب المتزايد على الخدمات العامة نتيجة للنمو السكاني والتطور الاجتماعي والاقتصادي.
  4. ينبغي على وزارات الخدمات الاجتماعية أن تعمل بفاعلية على تشجيع الحكم المحلي على تعزيز مشاركته في التخطيط وتقديم الخدمات الاجتماعية وفي جباية الواردات لهذا الغرض.

(ي) الاقتصاد
هناك ازدواجية وتفتيت في الوزارات والوكالات التي تتعامل مع جوانب متنوعة من الاقتصاد. إن الافتقار إلى بيئة قانونية وتنظيمية قادرة على تمكين العمل والتشغيل المناسب لاقتصاد السوق الحرة قد أدى إلى تدخلات مشوهة لهذه السوق. فقد تم خلق احتكارات وشبه احتكارات تجارية استيرادية عامة غير مساءلة وغير منظمة. وهذا يؤدي إلى قيام موظفين عامين بإجراء معاملات وصفقات تجارية غير معلن عنها وإلى حصول أطراف خاصة على امتيازات تسمح لها بالحصول على عقود وتراخيص ووكالات مقتصرة عليها. إن الوعود التي قطعتها السلطة الفلسطينية لخصخصة الاحتكارات لم يتم الإيفاء بها بعد، كما أن عائداتها لم تحول إلى وزارة المالية بعد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. لابد من إعادة النظر في الوزارات والوكالات القائمة التي تتولى شؤون الاقتصاد، وذلك بهدف تقليص عددها الكلي والقيام بدمجها أو تجزئتها كما تقتضي الضرورة وذلك لإزالة التكرار في الوظائف والتخصصات.
  2. ينبغي تأسيس مجموعات عمل وبناء استراتيجيات تطوير وآليات رسمية أخرى قطاعية من أجل تقديم الاستشارة والتنسيق والتعاون بين الوزارات والوكالات التي تتولى الشؤون الاقتصادية.
  3. لابد من زيادة صلاحيات هيئات الرقابة والتنظيم، ولابد أيضا أن تكون مستقلة استقلالا حقيقيا. وينبغي أن تلعب سلطة النقد الفلسطينية أيضا دورا متزايدا في الإشراف على القطاع المصرفي.
  4. إن مشاريع القوانين التي تنظم الضرائب، والاستثمار، وتسجيل الشركات، والمنافسة، والنشاطات الاقتصادية الأخرى ينبغي أن تكتمل ويتم الإعلان عنها بالسرعة الممكنة.
  5. إن خصخصة الاحتكارات وشبه الاحتكارات التجارية العامة التي أسستها السلطة الفلسطينية يجب أن تتم حسب الوعد، كما ينبغي الكشف عن كافة الامتيازات التجارية الممنوحة.
  6. ينبغي أن يكون كافة العاملين في الخدمة المدنية وأجهزة الشرطة والرسميين المنتخبين مطالبين بالكشف عن مصالحهم التجارية الخاصة وأن يتم انفصالهم عنها عند الضرورة.


(ك) الشرطة
لقد ضمن جهاز الشرطة الذي أقامته السلطة الفلسطينية القانون والنظام العام في ظل ظروف سياسية وأمنية صعبة، وحقق مستوى عال نسبيا من الانضباط والتماسك. ولكن كانت هناك اتهامات بتكرار الإساءة إلى حقوق الإنسان وعدم المحافظة على الإجراءات القانونية المرعية بما فيه الكفاية، وعدم الفصل الكافي في الوظائف والمسؤوليات بين فروع الشرطة المختلفة، والمنافسة التي اتخذت طابع العنف أحيانا، والتكاثر غير المنضبط في أجهزة الأمن المتشابهة. إن هذا كله يهدد أداء الأجهزة المختلفة للشرطة والرضى الشعبي عنها وثقة إسرائيل والأسرة الدولية بها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  1. ينبغي أن تخضع الشرطة ككل لسلطة مدنية واضحة وأن تكون خاضعة أيضا للمراقبة السياسية من قبل السلطة التشريعية وللتدقيق الخارجي من قبل هيئة رقابة تقدم تقاريرها إلى السلطة التشريعية.
  2. ينبغي إيضاح التسلسل القيادي في الشرطة ككل وداخل أجهزتها المختلفة، كما ينبغي أن يوضع ذلك التسلسل محل التنفيذ الفعلي.
  3. ينبغي المصادقة على اللوائح المتعلقة بالمهام وقواعد العمل التي وضعها المجلس الأعلى للأمن القومي، كما يجب تطبيقها وجعلها متاحة للاطلاع العام.
  4. لابد من تحسين فعالية الشرطة مقارنة بتكلفتها، ويمكن أن يتم ذلك جزئيا بتقليص تعداد الأفراد بشكل ملموس.
  5. ينبغي على الشرطة منع أجهزتها المختلفة من القيام بأي شكل من أشكال جباية الواردات أو الضرائب أو القيام بنشاط تجاري إلا إذا كانت مخولة بذلك حسب قانون تأسيسها.
  6. لابد من توضيح العلاقة ما بين الشرطة من جهة والحكم المحلي من جهة أخرى.

الفصل الأول
المقدمة

تعتبر السلطة الفلسطينية نتاجاً لعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية التي بدأت في أوسلو عام 1993. ففي هذه العملية تفاوضت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل مباشرة مع بعضهما البعض ولأول مرة، وكانت نتيجة هذه المفاوضات التاريخية تبادل الرسائل بشأن الاعتراف المتبادل بين الطرفين واتفاق إعلان المبادئ الذي وقع في واشنطن في 13 أيلول/سبتمبر 1993. ولقد تم إنشاء السلطة الفلسطينية في أعقاب التوصل إلى اتفاق القاهرة حول قطاع غزة ومنطقة أريحا في 4 أيار / مايو 1994. وأعقب هذا الاتفاق في 28 أيلول/سبتمبر 1995 الاتفاق المرحلي الإسرائيلي-الفلسطيني حول الضفة الغربية وقطاع غزة والذي مهد لامتداد ولاية السلطة الفلسطينية على مناطق إضافية، بما فيها مراكز سكانية فلسطينية في الضفة الغربية.
لا يزال إطار أوسلو يفرض قيوداً شديدة على الولاية والسيطرة الفلسطينية على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولكن الولاية الفلسطينية امتدت بالتدريج على مناطق ومراكز سكانية إضافية في الضفة الغربية. والسلطة الفلسطينية تمتلك الآن السيطرة الإقليمية والوظيفية على 70% من قطاع غزة و29% من الضفة الغربية. وتحتوي هذه المناطق على 95% من السكان الفلسطينيين، ما عدا سكان القدس، حيث لم يسمح للسلطة الفلسطينية بالاحتفاظ بمكاتب لها أو تقديم خدمات عامة للسكان. تقوم السلطة الفلسطينية بالإدارة المدنية والقانونية للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن وكالة الغوث الدولية لا تزال تحتفظ بمسؤولياتها من حيث الإسهام في توفير قدر كبير من الخدمات الاجتماعية والإنفاق والتوظيف. كما أن السلطة الفلسطينية تعتبر مسؤولة عن الأمن الداخلي في 70% من قطاع غزة و 10% من الضفة الغربية، مع بقاء المناطق المتبقية تحت السيطرة الأمنية للحكم العسكري الإسرائيلي.
أجرى الفلسطينيون انتخاباتهم العامة الأولى في 20 كانون ثاني/يناير 1996، حيث قام أكثر من 780 ألف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، يمثلون 75% من جمهور الناخبين، بعمليتي تصويت منفصلتين في الوقت ذاته. وأدلى الفلسطينيون في شرقي القدس بأصواتهم في مراكز اقتراع في داخل المدينة ذاتها. كانت عملية التصويت الأولى هي لانتخاب 88 عضواً للمجلس الفلسطيني الجديد، يمثلون 16 دائرة انتخابية. أما عملية التصويت الثانية، فكانت لانتخاب رئيس السلطة التنفيذية. وقد تم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات كرئيس للسلطة، بنسبة 88% من الأصوات. وأصبح المجلس الفلسطيني يعرف بالمجلس التشريعي الفلسطيني، فيما أصبحت سلطته التنفيذية تعرف بمجلس الوزراء أو الحكومة. وهكذا، فإن المجلس التشريعي الفلسطيني، ورئاسة السلطة، والمجلس الوزاري، علاوة على السلطة القضائية، والوزارات والمؤسسات العاملة الأخرى، شكلت بمجموعها السلطة الفلسطينية.
وصلت الفترة الانتقالية، كما حددها إعلان المبادىء، إلى نهايتها في 4 أيار/مايو 1999. أجرت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل الجولة الأولى من مفاوضات الوضع النهائي في أيار/مايو 1996، ولكن لم يدخل الطرفان في نقاش ملموس وحقيقي حول التسوية الدائمة. فالقضايا الكبرى محط الخلاف والتي تم تأجيلها باتفاق مشترك بين الجانبين في إعلان المبادئ لم تتم بعد معالجتها وحلها. وتشمل هذه القضايا القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات الخارجية، ومسائل أخرى. ومهما كانت تفاصيل الاتفاق النهائي حول هذه القضايا وغيرها، فإن الشعب الفلسطيني متمسك بثبات بالحصول على حق تقرير المصير بشكل دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
إن بناء المؤسسات الفلسطينية العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تأثر إلى حد كبير بفعل أربعة عوامل خارجة عن سيطرة السلطة الفلسطينية وهي : إطار أوسلو، منظمة التحرير الفلسطينية، السياسة الإسرائيلية، والأسرة الدولية المانحة.

1) إطار أوسلو
لقد أسهمت اتفاقيات أوسلو والاتفاقيات المرحلية التي أعقبتها بشكل إيجابي وحاسم في عملية المأسسة الفلسطينية، وخاصة في إيجاد حكم ذاتي فلسطيني حقيقي والسماح بإقامة سلطة فلسطينية وإجراء الانتخابات الوطنية الأولى في التاريخ الفلسطيني الحديث. ولكن الطبيعة الانتقالية والمفتوحة لإطار أوسلو أدت أيضا إلى عدم اليقين وزادت من الدافع لدى الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء للتقليل إلى الحد الأدنى من المجازفة. ففي الجانب الفلسطيني، أدى القلق على التقدم في العملية السلمية، وعدم ضمان أن تؤدي هذه العملية إلى ممارسة كاملة لحق تقرير المصير بشكل دولة مستقلة، إلى تعزيز المطالبة بدور قوي ومتواصل لمنظمة التحرير في شؤون السلطة الفلسطينية.
كان من النتائج غير المقصودة للجمود في العملية السلمية والتركيز الناجم عن ذلك على المسعى السياسي صرف الاهتمام الفلسطيني العام عن البناء المؤسساتي. وهذا أدى إلى إضعاف المطالبة العامة بحكم صالح وممارسة ديمقراطية. كما أن مركزية القضايا الأمنية في العملية السلمية جاءت أحياناً على حساب أولويات أخرى في الميزانية العامة وأدت أيضاً إلى إضعاف الالتزام الصحيح بحقوق الإنسان وسيادة القانون.
يضاف إلى ذلك أن إطار أوسلو يحد من صلاحية السلطة الفلسطينية في إقرار تشريعات أساسية ويجردها تماما من الولاية القانونية على الإسرائيليين أو على أي نشاط يخص الإسرائيليين إذا ما تم في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن السلطة الفلسطينية تفتقر إلى المسؤولية عن الأمن الشامل في مناطق الحكم الذاتي، والمعابر الدولية، والعلاقات الخارجية. وتفتقر أيضاً إلى السيطرة الكاملة على الأرض ومصادر المياه وحركة الناس والبضائع في داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا يؤثر على تطور وعمل فروع الحكومة التنفيذي والتشريعي والقضائي.

2) منظمة التحرير الفلسطينية
يجدر التأكيد هنا على أن منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها المعترف بها دولياً كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين، هي التي وقعت على إعلان المبادئ والاتفاقيات المرحلية اللاحقة مع إسرائيل. ومنظمة التحرير هي التي خولت إنشاء السلطة الفلسطينية وهي التي أضفت الشرعية عليها، تلك الشرعية التي تأكدت وتوسعت بأصوات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1996. واستمرت منظمة التحرير الفلسطينية بإجراء المفاوضات مع إسرائيل والحفاظ على العلاقات الخارجية وتوقيع الاتفاقيات الدولية نيابة عن السلطة الفلسطينية التي تفتقر إلى الشخصية السيادية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن منظمة التحرير الفلسطينية قد أبقت على مكانتها كممثل للفلسطينيين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في الشتات. ولهذا، فإنها تعتبر الطرف الوحيد المخول بالتفاوض وضمان تسوية دائمة مع إسرائيل.
ولهذا، فإن العلاقة المستمرة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كانت ولا زالت ضرورية لعملية السلام. ولكنها علاقة لا تخلو من الإشكاليات أيضا، وتؤثر بطرق سلبية أحياناً على عملية بناء المؤسسات العامة الحيوية والفعالة والمجدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى تعزيز الحكم الصالح. ومن هذه الإشكالات الازدواجية بين مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، التي تنعكس في النزاعات حول الولاية السياسية والوظائفية. أوضح مثال على ذلك هو الازدواجية بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وبرلمانها في المنفى، المجلس الوطني الفلسطيني، من جهة، وبين حكومة السلطة الفلسطينية ومجلسها التشريعي من جهة أخرى.
إن صعوبة التمييز بين مهام مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية قد أعاق تعزيز العناصر الأساسية للحكم الصالح، وخاصة ممارسة الصلاحية الدستورية والشفافية والمساءلة وسيادة القانون. فالمعايير والممارسات الموروثة لمنظمة التحرير تتيح اعتباطية صنع القرار ، واتباع البنى الرسمية لأخرى غير رسمية، وإضعاف الإجراءات الادارية والقانونية السليمة. وتشير استطلاعات الرأي العام إلى عدم رضى متزايد لدى الجمهور وإلى فقدان الثقة بالسلطة الفلسطينية. وقد ازداد الوضع تفاقماً بتواصل الثقافة السياسية التقليدية، لدى شرائح معينة من الشعب الفلسطيني، تلك الثقافة التي تشجع على تبجيل الزعماء حتى لو جاء ذلك على حساب الحكم الصالح.

3) السياسة الإسرائيلية
بالتوقيع على اتفاق إعلان المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، أقرت حكومة إسرائيل بالحاجة إلى شريك فلسطيني قادر على توفير الدعائم الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسلام حقيقي وطويل الأجل. ولهذا، فقد التزمت بتسهيل إقامة مؤسسات فلسطينية عامة فعالة ومجدية. ولكن القطع الجزئي للاتصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعمليات إغلاق الحدود، والحيلولة دون الوصول الحر إلى الأسواق، كان له أثر مباشر وسلبي على بناء المؤسسات والحكم الصالح في السلطة الفلسطينية.
فمن جهة، اضطرت المؤسسات العامة الفلسطينية، بسبب القيود الإسرائيلية على السفر، إلى اتباع الازدواجية في بناء المؤسسات وإلى زيادة التوظيف للحفاظ على دوائر موازية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن جهة أخرى، فإن إغلاقات الحدود وتقييد الوصول إلى الأسواق الداخلية والخارجية قد جعلت الواردات المالية للسلطة الفلسطينية غير مستقرة ويصعب التنبؤ بها، مما شجع على ممارسات احتكارية وتشوهات أخرى في الأسواق.
إن إغلاقات الحدود، إلى جانب السياسة الإسرائيلية بتقييد إصدار التصاريح للانتقال إلى إسرائيل أو بين الضفة الغربية وقطاع غزة، قد أدت إلى خسارة تقدر بــ 3 بلايين دولار في الدخل التراكمي المباشر بين 1993 و 1998 . وهذا يجب أن يقاس ضمن اقتصاد قوام إجمالي ناتجه القومي 3.9 بليون دولار وقوام إجمالي ناتجه المحلي 3.32 بليون دولار عام 1998. وقد أسهمت الإغلاقات في انخفاض في دخل الفرد بمقدار 14.5% منذ عام 1992 ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يعيشون دون خط الفقر قد وصل إلى 20.1% في عام 1997. يضاف إلى ذلك أن 25% من إجمالي المساعدة الدولية المصروفة حتى نهاية 1998 قد حولت إلى الإغاثة الطارئة، بدلاً من أنتصرف على الاستثمار العام كما خطط لها أصلاً.
وبالمقابل، فإن الاستثمار الفلسطيني الخاص قد تباطأ نتيجة للانخفاض في أعمال البيع والمنافسة وما رافق ذلك من تزايد في تكاليف الإنتاج والعمل. كما انهار التدفق التجاري. ويمثل الاستثمار الفلسطيني الخاص في الاقتصاد الفلسطيني 10-11% فقط من الناتج المحلي العام، بدلاً من نسبة 15-20% كما هو مألوف في بلدان ذات مستويات مشابهة من التطور. والنتائج المترتبة على هذا الانخفاض كانت البطالة، التي بلغت 31% كمتوسط، وتراجع في دخل الفرد وصل منذ عام 1994 إلى 17%. وهذا أدى إلى إضعاف قاعدة الضرائب والقوة الشرائية وضرائب الشراء و القيمة المضافة المرتبطة بها ورسوم الاستيراد. كما أدى إلى تقليص قدرة الجماعات ذات الدخل المحدود على دفع الرسوم مقابل استخدام الخدمات العامة.
إن قيود إسرائيل على إصدار التصاريح التي تتيح للفلسطينيين الدخول إلى إسرائيل أو السفر بين الضفة الغربية وقطاع غزة قد أعاقت أيضاً السلوك الطبيعي للشؤون الفلسطينية. فمن بين 27 ألف رجل أعمال فلسطيني ذكر أنه سمح لهم بدخول إسرائيل لأغراض العمل في بداية 1999، مثلاً، سمح لأقل من 4 آلاف منهم بالسفر بين الضفة الغربية وقطاع غزة لأداء نفس الغرض. وهذا أدى إلى تطور اقتصادين متشعبين في المنطقتين المختلفتين، وإلى تعقيد عمل المؤسسات العامة الفلسطينية التي تعمل على توفير الإطار القانوني والتنظيمي الموحد لهما.
ونجمت الانحرافات في السوق أيضاً عن الإخفاق في تعديل تلك البنود التي تفرض القيود الأشد ضمن بروتوكول باريس الاقتصادي عام 1994 والذي يعتبر القاعدة التي ترتكز عليها العلاقات الاقتصادية الفلسطينية-الإسرائيلية. وقد أدت السياسة الإسرائيلية إلى إعاقة تطبيق اتفاقيات التجارة الحرة والتفضيلية بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصادات الخارجية. وفي الحقيقة، فإنه على الرغم من أن وتيرة اغلاق الحدود قد انخفضت انخفاضا كبيرا في الثمانية عشر شهراً الأخيرة حتى أيار/ مايو 1999، إلا أن عدم القدرة على الوصول إلى العالم الخارجي يبقى العائق الأكبر أمام التجارة الحرة الفلسطينية.

4) الأسرة الدولية المانحة
إن برامج وأولويات الأسرة الدولية المانحة لها أثار مباشرة وغير مباشرة على البناء المؤسسي الفلسطيني. في تشرين الأول/ أكتوبر 1993، بعد مضي أسبوعين على التوقيع على إعلان المبادئ، تعهد المانحون بمبلغ 2.4 بليون دولار لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال السنوات الخمسة التالية. وازداد المبلغ إلى 4,2 بليون دولار بعد إضافة تعهدات جديدة حتى عام 1998، علما أن الصرف الفعلي بلغ 2.5 بليون دولار حتى نهاية العام، ولأسباب متنوعة. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 1998 تعهد المانحون بتقديم مستوى مشابه من الدعم لفترة خمس سنوات إضافية. ويجدر القول أن جهد المانحين لدعم الفلسطينيين هو في عداد أكبر الجهود التي بذلتها الأسرة الدولية، قياسا بالحجم المطلق وأيضا بنصيب الفرد. 
وقد لعبت أموال المانحين دورا حيويا في المساعدة خلال المرحلة التأسيسية للسلطة الفلسطينية، إذ وفرت حصة كبيرة من نفقات الإنشاء والرواتب والمصاريف الجارية الأخرى لدى الخدمة المدنية والشرطة الفلسطينية على حد سواء. وبلغت هذه المساعدة حوالي 520 مليون دولار حتى 1998، أي 21% من إجمالي الصرف الدولي والبالغ 2.5 بليون دولار في تلك الفترة. 
ويضاف إلى ذلك أنه تم توجيه حوالي 450 بليون دولار ، أي 18% من إجمالي الصرف لغرض توفير أشكال متنوعة من المساعدة التقنية من أجل دعم تطوير المؤسسات الفلسطينية العامة. 
وقد كان للمساعدة الدولية الأثر الأكبر في تطوير كل فروع الحكومة الفلسطينية. عند التوقيع على إعلان المبادئ لم تكن هناك أية مؤسسات حكومية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، مما استوجب بناء السلطة الفلسطينية من الصفر. وتمثلت إحدى النتائج في أن مؤسسات السلطة الفلسطينية كانت تفتقر بداية إلى القدرة على تقرير الحاجات الطويلة الأجل وتحديد أولوية الأهداف القصيرة المدى والمتوسطة الأجل. وضمن هذا الوضع لعب المانحون دورا غالبا أو جزئيا في دفع البرامج وخصوصا في مجال بناء المؤسسات. 
لقد تحسنت قدرة السلطة الفلسطينية على التخطيط وتحديد الأولويات تحسنا كبيرا في الفترة 1994-1999 وذلك بفضل قيام وزارة التخطيط والتعاون الدولي تدريجيا بتولي الدور المركزي في هذه الأمور. ولكن التنافس بين مؤسسات السلطة الفلسطينية للحصول على المساعدة الخارجية قد أدى ببعض المانحين إلى عقد ترتيبات مباشرة مع الوزارات والهيئات الإقليمية والبلديات الفلسطينية. وفي مثل هذه الحالات، فإن محاولات مؤسسات السلطة الفلسطينية للقيام بشكل منفرد بتحديد الأولويات والسعي وراء التمويل قد أدى إلى مزيد من التشويش في تحديد الأولويات. وفي حالات أخرى أدى دعم المانحين لمؤسسات متنافسة إلى ازدياد حالة التشرذم سوءاً، كما هو الحال في القطاع البيئي. وهذا الأمر كان أكثر إشكالية في حالة المؤسسات التي تفتقر إلى المهارات السياسية أو التنظيمية اللازمة لتقديم حظوظها في الحصول على التمويل، الأمر الذي زاد من ضعفها فيما استفادت مؤسسات أخرى.
بشكل عام، عملت آلية التنسيق بين الأسرة المانحة والسلطة الفلسطينية على ما يرام، وخصوصا عند القياس بحجم الجهد، وتعقيد الظروف السياسية المرافقة لعمليات التفاوض الجارية. فالضبط والمراقبة الشديدين للمساعدة الدولية قد ضمن استخداماً سليما لأموال المانحين وشجع على الشفافية والمساءلة في المؤسسات الفلسطينية المناظرة. وفي الحقيقة، فإنه بالمقارنة مع أوضاع عالمية معاصرة لحالات ما بعد مرحلة الصراع، فإن الأداء الفلسطيني العام كان ممتازاً.
لكن هناك مجالا للتحسين. يترتب على الفلسطينيين أن يستمروا في تولي ملكية عمليات التخطيط وتحديد الأولويات. ويتطلب ذلك أن تلعب السلطة الفلسطينية دورا مركزيا متناميا في أطر التنسيق المتعددة الأطراف. وتشمل هذه الأطر "لجنة التنسيق" للمانحين الرئيسيين، والتي تضم ممثلي الدول المانحة ومقرات المنظمات الدولية، وكذلك "اللجنة المحلية لتنسيق المساعدة" لجميع المانحين والتي مقرها في الضفة الغربية وقطاع غزة. وباتت هذه اللجان تقدم إطارا ثابتا لتقوم السلطة الفلسطينية من خلالها بتقديم أولوياتها لاستخدام معونة المانحين وبإثارة همومها الأخرى المتعلقة بالجوانب التنموية الاجتماعية والاقتصادية لعملية أوسلو. 
ولكن لم يقم جميع المانحين بتقديم الدعم الذي تعهدوا به بصورة كاملة وحسب المواعيد ويجب حثهم على الوفاء بتعهداتهم دون تأخير. كما أن القيود التي يفرضها بعض المانحين بإنفاق المساعدة على المنتجات والخدمات القادمة من مواطنيهم و شركاتهم قد أدت إلى تقليص نقل رأس المال والمعرفة التقنية إلى الفلسطينيين.

5) مرجعية التقرير
حيث أن الفلسطينيين يستعدون للدخول في ترتيبات التسوية الدائمة، فقد آن الأوان لتقييم إنجازات السلطة الفلسطينية. وقد حان الوقت أيضاً للإشارة إلى المجالات التي تحتاج إلى مزيد من العمل من أجل توفير حكومة مؤثرة و فاعلة وديمقراطية، من أجل ضمان الانتقال إلى تقرير المصير الفلسطيني بشكل حقيقي ومكتمل المعنى. وحتى مع افتراض أحسن النيات وفي ظل أفضل الظروف، فإن متطلبات الحكم الصالح يمكن أن تتعرض للتوقف أو الانحراف من قبل عوامل أو أطراف خارجية أو بسبب قيود يفرضها إطار أوسلو. ولكن هذا يؤكد على حاجة الفلسطينيين إلى معالجة أية نواقص في قدراتهم وآرائهم وثقافتهم المؤسساتية التي هم مسؤولون عنها أو التي بوسعهم أن يحسنوها ويصححوها. وليس هناك من طرف أو شريك آخر يمكن أن يقوم بهذا الدور نيابة عنهم.
يتطلب الحكم الصالح والديمقراطية خلق وتقوية مؤسسات فاعلة ومجدية. ولا بد أن تكون هذه المؤسسات قادرة على تلبية حاجات السكان الفلسطينيين بطريقة تضمن قبول الجمهور بالسلطة. وهذا التقرير يقيم المؤسسات الفلسطينية العامة ويوصي بإصلاحات محددة تهدف إلى ضمان حكم أصلح داخل إطار يتلاءم و الواقع السياسي القائم ويستجيب للظروف المحلية. وفي الوقت ذاته، فإن التقرير يسعى إلى تطبيق مبادئ مرشدة قابلة للتحقيق في أي مجتمع في العالم.
يجب على مؤسسات السلطة الفلسطينية أن تلبي المتطلبات الأربعة التالية: 

 

 

  1. المساءلة السياسية والإدارية : فالمؤسسات العامة يجب أن تكون خاضعة وأن تتم مساءلتها أمام مصدر ذي سلطة شرعية وذي تسلسل قيادي واضح وتفويض شعبي. فالعاملون في القطاع العام يجب أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم، أمام هيئات مستقلة. والمساءلة تعتبر أيضاً مقوماً حيويا للشرعية السياسية والقبول الشعبي. ولهذا، لا بد من الشفافية والوضوح فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرار الحكومي. وعموما، فإن المؤسسات العامة لا بد وأن تؤسس دستورياً، وأن تراعي مبدأ الفصل بين السلطات.
  2. سيادة القانون وتنفيذ الإجراءات المرعية : فالمؤسسات العامة يجب أن تعمل وفق إطار قانوني وتنظيمي مفصل بوضوح وشامل، وأن تخضع للمراجعة والحكم القضائيين. لا بد من تطبيق سيادة القانون والإجراءات المرعية بشكل فعال ومتساو على كل الهيئات والأشخاص، داخل وخارج ا لحكومة على حد سواء. ولهذا، لا بد من نظام قضائي مستقل وموثوق ونزيه، يتمتع بدعم قوى حفظ القانون والنظام العام.
  3. مجتمع مدني قوي قائم على المشاركة : يجب أن تعمل المؤسسات العامة مع مؤسسات المجتمع المدني وأن تستجيب لها، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والهيئات الاجتماعية والقطاع الخاص والأحزاب السياسية. وحتى تتسنى تلبية ذلك، لا بد وأن تكون عملية صياغة السياسة واضحة ومتوقعة، ولا سيما في القضايا المتعلقة بالموارد العامة وإدارة الموارد. ومن الضروري أيضاً ضمان الحرية التامة للتجمع والمشاركة، وحرية الحصول على المعلومات والتعبير عن الرأي، واحترام الحقوق الاجتماعية والثقافية. في مثل هذه البيئة، فإن مؤسسات المجتمع المدني ستكون قادرة على مساءلة وانتقاد مدى صلاحية وملاءمة أعمال الحكومة. إن الحكم المتجاوب يتطلب إعطاء سلطات للشعب لانتقاء وتغيير ممثليه السياسيين من خلال عملية ديمقراطية مضمونة. كما يتطلب أن لا تدار الحكومة، وخاصة الحكم المحلي، بمعزل عن معظم الشعب.
  4. مؤسسات وإدارة عامة كفؤة وفعالة ومؤثرة : فالمؤسسات العامة لا بد وأن تكون لديها مهام وأهداف واستراتيجيات عملية محددة بشكل واضح، وأن تكون قادرة على بلورة سياسات فعالة في ظل توجيه صانعي القرار. ولا بد لهذه المؤسسات من وسيلة لضمان نظام داخلي شفاف سليم، وأساليب اجرائية لمراقبة وتقييم الاداء. يجب أن يتم توظيف العاملين في الخدمة المدنية على أساس القدرة والجدارة المهنية، وأن تكون قادرة على تطبيق السياسات باستقلالية عن المصالح التجارية الخاصة ودون فساد أو محسوبية.

ومن خلال تفحص المؤسسات العامة الفلسطينية ومدى تلبيتها للمتطلبات الأربعة المذكورة أعلاه، فإن لهذه الدراسة ثلاثة أهداف هي :

 

  • تقرير الحالة الفعلية والفعالية الحقيقية للمؤسسات الفلسطينية الموجودة.
  • تشخيص الصعوبات التي واجهتها هذه المؤسسات والعوائق أمام تأديتها لمهامها بشكل فعال.
  • اقتراح الوسائل العملية لتحسين فعالية ومصداقية هذه المؤسسات في الأجل المتوسط والطويل.


الفصل الثاني
الإطار الدستوري والمؤسسات السياسية

1) مقدمة
يتناول هذا الجزء من التقرير المؤسسات العامة التي تشكل العناصر الرئيسية للنظام السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويشار إلى هذه المؤسسات هنا بــ "المؤسسات السياسية". فهي التي تقرر هدف وبرنامج وسياسة الحكومة عموما، إضافة إلى الميزانية والبنية والإطار التنظيمي للإدارة العامة. وهذه المؤسسات السياسية تتألف من السلطة التنفيذية، التي تشمل الرئاسة والحكومة، والمجلس التشريعي الفلسطيني والسلطة القضائية.
إن الغرض الأول لهذا الجزء من التقرير هو تقييم الإطار الدستوري، الذي من خلاله تقوم فروع الحكومة الثلاث بتأدية أدوارها الرئيسية. فالصفة الدستورية هي شرط لا بد منه للديمقراطية وحقوق المواطنين، وتعتبر عنصراً أساسياً لتعزيز الحكم الصالح. ولهذا، فإن التقرير يتطرق إلى الفصل بين السلطات، وضوح المهام، تحديد السلطة، والضوابط والتوازنات داخل النظام الحكومي.
والغرض الثاني لهذا لجزء من التقرير هو تقييم قدرة وأداء المؤسسات السياسية. ويقوم هذا التقييم بالرجوع بشكل خاص إلى :

 

  • الفعالية في تنفيذ الأدوار الرئيسية وتطبيق السياسات العامة والإدارة.
  • القدرة على تنفيذ مهام الإشراف والمراقبة، بما في ذلك الإشراف على الشرطة.
  • القدرة على اقامة هياكل ملائمة واجراءات تنفيذية واضحة.
  • الاستجابة لمدخلات المجتمع المدني.
  • القدرة على مأسسة حقوق المواطنين.

2) الإطار الدستوري
السياق

لقد عملت السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 ضمن إطار دستوري يتميز بمصادر قانونية متعددة ومتغيرة بل ومتناقضة في أحيان كثيرة. فالاتفاقيات التي وقعت مع إسرائيل، ابتداء باتفاق القاهرة في أيار/ مايو 1994، حددت البنية والصلاحيات الأولية للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى مجالات المسؤولية الوظائفية التي كان سيتم نقلها على الفور إلى هذه السلطة من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن الاتفاق الأهم، فيما يتعلق بالإطار الذي سعت السلطة الفلسطينية من خلاله إلى إقامة قاعدتها الدستورية، كان الاتفاقية المرحلية في أيلول/ سبتمبر 1995. فهذه الاتفاقية دعت لإقامة "مجلس فلسطيني" يتولى المسؤوليات التي سبق أن تم نقلها إلى السلطة الفلسطينية، إضافة إلى مسؤوليات جديدة يتم نقلها من الحكم العسكري إليها. وأشار الاتفاق إلى تمتع المجلس بصلاحيات ومسؤوليات تشريعية وتنفيذية وقضائية وأنه مخول بإصدار قانون أساسي يوضح الخطوط الفاصلة بين هذه السلطات. وكانت لجنة منبثقة عن هذا المجلس سوف تمارس السلطة التنفيذية بالنيابة عنه، في حين أن المجلس سيقوم بإصدار التشريعات والقيام بالرقابة على السياسة والميزانية. وكان على الرئيس، المنتخب بشكل مستقل عن انتخابات المجلس، أن يرشح أعضاء السلطة التنفيذية على المجلس للمصادقة عليهم، وأن يكون هو نفسه عضواً بحكم المنصب في السلطة التنفيذية. وكان من ضمن ولاية المجلس نظام قضائي مستقل.
لقد أصبح المجلس الفلسطيني يعرف بالمجلس التشريعي الفلسطيني، في حين أن السلطة التنفيذية أصبحت تعرف باسم مجلس الوزراء أو الحكومة. إن المجلس التشريعي والرئاسة والحكومة معاً، بالإضافة إلى السلطة القضائية والوزارات والمؤسسات العاملة الأخرى، تشكل مجتمعة السلطة الفلسطينية. إن غياب قانون أساسي أو وثيقة دستورية أخرى قد أدى إلى استمرارية الغموض القانوني حول الصلاحيات والمسؤوليات المحددة لكل فرع من فروع الحكم الفلسطيني.
ونظرا إلى هذا الغموض، فإن مصدرين آخرين للسلطة السياسية والقانونية قد أثرا على الترتيبات الدستورية في الضفة الغربية وقطاع غزة. أحدهما هو منظمة التحرير الفلسطينية، التي عقدت الاتفاقيات المختلفة ضمن إطار أوسلو حتى الآن، والتي تعتبر المسؤول عن التفاوض مع إسرائيل حول الوضع النهائي في الضفة الغربية وقطاع غزة . إن إرث منظمة التحرير مختلط. فمن جهة، أورثت هذه المنظمة السلطة الفلسطينية أسساً للإطار الدستوري. ففي عام 1988 تعهد المجلس الوطني الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة ترتكز على "نظام برلماني ديمقراطي"، وحرية التعبير، والمساواة، والدستور، وسيادة القانون، والقضاء المستقل. ومن جهة أخرى، فإن الخلط في المهام والازدواجية في السلطة بين مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية قد عرقل الشفافية والمساءلة وحكم القانون وعناصر أخرى من عناصر الحكم الصالح.
والأهم من ذلك، أن منظمة التحرير الفلسطينية ومكوناتها، أي المجلس الوطني الفلسطيني، المجلس المركزي، واللجنة التنفيذية ورئيسها، تتمتع بدرجة عالية من الشرعية والسلطة أكثر من السلطة الفلسطينية ومؤسساتها - أي المجلس التشريعي الفلسطيني، والمجلس الوزاري، والرئيس. إن شرعية وسلطة ومدة ولاية السلطة الفلسطينية منبثقة جميعها من اتفاق إعلان المبادئ، وهي في نفس الوقت محددة به. ولهذا، فإن انتهاء الفترة الانتقالية المحددة في أيار/ مايو 1999 قد أدى إلى زيادة تعقيد الجهود المبذولة لتقوية وإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية عبر جعلها ترتكز على أساس دستوري واضح. بالفعل، فإن المجلس المركزي لمنظمة التحرير قد قرر في نيسان/إبريل 1999 الإعداد لدستور جديد مؤقت تحسبا لإقامة الدولة، مما يوحي بتجاوز الترتيبات السارية المفعول أو تلك التي يتم التداول بشأنها داخل السلطة الفلسطينية.
المصدر الآخر للسلطة القانونية والذي أثر على الترتيبات الدستورية في الضفة الغربية وقطاع غزة هو الخليط الواسع من القوانين والتقاليد القانونية السارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع وغزة. ففي غزة يتكون هذا الخليط من التقليد القانوني الأنجلو-سكسوني الذي طبقه الانتداب البريطاني حتى عام 1948، وعناصر من القانون المدني والعسكري الساري في فترة الإدارة المصرية حتى عام 1967. أما النظام القانوني في الضفة الغربية فهو مشتق من التقليد القانوني النابليوني، مع إدخال القانون الأردني في الخمسينات والستينات. وفي المنطقتين، أي الضفة الغربية وقطاع غزة ، أدخل الحكم العسكري الاسرائيلي تعديلات أخرى على هذه القوانين على شكل أوامر عسكرية. وقد عمدت السلطة الفلسطينية إلى إحياء قوانين الطوارئ البريطانية التي كانت سارية المفعول في الثلاثينات والأربعينات، عندما أقامت هذه السلطة محاكم أمن الدولة، علما أنها لم تقر رسميا بسريان هذه القوانين. إن الاتفاقية المرحلية الموقعة عام 1995 قد حظرت على السلطة الفلسطينية الغاء القوانين والأوامر العسكرية القائمة إن تعارض ذلك مع بنود الاتفاقية. وهكذا، فقد استمر هذا الخليط القانوني في تعقيد تحديد الصلاحيات والمسؤوليات فيما بين فروع الحكومة الفلسطينية.

الإنجازات
في عام 1997 وافق المجلس التشريعي الفلسطيني على القانون الأساسي في قراءته الثالثة والأخيرة، بعد نقاش مكثف على مرأى من الجمهور الفلسطيني وبمشاركة هيئات المجتمع المدني. يدعو مشروع القانون الأساسي إلى نظام ديمقراطي برلماني يرتكز على سيادة القانون وبعض الفصل بين السلطات. ويؤكد على الالتزام بالحقوق المدنية والحريات الأساسية، ويسعى إلى إيجاد سلطة تشريعية قوية منتخبة مباشرة من قبل الشعب ومخولة بمهام التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية. ويعطي مشروع القانون أعضاء السلطة التشريعية حصانة برلمانية، وحق منح وسحب الثقة من السلطة التنفيذية وإخضاع ميزانيتها المقترحة إلى المراجعة والمصادقة عليها. ويدعم مشروع القانون الأساسي استقلالية القضاء، ويشترط إقامة مجلس قضائي أعلى مسؤول عن الإدارة والإشراف على الجهاز القضائي. ويدعو أيضاً إلى إقامة محكمة دستورية عليا، ويعطي المجلس التشريعي دوراً في المصادقة على اختيار السلطة التنفيذية للمدعي العام أو النائب العام.
يسعى مشروع القانون الأساسي أيضا لمأسسة الضمانات ضد انتهاكات حقوق المواطنين. إن إيجاد هيئة فلسطينية مستقلة لحقوق المواطن، بمرسوم رئاسي بعد اقامة السلطة الفلسطينية على الفور، قد وفر مجالاً لإجراء تحقيق في الشكاوى ضد موظفي الدولة وضمانة إضافية. إن توفير سلطة قضائية مستقلة يوفر المزيد من الضمانات الأخرى، في حين أن القوانين المقترحة للتعامل مع الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية وحرية الصحافة وقضايا أخرى يمكن أن توفر الحماية أيضا.
وعلى الرغم من أن رئيس السلطة الفلسطينية لم يصادق عليه حتى الآن، إلا أن مشروع القانون الأساسي يمثل انطلاقة بارزة في الممارسة السياسية الفلسطينية لأنه يوفر ضمانات لحكم دستوري في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أنه يشكل خروجاً عن التجربة العربية الدستورية في كونه يوفر كوابح وضوابط على السلطة التنفيذية، وآليات لضمان تنفيذ المساءلة. إن الاخفاق في الاعلان عن القانون الأساسي في نهاية الفترة الانتقالية المحددة قد جعل مكانته موضع شك، ولكن هذا القانون يمثل نقطة بداية هامة لأية وثيقة دستورية في المستقبل.

التحديات
على الرغم من تحقيقبعض التقدم، إلا أن النظام السياسي الفلسطيني لا يزال يعاني من عدم الوضوح فيما يتعلق بالقواعد والأدوار الدستورية. ولا بد أن تخضع الترتيبات الدستورية في نظام انتقالي للتنازع و التفاوض السياسي. وفي هذه الحالة، فإن ازدواجية مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية قد شوشت القضية أكثر. فقد حل محل اجتماعات مجلس وزراء السلطة الفلسطينية الاجتماعات الأسبوعية لــ "القيادة الفلسطينية"، وهي تجمع فضفاض من الرئيس والوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني ونائبيه ورؤساء فرق المفاوضات. ولهذا، فإن منبراً لا يخضع لمساءلة المجلس التشريعي الفلسطيني أو هيئات السلطة الفلسطينية الأخرى، هو الذي يتخذ قرارات سياسية تؤثر على السلطة الفلسطينية.
إن الغموض القانوني حول الصلاحيات الدستورية قد أضعف أيضاً المجلس التشريعي الفلسطيني وشوش علاقته بالسلطة التنفيذية. من المفروض أن يكون المجلس التشريعي الفلسطيني هو الهيئة التي تقرر السياسة الشاملة وتصادق على الميزانية ومن ثم تشرف على أداء الحكومة. ولكن في الواقع، فإن سياسات الحكومة تصاغ وتنفذ ويتم تقييمها من قبل السلطة التنفيذية وحدها. وكثيرا ما يوافق وزراء بصفتهم الفردية على حضور جلسات الاستماع التي تعقدها لجان المجلس التشريعي الفلسطيني ويجيبون على الأسئلة الموجهة إليهم، ولكن السلطة التنفيذية ليست ملزمة بوضوح بهذا الصدد، كما أن وزراء آخرين يرفضون المثول أمام لجان المجلس.
إن المساءلة، وخصوصاً مساءلة السلطة التنفيذية، تعاني بنفس المقدار أيضاً. ففي ظل غياب قانون أساسي، فإن النظام الداخلي للمجلس التشريعي يفتقر إلى بنود واضحة لضمان وترتيب نظام المساءلة. وعلاوة على ذلك، فإن المجلس التشريعي قد أخفق في استخدام التصويت على الثقة، كأداة فعالة لوضع السلطة التنفيذية أمام المساءلة. ولهذا، فإنه يفتقر إلى آلية ذات مصداقية لتنفيذ قراراته.
إن غياب محكمة دستورية أو سلطة مشابهة يحول دون إيجاد حل مناسب للنزاعات حول تفسير القواعد الدستورية بين الفرعين التنفيذي والتشريعي. فالسلطة التنفيذية استفادت من عدم وجود هيئة إشراف قضائية مستقلة لتطبق القوانين الموروثة بشكل انتقائي. وهذه القوانين تشمل قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945، التي تسمح بتعليق الحقوق المدنية والإجراءات القانونية المرعية. وهذا العيب الدستوري ذاته يزيل القيود القانونية عن إمكانية استخدام أحكام الطوارئ من قبل السلطة التنفيذية.
وفي الحقيقة، فإن الإطار الدستوري القائم الذي أثرت على تشكيله الاتفاقية المرحلية عام 1995 يبقي على الغموض في غياب القانون الأساسي فيما يتعلق بالحماية الدستورية لحقوق المواطنين، تلك الحقوق التي لم توضع ضمن إطار قانوني رسمي حتى الآن. وقد امتنعت السلطة التنفيذية مراراً عن تطبيق قرارات المحاكم، بما في ذلك القرارات الصادرة عن المحكمة العليا، والمتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والحريات المدنية من قبل الشرطة. وفي كثير من الحالات، فإن الأشخاص الذين أطلق سراحهم بعد اعتقال غير قانوني قد أعيد اعتقالهم ثانية. وقد لجأت السلطة الفلسطينية إلى قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945 لتبرير إيجاد محاكم أمن الدولة، ولكن رفضها تأكيد أو نفي سريان هذه القوانين يجعل انتهاكات حقوق الإنسان ممكنة في الوقت الذي يضعف فيه فرص الدفاع القانوني.
إن الغموض الدستوري قد سمح أيضا بتوسيع قوة السلطة التنفيذية إزاء منظمات المجتمع المدني. لقد تبنت هذه السلطة منهجاً تعاونياً عقب إخفاق محاولاتها المبكرة لفرض قانون ضيق يحكم تسجيل وعمل المنظمات غير الحكومية، ولكن هناك مشروع قانون أكثر إنصافا أقره المجلس التشريعي ولم يوقع الرئيس عليه بعد. إن مديرية المخابرات العامة ووزارة الداخلية قد استمرتا، كل على حدة، في محاولة إجبار المنظمات غير الحكومية على تقديم التقارير عنها لهما. ولا زال هناك نزاع مستمر بين وزارات الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية حول من منها سيسجل المنظمات غير الحكومية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس قد تدخل في عمل منظمات المجتمع المدني، مثل جمعية المحامين، وذلك بتعيين رؤسائها وأعضاء هيئاتها.
إن تمدد صلاحيات السلطة التنفيذية قد سار جنباً إلى جنب مع القيود على حرية التعبير، وخاصة من خلال وسائل الإعلام العامة المختلفة. إن السلطة الفلسطينية لا تطبق رقابة رسمية على الصحافة وليس لديها رقيب رسمي. ولكن الصحافة الفلسطينية خضعت لتخويف أجهزة أمن السلطة وإلى الضغوط التجارية، مما أدى إلى ممارسة رقابة ذاتية. فوزارة الإعلام يجب أن توافق على طلبات وسائل الإعلام قبل إعطائها تراخيص العمل. وقد تم إغلاق عدة صحف ومحطات إذاعة من قبل السلطة التنفيذية ولمدد متفاوتة بسبب تعبير هذه الوسائل عن وجهات نظر سياسية غير مرغوب فيها. وقد أوقف المانحون تقديم المساعدة إلى هيئة الإذاعة الفلسطينية لأنها أخفقت في ضمان التعددية في التغطية الإعلامية وتعدد الآراء. كما أن مديرية المخابرات العامة أقامت "مكتب إعلام الصحفيين" لمراقبة وسائل الإعلام الأجنبية وهو يسعى للتحكم باعتماد الصحفيين الأجانب في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويشير السجل منذ عام 1994 إلى أنه مع تطور النظام السياسي فقد تركزت السلطة بأيدي الحكومة وخاصة بأيدي الرئيس. كما أن السلطتين التشريعية والقضائية قد تم تهميشهما فيما لم تحظ الحقوق المدنية والحريات الأساسية بالحماية التامة والرسمية. إن انتهاء المرحلة الانتقالية المحددة قد جعل من المتوجب على الشعب الفلسطيني أن يحدد إطاره الدستوري.

التوصيات

 

 

  1. ينبغي على رئيس السلطة الفلسطينية إما أن يصدر القانون الأساسي ككل، أو أن يصدر أجزاء منه على الأقل، على شكل قوانين أساسية منفصلة. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن القوانين الأساسية المنفصلة لا بد وأن تحكم عملية التشريع واستقلالية القضاء وحقوق المواطنين. إن انتهاء الفترة الانتقالية المحددة والانتقال إلى التسوية الدائمة ينبغي أن لا يؤثرا على ذلك، حيث ستبقى المبادئ الدستورية الأساسية دون تغيير.
  2. ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تقيم محكمة دستورية، أو أن تخول المحكمة العليا بطريقة ملائمة، لضمان دستورية القوانين والأنظمة.
  3. ينبغي على السلطة التنفيذية أن توضح وتحدد بشكل فعال العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما ينبغي أن تعقد الاجتماعات الوزارية التابعة للسلطة الفلسطينية بشكل منفصل عن اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وينبغي عدم تخويل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو مسؤولين آخرين في المنظمة العمل بطرق تؤثر على مؤسسات السلطة الفلسطينية وأعمالها ومواردها، طالما أنهم لا يخضعون للمساءلة أمام هيئات الإشراف المعنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
  4. ينبغي على السلطة الفلسطينية إيقاف تطبيق قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945، والسعي لإلغاء الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي تحد من حقوق المواطنين، مع حفظ الانسجام مع الاتفاقيات الراهنة.
  5. في ظل غياب وثيقة دستورية مصادق عليها، مثل القانون الأساسي، فينبغي على السلطة الفلسطينية أن تنظر في إصدار قانون لضمان حقوق المواطنين.
  6. ينبغي على السلطة الفلسطينية اتخاذ خطوات نشطة لضمان حرية التعبير وحرية الصحافة. وهذا يشمل إلغاء الجوانب التقييدية في قانون الصحافة وإلغاء دور أجهزة الأمن في مراقبة وسائل الإعلام.

3) السلطة التنفيذية
السياق

مع انتهاء الفترة الانتقالية المحددة في أيار/ مايو 1999 ، أصبحت السلطة الفلسطينية مسؤولة عن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتطبيق القانون على 95% من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع وغزة، باستثناء سكان شرقي القدس. لقد توجب تطوير كثير من الهيكلية وعمليات صنع القرار وصياغة السياسات للسلطة التنفيذية بعد أيار/ مايو 1994، عند إقامة السلطة الفلسطينية. و خولت الاتفاقية المرحلية عام 1995 السلطة التنفيذية تقرير إجراءاتها الداخلية وعمليات صنع القرار. وقد ركزت بنود الاتفاقية صلاحية كبيرة بأيدي الرئيس، الذي لديه حق النقض الرئاسي على الطراز الأمريكي في التعامل مع السلطة التشريعية. تشمل صلاحياته سلطة إصدار المراسيم القانونية في جميع المجالات وإجراء التعيينات في الخدمة المدنية والشرطة، وإقامة أو حل المؤسسات العامة، وصرف الأموال العامة.
إن السلطة التنفيذية، التي تشمل المجلس الوزاري والرئاسة، قد استفادت أيضاً من مصدرين رئيسيين آخرين هما : الإدارة المدنية الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وفي الحالة الأولى، ورثت السلطة الفلسطينية كثيراً من الدوائر والهيئات الحكومية من الإدارة المدنية الإسرائيلية، إضافة إلى قواعدها ونظمها الداخلية وإجراءاتها التنفيذية. ولكن الضباط الإسرائيليين هم الذين ترأسوا هذه الادارة على كل مستويات صنع القرار، أما الموظفون المدنيون الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة فيفتقرون إلى خبرة على المستوى الإداري الرفيع. وهذا ينطبق بشكل خاص على عملية صياغة السياسة والتخطيط وتحديد الأولويات. وبالتالي، فإن هؤلاء الموظفين لا يمتلكون الخبرة بالمتطلبات الوظيفية للمجلس الوزاري ولا بتطوير الإدارة العامة أو وضع التشريعات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ثانيا، لقد أورثت منظمة التحرير الفلسطينية السلطة الفلسطينية خبرة كبيرة في الإدارة السياسية، ولكن القليل من هذه الخبرة في مجال الإدارة الاجتماعية والاقتصادية. فمن جهة، أضفى ذلك شرعية سياسية على السلطة الفلسطينية، مما سمح لها بتولي السيطرة الفعالة على المؤسسات العامة القائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة وبشكل سريع نسبيا وبإدارة الانتقال دون اضطراب يذكر إلى الحكم الذاتي الفلسطيني. ومن جهة أخرى، ورثت السلطة الفلسطينية المعايير والممارسات التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تلك المعايير والممارسات التي يعتبر الكثير منها سلطوياً والتي مالت إلى إعاقة الحكم الصالح والإدارة العامة الفاعلة. 
ولهذا، فإن السلطة الفلسطينية قد ورثت بنية حكومية تعتبر أقل تطوراً في كثير من الوجوه من الحكوماتالتي أقيمت في أوضاع أخرى حديثة من حالات ما بعد الصراع. وإلى جانب الافتقار إلى الخبرة السابقة بالحكم المدني، واجهت السلطة الفلسطينية خدمات عامة وبنية تحتية مهلهلة، وقضاء منهار في الضفة الغربية وقطاع غزة، علاوة على معارضة داخلية وخارجية للاتفاقيات السلمية وقيوداً تجارية إسرائيلية وإغلاقات للحدود. وقد كان لذلك آثار كبيرة على قدرة السلطة الفلسطينية على توفير خدمات عامة فعالة وعلى تطوير إطار قانوني وتنظيمي لمجتمع حر وسوق حرّة. وكان لذلك أيضاً آثار خطيرة على نمو الشفافية والمساءلة والعناصر الرئيسية الأخرى للحكم الصالح.

الإنجازات 
على الرغم من الظروف الصعبة، حققت السلطة التنفيذية للسلطة الفلسطينية نجاحات كبيرة في السنوات الخمسة منذ تأسيسها. فقد أقامت مجلساً وزارياً عاملاً، وأجرت انتخابات عامة للرئاسة والمجلس التشريعي، ووفرت التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، وأحيت جمع الضرائب، ووضعت مشاريع أطر تشريعية وتنظيمية لتسيير الإدارة العامة والنشاط الاقتصادي والتجاري الخاص، ووسعت الحكم المحلي بإيجاد بلديات ومجالس قروية جديدة، وحافظت على الأمن والنظام العام.
لقد قامت السلطة التنفيذية بمهام إضافية. فساعدت في إجراء المفاوضات وأشرفت على تنفيذ الاتفاقيات مع إسرائيل، وتفاوضت مع حكومات خارجية ومؤسسات متعددة الأطراف ضمن مجالات حددت لها بإطار أوسلو، ووضعت ونفذت السياسات العامة، وأعدت وطبقت الميزانية العامة، واقترحت تشريعات أولية للمجلس التشريعي وأصدرتها حال الموافقة عليها، وأصدرت تشريعات ثانوية، بما في ذلك أوامر ومراسيم وأحكام، وأشرفت على الإدارة العامة.
وفيما يتعلق بالإجراءات الداخلية والممارسة الإدارية، فإن وزارتي العدل والتخطيط والتعاون الدولي قد تلقتا مساعدات من الأسرة الدولية المانحة للحصول على القدرة التقنية لاقتراح ومراجعة وتحليل السياسات والتشريعات. وهذا الأمر هام لوضع القواعد والإجراءات الموحدة الملائمة للسلطة التنفيذية لصياغة السياسة وسن التشريعات.
وفي داخل السلطة التنفيذية ذاتها، فإن مكتب مجلس الوزراء قد تطور تدريجياً في وظيفته الأساسية، مقدماً الخدمات السكرتارية للاجتماعات الوزارية. ولهذه الغاية، أقام سبع وحدات عاملة لتنسيق السياسات بين الوزارات بغية التحضير للمناقشات الوزارية. ولعب المكتب دوراً في التخطيط لإعادة بناء وإصلاح الإدارة العامة، إلى جانب اللجنة الوزارية لإصلاح القطاع العام ووحدة تطوير الإدارة العامة. وقد وفرت الأسرة الدولية المانحة ثانية دعماً تقنياً مفيداً لتطوير هذا المكتب.

التحديات
لقد واجهت السلطة التنفيذية للسلطة الفلسطينية تحديات في ثلاثة مجالات عامة هي :

 

 

  • مجلس الوزراء.
  • الرئاسة.
  • العلاقة ما بين الحكم المركزي والمحلي.

يمكن القول بأن المشاكل في هذه المجالات برزت نتيجة لاستلام وظائف جديدة منذ عام 1994، دون وجود كفاءات بشرية أو قدرات تقنية كافية للقيام بها.
فأولاً، لم يستطع مجلس وزراء السلطة الفلسطينية العمل بشكل مناسب كهيئة وزارية قادرة على تحديد وتنفيذ سياسات متناسقة وواضحة التفصيل. إن تحول هذا المجلس إلى "قيادة فلسطينية" بحضور 45 شخصاً بدلاً من 20-24 وزيراً ، جعل أجندة هذه الحكومة واسعة ومفتقرة إلى التركيز على الحاجات الوزارية. وحقيقة أن كثيراً من اهتمام هذه القيادة قد أولي للمفاوضات مع إسرائيل والعلاقات الخارجية والقضايا السياسية والأمنية الداخلية قد أعاقت إلى حد كبير صياغة السياسات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك وزراء كبار لديهم أكثر من وظيفة للقيام بها، الأمر الذي جعل لديهم القليل من الوقت للإدارة الداخلية.
لم يكن المجلس الوزاري قادرا أيضاً على تقديم الميزانية العامة إلى المجلس التشريعي في الوقت المحدد، على الرغم من الجهود المبذولة من وزارة المالية لإعداد بنود الميزانية التفصيلية حسب الموعد . لقد تأخر تسليم الميزانية أكثر فأكثر في كل سنة، في الوقت الذي افتقرت فيه إلى تفاصيل إنفاق الوزارات والهيئات المختلفة. وهذا سبب آخر للعلاقة المتوترة أحياناً بين السلطة التنفيذية والمجلس التشريعي الفلسطيني. وعلى الرغم من تحسن نسبة التجاوب، إلا أن السلطة التنفيذية ترددت في أحيان كثيرة إزاء الاستجابة لطلبات المجلس بتقديم المعلومات. وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن السلطة التنفيذية لا تعترف بحق المجلس التشريعي في مراقبة الإنفاق الفعلي.
يحتاج العمل الداخلي للحكومة أيضاً إلى تحسين، حيث أن مكتب مجلس الوزراء لا يزال يفتقر إلى الخبرة والموارد البشرية ولا ينسق سياسة الحكومة بعد بشكل فعال. وهذا يؤثر أيضاً على قدرته في تزويد الحكومة بالتحليل الاستراتيجي في مجالات معينة من السياسات، وفي تشكيل وتنسيق إصلاح القطاع العام.
وتتأثر ممارسة الحكومة أيضاً بالعوامل غير الرسمية، ومن بينها هيمنة الفصيل الرئيسي لمنظمة التحرير، حركة فتح، التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية. فالوزراء الذين لا ينتمون لفتح يمكن أن يلقوا صعوبة في الحصول على ميزانيات وموارد أخرى أو في التأكيد على سلطتهم في داخل وزاراتهم، دون دعم من الرئيس. وبشكل عام، فإن السلطة التنفيذية تعمل وفق تقسيم للعمل وقواعد ونظم رقابة داخلية للسياسات، يقوم على الأمر الواقع وليس بناء على أساس قانوني رسمي.
مقابل ضعف المجلس الوزاري، فإن رئيس السلطة يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة. وهذا ينعكس، من بين أمور أخرى، في عدد ونطاق المؤسسات التي ارتبطت مباشرة بمكتبه عن طريق مراسيم تنفيذية. وتشمل عينة من هذه المؤسسات على ما يلي: مجلس التعليم العالي، ديوان شؤون الموظفين، مكتب المؤسسات الوطنية، المجلس الأعلى للصحة، مركز التخطيط، دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية، سلطة المياه، سلطة الطاقة، مكتب إعلام الصحفيين، هيئة الرقابة العامة، سلطة البيئة، المركز الوطني للدراسات والتوثيق، مشروع بيت لحم عام 2000، مدرسة الطلاب الموهوبين، ومجلس الشؤون العشائرية.
يعين الرئيس رؤساء وأعضاء هيئات هذه المؤسسات كما هو الحال بالنسبة لسلطة النقد الفلسطينية مثلا. ويقوم بالشيء ذاته إزاء منظمات شبه غير حكومية، مثل مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية وأكاديمية البحث العلمي. ويترأس هو شخصياً هيئات حكومية مثل سلطة المياه وسلطة الطاقة. وفي حالات معينة يؤدي ذلك إلى إضعاف دور الوزارات الحكومية. فسلطة المناطق الصناعية الجديدة تستجيب مباشرة للرئيس، مثلاً، بدلا من وزارة الصناعة. والنتيجة الإجمالية لذلك هي زيادة العبء الإداري على الرئاسة، في الوقت الذي يتم فيه الحد من استقلالية وأداء هذه المؤسسات.
ولا يقل أهمية عن ذلك الانخراط الواسع للرئيس وبعض الوزراء في الإدارة التفصيلية. فالتفاصيل البيروقراطية الصغيرة، مثل طلبات الإجازة للموظفين المدنيين ولضباط الشرطة، والمياومات، وبعض المصروفات الصغيرة لا بد وأن تتلقى اهتماماً شخصياً وموافقة من الرئيس. وهذا يسير جنباً إلى جنب مع عدم الرغبة في تفويض الصلاحيات ومع الميل إلى التقليص من استقلالية الوزارات والهيئات الحكومية.
والخطير بشكل خاص بالنسبة للعمل السريع والفعال للحكومة أن وزارة المالية لا يمكن أن تقوم بصرف الميزانيات الموافق عليها إلى الوزارات والهيئات وفق برنامج زمني محدد، وحتى بعد مصادقة المجلس التشريعي عليها. وبالأحرى، فإن الوزراء ورؤساء الهيئات المعنيين لا بد وأن يسعوا فرديا للحصول على موافقة الرئيس. لقد أدى هذا النمط إلى مشاكل ا لسيولة والاقتراض المحلي وتراكم المتأخرات وتباطؤ في تقديم الخدمات.
إن الميل نحو زيادة مركزية السلطة التنفيذية ينعكس في العلاقة ما بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية. فالسلطة الفلسطينية لم تمنح استقلالية حقيقية للمستويات الدنيا من الحكم. وقانون الحكم المحلي الجديد الذي أقر عام 1997 أخفق في التخفيف من مركزية فرض الضرائب والإشراف وفرض شروطا موحدة للعمل والتدبير على المجالس البلدية والقروية. إن إقامة بنى إدارية موازية، مثل المحافظات المرتبطة بوزارة الداخلية، والإخفاق في تحديد الصلاحيات والمسؤوليات، قد قيد الحكم المحلي أكثر.

التوصيات

  1. ينبغي تقليص عدد وحجم المؤسسات العامة المرتبطة حالياً بمكتب الرئيس. وسيؤدي ذلك إلى تقليص العبء الإداري عن الرئاسة ويعزز قدرتها على صياغة ومتابعة الأهداف الرئيسية للسياسات الحكومية.
  2. على مكتب الرئاسة أن يحول إلى الوزارات والهيئات المعنية كل البرامج والمشاريع ذات العلاقة بالإنفاق، والتي لا ترتبط مباشرة وبالضرورة بمهام الرئاسة.
  3. ينبغي على مكتب الرئاسة أن يفوض لغيره الصلاحيات والسلطات التي لا تعتبر ضرورية لعمله الداخلي أو لأغراض الإدارة السياسية والحكومية العامة.
  4. ينبغي على مجلس الوزراء أن يصيغ ويلتزم ببرنامج حكومي يكون مقنعا، ومتماسكا، ومفصلا بشكل واضح. ولا بد من تمكين الوزراء من العمل وفق مهام وميزانيات موضوعة لا تخضع لتغيير اعتباطي أو إعادة تفاوض بشكل مستمر.
  5. ينبغي على مجلس الوزراء أن يعقد اجتماعاته بشكل منفصل عن الهيئات الأخرى للسلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك على أساس أجندة واضحة ومحددة.
  6. ينبغي أن يكون مجلس الوزراء مخولاً بتنسيق السياسات الحكومية والإشراف على تطوير واصلاح الإدارة العامة والقطاع العام عموما.
  7. لا بد للحكومة من أن تقدم الميزانية العامة للمجلس التشريعي لمراجعتها والمصادقة عليها في الوقت المناسب.
  8. لا بد من تعزيز قدرة مكتب مجلس الوزراء على معالجة القضايا الهامة المتعلقة بالازدواجية والتنسيق والاتصال بين الوزارات وذلك لتحسين عملية صنع القرار الحكومي.
  9. ينبغي على السلطة الفلسطينية تعزيز دور الحكم المحلي، ولهذه الغاية فإنه يترتب إجراء الانتخابات البلدية. كما أن على السلطة الفلسطينية أن ترسم بشكل واضح حدود المسؤوليات بين وزارة الحكم المحلي ووزارة الداخلية والشرطة والمجالس البلدية.

4) السلطة التشريعية
السياق

تم تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني ذي الثمانية والثمانين عضواً نتيجةلانتخابات عامة جرت في 20 كانون ثاني/ يناير 1996. جرت تلك الانتخابات بحضور مراقبين دوليين وفلسطينيين، وأعلن عنها بأنها انتخابات حرة ونزيهة عموما. وعقد المجلس التشريعي جلسته الأولى بعد شهرين من ذلك، مدشناً تجربة جديدة في الحياة البرلمانية الفلسطينية.
إن التجارب الانتخابية السابقة على المستوى الوطني كانت متنوعة وفي ظروف متقلبة. فالضفة الغربية كانت قد شاركت في الانتخابات البرلمانية الأردنية في الخمسينات، في حين أن جمهوراً محدداً من الناخبين كان قد أدلى بأصواته للاتحاد القومي الفلسطيني في غزة في بداية الستينات. وقد أقامت منظمة التحرير الفلسطينية برلماناً في المنفى عام 1964، ولكن أعضاء هذا البرلمان جاءوا غالبا بالتعيين، باستثناء عدد متواضع من الأعضاء الذين يمثلون بعض فصائل منظمة التحرير، والاتحادات العمالية والنقابية وهيئات اجتماعية أخرى.
تم تحديد ولاية المجلس التشريعي بالاتفاقية المرحلية عام 1995، مع المزيد من التفصيل في قانون الانتخابات الذي أصدرته السلطة الفلسطينية فيما بعد في العام ذاته. وعلى الرغم من أن قانون الانتخابات قد وضع الأساس لانتخابات دورية، إلا أن الاتفاقية المرحلية تضمنت إشارة لجولة انتخابات عامة واحدة في كانون ثاني/ يناير 1996 فقط. وبهذا، فإن مدة تفويض المجلس التشريعي، وكذلك رئيس السلطة، قد انتهت من الناحية الرسمية مع انتهاء الفترة الانتقالية المحددة في 4 أيار 1999.
لقد منحت الاتفاقية المرحلية المجلس التشريعي صلاحية اصدار تشريعات أولية تتعلق بكل المجالات والمسؤوليات، يستثنى منها تلك التي لم تنقل إلى السلطة الفلسطينية. وقد حظرت الاتفاقية أيضاً على المجلس التشريعي إصدار تشريعات لا تتفق مع بنود الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية المختلفة أو تلغي القوانين والأوامر العسكرية السارية المفعول. ولم يفرض قانون الانتخابات قيوداً دستورية أخرى على صلاحية المجلس التشريعي في إصدار التشريعات أو ممارسة الإشراف على الفرعين التنفيذي والقضائي.
لقد عمل المجلس التشريعي في بيئة صعبة تتسم بالتحديات البالغة الصعوبة. وليس أقل هذه التحديات الغموض المستمر حول العلاقة الدستورية بين المجلس و السلطة التنفيذية، وهذا الأمر ازداد تعقيداً بعلاقة المجلس الغامضة مع المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير بشكل عام. إن شرعية وسلطة المجلس التشريعي تنبع من التفويض الانتخابي، ولكن هذا يقتصر على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى سكان القدس الشرقية. وبالمقابل، فإن مؤسسات منظمة التحرير لا تستند إلى انتخابات، ولكنها تمثل كل الفلسطينيين بمن فيهم الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الشتات. ومنظمة التحرير هي السلطة العليا التي أبرمت الاتفاقيات مع إسرائيل، حيث خرج المجلس التشريعي إلى الوجود من خلالها، وهي التي شكلت من الناحية الرسمية السلطة الفلسطينية. وفي عام 1996 رفض المجلس التشريعي الفلسطيني إصرار السلطة التنفيذية على أن المجلس التشريعي هو جزء من المجلس الوطني الفلسطيني، ولكنه سمح لأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بالمشاركة في نقاشاته، وإن لم يكن لهؤلاء حق التصويت على قراراته.
وهناك تحد آخر كبير أمام المجلس التشريعي يكمن في العلاقة الفلسطينية مع إسرائيل. فالوضع النهائي للعلاقات مع إسرائيل لم يتضح بعد، الأمر الذي يمنع المجلس من سن التشريعات على مستوى واسع بشأن القضايا التي لا زالت خاضعة للتفاوض. وفي الوقت ذاته، فإن القيود الإسرائيلية على حركة كل الفلسطينيين تعيق عمل المجلس ولجانه. فكثير من أعضاء وموظفي المجلس عانوا من التأخيرات الطويلة وبعض المضايقات على نقاط التفتيش الإسرائيلية لدى سفرهم بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن توزيع وتقسيم نشاطات ومنشآت ودوائر المجلس بين قطاع غزة والضفة الغربية أوجب مضاعفة الموارد، والسفر الطويل، حيث يضطر موظفو السلطة الفلسطينية في أحيان كثيرة للسفر عبر مصر والأردن من أجل الانتقال بين الضفة الغربية وقطاع غزة بدلاً من المرور عبر إسرائيل. كما يتطلب الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة مستويات من التنسيق، يصعب حتى على المجالس النيابية المتطورة جداً بلوغها. إن السيطرة الإسرائيلية المستمرة على معظم الضفة الغربية وقطاع غزة وحدودهما الخارجية تقيد أيضا قدرة المجلس على تلبية متطلبات الناخبين.
وفي مقابل ذلك، استفاد المجلس التشريعي من الدعم السياسي والمساعدة التقنية المتواصلين من الأسرة الدولية المانحة. وقد أسهم هذا كله في تطوير قدرة المجلس التشريعي في جميع المجالات تقريبا، ابتداءً من أعمال التشريع والإشراف ومروراً بأعمال التسجيل والبحث وصولا إلى التنظيم والإجراءات الإدارية.

الإنجازات
على الرغم من القيود التي تمت الإشارة إليها أعلاه، إلا أن الانتخابات العامة في كانون ثاني/ يناير 1996 مثلت خطوة هامة في عملية مأسسة الحياة البرلمانية في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن إصدار قانون الانتخابات، وإقامة لجنة دائمة للانتخابات، وتقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة إلى حد كبير، وبحضور مراقبين دوليين، قد أسهم وبشكل هام في هذه النتيجة.
لم يمر على نشوء المجلس التشريعي الفلسطيني أكثر من ثلاث سنوات ونيف فقط، ولكنه حقق الكثير في هذه الفترة القصيرة. فقد أصدر نظمه وأوامره الخاصة منظماً بذلك شؤونه الداخلية وعلاقاته مع السلطة التنفيذية. وحسب الاتفاقية المرحلية لعام 1995 والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، للمجلس صلاحية المبادرة والصياغة وإقرار التشريعات، بما في ذلك التشريعات التي يقدمها إليه مجلس الوزراء. فمنذ عام 1996 أقر المجلس التشريعي 24 قانوناً وقدمها للرئيس للتوقيع عليها. وقد شملت هذه القوانين القانون الأساسي الذي تم إقراره بعد القراءة الثالثة ولا يزال ينتظر الصدور منذ 1997. هذا وقد قام المجلس بأعمال الإشراف، وخاصة مراجعة وتحليل الميزانية العامة.
ولهذه الغاية، شكل المجلس 12 لجنة دائمة تجتمع مرة كل أسبوعين وتقدم تقارير عن نتائج مداولاتها إلى المجلس ككل. وقد تطلب هذه اللجان المعلومات مباشرة من الوزراء أو مسؤولين آخرين كبار، أو تطلب حضورهم لجلسات استماع حول قضايا ضمن اختصاصهم. ولقد عملت هذه اللجان على التحقيق بشأن ما ذكر حول الفساد وسوء الإدارة المالية والإساءة إلى حقوق الإنسان من بين مسائل أخرى.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد أنشأ المجلس التشريعي نظاماً لحفظ السجلات وسكرتاريا لإدارة وتنظيم دوائر المجلس وموظفيه. وهذه السكرتاريا تتولى الإشراف أيضاً على مكاتب الدوائر الانتخابية الستة عشرة، بالإضافة إلى الدوائر الإدارية والمالية والإعلامية والعلاقات العامة والدوائر القانونية وغيرها. وقد وضع المجلس التشريعي إجراءات متبعة للنقاش والاستفسار ووضع الاجندة.
وبفضل هذه الأمور إلى حد ما، يقيم المجلس التشريعي الفلسطيني علاقات برلمانية متقدمة مع جمهور الناخبين. وعلاوة على ذلك، فقد زاد المجلس من تفاعله وتعاونه مع المنظمات الفلسطينية غير الحكومية في المجالات السياسية والتقنية. وقد اتضح ذلك في النقاش العام حول القانون الأساسي والعديد من التشريعات الرئيسية الأخرى. وفي الآونة الأخيرة لعبت المنظمات غير الحكومية دوراً فعالاً في تزويد أعضاء المجلس بالمعلومات المتعلقة بالقطاع غير الحكومي. وبالمقابل، أقر المجلس قانونا مستجيبا لتطلعات المنظمات غير الحكومية. وهناك مثال آخر على هذا التعاون هو وحدة البحوث البرلمانية التي إقامتها منظمة غير حكومية وربطتها بالمجلس التشريعي لتلبية حاجاته.
لقد استفاد المجلس التشريعي أيضاً من النقاش السياسي المفتوح والحيوي. وهذا ينبع إلى حد كبير من تاريخ التعددية والنشاط القاعدي في السياسة الفلسطينية، سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو في الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وقد تم بشكل تجريبي بث بعض جلسات المجلس تلفزيونيا لفترة وجيزة، وبعض هذه الجلسات ظلت مفتوحة أمام الحضور العام وتظهر على شاشات التلفزيون الداخلي في مبنى المجلس.

 

التحديات
إن وجود برلمان فعال ومستقل هو أمر ضروري لقيام حكم متجاوب ومساءل، ولكن المجلس التشريعي واجه تحديات جمة في قدرته على أداء وظائفه الأساسية الثلاثة وهي : التشريع، القيام بإشراف فعال، وبناء علاقات مع جمهور الناخبين.
تكمن أهم العراقيل التي يواجهها المجلس في القيود التي فرضها إطار أوسلو، وغموض علاقته الدستورية مع السلطة التنفيذية، وافتقاره إلى الخبرة إضافة إلى النواقص التقنية.
وفيما يخص وظيفته التشريعية، ظل المجلس التشريعي الفلسطيني مقيداً في عدم قدرته على التشريع للصلاحيات والمسؤوليات التي بقيت خارج ولاية السلطة الفلسطينية. كما أعيق عمل هذا المجلس بالقيود التي وضعها إطار أوسلو على مجالات تخضع لمفاوضات الوضع النهائي مع إسرائيل.
وكذلك، فقد أعيق عمل المجلس التشريعي بتوقف الجهد الذي انطلق عام 1996 من أجل توحيد وتكامل مجموعة القوانين والنظم المختلفة وأحيانا المتناقضة السارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن عدداً كبيراً من المؤسسات العامة والمنظمات غير الحكومية قد شاركت في هذا الجهد، ولكنها افتقرت إلى آلية تنسيق رسمية. وقد تم تشكيل سبع لجان قانونية لمساعدة وزارة العدل، ولكن هذه اللجان لم تحظ بمكانة حكومية وقد توقفت عن العمل إلى حد كبير. هذا على الرغم من العمل المستمر للجهات المعنية في المجلس التشريعي، والهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، ومركز الحقوق في جامعة بيرزيت. وفي الوقت نفسه، فقد اخفق المجلس التشريعي في معالجة لجوء السلطة التنفيذية إلى قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945، كما لم يحاول إلغاء هذه القوانين.
وعلاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى نظام لتحديد وتنفيذ ومراقبة السياسية العامة للسلطة الفلسطينية قد أصبح إشكالية متزايدة. وفيما تتم صياغة قوانين جديدة، فإنه من غير الواضح أية قيم تعتمدها وأي نظام تهدف بمحصلتها أن توجده. 
وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة التنفيذية قد أحبطت جهود المجلسالتشريعي الفلسطيني لإصدار تشريعات أولية. وقد أخر رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات إصدار قوانين هامة وافق عليها المجلس التشريعي، بما في ذلك القانون الأساسي. ويؤكد المشرعون الفلسطينيون أنه يستخدم أيضا الصلاحية التي منحتها له الاتفاقية المرحلية عام 1995 من أجل إصدار تشريعات أولية على شاكلة تشريعات ثانوية لا تحتاج إلى مصادقة المجلس التشريعي. فحتى هذا التاريخ هناك أكثر من 800 مرسوم وأمر رئاسي أو أمر حكومي صدرت بهذه الطريقة ونشرت في الجريدة الرسمية. وفي حالات أخرى طرحت السلطة التنفيذية مشاريع قوانين على المجلس التشريعي كان الأجدى أن تكون تشريعات ثانوية، مما أدى إلى تبديد وقت المجلس التشريعي وامتلاء أجندته التشريعية. يحتاج إذن فرعا السلطة، التنفيذي والتشريعي، إلى مهارات وتراكم خبرات أكثر في العملية التشريعية ككل.
كذلك، فقد أعيق عمل المجلس التشريعي إلى حد كبير في أدائه مهمة الإشراف، وذلك بسبب عدم تعاون السلطة التنفيذية. وهذا واضح بشكل خاص في التقديم المتلكئ للميزانية العامة إلى المجلس التشريعي، حيث بلغ التأخير ثمانية أشهر وأكثر. وفي نيسان/إبريل 1999 قدمت الحكومة تقريراً عن كل الواردات والنفقات العامة ولأول مرة، ولكنها فشلت مجددا في إعطاء تفصيل دقيق لها ولم تقدم ميزانية رسمية. وليس للمجلس التشريعي من وسيلة للتقرير إذا كانت النفقات قد تمت وفق ميزانية مصادق عليها أم لا، كما أن السلطة التنفيذية لا تقدم كشفا بالنفقات الخارجة عن الموازنة ولا تقدم الميزانيات الملحقة إلى المجلس للمصادقة عليها.
لا تقدم السلطة التنفيذية في أحيان كثيرة معلومات أو وثائق يطلبها المجلس التشريعي أو لجانه، الأمر الذي يحد من قدرة المجلس على مراقبة الأداء التنفيذي. وقد تجاهلت السلطة التنفيذية توصيات المجلس التشريعي بالتحقيق مع وزراء أو إقالتهم بسبب سوء تصرفهم الإداري والمالي. وعلى العكس من ذلك، فإن نتائج لجان التحقيق التي أقيمت من قبل السلطة التنفيذية، مثل اللجنة الرئاسية لمحاربة الفساد، لم يتم تسليمها إلى المجلس التشريعي، ناهيك عن الجمهور العام. وليس للمجلس التشريعي من سلطة على هيئة التدقيق الخارجي للسلطة الفلسطينية، أي هيئة الرقابة العامة، وبهذا فإنه لا يستطيع إصدار أمر بنشر تقاريرها.
إن المشكلة التي تواجه المجلس التشريعي في مثل هذه الحالات هي أنه يفتقر إلى الصلاحية الدستورية ونظام عقوبات فعال لإجبار السلطة التنفيذية على الانصياع. وهو يمتلك القدرة على التصويت بحجب الثقة كوسيلة لإخضاع السلطة التنفيذية للمساءلة، ولكنه عزف عن استخدام هذه الأداة. وهذا يعود جزئياً إلى هيمنة حزب الرئيس عرفات، فتح، في المجلس التشريعي، الأمر الذي مكنه من تهميش المجلس في لحظات التصويت الحاسم. وحقيقة كون الرئيس أتى إلى منصبه من خلال انتخاب مباشر تزيد من قوته السياسية إزاء المجلس. وفي كل الأحوال، ليس هناك من بند يتعلق بالعزل في الترتيبات الدستورية سارية المفعول حالياً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إطار أوسلو يقيد مهمة المجلس التشريعي في الإشراف بحرمانه من صلاحية العمل في قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية، بما في ذلك المفاوضات مع إسرائيل. وهذه القضايا تم نقاشها بشكل واسع في المجلس التشريعي، ولكنها بقيت امتيازاً خاصاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. لم يتمكن المجلس التشريعي من مناقشة الاتفاقيات التي عقدتها وزارات السلطة أو الهيئات الأخرى مع أطراف خارجية، حتى حين اختص الأمر بشؤون تقع ضمن المجالات والمسؤوليات التي سمح بها إطار أوسلو.
تنبع هذه المشاكل جزئياً من تقصيرات المجلس التشريعي ذاته. فمن جهة، أدى انشغال المجلس بالعملية السلمية والقضايا السياسية الأخرى إلى صرفه عن التشريع والإشراف والعلاقات مع جمهور الناخبين. والمجلس بحاجة أيضاً إلى تطوير المهارات التشريعية لأعضائه وقدراتهم على مراجعة ومراقبة الميزانية. ويفتقر المجلس كذلك إلى استراتيجية شاملة ومنتظمة لجمع وتصنيف المعلومات. كما يفتقر إلى آليات رسمية واضحة المعالم للتنسيق والتشاور مع الفرعين التنفيذي والقضائي ومع الناخبين ومنظمات المجتمع المدني.
وعلاوة على ذلك، فإن المجلس التشريعي يميل إلى تجاهل قواعده ولوائحه الداخلية المتعلقة بالمواعيد، وإجراءات النقاش والتصويت، ووضع الأجندة وتعميمها. عموما، وعلى الرغم من أن المجلس التشريعي كان قادراً على مأسسة ذاته في وقت قصير نسبيا إلا أنه لا يبدو أن لديه استراتيجية طويلة الأجل فيما يتعلق بتنمية قدراته ونطاق عمله. فهو يحتاج إلى توضيح أكثر للعلاقات بين لجانه، وبين رئيس المجلس و اللجان، وبين عاملي وأعضاء المجلس. ويحتاج المجلس التشريعي، أخيرا، إلى تطوير صيرورة عمله الداخلي، وإعطاء وصف أكثر وضوحاً لمهام الموظفين، وإعداد أدلة تحدد طبيعة علاقات المجلس مع الهيئات المناظرة وغيرها من ذوي الصلة.
من جانب آخر أسهم أعضاء المجلس في إحراز تقدم ملموس في تطوير العلاقات مع ناخبيهم، ولكن هذا حصل كرد الفعل وليس المبادرة الناشطة. فيبدو أنه لم يكن هناك تفكير كاف بإقامة مشاورات مؤطرة ومنتظمة مع جمهور الناخبين. ويعود هذا جزئياً إلى أن إطار أوسلو لا يدعو لإجراء انتخابات عامة جديدة في الفترة الانتقالية المحددة، ولذلك لم يحفز أعضاء المجلس على الاتصال بناخبيهم. كما أن مفهوم الاستجابة والمساءلة أمام الناخبين لا يزال جديداً بالنسبة لأعضاء المجلس.
وعلاوة على ذلك، فإنه على الرغم من افتتاح مكاتب تابعة للمجلس التشريعي في 16 دائرة انتخابية، إلا أن معظم أعضاء المجلس ليست لديهم مكاتب مناسبة، الأمر الذي يحد من قدرتهم على الحصول على معلومات حول ظروف ناخبيهم وعلى معالجة طلباتهم. وكذلك، فإن أعضاء المجلس يفتقرون إلى المكاتب الشخصية داخل مبنى المجلس وإلى الدعم الإداري والتقني المناسب.
وبالمثل، فإن المجلس التشريعي لم يطور حتى الآن إجراءات استشارية مؤطرة تشمل منظمات المجتمع المدني. فالمفاهيم مثل اللوبي (جماعات الضغط) والمرافعة تعتبر جديدة لدى الكثيرين من أعضاء المجلس التشريعي والمنظمات غير الحكومية المحلية وجماعات المصالح. وفي الوقت ذاته، فإن المجلس التشريعي الفلسطيني قد فقد جزئياً مقدرته على توصيل مناقشاته إلى عامة الجمهور. فالبث التلفزيوني لمناقشات المجلس في البداية قطع بضغط من السلطة التنفيذية، علما أنه لم يصل سوى إلى رقعة جغرافية ضيقة وإلى جمهور صغير بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على الاستخدام الفلسطيني للموجات الهوائية. ويمكن للجمهور أن يحضر بعض الجلسات من الردهة أو من خلال شاشات التلفزيون الداخلي في مبنى المجلس، ولكن هذه الوسائل غير كافية. كما أن المجلس التشريعي لم يتمكن من مواجهة التخويف والإغلاق لوسائل الإعلام من قبل السلطة التنفيذية.

التوصيات

 

  1. على المجلس التشريعي أن يتبنى أجندة تشريعية لعدة سنوات، كوسيلة أكثر واقعية لتنظيم وإتمام وظيفته الأساسية.
  2. على السلطة التنفيذية أن تمكن المجلس التشريعي من مراجعة الميزانية العامة بشكل أكثر فعالية، وذلك بتقديمها له في الوقت المناسب وبالالتزام ببنود الميزانية المقرة.
  3. ينبغي تخويل المجلس القيام بالإشراف الفعال على السلطة التنفيذية. ولهذه الغاية، فإن على المجلس التشريعي أن يصادق على الميزانيات التشغيلية للسلطة القضائية وهيئات المراقبة المستقلة الأخرى، بما في ذلك هيئة الرقابة العامة.
  4. لا بد من إتمام عملية توحيد وتكامل مجموعة القوانين والأنظمة المتنوعة وأحياناً المتعارضة السارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة.
  5. لعب المجلس التشريعي دوراً مركزياً في صياغة الإطار الدستوري الفلسطيني للفترة الانتقالية. ولا بد وأن يستمر في لعب هذا الدور فيما تستعد السلطة الفلسطينية للتسوية الدائمة. يقدم مشروع القانون الأساسي نقطة انطلاق مفيدة لأية وثيقة دستورية جديدة يتم إعدادها للمرحلة القادمة.
  6. خدمة لتطوير علاقات مستجيبة بين المجلس التشريعي والناخبين، ينبغي على المجلس أن يوفر لأعضائه مكاتب ملائمة لاستقبال الناخبين، إضافة إلى المكاتب الشخصية في داخل مبنى المجلس وإلى الدعم التقني الإداري المناسب.

5) السلطة القضائية
السياق

لقد ورثت السلطة الفلسطينية نظاماً قضائياً في حالة انهيار حقيقي لدى تأسيسها عام 1994. فالبنى القانونية الفلسطينية التي عملت قبل 1967 تدهورت بصورة دراماتيكية خلال الاحتلال الإسرائيلي الطويل إلى درجة أن النظام القضائي قد فقد الرأس والروح. إن جمعيتي المحامين في الضفة الغربية وقطاع غزة قد شهدتا تدهوراً مماثلاً، وعاد هذا جزئياً إلى رفض المحامين الفلسطينيين المشاركة في النظام القضائي في ظل الاحتلال، وجزئياً إلى القيود القاسية التي فرضها الحكم العسكري الإسرائيلي على تشكيل الجمعية المهنية للمحامين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ما زال نظام المحاكم الفلسطيني يعاني من النقص الحاد في القضاة والمدعين العامين ومديري المحاكم وغيرهم من العاملين الآخرين. وكانت القضايا تؤجل باستمرار، كما أن عدداً كبيراً منها قد تراكم. وقد أدى تدني عملية حفظ السجلات عبر السنين إلى إعاقة الوصول إلى القرارات السابقة واستخدام السوابق. إن انقطاع النظام القضائي خلال فترة الانتفاضة 1987-1993 قد فاقم من الوضع سوءا.
هذا، ولا يزال النظام القضائي الفلسطيني الحالي يعمل بموجب القانون العثماني والإنجليزي والأردني. وألغى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات تطبيق الأوامر العسكرية الإسرائيلية في عام 1994، ولكن وضع هذه القوانين الدقيق الآن غير واضح. كما أن إطار أوسلو يقلص صلاحية السلطة القضائية الفلسطينية. فبينما كان المستوطنون والإسرائيليون الآخرون يمثلون أحيانا أمام المحاكم الفلسطينية المدنية بعد 1967، فإن هذا لم يعد يحصل إلاّ إذا طلبوا ذلك، وبغض النظر عن طبيعة القضية أو اشتراك الأطراف الفلسطينية فيها. 
إن قيام السلطة الفلسطينية قد أدخل مصدراً جديداً للتشريع، وأضاف نظام محاكم جديد يرتكز على نظام القضاء الثوري لمنظمة التحرير لعام 1979. وهذا جعل عدد نظم المحاكم العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة يصل إلى خمسة. هناك نظامان منفصلان للمحاكم المدنية والجنائية على مستوى القضاء والمنطقة والاستئناف في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهناك محاكم الشريعة الإسلامية التي تنظر في القضايا الشخصية، والمحاكم العسكرية الفلسطينية التي تحاكم عناصر الشرطة وأجهزة الأمن، ومحاكم أمن الدولة التي تنظر في قضايا متعلقة بالأمن الوطني. ويضاف إلى ما سبق محاكم الأمن الإسرائيلية التي تعمل في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الأمنية الفلسطينية الداخلية.
إن أي تقدم تم إحرازه في النظام القضائي إنما يعود إلى المساعدة الفنية والمالية التي قدمتها الأسرة الدولية المانحة. وهناك برنامج متعدد الوجوه لتحديث النظام القضائي قيد التنفيذ منذ عام 1996 وبتكلفة مقدارها 72 مليون دولار. وتشارك فيه أربع وزارات فلسطينية والسلطة القضائية والمجلس التشريعي الفلسطيني والمنظمات الفلسطينية غير الحكومية و 17 دولة مانحة وعشر هيئات تابعة للأمم المتحدة. ويسعى هذا البرنامج لتحقيق ستة أهداف هي : توحيد القوانين، تحسين مباني المحاكم ومرافقها، توحيد النظم والإجراءات القضائية، توحيد إجراءات الدعاوى وتحسين وضع مكاتب ومرافق الادعاء العام، وتطوير قواعد معلومات قانونية وقضائية محوسبة، وتطوير قدرة مختبرية علمية مستقلة. وقد لعبت الأسرة الدولية دوراً حاسماً أيضاً في تطوير "الخطة الوطنية للعمل من أجل حقوق الإنسان".

الإنجازات
لقد وقعت السلطة الفلسطينية اتفاقيات عديدة مع الأطراف الخارجية للمساعدة في إعادة تأهيل وبناء النظام القضائي. وعملت وزارة العدل على صياغة شاملة لـ"خطة التنمية الاستراتيجية لسيادة القانون". لقد كان التقدم بطيئا، ولكن المجلس التشريعي اتخذ خطوة هامة نحو توحيد نظام المحاكم في الضفة الغربية وقطاع غزة حين أقر قانون النظام القضائي في كانون أول/ ديسمبر 1998. وعند إصداره من قبل رئيس السلطة الفلسطينية وتطبيقه، فمن شأنه أن يضمن استقلالية السلطة القضائية.
إن توسيع صلاحية المحكمة العليا في غزة لتشمل الضفة الغربية هو إنجاز آخر بارز، وكذلك الأمر بالنسبة لإعادة فتح المحاكم التي كانت مغلقة خلال الاحتلال الإسرائيلي. إن الأشكال التقليدية البديلة لحل النزاعات والمبادرات الأخرى التي يقوم بها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، مثل المحافظين، قد ساعدت أيضاً في تخفيف تراكم القضايا غير المنظور بها.

التحديات
إن وجود سلطة قضائية عاملة قادرة على ممارسة الإشراف على الفرعين التنفيذي والتشريعي يعتبر أمراً أساسياً لتأمين الحكم الصالح. وبدون قضاة مدربين ومستقلين ونظام قانوني موحد، سيكون هناك تهديد جدي لسيادة القانون وللنظام العام وللقدرة على إلزام تنفيذ العقود، وجميعها حيوي وهام لمجتمع حر وسوق حرة. إن الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل تفرض قيوداً حقيقية، وخاصة فيما يتعلق بتعديل الإطار القانوني، ولكن هناك الكثير مما تستطيع السلطة الفلسطينية أن تعمله لإعادة تأهيل النظام القضائي وتحسين قدراته. ولكن على الرغم من الخطوات الإيجابية التي تمت ملاحظتها أعلاه، إلا أن هذا الجهد يكاد أن يكون قد ابتدأ رغم مرور أكثر من خمس سنوات على إقامة السلطة الفلسطينية.

تواجه السلطة القضائية الفلسطينية ثلاثة عوائق كبيرة، هي :

 

 

  • غياب تسلسل واضح للسلطة داخل النظام القضائي وأيضا فيما بينه وبين السلطة التنفيذية.
  • غياب القوانين والإجراءات الإدارية الموحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
  • النقص الشديد في العاملين المؤهلين و المباني والتجهيزات والمراجع القانونية والأموال.

فيما يتعلق بالتسلسل القيادي، فشلت السلطة التنفيذية في إعادة تأسيس مجلس قضائي أعلى. وبغياب هذا المجلس عمد رئيس السلطة ووزير العدل إلى تقلد صلاحياته في إقامة وإغلاق المحاكم المناطقية والمحلية، وفي التعيين والترقية وتخفيض المرتبة، والنقل والطرد والإحالة على التقاعد للقضاة على كل المستويات؛ وفي تعيين وطرد موظفي المحاكم؛ وفي تحديد الرواتب وتعويضات التقاعد. وقد تم ربط منصب المدعي العام أو النائب العام بالسلطة التنفيذية، التي تقوم بإجراء التعيينات في هذا المنصب. وعلاوة على ذلك، وسع رئيس السلطة الفلسطينية من نطاق تدخل السلطة التنفيذية حيث قام بتعيين رئيس جمعية المحامين الموحدة الجديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة وأعضاء هيئتها الإدارية.
إن حدود الصلاحيات قد اختلطت أيضاً وتم الالتفاف عليها من قبل السلطة التنفيذية ذاتها. وقد استقال النائب العام، الذي كان آخر من تولى المنصب حتى نهاية الفترة الانتقالية المحددة، بسبب التدخل المستمر في شؤونه من قبل السلطة التنفيذية ورؤساء فروع الشرطة وأجهزة الأمن المختلفة. ولقد ظل منصبا النائب العام وقاضي القضاة شاغرين منذ عام 1997 وللفترة ذاتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن رئيسي المحكمتين العليتين في الضفة الغربية وقطاع غزة قد أقصيا عن منصبيهما من قبل السلطة التنفيذية بسبب التصريحات الناقدة التي أسندت إليهما أو القرارات التي اتخذتها محكمتاهما.
ثم إن السلطة الفلسطينية لم تحرز إلا تقدماً ضئيلاً في تبسيط القوانين والإجراءات الإدارية المتعددة والمعقدة السارية المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه ليست مهمة بسيطة، ولكن السلطة الفلسطينية لم تعمد حتى إلى إقامة سكرتاريا دائمة لتنسيق عمل اللجان القانونية المختلفة العاملة في هذا المجال، ناهيك عن تزويدها بالكادر الفني والمساعدين وبالمكاتب والمواد القانونية واللوازم الأخرى. والعواقب في هذه الحالة بعيدة المدى، ولكن الملاحظ بشكل خاص هو غياب التخطيط المنسق لتوفير ضمانات قانونية لحقوق الإنسان، والإعداد البطيء للقوانين المتعلقة بالعقود التجارية والنشاط الاقتصادي.
ومما يزيد الأمور تعقيداً أنه مع وجود مركز سلطة القضاء في غزة أساساً، فإن كثيراً من التشريعات الجديدة قد تمت بمرسوم أو أمر دون استشارة أو إشعار لدى الضفة الغربية، الأمر الذي يضعف المفهوم القائل بأن توحيد النظم القانونية والإدارية يجب أن يتم بطريقة متوازنة، ويزيد من الاستياء في الضفة الغربية بسبب ما يمكن أن يتصور وأنه إقحام للتقاليد والمعايير القانونية الغزيه.
وبالمثل، فإن السلطة الفلسطينية لم تتقدم كثيراً في عملية توحيد نظم المحاكم المنفصلة وتشابك صلاحياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل أن السلطة قد أضافت نوعين جديدين من المحاكم، هما : المحاكم العسكرية التي تحاكم أفراد الشرطة وأجهزة الأمن المتهمين بارتكاب أعمال جنائية أو انتهاك اللوائح الانضباطية، ومحاكم أمن الدولة التي تنظر في القضايا المتعلقة بالأمن الوطني. المعروف أن محاكم أمن الدولة ترتكز على نظام القضاء الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 وربما أيضاً على قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945، ولكنها مغلقة ولا توفر حق الاستئناف. وفي الآونة الأخيرة أخذت محاكم أمن الدولة تحاكم أيضاً المدنيين المتهمين بــ "جرائم اقتصادية" مثل التهريب، وبيع الأطعمة التي انتهت صلاحيتها، والتهرب من دفع ضريبة القيمة المضافة. 
لقد ظل النظام القضائي يعاني من النقص الشديد في قدرته العملياتية الأساسية. فهناك نقص شديد في القضاة المدربين والمستقلين، وأيضا في مساعدي مأمور التنفيذ، والكتبة، ومباني المحاكم، والمراجع القانونية، والتجهيزات. وهذا ينطبق أيضاً على هيئة الادعاء. فالقضاة والمدعون العامون لا يتقاضون الأجور الكافية، وليس هناك من ضمان لمدة الخدمة. إن تدخل السلطة التنفيذية في القرارات القضائية قد أدى إلى إحباط القضاة، بل إن اكتظاظ المحاكم والقضايا المتراكمة قد جعل مثل هذا التدخل ممكناً. إن التدريب المتوفر غير منظم ودون المستويات المطلوبة، والمؤسسات الفلسطينية ليست لديها القدرة بعد على توفير هذا التدريب بفعالية.
يعاني النظام القضائي أيضاً من نقص التعاون مع الجهات التي تفرض القانون. وهذا بارز في الحالات الأمنية، ولكن قدرة المحاكم على تأمين تنفيذ القرارات القضائية متفاوتة عموماً. كما أن الافتقار إلى منهاج وطني موحد لتدريب الشرطة يعيق ايضاً التعاون مع النظام القضائي. وهناك مشكلة أخرى ذات علاقة بالموضوع، ألا وهي الحالة المتداعية لنظام السجون من الناحية الإدارية والمادية. فهناك سلطة للسجون، ولكنها تفتقر بشدة إلى التجهيزات والهياكل والأنظمة، كما أنها لا تتمتع إلا بسيطرة محدودة على منشآتها. 
من شأن النظام القضائي أن يستفيد كثيراً لو تم إيجاد بدائل لحل النزاعات. ولكن، الأساليب البديلة لحل النزاعات ونمط المساومة الجماعية، وحل النزاعات الإدارية، والآليات الأخرى غير القضائية أو شبة القضائية لحل الصراع، تبقى جميعها محددة للغاية.

التوصيات

 

  1. ينبغي على السلطة التنفيذية أن تصدر قانون النظام القضائي الذي وافق عليه المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون أول/ ديسمبر 1998.
  2. ينبغي على السلطة التنفيذية المساعدة في إعادة تأسيس مجلس قضائي أعلى يتمتع باستقلال حقيقي.
  3. ينبغي تحديد صلاحيات ومسؤوليات وزير العدل بشكل واضح، على أن لا تستبدل صلاحيات ومسؤوليات المجلس القضائي الأعلى أو المسؤولين القضائيين الكبار.
  4. ينبغي تطبيق التوصيات والوصول إلى الأهداف التي وضعت في خطة التنمية الاستراتيجية لسيادة القانون، والتي صدرت عن وزارة العدل عام 1996، وذلك بشكل عجل.
  5. ينبغي إلغاء محكمة أمن الدولة. وكخطوة أولى يجب على السلطة التنفيذية تحديد مهمة هذه المحكمة بشكل واضح وفتحها، مع السماح بحق دفاع ذي مصداقية وبحق الاستئناف إلى المحكمة العليا.
  6. تتطلب السلطة القضائية قضاة مؤهلين ومستقلين تتوفر لهم الحماية، مع نظام ترقيات ورواتب مناسبة. ولا بد وأن يكون لهذه السلطة طاقم من الكتبة، وميزانيات، ومبان، وتجهيزات.
  7. ينبغي إقامة محاكم متخصصة لتقليص عبء المحاكم العادية وتوفير مقاضاة أفضل. ومثال عليها محاكم التسويات، الإدارة، المرور، البلديات، العمل، والضرائب.
  8. ينبغي ملء المنصب الشاغر لرئيس المحكمة العليا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
  9. على الرغم من أن جمعية المحامين لا تعتبر جزءاً من النظام القضائي، إلا أنها ينبغي أن تتوحد وأن تتمكن من اختيار رئيسها وأعضاء هيئتها الإدارية بحرية وبدون تدخل من السلطة التنفيذية، وذلك من أجل تنظيم المهنة القانونية.
  10.  

الفصل الثالث
المؤسسات العملياتية

1) مقدمة

يعمد هذا الجزء من التقرير إلى تقييم قدرة وأداء وزارات وهيئات السلطة الفلسطينية ("المؤسسات العملياتية") ، المسؤولة مباشرة عن توصيل الخدمات للجمهور الفلسطيني وعن توفير البيئة القانونية التنظيمية لتمكين المجتمع الحر والسوق الحرة . ويقدم هذا التقرير توصيات تهدف إلى تقوية الإطار المؤسساتي لكي يصبح أكثر تأثيراً وفاعلية في مجال :

 

  • إدارة التوظيف في القطاع الحكومي (بما في ذلك الشرطة).

  • إدراة الميزانيات والموارد العامة.
  • توفير الخدمات والبنى التحتية والمنافع العامة.
  • توفير الآليات القانونية والتنظيمية للأطراف العامة والخاصة.
  • التعاون مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في توصيل الخدمات.

تكتسب هذه القضايا أهمية زائدة إذا كانت السلطة الفلسطينية ستنجح في مواجهة التحديات المحتملة مثل الزيادة السريعة في النمو السكاني، والالتزام بمعايير المعاهدة العامة للتجارة والتعرفة / منظمة التجارة العالمية ((GATT/WTOلضمان الدخول إلى السوق الخارجية، واتجاه السوق نحو التنافس الشديد فيما يتعلق بالمعلومات والتكنولوجيات الأخرى.

ويعتقد هذا التقرير أن هناك خمسة أمور مستهدفة بشكل أساسي لتطوير المؤسسات العامة للسلطة الفلسطينية :

 

 

  • الهياكل التنظيمية ونظم الموظفين.
  • الإدارة العامة وتوصيل الخدمات العامة.
  • نظم الإدارة و السيطرة المالية.
  • الحدود المشتركة ما بين مقدمي الخدمات من السلطة الفلسطينية والقطاعات غير الحكومية.
  • التظافر بين السلطة الفلسطينية والمانحين الخارجيين.
  • لقد تم تقييم هذه الأمور بناء على القدرة الحالية للمؤسسات العاملة للسلطة الفلسطينية في إنجاز المهام المحددة التالية في مجال تخصصها العملي :
  • التخطيط.
  • تحديد الأولويات.
  • التنسيق مع مؤسسات السلطة الفلسطينية الأخرى، بما في ذلك اتباع السياسات القطاعية والمتعددة القطاعات.
  • التعاون والتشاور مع مقدمي الخدمات من المنظمات غير الحكومية ومن القطاع الخاص.
  • تنمية وإدارة الموارد (وخاصة البشرية).
  • تنفيذ الخطط والسياسات.
  • تقييم الأداء ومراجعة السياسات.
  • المراجعة والتدقيق الداخلي.

تنعكس الثقافة المؤسساتية الناشئة في عوامل رئيسية مثل بيانات المهام والتفويض القانوني التي توفر معا تحديداً واضحاً وفصلاً للمهام والمسؤوليات، والقواعد والنظم التي تحكم شؤون الموظفين و الأمور المالية، والبنى التنظيمية الواضحة وتسلسل القيادة، والإجراءات والنظم المتعلقة بتبادل المعلومات.
يقسم هذا الجزء من التقرير إلى جزئين رئيسيين : الأول يلخص السياق والخلفية التي أثرت على البناء المؤسسي الفلسطيني العام منذ 1994 ويحدد نماذجه الأساسية. والثاني يتناول "المجموعات" الخمسة للمؤسسات العملياتية، موزعة حسب وظيفتها الرئيسية. وهذا سيضع إنشاء وأداء هذه المؤسسات في سياقها التاريخي والمادي، ويعّرف المؤسسات العاملة داخل كل مجموعة، ويتيح رؤية إنجازاتها حتى الآن، ويحدد التحديات والمشاكل الرئيسية بما فيها تلك التي ستبرز في المستقبل، ويختتم بتوصيات للقيام بتحسينات وإصلاحات محددة.

2) السياق والخلفية
عندما أقيمت السلطة الفلسطينية في منتصف عام 1994، كانت تفتقر إلى كادر بشري عال ومتوسط المستوى. كما كانت تفتقر إلى الخبرة في صياغة وتنفيذ السياسة، وفي التخطيط والإدارة العامة. وهذه العوائق كانت أشد مما هي عليه في المجتمعات المعاصرة التي تمر في مرحلة ما بعد الصراع. وهذه الخلفية لها معان كبرى بالنسبة لقدرة السلطة الفلسطينية على توفير خدمات فعالة ومؤثرة وتوفير البيئة القانونية والتنظيمية لتمكين المجتمع الحر والسوق الحرة. كما ولها عواقب جدية بالنسبة للبروز السريع للشفافية والمساءلة والعناصر الأخرى للحكم الصالح. لهذه الأسباب عمدت الأسرة الدولية المانحة إلى تكريس جزء كبير من مساعداتها المالية والتقنية منذ عام 1994 باتجاه تطوير الإدارة العامة الفلسطينية، والموظفين، والتخطيط، والإدارة المالية، والتشريع الاجتماعي، والتنظيم الاقتصادي، وتطبيق القانون.
لقد واجهت السلطة الفلسطينية مجموعة غير معهودة من العوائق في جهودها منذ عام 1994 لتطوير هذه الحقول. وليس أقل تلك العوائق غياب الكثير من المؤسسات العملياتية والنظم الإدارية التي تتطلبها حكومة حديثة، مما استوجب بناؤها من الصفر. وهذا بدوره يتطلب توفير مهارات جديدة تماماً ووصفاً جديدا للوظائف. وفي بعض الحالات كان هناك غموض واضطراب حيال الأدوار الدقيقة للبنى الجديدة وحيال علاقتها بالمؤسسات والنظم القائمة. إن أولويات وسياسات الأسرة الدولية المانحة واسرائيل لها تأثير كبير أيضاً على التطوير والتخطيط المؤسساتي، ويكون هذا التأثير سلبياً أحياناً.
لقد تعقدت مهمة السلطة الفلسطينية بشكل خاص بسبب عاملين موضوعيين : الأول، افتقار السلطة إلى السيطرة على الوسائل الاقتصادية الرئيسية، وذلك بسبب سيطرة إسرائيل المادية على كل نقاط الخروج والدخول وأيضا بسبب بنود إطار أوسلو. وهذا جعل واردات الحكومة والدخل الوطني عرضة بشكل خاص أمام تذبذب العلاقات السياسية والأمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، الأمر الذي خلق صعوبات أمام القائمين على التخطيط. والعامل الثاني هو أن السلطة الفلسطينية مضطرة للعمل في منطقتين غير متجاورتين هما الضفة الغربية وقطاع غزة. وهاتان المنطقتان منفصلتان أيضاً عن القدس الشرقية التي هي مركز هام للنشاطات الاجتماعية والتجارية والثقافية الفلسطينية. كما أن الإجراءات الإسرائيلية التي تقيد التنقل داخل وبين الضفة الغربية وقطاع غزة تعرقل حركة موظفي السلطة الفلسطينية. وهذا بدوره ضاعف من صعوبة تكامل وتوحيد النظامين القانونيين المختلفين الساريي المفعول في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1948. كما عمل ضد توحيد الإجراءات والممارسات المؤسساتية داخل السلطة الفلسطينية. إن الصعوبات الشديدة في الحركة من منطقة لأخرى قد أجبرت معظم الوزارات والهيئات على إقامة فروع مماثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، الأمر الذي زاد من كمية الملفات والازدواجية والإجراءات الإدارية بشكل عام.

3) إدارة القطاع العام : الإدارة العامة، والأفراد، والتخطيط
السياق

تشمل الإدارة العامة العناصر الرئيسية الثلاثة التالية : التنظيم، الأشخاص، المهام. العنصر الأول من هذه العناصر يتعلق ببنية الإدارة العامة وبتنوعها الوظيفي. ويتعلق العنصر الثاني بمعايير التوظيف والترقية وبتنمية الموارد البشرية. والعنصر الثالث يتعلق بتخطيط وتنسيق العنصرين السابقين فيما بين مؤسسات السلطة الفلسطينية ككل. كما يشتمل العنصر الثالث أيضا على المفاهيم القطاعية لتوفير الموارد الضرورية، ولتوفير الأطر اللازمة لتمكين عمل البنية التحتية، والاقتصاد، والمالية، والخدمات الاجتماعية.
لقد ورثت السلطة الفلسطينية إرثا مؤسساتيا متباينا وأحيانا متناقضاً من الإدارة المدنية الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية. فمن الناحية الإيجابية، تولت السلطة الفلسطينية السيطرة على الإدارة العامة القائمة والتي يشغلها عدد كبير من العاملين المدنيين المحليين ذوي الخبرة، الأمر الذي أتاح لها ضمان توصيل الخدمات في قطاعات معينة، ولا سيما التعليم والصحة، بسرعة وسهولة نسبية. وكذلك، فقد ورثت السلطة الفلسطينية إجراءات عملياتية في حقول مختلفة وقواعد ونظم داخلية للادارة العامة. وقد جلب كادر منظمة التحرير الفلسطينية معه المهارات والمسؤولية السياسية اللازمة لصهر المؤسسات العامة ضمن نظام حكومي موحد والتعامل مع الدول المانحة والمؤسسات الدولية. وقد جلب أيضاً الخبرة الضرورية لبناء قوة شرطة جديدة لتحقيق متطلبات حفظ القانون والنظام.
ومن الناحية السلبية، فإن البنى التنظيمية والممارسات المؤسساتية الموروثة كثيرا ما أعاقت الاتصال الأفقي والمشاركة في المعلومات، والاستشارة والتقييم العموديين بين الرؤساء والمرؤوسين واستقلالية الدوائر، ولا سيما في صياغة السياسة وصنع القرار. إن القليل فقط من موظفي الإدارة المدنية السابقين كانوا يتمتعون بمهارات إدارية على مستوى عال، لأن كل المناصب العليا تقريبا كان يحتلها في السابق ضباط إسرائيليون. وتمتع الكادر الفلسطيني المحلي بخبرة قليلة فقط في صياغة السياسة، وصنع القرار، والتخطيط، بل أنه استثني تماما في السابق من مجالات معينة في الإدارة العامة. وعلى العكس من ذلك، فإن كادر منظمة التحرير الفلسطينية كان يمتلك الخبرة السياسية على مستوى عال، ولكنه حظي بتدريب قليل فحسب، بل لم يتدرب قط، في الإدارة العامة. وكلا الجانبين تعود على العمل من أعلى إلى أسفل وبنظم سلطوية في الإدارة، مع مجال قليل للاستشارة أو المساءلة من قبل الجمهور العام.
مع هذا الإرث المؤسساتي، اضطرت السلطة الفلسطينية إلى استيعاب عدد كبير من موظفي الإدارة المدنية السابقة وكادر منظمة التحرير الفلسطينية. وفي الحالة الأولى كان ذلك بطلب من إسرائيل أدرج في اتفاقية القاهرة عام 1994، استوجب على السلطة الفلسطينية أن تحتفظ بجميع موظفي الإدارة المدنية. وفي الحالة الثانية كان ذلك بسبب الحاجة السياسية لتلبية توقعات الأفراد العائدين مع منظمة التحرير الفلسطينية والذين شعروا أنهم مؤهلين للتمتع بالأمن الوظيفي والمكانة بعد سنوات من الصعاب والتضحيات. و يقدر أن 85% من الكادر الأمني والمدني على ملاك السلطة الفلسطينية والبالغ 75 ألفاً مع نهاية عام 1996، يعتبرون من ارث الإدارة المدنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أو ما يقارب 65% من العاملين في القطاع العام في نهاية عام 1998 والبالغين ما يزيد عن 100.000 . إن هذا الرقم يمثل 15% من مجموع القوة العاملة، أو ربع القوة العاملة النشطة، ولكن بإضافة موظفي الحكم المحلي و الموظفين في المشاريع الممولة من المانحين يصل الرقم الكلي إلى 125.000. وباستخدام التوظيف في القطاع العام كوسيلة لتخفيف البطالة، فإن النتيجة الكلية هي تضخم خطير في الوظائف وترهل مؤسساتي وخدمات عامة متدنية النوعية، وانخفاض في نسبة الفعالية مقابل الكلفة. 

كشف المؤسسات
إن الإدارة العامة، كما حددت أعلاه، تشمل عدداً كبيراً من المؤسسات العملياتية. والأكثر أهمية في هذا السياق هو المؤسسات التي تمارس الوظائف والتأثيرات في مختلف أنحاء السلطة الفلسطينية. وتشمل هذه المؤسسات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وزارة المالية، ديوان الموظفين العام، هيئة الرقابة العامة، المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار، دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية، ووزارة الحكم المحلي. وعلى الرغم من كون مكتب مجلس الوزراء ليس مؤسسة عملياتية، إلا أنه يمكن أن يلعب دوراً متنامياً ومفيداً في تنسيق إصلاح القطاع العام وعمل الحكومة بشكل عام.

4) الإدارة العامة 
الإنجازات

منذ تدشينها عام 1994 نجحت السلطة الفلسطينية في استلام وتشغيل الإدارة المدنية الإسرائيلية. وبهذا تكون قد عمدت إلى توسيع وتنويع وتحديث كبير لبنية وقدرات ومهام الدوائر والشعب المختلفة. وينطبق الأمر ذاته على الخدمات التي تقدمها السلطة، وخاصة أن المنطقة الواقعة تحت ولايتها المدنية قد زادت في نفس الفترة لتشمل 95% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء سكان شرقي القدس. وهذا تطلب استحداثاً كبيراً للمؤسسات، حيث أن هيئات جديدة قد أقيمت لمعالجة حاجات ومسؤوليات أوسع بكثير من السابق. وكان أهم هذه المؤسسات تلك التي ذكرت أعلاه، ولكن من الأمثلة الأخرى عليها سلطة البيئة الفلسطينية، سلطة المناطق الصناعية الفلسطينية، سلطة المياه، وسلطة الطاقة.
وفي الوقت ذاته، استوعبت السلطة الفلسطينية منظمات غير حكومية كبرى كانت تعمل في السابق خارج إطار الإدارة المدنية الإسرائيلية، مثل مجالس التعليم العالي والإسكان والصحة. فقد تم استيعاب بعض هذه المنظمات تماماً في بنى الوزارات الفلسطينية ذات الصلة، في حين حصلت منظمات أخرى على وضع شبه غير حكومي وتقوم بالتنسيق مع منظمات نظيرة لها في السلطة الفلسطينية ومع منظمات أخرى غير حكومية والأسرة الدولية المانحة. وعلاوة على ذلك، فإن السلطة الفلسطينية أقامت عدداً إضافيا من المنظمات شبه غير الحكومية للقيام بمهام جديدة بشكل تعاوني مماثل، مثل مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية والأكاديمية العليا للبحث العلمي والمجلس الطبي وغيرها.
وبابتدائها بتعريف أولي غير مكتمل للبنى والمهام التنظيمية ، قامت السلطة بمبادرات معينة لإصلاح وعقلنة إدارتها العامة. وقد لعبت الأسرة الدولية المانحة دوراً كبيراً في هذا الصدد، حيث تقوم "مجموعة العمل القطاعي للبناء المؤسساتي" التابعة لها بالتنسيق مع نظيرتها "مجموعة العمل في الإدارة العامة" داخل السلطة الفلسطينية. وتتمثل في مجموعة العمل ست مؤسسات رئيسية للسلطة الفلسطينية (وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وزارة المالية، هيئة الرقابة العامة، مكتب مجلس الوزراء، والمركز الوطني للإدارة العامة). وفي آب/ أغسطس 1997 قدم هذا الفريق استراتيجيته الأولى للتنمية القطاعية كمساهمة في خطة التنمية الفلسطينية لعام 1998 - 2000.
وقد تزايد النشاط في هذا المجال مع إيجاد وحدة تطوير الإدارة العامة، ومع قرار الرئيس عرفات في حزيران/ يونيه 1998 بتشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح القطاع العام. ويفترض أن تقوم وحدة تطوير الإدارة العامة بتقديم مساهمتها السنوية إلى خطة التنمية الفلسطينية من خلال اللجنة الوزارية.

التحديات
إن إنشاء إدارة عامة متنوعة وواسعة بين عشية وضحاها ومن نقطة بداية متواضعة عام 1994، قد أدى إلى عدة مشاكل يبرز الكثير منها لدى كل المؤسسات الحكومية في أي مكان في العالم. والأكثر وضوحاً بهذا الصدد هو الازدواجية البارزة في المؤسسات والمهام والتشرذم الناجم عن ذلك في الإدارة العامة ككل. وهذا يعود جزئياً إلى أن الحاجة الفورية إلى بناء مؤسسات عملياتية، تستطيع الاستمرار أو البدء بتقديم الخدمات، لدى تدشين السلطة الفلسطينية، قد أدت إلى أن بعض هذه المؤسسات قد بني حول أفراد، الأمر الذي أدى إلى تشابك وتكرار الوظائف.
لقد أحرز الكثير من الوزارات والهيئات تقدماً كبيراً منذ تولي السلطة الفلسطينية لمسؤولياتها، ولكن المنافسات الشخصية والبيروقراطية معاً شجعت على اختلاق الأعمال والمهام من أجل تبرير استمرار وجود مؤسسات أو دوائر معينة وجلب الموارد إليها. إن إنشاء كل مؤسسة من المؤسسات الجديدة قد أوجد حاجة إضافية إلى المكاتب والسيارات وأجهزة الحاسوب ونظم الاتصالات والمعدات الأخرى، الأمر الذي زاد من التكلفة الكلية على حساب الميزانيات العملياتية، وهي ميزانيات صغيرة بالأساس.
إن السلطة التنفيذية للسلطة الفلسطينية غير معتادة، على وجه العموم، على الإدارة العامة. ولهذا، فإنها لا تدرك غالبا أهمية الوضوح والتمييز، ومن ثم التنسيق، فيما بين المؤسسات العامة. إن وضع القوانين على الورق لا يضمن أن يعرف المسؤولون والموظفون الحكوميون وعاملوا القطاع الحكومي هذه القوانين أو كيفية تطبيقها.
ونتيجة لذلك، فإن تحديد المهام وتوزيع المسؤوليات يبقى غير واضح في بعض الحالات. إن العلاقة بين وزارة الداخلية ووزارة الحكم المحلي والبلديات تقدم مثالاً على حالة التشابك والارتباك المستمر . وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار) والبلديات مسؤولة عن معظم مشاريع البنى التحتية العامة، ولكن وزارة الأشغال العامة التي لا وظيفة لها تقريبا لا تزال قائمة. يضاف إلى ذلك أن دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية تشرف على تنفيذ المشاريع في مخيمات اللاجئين بالنيابة عن "بكدار"، ولكنها ليست مسؤولة رسمياً أمام السلطة الفلسطينية.
وقد قامت بعض الدول المانحة، وبدون قصد، بمضاعفة المشكلة في بعض الحالات وذلك بتجاوز خطط التنمية القطاعية والتعامل مع مؤسسات السلطة الاجتماعية بشكل ثنائي. وهذا يعكس، جزئياً، الأجندة التنموية والسياسية الداخلية للمانحين. كما أنه ينجم جزئياً، أيضاً، عن المنافسة بين هؤلاء المانحين، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ائتلافات متنافسة مع مؤسسات السلطة الفلسطينية النظيرة لها. ويعكس هذا أيضاً رغبة المانحين في تنفيذ الأعمال الموكلة إليهم، الأمر الذي يعني محاباة مؤسسات السلطة التي لديها إنجازات منظورة. 
ولكن، تفضيل مؤسسات على أخرى لتلقي دعم المانحين قد أدى أحياناً إلى تنمية مؤسساتية مشوهة، وذلك بمحاباة مؤسسات يتزعمها أشخاص أقوياء سياسياً أو أكثر فعالية في ممارسة الضغوط. وفي حالات معينة، تم الانحراف عن الأولويات نتيجة حجب الموارد عن المؤسسات الضعيفة الأداء، رغم أنها قد تكون بحاجة أكبر إلى الاستثمار. ومن العواقب الأخرى غير المقصودة لهذا الوضع تشويه التنمية القطاعية أحياناً، لأن القطاعات التي تحظى بالمحاباة تتلقى نصيباً كبيراً غير متناسب من صناديق المانحين بالإضافة إلى المساعدة التقنية، في حين أن القطاعات الأخرى تحظى بتمويل ودعم دون المستوى المطلوب.
وعلى وجه العموم، فإن تكاثر المؤسسات يشير إلى غموض أهداف السياسة الفلسطينية، وغياب أو تضارب السياسات التنموية، وتضارب تفسير السياسات، وتنازع الصلاحيات، وغياب التخطيط. وهذا أدى إلى ازدواجية كبيرة انعكست في أداء مؤسسات مختلفة لمهام متماثلة وفي خلط التخصصات في المؤسسة الواحدة. كما أدى إلى تشويه البنية التنظيمية، حيث انعكس ذلك في عدم التوازن في الحجم والموارد بين الوزارات والهيئات المختلفة وبين المستويات الإدارية المختلفة في كل منها. وبالتالي، فإن بعضها أكبر من اللزوم وبعضها أصغر من اللزوم قياسا بالمهام الموكلة إليها وبالمستفيدين المقصودين.
إن الطبيعة المسيّسة جداً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى المشاكل الإنشائية التي تعاني منها الإدارة العامة الحديثة العهد، قد أدت إلى تركز واضح لعملية صنع القرار بأيدي الوزراء ورؤساء الهيئات، ناهيك عن ميل قوي نحو العلاقات الفوقية. وينبغي القول، إنصافا، أنه لا يجدر الحكم على السلطة الفلسطينية قياسا بمدى المشاركة الأوسع في الإدارة، وهي مشاركة تعجز عن تلبيتها كثير من الحكومات ذات السيادة ، أو تتصادم مباشرة مع الأنماط المحلية من ممارسة السلطة. ولكن العلاقات الفوقية المبالغ فيها قد أضعفت التشاور الداخلي حول الأولويات والسياسات. 
لم تخف العلاقات الفوقية الانقسامات القائمة بين الداخل والخارج، أي بين "العائدين" وبين العاملين المحليين في الخدمة المدنية، والذين لديهم مفاهيم مؤسساتية مختلفة حول التشاور والانفتاح. والنتيجة العامة كانت إعاقة تحديد الأغراض والأهداف، وتقليص تدفق المعلومات داخل وبين المؤسسات العملياتية، وإحباط تقييم الأداء وتقديم الاقتراحات لمراجعة السياسات والإجراءات.
وهناك مشكلة موازية تكمن في ميل الوزراء ورؤساء الهيئات للالتفاف على الوكلاء والمدراء العامين ورؤساء الدوائر والمديرين الآخرين في المستويات الوسيطة. إن التدخل الانتقائي قد يكون ضرورياً وحتى فاعلاً عندما تكون المخططات الهيكلية غير مناسبة أو لا تزال تحت التطوير، أو عندما لا يتوفر الكادر ذو الخبرة الملائمة. ولكن هذا يؤدي إلى نزع الصلاحيات عن المدراء الوسيطين وإلى تقليل الاستفادة منهم، في الوقت الذي يترك فيه الموظفون الصغار في حالة ارتباك بشأن المهام التي من المفترض أن يؤدوها.
ومن العواقب الأخرى التشديد على الولاء الشخصي، والاتصال المزدوج والالتفاف على القنوات السليمة، والتنافس البيروقراطي، الأمر الذي يؤدي إلى تغييب الثقة وإحباط المعنويات في بعض الحالات. إن الخطوط الغامضة للمسؤولية والتفويض الضئيل للصلاحية قد قلص من الاستقلالية، في الوقت الذي أدى فيه إلى تجزيء سلبي للدوائر والشعب فاقم من ازدواجية المهام.
وهناك مشكلة أخرى ذات صلة ألا وهي ضعف تدفق المعلومات والمشاركة الضئيلة في الاطلاع عليها بسبب ضعف العلاقات الأفقية داخل وبين المؤسسات العملياتية. وكذلك، فإن البنية الإدارية الموروثة تعيق الاتصال الأفقي والمشاركة في المعلومات، في الوقت الذي تؤدي فيه الصعوبة البالغة للانتقال بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مفاقمة مشكلتي التطور المؤسساتي المتباين وتدني الفعالية .
ولكن هذا لا يبرر جهل معظم مؤسسات السلطة الفلسطينية بخطط التنمية القطاعية، وخاصة غرض ونشاطات مجموعة العمل للإدارة العامة. كما أنه لا يفسر تدني حجم التداول في داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية للدراسات والتقارير السابقة، بما في ذلك تلك التي أعدتها الأسرة الدولية المانحة، على الرغم من سهولة الحصول على أغلبها. وهذا يعود جزئياً إلى النظرة التي ترى في نظم الاتصالات مجرد معدات وليس تنظيما وعوامل بشرية. وكذلك يعود أحياناً إلى استخدام المعلومات، كالبيانات الإحصائية، كمصدر قوة يمنح أو يحجب، بناء على حالة العلاقات الشخصية أو البيروقراطية بين رؤساء المؤسسات المعنية.
إن شيوع الحوافز للتنافس في بناء المؤسسات وللحصول على الموارد، يشير إلى تركيز غير ملائم على المدخلات وعدم إيلاء اهتمام كاف للناتج. والمحصلة العامة ستكون تدني الإنتاجية ومن ثم تدني الفعالية وارتفاع كلفة الخدمات. إن تعقيد وغموض الإجراءات الحكومية يسهمان في هذا الوضع، وكذلك الافتقار إلى مؤشرات قياس الأداء. ويرتبط ما سبق بالنظرة السائدة لدى الموظفين الحكوميين في كثير من البلدان، ومفادها أن تبني مؤشرات قياس الأداء والإنتاجية سيؤدي بالضرورة إلى تقييم سلبي.
وفي الختام، فإن التحدي الأساسي الذي يواجه السلطة الفلسطينية في هذا السياق هو تحويل إدارتها العامة من مجموعة من الأجزاء المنفصلة وأحيانا المتنافسة إلى كل واحد متكامل. ويبدو أن هناك إقرارا متزايداً داخل السلطة الفلسطينية بهذه الحاجة، ولكن على الصعيد العملي، فإن كثيرا من الوزراء والمسؤولين المدنيين الكبار يولون الانشغال في السياق السياسي الآني الأولوية على حساب الانشغال في التطوير المؤسساتي الطويل الأجل. إن الإدراك أن الأسرة الدولية المانحة ستتحمل كلفة تطوير الإدارة العامة هو عامل تثبيط آخر للسلطة الفلسطينية عن القيام بالتزام سياسي جاد تجاه هذه الأولوية. 
وبالتالي، فإن التقدم سيكون بطيئاً، حيث أن خطة الإدارة العامة لا تزال تفتقر إلى تفويض لا لبس فيه. وإن تشكيل اللجنة الوزارية لإصلاح القطاع العام قد أسهم إلى حد ما في معالجة هذه المشكلة على المستوى الشمولي، ولكن تبقى هناك هوة مستمرة في تعيين المسؤولية العملياتية على المستوى التفصيلي. ويضاف إلى ذلك أن وحدة تطوير الإدارة العامة المفترض إلحاقها بمكتب المجلس الوزاري لا تعمل، رغم التصريحات التي تؤكد مساهمتها في خطة التنمية الفلسطينية. 

التوصيات 

  1. ينبغي إصدار قوانين تأسيس تحدد الصلاحيات والمهام والوصف الوظيفي لجميع الوزارات والهيئات، ريثما يتم الإعلان عن القانون الأساسي أو أية وثيقة دستورية أخرى.
  2. ينبغي إجراء مراجعة عامة للإدارة العامة بغرض تبسيط بنيتها الشاملة وتقليص عدد الوزارات والهيئات بشكل عام.
  3. ينبغي تطبيق مجموعة الإصلاحات التي أوصت بها مجموعة الإدارة العامة في السلطة الفلسطينية، ودون تأخير.
  4. ينبغي تخويل مكتب مجلس الوزراء واللجنة الوزارية لإصلاح القطاع العام ووحدة التطوير الإداري الفلسطينية الإشراف على تنفيذ خطة تطوير مؤسساتية رسمية، مع المساعدة التقنية من قبل مجموعات متعددة القطاعات من الخبراء المستمدين من الوزارات والهيئات المعنية.
  5. ينبغي أن تكون اللوائح والقواعد والنظم الداخلية متاحة لاطلاع جميع موظفي القطاع العام، وينبغي تطبيقها دون اعتبار للروابط الشخصية والانتماء السياسي أو الاعتبارات التجارية.

5) الموظفون
الإنجازات

لقد عملت السلطة الفلسطينية بنجاح على إدراج كل سجلات الموظفين والشؤون المتصلة تحت هيئتين اثنتين، هما : ديوان الموظفين العام بالنسبة إلى العاملين المدنيين، ومديرية التنظيم والإدارة بالنسبة لأفراد الشرطة. كما وضعت السلطة الفلسطينية قانون الخدمة المدنية الجديد، والذي أحرز تقدما ملموسا في إرساء الخطوط الواضحة العقلانية لضبط عمليات التوظيف، والترقيات، والرواتب، وشروط الخدمة الأخرى. وإذا ما طبق هذا القانون بالشكل المناسب، فإن من شأنه أن يعزز اعتماد معايير ومقاييس الكفاءة والفاعلية عند التوظيف وفي تقرير العدد والتوزيع الوظائفي للعاملين داخل أية مؤسسة تابعة للسلطة الفلسطينية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية اتخذت خطوات لتحسين تنمية الموارد البشرية داخل الإدارة العامة. يعمل مجلس الوزراء ووزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية لتطوير برامج التدريب وبناء المؤسسات لمختلف قطاعات السلطة الفلسطينية. وفي الفترة الاخيرة، فإن المركز الوطني للإدارة العامة، والذي تشكل أصلاً بدعم من المانحين الدوليين داخل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، قد تحول أخيرا إلى "مديرية تنمية الموارد البشرية" وألحق بديوان الموظفين العام. وقد أدت الجهود السابقة، المدعومة من قبل المانحين الدوليين، إلى التأسيس لمفاهيم تنمية الموارد البشرية مثل "وحدات تطوير التدريب" و "نقاط التركيز" في الوزارات. وهذه وفرت نشوء شبكة جنينية لتنمية الموارد البشرية في السلطة الفلسطينية.

التحديات
تعاني السلطة الفلسطينية من عدة نقائص خطيرة فيما يتعلق بالموظفين. وهذه لها أثر عكسي واضح على القدرة المؤسساتية الحالية والأداء، ولها آثار مترتبة على نوعية وفعالية الناتج وعلى توفير الخدمات في المستقبل.
ولعل أكبر المشاكل تكمن في الحجم الكلي للتوظيف في القطاع العام، والذي يعتقد أنه تجاوز 100.000 في عام 1998 أو 125.000 بحساب موظفي الحكم المحلي والعاملين في المشاريع الممولة من المانحين الذين لا يظهرون في سجلات ديوان الموظفين العام التابع للسلطة الفلسطينية. ولقد استمر التوسع في عدد الموظفين على الرغم من تعهدات السلطة الفلسطينية للأسرة الدولية المانحة بعكس ذلك. وهذا يعود جزئياً إلى الالتزام بوراثة كادر الإدارة المدنية السابقة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن كان بوسع السلطة الفلسطينية أن تتبنى بعض السياسات البديلة التي نوقشت من قبل أطراف مختلفة بهدف تشجيع الموظفين على التقاعد المبكر أو القبول بهبات تتيح الانطلاق بالعمل الحر والمشاريع المدرة للدخل. إن المستويات المرتفعة من البطالة، والتي تفاقمت بسبب إغلاقات الحدود والإجراءات الإسرائيلية الأخرى التي أثرت على سوق العمل الفلسطيني، هي سبب أخر لتوسع القطاع العام.
إن الاعتبارات السياسية الداخلية والقصور البيروقراطي هما أيضا المسؤولان، وعلى قدم المساواة، عن الزيادة غير المضبوطة وأحيانا العشوائية في عدد موظفي السلطة الفلسطينية. فتكاثر الوزارات وازدواجية المهام أديا إلى ممارسة ضغط متواصل لزيادة التوظيف. إن الأصول والقواعد الرسمية للتوظيف والترقية موجودة، ولكن لا يتم التقيد بها. وهكذا، فإن الممارسة الحقيقية تختلف من وزارة أو هيئة لأخرى. 
ومما يبعث على القلق أيضا أن أنماط التوظيف والترقية كثيرا ما قد شوهتها الاعتبارات الشخصية والسياسية والعلاقات المميزة لبعض المسؤولين الكبار، مما يشكل انتهاكا لقانون الخدمة المدنية. وهذا يحدث على حساب معايير الكفاءة أو أي تعريف للمهام والحاجات المؤسساتية والقيود التي تفرضها الميزانية. ولقد أصبحت صلاحية التوظيف أو التعيين مصدراً واسع الانتشار لكسب النفوذ السياسي وشكلاً من الزبائنية العامة. ولقد استخدمت مؤسسات معينة في مثل هذه الحالات لاستيعاب الأعداد المتضخمة من الأفراد، الذين وضعوا على ملاكاتها. ويحصل هذا أحياناً بسبب الهوة في الرواتب ما بين الخدمة المدنية والشرطة. من الطبيعي أن تسير هذه الممارسات جنباً إلى جنب مع المتابعة والمراقبة الضعيفتين ومع غياب المساءلة.
إن غياب أو عدم اعتماد المعايير والإرشادات التوظيفية الواضحة التي تحدد حاجات المؤسسات العملياتية المعنية إلى العاملين قد ترك بعض الوزارات والهيئات متخمة بالموظفين، بينما ترك مؤسسات أخرى تفتقر إلى الموظفين من كفاءات ودرجات معينة. ويعتمد التوظيف إلى حد كبير على العلاقات السياسية وقوة الشخصية التي يتمتع بها رؤساء المؤسسات المعنية، وعلى درجة اهتمام المانحين الدوليين في تعزيز الممارسة الصحيحة في مؤسسات معينة. ولعل الأخطر من ذلك هو تضخم المستويات العليا والانكماش المتماثل في المستويات المتوسطة والدنيا، الأمر الذي يؤدي إلى إدارة عامة مثقلة من الأعلى. وهذا يعود، جزئياً، إلى أن السلطة الفلسطينية قد لبت توقعات الأفراد العائدين لمنظمة التحرير الفلسطينية بتحقيق مرتبة ومكانة تلائمان المنصب السابق وتعوضان عن الصعاب من خلال منح عدد غير متناسب من التعيينات الكبرى. وقد حدث هذا بغض النظر عن القابلية الوظيفية للأفراد المعنيين أو الحاجة الحقيقية والقدرة الاستيعابية لدى المؤسسات التي تعينوا فيها.
لقد أدت النماذج المذكورة أعلاه للتوظيف إلى منافسات بين موظفي الخدمة المدنية والعاملين الذين جاءوا بواسطة التعيين السياسي في المراتب العليا. وقد كانت المنافسات بوجه خاص بين وكلاء الوزارات والعدد الكبير من المديرين العامين والمديرين. إن الشعور العام بأن العوامل الشخصية والسياسية قد لعبت دوراً هاماً في التعيينات قد أدى إلى زيادة حدة الاستياء من توزيع المناصب والموارد والامتيازات المرافقة لها بين الموظفين المدنيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ، وكذلك بين أبناء "الداخل" و "العائدين" أو القادمين من "الخارج". وهذا يشير إلى عيوب في النظام الفلسطيني للإدارة والتوجهات السلبية في الثقافة المؤسساتية الناشئة. 
ويعود الانحراف أيضاً إلى الاختلاف البارز في الرواتب. فالرواتب الأساسية لها معايير موحدة، ولكن العلاوات الوظيفية تزيد بما يعادل 10-235% من الراتب الأساسي، لتشكل حوالي 75% من مجموع الراتب. ولأن منح العلاوات كثيرا ما يخضع لموقف المسؤولين ولا يتبع نظاما ثابتاً يرتبط بأداء الوظيفة، فإنه يؤدي إلى معاملة تتصف بالمحاباة والتحيز بين الموظفين. وفي الحقيقة، فإن الكثيرين على ملاك السلطة الفلسطينية يعملون في النشاط السياسي، وليس لديهم مهام واضحة أو وصف وظيفي رسمي.
وفي الوقت ذاته، فإن السلطة الفلسطينية تقدم رواتباً بمستويات أدنى، على وجه العموم، مما هو في القطاع الخاص،
وهكذا، فإن حتى المراتب العليا ليست جذابة للأفراد ذوي الكفاءات المتقدمة. فمتوسط رواتب الخدمة المدنية يعادل 500 دولار شهرياً، علما أن الرواتب تتراوح ما بين 250-1500 دولار، وذلك في وضع اقتصادي يصل فيه معدل تكاليف المعيشة إلى 700 دولار شهريا. ولهذا، فإن الموظف المؤهل يميل لأن يكون على ملاك المشاريع الممولة من المانحين ولا يتوجه إلى القطاع العام، الأمر الذي يحرم السلطة الفلسطينية من الخبرات التراكمية لهؤلاء.
وهناك اعتراف متنام في داخل السلطة الفلسطينية بالحاجة إلى تنمية الموارد البشرية من أجل ضمان الفاعلية والتأثير في توصيل الخدمات. وبالمثل، هناك اهتمام متزايد بقيمة وأثر التدريب على دور وحاجات الخدمة المدنية. ولكن القدرة الذاتية على تحويل هذا الاعتراف إلى تغييرات فعلية في الممارسة والثقافة المؤسساتية مفقودة غالبا. يبدو أن برامج التدريب ليست موجهة جيداً أو أنه لا يتم اختيار المرشحين الملائمين وفق معايير واضحة ومناسبة.
لقد بذلت الأسرة الدولية المانحة من جهتها جهوداً متواصلة للمساعدة في التنمية البشرية، ولكن "برنامج المساعدة التقنية" لم يحقق النجاح الكافي. وهذا يعود جزئياً إلى غلبة المانحين في توجيه البرنامج وإلى عدم تحديد الغايات والوسائل بطرق تضمن تطبيقه لفترة متواصلة. وعلى العكس من ذلك، فإن هنالك ضرورة واضحة لتقوم السلطة الفلسطينية بالتخطيط لحاجاتها الخاصة بشكل أوسع وأكثر فعالية، وذلك لضبط وتحديد أولويات التدريب في قطاعات معينة.
وفي الختام، فإن التوسع غير المسيطر عليه في التوظيف العام يجعل السلطة تعتمد بشكل كبير جداً على مساعدة المانحين الدوليين، كما يجعلها تتأثر أكثر بتقلب العلاقات مع إسرائيل التي تسيطر على تحويلات الواردات إلى السلطة، تلك الواردات التي تشكل 40% من نفقات رواتب السلطة. والآثار المترتبة على ذلك خطيرة بشكل خاص فيما يتعلق باحتياجات صندوق التقاعد في المستقبل،والمتوقع له أن يبلغ 2 بليون دولار للخدمة المدنية الحالية. وإن ضم وكالة الغوث إلى ملاك السلطة في نهاية المطاف فإنه سيزيد عددا كبيرا من العاملين ومسؤولية مالية رئيسية جديدة. والمشكلة الأساسية تبقى مدى توفر الإرادة السياسية لدى الفرع التنفيذي في السلطة ولدى المساهمين الآخرين لاتخاذ قرار حاسم ومبكر.

التوصيات 

 

  1. كل البنود الواردة في قانون الخدمة المدنية الجديدة، ما عدا المتعلقة بالرواتب، ينبغي أن تطبق فورا. كما ينبغي وضع هيكل وظيفي مركزي موحد للضفة الغربية وقطاع غزة. 
  2. التوظيف في الخدمة المدنية ينبغي أن يتم ويصادق عليه من قبل المسؤولين المخولين والمؤسسات المعنية فحسب، وأن يخضع للتدقيق من هيئة مركزية ومستقلة ملائمة.
  3. ينبغي أن تدرج شؤون الموظفين في الخدمة المدنية تحت مسؤولية ديوان الموظفين العام.
  4. لا بد من تنفيذ برنامج يتم فيه مراجعة التوظيف في الوزارات الرئيسية، وأن يغطي ذلك عدد ومستوى الوظائف والمهارات والخبرات المتطلبة لملء هذه الوظائف.
  5. المركز الوطني للإدارة العامة، والمرتبط الآن بديوان الموظفين العام، والمسؤول عن تنمية الموارد البشرية في مختلف أنحاء الإدارة العامة، ينبغي أن تعاد إليه الحيوية مع تمكينه من التخطيط وتحديد الأولويات للاحتياجات التدريبية.
  6. ينبغي أن تدرج ميزانية الرواتب للخدمة المدنية تحت مسؤولية وزارة المالية فقط.
  7. ينبغي مراجعة وتقليص الهوة في سلم الرواتب بين الخدمة المدنية والشرطة.
  8. ينبغي التخطيط لتحقيق تكامل سلم الرواتب وشؤون الموظفين الأخرىحين يتم ضم وكالة الغوث في نهاية المطاف.

6) التخطيط
الإنجازات

مثل التخطيط أحد التحديات الكبرى التي واجهت السلطة الفلسطينية الحديثة العهد، وهو أيضا أحد إنجازاتها الكبرى حتى الآن. فالإدارة المدنية الإسرائيلية لم تورث قدرة حقيقية على التخطيط، علما أن الدائرة الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية نشرت في أيلول/ سبتمبر 1993خطة التنمية الفلسطينية للفترة 1994-2000 ، وهي حصيلة جهد أربع سنوات. لقد تم تجاوز الخطة لاحقا، ولكنها مكنت منظمة التحرير الفلسطينية في حينه من تنسيق تقديرها للحاجات الاجتماعية والاقتصادية في المرحلة الانتقالية مع البنك الدولي، ومن تأمين زيادة في المساعدة التي تم التعهد بها من قبل المؤتمر الأول للمانحين الدوليين لتصل 2.4 بليون دولار للسنوات الخمس اللاحقة.
لقد فرض برنامج المساعدة الدولية حاجاته الخاصة. وفي البداية أقامت منظمة التحرير الفلسطينية المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار) لتلقي وتنسيق المساعدة الدولية. ومنذ ذلك الحين أخذت وزارة التخطيط والتعاون الدولي تتقلد المسؤولية الشاملة عن تنسيق المساعدة والتخطيط في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهي تتولى إما أمانة السر أو الرئاسة في كل مجموعات العمل القطاعية التي شكلت مع آليات التنسيق التابعة للأسرة الدولية المانحة. وتعتبر بكدار هي الوكالة الرئيسية لدى السلطة الفلسطينية التي تراقب تنفيذ المشاريع الممولة من قبل المانحين. وقد حققت بكدار سجلا جيدا في مجال الشفافية والمساءلة في هذا الدور.
لقد أظهرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والسلطة الفلسطينية بشكل عام، قدرة متزايدة على التخطيط وعلى تحديد الأولويات. وقد أظهرت خطة التنمية الفلسطينية 1998-2000 تحسناً ملحوظا بالمقارنة مع الخطط السابقة، فيما يتعلق بالقدرة الذاتية على تشخيص الحاجات والتخطيط لها لمختلف قطاعات السلطة الفلسطينية. وقد حققت وزارة التخطيط والتعاون الدولي ملكية الفلسطينيين للعملية التخطيطية، وذلك بإعداد خطة التنمية الفلسطينية 2000-2004 دون مساعدة خارجية. كما عملت على صياغة خطة الاستثمار العامة الفلسطينية لتنسيق وتوجيه المساعدة الدولية وحفز الطاقة المحلية. وهذه تبقى ممولة من المانحين في الدرجة الأولى، ولكن تشتمل ميزانية السلطة الفلسطينية على مساهمة محلية متواضعة في الخطة ولأول مرة في عام 1999.
لقد أدرجت وزارة التخطيط والتعاون الدولي مفهوماً قطاعياً ضمن وصف مهامها، وشكلت وحدات قطاعية لتنسيق تحليل الاحتياجات وللتخطيط وتحديد الأولويات مع الوزارات والهيئات ذات الصلة في كل حالة. كما شكلت وحدة تخطيط شمولية تابعة لها. وكذلك، فقد بدأت وزارة التخطيط والتعاون الدولي بإعطاء اهتمام أكبر لبنية وحاجات الإدارة العامة.
وعلاوة على ذلك، فإنه مع الحصول على ولاية مدنية أوسع وسيطرة إقليمية أكبر، بدأت هيئات السلطة الفلسطينية العاملة على نطاق مناطقي أوسع، مثل سلطة المياه وسلطة الطاقة، بالتخطيط لحاجات الضفة الغربية وقطاع غزة ككل. وقد استفادت كل هذه الجهود من إسهام وزارات وهيئات أخرى في السلطة الفلسطينية، أبرزها وزارة المالية ودائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية. وهذه الأخيرة حازت على سمعة حسنة بفضل نوعية المعلومات التي تجمعها، وقد ملأت الثغرة الواسعة التي خلفتها الإدارة المدنية الإسرائيلية في مجال البيانات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة والتي يسهل الحصول عليها.

التحديات
لقد حصل تقدم مستمر في التخطيط الفلسطيني منذ عام 1994، ولكن من الضروري تحسينه في بعض الجوانب الرئيسية. فأولاً وقبل كل شيء، هناك حاجة لرؤية شمولية سواء للأهداف الاقتصادية والاجتماعية الوطنية أو للشكل والحجم المرغوب بهما للإدارة العامة. إن التصريح بالالتزام بمبادئ السوق الحرة والديمقراطية والحكم الصالح، كما جاء في البيانات الرسمية للسلطة الفلسطينية أو في مقدمة خطة التنمية الفلسطينية، يستحق الثناء، ولكنه لا يكفي بحد ذاته لتحديد الأهداف الوسيطة أو الاستراتيجيات والآليات المناسبة. غير أن تحديد الرؤية الشمولية يتطلب المصادقة والقيادة السياسية. وهكذا، فإنه يترتب على مجلس الوزراء والمجلس التشريعي أن يدخلا في نقاش مستمر مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي وأن لا يبخلا بالإشراف والمراجعة.
وعلاوة على ذلك، فإن الرؤية الشمولية تتطلب تطوير المزيد من القدرة التحليلية الاقتصادية الشمولية، على الرغم من إحراز بعض التقدم في وزارة التخطيط والتعاون الدولي بهذا الصدد. ولعل زيادة الوضوح والانضباط سوف تتحقق مع نمو المدخل الفلسطيني المحلي في خطة الاستثمار العام الفلسطينية، ولهذا يجب أن يبقى هدفاً واضحاً. إن خطة التنمية الفلسطينية لا بد وأن ترتبط بخطة إنفاق سنوية يجري تحديثها باستمرار. بل وينبغي أن يكون التشديد على التخطيط، كقدرة وعملية متواصلة، أكثر من أن يكون على الخطة ذاتها كنتيجة ثابتة. وهذا بدوره يتطلب تطوير قدرات تخطيطية أكبر داخل الوزارات والهيئات. 
ويتطلب تحديد الأولويات تشديداً أكثر انتظاما على التخطيط القطاعي. وقد أحرزت وزارة التخطيط والتعاون الدولي تقدماً كبيراً فيما يتعلق بنمط عملها الداخلي بهذا الصدد، ولكن تبقى هناك حاجة إلى إيجاد مجموعات عمل لكل قطاع تتألف من الوحدات القطاعية ذات الصلة في وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية والوزارات والهيئات المعنية مباشرة. وهناك حاجة لتحديد الأدوار والمسؤوليات في توفير البنية التحتية العامة بشكل أكثر وضوحاً، وذلك من أجل ضمان تقسيم أكثر فعالية للعمل بين الوزارات والهيئات الرئيسية، والسلطات الإقليمية، والبلديات.
لقد شكلت السلطة الفلسطينية مجموعات عمل مؤلفة من ممثلي الوزارات والهيئات ذات الصلة في بعض القطاعات، ولكنها تفتقر حتى الآن إلى التفويض ولا تشكل بديلاً عن وحدات التخطيط والتنسيق المتعددة الأطراف في كل قطاع. وعلاوة على ذلك، فإن التنسيق الضعيف بين الجناحين المنفصلين لوزارة التخطيط والتعاون الدولي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يمكن أن ينعكس سلباً على تكامل مجموعات العمل القطاعية إذا لم تتم معالجته.
يتطلب تحسين المفهوم القطاعي بدوره تحسينات في القدرة على تحليل البيانات الإحصائية، ونظاماً أكثر فعالية لتنظيم تدفق المعلومات بينالوزارات والهيئات، وتكاملاً أكثر فعالية، عموديا وأفقيا على حد سواء، للحاجات والمهام داخل كل قطاع. وكمثال على ذلك، فإن وزارة التخطيط والتعاون الدولي ودائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية والمركز الجغرافي الفلسطيني، وبعض السلطات الإقليمية وهيئات المنافع العامة والبلديات، تقوم بتطوير نظم معلومات جغرافية مستقلة عن بعضها البعض حسب مواصفات متباينة.
لا تزال المساعدة الدولية هي المصدر الأساسي لتمويل مشاريع البنية التحتية الفلسطينية في القطاعات المختلفة. وعلى المانحين الدوليين أيضا ممارسة انضباط أشد في تحويل إجراءات الموافقة على المشاريع وتمويلها من خلال آليات التنسيق المركزية مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي. إن البنية التنسيقية لا تزال تلعب دورا حيويا، ولكنها باتت معقدة بالنسبة للحاجة الحالية ولا بد من تبسيطها. ومن جهتها، تعاني وزارة التخطيط والتعاون الدولي من ازدواجية في المهام إذ تشمل العلاقة الدولية، وينبغي أن تستعد لتحويل بعض وظائفها إلى وزارة مستحدثة للشؤون الخارجية في نهاية المطاف.
إن قيام وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتحديد الأولويات هو أمر هام أيضاً لأن قسطا متزايدا من المساعدة الدولية هو الآن بشكل قروض وضمانات أكثر من كونه هبات، ولهذا يتوجب على السلطة الفلسطينية أن تأخذ بعين الاعتبار آثار الديون ومتطلبات خدمة الديون في المستقبل. وهذا يؤكد من جانبه على أهمية ضمان تكامل وتزامن أوثق بين عمليات التخطيط ووضع الميزانية من قبل وزارتي التخطيط والتعاون الدولي والمالية. ولا بد وأن تشترك هاتان الوزارتان في نظام موحد ينبغي أن تضعه السلطة الفلسطينية لتعقب تدفقات رأس المال الخارجية والالتزامات المترتبة عليها.
وفي الختام، فإن افتقار السلطة الفلسطينية إلى السيطرة على الأدوات الاقتصادية والحدود ينطبق أيضاً على كثير من الدول ذات السيادة، فلا يلغي الحاجة إلى التخطيط، وتحديد الأدوار المؤسساتية، وزيادة الفاعلية والتأثير في استخدام الموارد المتاحة. وهذا يكتسب إلحاحا خاصاً على ضوء التزايد الضخم المتوقع في حاجات قطاعات المواصلات والمياه والخدمات الاجتماعية (الصحة والتعليم) خلال 10-15 سنة قادمة، وعلى ضوء أنه في نهاية المطاف ستتسلم السلطة الفلسطينية أو من يخلفها المسؤوليات التي تتحملها الآن وكالة الغوث الدولية.

التوصيات 

 

  1. هناك حاجة لهيئة تخطيط فلسطينية واحدة، (وهذا دور تقوم به حاليا وزارة التخطيط والتعاون الدولي) بحيث تتمتع هذه الهيئة بتفويض لا منازع عليه في عملية التخطيط. ولكي تقوم بدورها على أكمل وجه، ينبغي أن تحظى هذه الهيئة بدعم سياسي من مجلس الوزراء والمجلس التشريعي.
  2. ينبغي أن تقود وزارة التخطيط والتعاون الدولي مجموعات عمل قطاعية تمثل "التكتلات" المعنية من الوزارات والهيئات.
  3. ينبغي لمجموعات العمل القطاعية أن تحدد أولويات المشاريع وأن تصيغ أيضا أهدافا واستراتيجيات قطاعية واقعية.
  4. ينبغي التأكيد على كون وزارة التخطيط والتعاون الدولي هي حلقة الوصل لكل الوزارات والهيئات التي تتقدم بطلبات المساعدة الدولية.
  5. ينبغي أن يتم توضيح تقسيم المسؤوليات ما بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية فيما يتعلق بإدارة الإنفاق العام.
  6. ينبغي تطبيق خطة التنمية الفلسطينية كخطة إنفاق سنوية يتم تحديثها باستمرار. وعلى كل وزارة أن تطور خطة متواصلة لمدة خمس سنوات، تحدد حاجاتها وأولوياتها واستراتيجياتها ونفقاتها.
  7. ينبغي أن يعير التخطيط اهتماما خاصا للزيادات المتوقعة في الطلب على الخدمات والبنية التحتية العامة نتيجة للنمو السكاني وللتطور الاجتماعي والاقتصادي وللتكنولوجيا وأنماط التجارة المتغيرة في الأسواق العالمية.
  8. ينبغي تحسين المشاركة والتشاور والتنسيق فيما يتعلق بأنظمة وموارد التكنولوجيا المعلوماتية في مختلف جهات الإدارة العامة.
  9. ينبغي تحقيق توحيد وتكامل فرعي وزارة التخطيط والتعاون الدولي المنفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

7) المالية العامة
السياق

لقد تقلدت السلطة الفلسطينية المسؤولية عن المالية العامة لدى تأسيسها عام 1994. والمصادر الأساسية لواردات السلطة هي الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة في الضفة الغربية وقطاع غزة والواردات التي تحول إلى السلطة من إسرائيل حسب اتفاقية العلاقات الاقتصادية (بروتوكول باريس) عام 1994. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأسرة الدولية المانحة صرفت 2.5 بليون دولار من المساعدة (1994-1998 ) ومعظمها للاستثمار العام والبناء المؤسساتي. والسلطة الفلسطينية لم تتلق هذه المساعدة مباشرة ولم تتصرف بها باستثناء 212 مليون دولار وصلت كدعم للميزانية و 35 مليون دولار لمشاريع خلق الوظائف من خلال "صندوق هولست".
كانت هذه إجراءات طارئة فرضتها إغلاقات الحدود. ورغم ذلك، فإن السلطة الفلسطينية لا توفر كل الخدمات الاجتماعية الأساسية، بل تقوم وكالة الغوث ومنظمات غير حكومية مختلفة بتوفير جزء منها، وغالبا بتمويل من الخارج.
إن المشاكل البنيوية الرئيسية التي تعترض المالية العامة للسلطة الفلسطينية هي اعتمادها الكبير على تحويل إسرائيل للواردات إليها وضعفها أمام عوامل "خارجية" غير مؤاتية. فهناك أساسا الإغلاقات الإسرائيلية للحدود، والسوق المحلية الصغيرة، ونسبة النمو السكاني المرتفعة التي تصل إلى 3.5-4% سنوياً. فقد أدى مثلا حصاران إسرائيليان شديدان وكاملان على حركة البضائع والعمال إلى تباطؤ النمو الحقيقي لإجمالي الناتج بنسبة 2% عام 1997. كما أن تهريب البضائع المستوردة من قبل إسرائيل إلى الأسواق الفلسطينية يعني خسارة إضافية للدخل من الرسوم الجمركية التي تعود إلى السلطة الفلسطينية.
في مواجهة هذه التحديات اضطرت السلطة الفلسطينية إلى بذل جهد كبير لتطوير القدرة المؤسساتية في مجال المالية العامة. وهذا ينطبق على جمع الضرائب، إعداد الميزانية، التدقيق، وصياغة الأطر التنظيمية والقانونية. إن صندوق النقد الدولي هو النظير الخارجي الأساسي والوكالة المراقبة ومصدر التدريب والمساعدة التقنية في هذا المجال.
ترتب على السلطة الفلسطينية أن تبني وزارتها الجديدة للمالية من الصفر تقريبا. وبقيامها بذلك ورثت السلطة الفلسطينية إرثا مختلطاً. فمن جهة، استوعبت الموظفين والإجراءات العملية والقواعد المالية للإدارة المدنية الإسرائيلية. ومن جهة أخرى، أخذت موظفيها الكبار وكثيراً من ثقافتها المؤسساتية من الصندوق القومي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية والإدارة المالية لحركة فتح. ولم يكن لأية جهة منهما خبرة في إعداد الميزانية العامة ولا في إخضاعها للنقاش والمراجعة من قبل الهيئات العامة. فالحكم العسكري والإدارة المدنية أشرفا على ميزانية جارية حتى عام 1994 لم تطرأ عليها زيادة منذ عام 1967، ودون حصة هامة للاستثمار العام. وأخيرا ورثت السلطة الفلسطينية أيضاً جمهوراً فلسطينياً لا يثق مطلقا بنظام الضرائب المطبق في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ومعتادا على عدم كشف الدخل الكامل وعلى اعتبار أن التهرب من الضريبة واجبا وطنيا.
إن الممارسات المالية قد تطورت على ضوء كثير من الضغوط السياسية الداخلية والخارجية، التي تعرض لها مجلس وزراء السلطة الفلسطينية. وقد تأثرت هذه العملية بحقيقة أن المجلس التشريعي ما زال في طور التعلم في مجال مناقشة شؤون المالية والميزانية. ويعتبر تعدد المصادر القانونية عامل تعقيد إضافي، علما أن هنالك تقاطعا كافيا للقيام بإعداد ميزانية عامة سليمة ومتفق عليها لتطبيق إجراءات إدارية وتنظيمية في مختلف جهات السلطة الفلسطينية.

كشف المؤسسات 
مؤسسات السلطة الفلسطينية التي تتعامل مع المالية العامة هي وزارة المالية وسلطة النقد الفلسطينية وهيئة الرقابة العامة، التي تقوم بالتدقيق الخارجي. يشترك ديوان الموظفين العام جزئياً في هذه العملية من حيث دفعه الرواتب لموظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وإدارته التوظيف المدني لدى السلطة الفلسطينية عموما. وتتأثر الواردات والمصاريف العامة عمليا بمؤسستين إضافيتين: إحداهما الاحتكارات العامة وشبه الاحتكارات للاستيراد التي تدر عوائد لا تدخل حسابات وزارة المالية والتي يسيطر عليها مكتب الرئيس بدلا من ذلك. والثاني مكتب الرئيس ذاته، الذي صرف 6-12% من الميزانية العامة في السنوات المتعاقبة، دون تدقيق، بالإضافة إلى الواردات غير المرئية التي يتصرف بها.

الإنجازات
إن الإنجاز الأكبر لوزارة المالية منذ عام 1994 كان الزيادة في جمع الواردات. وقد بلغت هذه الزيادة ثلاثة أضعاف ووصلت إلى 25% من إجمالي الناتج المحلي في عام 1998، الأمر الذي أتاح توسعاً ضرورياً ومتوقعاً في التوظيف العام عندما تولت السلطة الفلسطينية مسؤولية أكبر في توفير الخدمات الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة . تمكنت السلطة الفلسطينية من الإبقاء على المصاريف المتكررة ضمن السقف الذي وضعته وزارة المالية ومن ضبط العجز المتكرر حتى عام 1998، عندما حصلت زيادة غير متوقعة في الجانبين، بل وحصل ارتفاع بسيط في الواردات على الرغم من إصابة الاقتصاد بالكساد في عام 1997، مما أدى إلى فائض في عام 1998 أتاح للسلطة الفلسطينية بالتعهد بإسهام متواضع بخطة الاستثمار العامة لعام 1999.
ولقد لعب التحسن الذي طرأ على الإدارة الضريبية دوراً ملموسا في هذا النجاح. ونتج هذا عن التطبيق المبكر لبرنامج تسوية المتأخرات الضريبية، والشروط التنفيذية المحسنة، وتوفر الكادر المؤهل، وإدراج الحاسوب في نظام الإدارة، وتسجيل أكثر فعالية لدافعي الضرائب. بفضل التدريب والتعامل الإيجابي مع دافعي الضرائب، زادت وزارة المالية من الالتزام بدفع الضريبة حتى بلغت نسبة 70%. وعلاوة على ذلك، فقد شغلت السلطة الفلسطينية نظام الفاتورة الموحدة ونظام تصريف فعال للواردات مع إسرائيل منذ البداية. وفي الآونة الأخيرة زاد التحول من الاستيراد غير المباشر إلى الاستيراد المباشر عن طريق إسرائيل من واردات السلطة الفلسطينية من الجمارك والرسوم المفروضة على البضائع المتوجهة إلى الأسواق الفلسطينية.
وكذلك، عمدت وزارة المالية إلى صياغة أو تعديل عدد من الآليات التنظيمية والقانونية. وشمل ذلك تحسين إعداد الميزانية وتطوير النظام الحكومي للمعلومات والإدارة المالية الذي يضع مخططاً موحدا للحسابات لاستخدامه في العمليات المالية للمؤسسات، وإدخال نظام متكامل لمعالجة الواردات، وكذلك أعمال التدقيق الداخلي. وقد أصبحت وظائف وضع الميزانية والتدقيق لوزارة المالية تعمل بشكل تام، موفرة إطارا إجرائيا وتنظيميا قابلاً للتطبيق في جميع المؤسسات العملياتية التابعة للسلطة الفلسطينية جميعها.
تمت الموافقة على قانون الموازنة العامة في منتصف عام 1998. وفي تشرين ثاني/نوفمبر دخل إلى حيز التنفيذ قانون جديد للوازم ووضع شروطا رسمية ومعايير جديدة. ومن المفترض أن يضمن قانون الخدمة المدنية الذي صدر في وقت مبكر من ذلك العام نقل السيطرة على الرواتب إلى وزارة المالية، وأن يوفر انضباطا أعلى في التوظيف في القطاع العام. وقد عملت وزارة المالية على تعديل قانون الاستثمار وقانون ضريبة الدخل وقانون الشركات وغيرها من القوانين الضرورية للسوق الحرة. ومن المتوقع أن يعمل قانون سلطة النقد الفلسطينية الذي أقر عام 1997، وقانون البنوك الجديد، على تنظيم ومراقبة المصارف.

التحديات
في الوقت الذي أحرزت فيه مؤسسات السلطة الفلسطينية ذات العلاقة تقدماً بارزاً في جباية الواردات، فإن أداءها في إدارة الإنفاق كشف عن مدى الحاجة إلى التحسن. وجميع هذه المؤسسات لا زالت بحاجة إلى معدات وتدريب، وتوفير بيئات تنظيمية رسمية تحدد صلاحيتها وتخولها. وهذا يمتد ليشمل وضع الميزانية وإجراء الحسابات والقيام بالتدقيق، وله آثار على القدرة على التنبؤ ومواجهة الاعباء المالية المستقبلية.
وهناك حاجة كبيرة في الأجل المتوسط إلى ميزانية شاملة ومتكاملة ضمن الإطار الاقتصادي الشمولي وإطار الإنفاق العام. وقد حققت وزارة المالية تقدما في تطوير الأساليب المنهجية لإجراء التخصيصات المفصلة في الميزانية ولإجراءات المحاسبة، ولكن لم تطبق جميع الوزارات هذه الأمور حتى الآن.
وفي نيسان/إبريل 1999 قدمت وزارة المالية ولأول مرة كشفا عاما للمجلس التشريعي يشمل كل الواردات، وخاصة المساعدة الدولية والدخل المتأتي من الاحتكارات العامة، وكافة المصاريف، بما في ذلك كل الاستثمار العام. ولكن بقي ذلك بياناً مالياً سنوياً أكثر منه خطة، وظل يفتقر إلى التفصيل والتحديد لجميع الأهداف وبنود الإنفاق. ولقد أخفقت السلطة التنفيذية منذ ذلك الحين في تقديم ميزانية رسمية إلى المجلس التشريعي، والتي حان موعد تسليمها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1998. 
هناك حاجة ملحة لدمج كل الحسابات تحت إشراف وزارة المالية، وأن تتلقى الوزارة كافة الواردات العامة. وهذا ينطبق بشكل خاص على احتكارات الاستيراد وشبه الاحتكارات والمشاريع الأخرى التي تدار من قبل السلطة الفلسطينية أو لصالحها. وقد قدر صندوق النقد الدولي الدخل الذي تم تحويله إلى خارج حساب وزارة المالية في عام 1997 بأنه يمثل 25% من مجموع الواردات العامة. وتحويل هذه الواردات إلى حسابات خارج سيطرة وزارة المالية جعلها تواجه مشكلة سيولة، مما اضطرها إلى الاقتراض محليا ومراكمة المتأخرات. وفي نهاية 1988 وصل الدين الداخلي إلى 93 مليون دولار والمتأخرات إلى 79 مليون دولار.
إن الوضع المتعلق بالاحتكارات يوضح الحاجة إلى الشفافية والمساءلة والتشريع لضمان المنافسة. والسلطة الفلسطينية تشعر بالحاجة إلى تأمين قاعدة وارداتها نظرا إلى التأخيرات الماضية وتعليق تحويل الواردات إليها من قبل إسرائيل. وهي ترى الحاجة كذلك إلى توفير رأس مال للمشاريع وفتح الطريق أمام الاستثمار الخاص في سوق تشكو من القلق السياسي والتدني في نسبة المردود الاقتصادي. ولكن هذا ينبغي أن لا يمنع السلطة الفلسطينية من الإيفاء بالتزامها الرسمي عام 1996 بتشكيل مجالس إدارة للاحتكارات وجعل وارداتها تحت سيطرة وزارة المالية، حتى وإن امتنعت عن الإيفاء بوعد خصخصتها.
وهناك حاجة ملحة مماثلة لتطبيق أنظمة وقواعد لدى مختلف جهات السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالإدارة المالية السليمة. إن النظام الحكومي للمعلومات وللإدارة المالية لم يطبق بعد، والتقدم ظل بطيئاً في تطبيق قانون الميزانية الأساسي. وبالمثل، فإن عملية توحيد سياسات الجمارك والإنفاق بين الضفة الغربية وقطاع غزة قد تمت المصادقة عليها ولكن ذلك بقي دون تنفيذ. والممارسة المتعلقة بالمنافسة على العقود والعطاءات تختلف بشكل واسع من وزارة أو هيئة لأخرى. وذات الشيء ينطبق على وضع الميزانيات والتدقيق، حيث أن الممارسة في السلطة الفلسطينية متقلبة وغير ثابتة.
وعلى صلة أخرى بما سبق، فإن آليات تشجيع موظفي الخدمة المدنية على كشف سوء استخدام الامتياز المالي غير موجودة، وليس هناك من آليات لحمايتهم في حالة الكشف عن ذلك أو اعتراضهم على تعليمات غير قانونية. وصناديق التقاعد تم استخدامها لأغراض أخرى دون محاسبة سليمة، ودون تأمين الحاجة المستقبلية بطرق بديلة. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على وزارة المالية أن تصيغ نظام عقوبات رسمي للتعاطي مع التجاوزات، بدلا من الوضع الحالي، حيث يتم التصرف فقط بعد وقوع المخالفة.
وفي الحقيقة، فإن الحاجة إلى تحسين المساءلة شاملة. فوزارة المالية ليست لها سيطرة على تطبيق القواعد والنظم المركزية من قبل الوزارات والهيئات. ودائرة المراقبة الداخلية التابعة لها تغطي الخدمة المدنية في الضفة الغربية فقط. والوزارات والهيئات لديها على وجه العموم بعض المقدرة على المراقبة الداخلية، ولكن ليس هناك من تدفق منتظم للمعلومات إلى هيئة المراقبة الخارجية للسلطة الفلسطينية، أي هيئة الرقابة العامة. 
وهذه الهيئة لديها مهمة واسعة أكثر من اللازم حاليا، ولكنها في الوقت ذاته غير مخولة بإجراء التدقيق حسب مواعيد منتظمة أو لنشر النتائج التي تتوصل إليها. فهي تستجيب مباشرة للرئيس، الذي يقرر إذا كانت ستتم عملية التدقيق ومتى. وهذه الهيئة غير مسؤولة عن تدقيق الشرطة، التي تدقق فقط من قبل دائرة التدقيق الداخلي التابعة لوزارة المالية. ومكتب الرئيس لا يخضع للتدقيق على الإطلاق. وينبغي على هيئة الرقابة العامة الحصول على وضع مستقل وأن تخضع للمساءلة أمام المجلس التشريعي.
وبغية تحقيق إدارة مالية أفضل، لا بد وأن يتم نقل السيطرة على رواتب القطاع العام وبشكل كامل إلى وزارة المالية. ولا بد لهذه الوزارة من ممارسة مراقبة فعالة على التوظيف، الأمر الذي يؤدي إلى كبح جماح التوسع العشوائي للقطاع العام والذي يفرض مشاكل كبيرة على الاستقرار المالي المستقبلي، وخاصة لجهة توفير صناديق تقاعد كافية. إن تضخم عدد الموظفين يؤثر سلباً على معدل الرواتب والعلاوات في الخدمة المدنية ومن ثم يفاقم نقص الكادر المؤهل في الوظائف الهامة. كما يؤدي إلى تقليص نوعية الخدمات ويضر بنظرة الجمهور للعلاقة فيما بين مستوى الضرائب المدفوعة ومستوى المنافع العائدة منها.
وتتطلب هذه المشاكل اهتماماً ضرورياً أيضا بسبب الأعباء المتوقعة في المستقبل على ميزانيات السلطة الفلسطينية. إن النمو في التوظيف العام لم تصاحبه حتى الآن زيادة عامة في معدلات الرواتب، لكن هذا الوضع قد لا يكون قابلا للاستمرار. كما سيولد النمو السكاني ضغطا مستمرا على الحاجة لتوفير التعليم والصحة. يمكن أن تقلص السلطة الفلسطينية التكاليف من خلال تحويل المزيد من الخدمات للقطاع الخاص، ولكنها قد تضطر إلى استلام بعض الخدمات التي تمولها حاليا الدول المانحة أو التي توصلها المنظمات غير الحكومية. كما أن السلطة الفلسطينية أيضا قد تضطر في نهاية الأمر إلى تولي المسؤوليات والالتزامات المالية التي تتحملها وكالة الغوث الدولية حاليا.
إن العبء المالي المستقبلي يلقي مشكلة خاصة على عاتق السلطة الفلسطينية، لأنه من غير المحتمل أن تكرر جني نفس المكاسب السابقة التي حصلت عليها من خلال تحسين جباية الواردات بعد عام 1994. وستحتاج، وبشكل متزايد، إلى تقييد نفقاتها وتحديد أولوياتها. وحتى مع تمويل المانحين، فإن الاستثمار المالي للسلطة الفلسطينية في البنية التحتية متدن بالمقارنة مع إجمالي الناتج المحلي. وعندما تتحول السلطة الفلسطينية إلى الاقتراض، فإنها ستحتاج إلى إقامة وحدة إدارة الديون داخل وزارة المالية لتعقب التدفقات والالتزامات المالية.
ينبغي على السلطة الفلسطينية أيضاً أن تغير نسب توزيع جباية الواردات والإنفاق بين الإدارة المركزية والحكم المحلي، وذلك للتخفيف من العبء على المالية المركزية. فعلى سبيل المثال، ينبغي على السلطة تعديل نظام ضريبة الأملاك وأن تعهد بالمسؤولية عن جبايتها إلى السلطات البلدية.

التوصيات

 

  1. ينبغي أن تقوم السلطة التنفيذية بتقديم الميزانية العامة التي تعدها وزارة المالية للسلطة التشريعية لمناقشتها والمصادقة عليها حسب الموعد. وهذه الميزانية ينبغي أن تكشف كل الواردات والمصروفات العامة وأن تحتوي على تفصيل كامل للبندين.
  2. ينبغي الإفصاح عن كل الواردات العامة وأن تدرج في حساب واحد يتبع وزارة المالية.
  3. ينبغي أن تكون وزارة المالية قادرة على المراقبة والسيطرة على تنفيذ الميزانية.
  4. حال الموافقة عليها من قبل المجلس التشريعي، ينبغي أن تكون لوزارة المالية صلاحية الصرف حسب الميزانية العامة وبنودها المفصلة.
  5. إعداد ميزانية الرواتب العامة ينبغي أن تقوم به وزارة المالية بشكل كامل من أجل ضمان الفصل بين السيطرة المالية والإدارية.
  6. ينبغي أن تتقلد وزارة المالية مسؤولية الضبط والإدارة لصناديق تقاعد القطاع العام، وأن تقدم حسابا شفافيا بديون والتزامات الحكومة بشكل عام.
  7. الأطر التنظيمية والآليات التطبيقية التي بلورتها وزارة المالية لضمان ممارسة مالية سليمة في كافة أرجاء السلطة الفلسطينية ينبغي أن توضع موضع التنفيذ دون تأخير.
  8. ينبغي على السلطة الفلسطينية مركزة وتوحيد جميع وظائف التدقيق الحكومية تحت سيطرة هيئة الرقابة العامة، والتي ينبغي تخويلها أيضاً تدقيق مكتب الرئيس و الشرطة.
  9. ينبغي أن يكون لهيئة الرقابة العامة إطار محدد من القوانين والقواعد يتم بموجبها تدقيق القطاع العام، وينبغي أن تكون الهيئة مسؤولة أمام السلطة التشريعية. وإضافة إلى ذلك، لا بد من توفير نظام رسمي للعقوبات على المخالفات.
  10. ينبغي أن تطلب السلطة الفلسطينية من جميع الموظفين، في كل فروع الحكومة وفي الخدمة المدنية والشرطة على حد سواء، الإعلان عن مصالحهم التجارية الخاصة التي يمكن أن تؤثر على سلوكهم في أداء الواجبات العامة.
  11. يجب أن توفر السلطة الفلسطينية ضماناً رسمياً لحماية الموظفين الذين يقدمون التقارير عن الأمور المالية غير القانونية.
  12. ينبغي أن تقترح وزارة المالية الطرق الكفيلة بتقوية مهنة المحاسبة والتدقيق.
  13. ينبغي أن تقوم وزارة المالية بتوحيد كافة الضرائب في الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تدرجها في نظام محوسب .
  14. ينبغي أن تتم مركزة وتوحيد كافة الإعفاءات الضريبية تحت إشراف وزارة المالية.
  15. ينبغي أن تحول الحكومة المركزية مسؤولية جمع ضريبة الأملاك إلى الحكم المحلي، وينبغي أن تطالب السلطات البلدية مستخدمي خدماتها بدفع الأثمان الحقيقية لهذه الخدمات.
  16. ينبغي على وزارة المالية أن تدرس سبل معالجة الآثار المالية للضم النهائي لوكالة الغوث.

8) الخدمات الاجتماعية
السياق

إن الوزارات التي تقدم الخدمات الاجتماعية بما فيها الرعاية الصحية والتعليم، كانت من بين المؤسسات العملياتية الأولى التي بدأت العمل بعد إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994. وعلى الرغم من أنها لم تأخذ النصيب الأكبر من الميزانية العامة، إلا أنها وضعت السلطة الفلسطينية في علاقة مباشرة مع أكبر عدد من المستفيدين. كما أنها اعتمدت بشكل كبير على تحقيق مستويات عالية من القبول لدى المستفيدين. وفي الوقت ذاته، فإن الحجم الكبير لقطاعات الخدمات الاجتماعية يعني عموما أن السلطة الفلسطينية تعمل بالتوازي مع ثلاثة مزودين كبار لهذه الخدمات، وهم : وكالة الغوث الدولية، المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص. 
ولهذا، فإن من المهام الكبرى لوزارات السلطة الفلسطينية ذات الصلة تنظيم قطاعاتها والتنسيق مع المزودين الآخرين بالإضافة إلى توفير الخدمات النوعية بأسلوب فاعل ومؤثر بالمقارنة مع الكلفة.
إن قدرة وزارات الخدمات الاجتماعية للسلطة الفلسطينية على البدء بتوفير الخدمات بسرعة عادت بدرجة كبيرة إلى انتظام عملية استلام دوائر الإدارة المدنية الإسرائيلية، مع موظفيها ومرافقها ونظمها الإجرائية. ولكن هذا يعتبر إرثا مختلطاً، فالحكم العسكري الإسرائيلي لم يقم سوى بالمحافظة على البنية التحتية للخدمات الاجتماعية تقريبا عند المستوى الموروث من الإدارة الأردنية في الضفة الغربية والإدارة المصرية في قطاع غزة في حزيران/يونيه 1967، في الوقت الذي تضاعف فيه حجم السكان. إن كمية ونوعية الخدمات، وخاصة في مجالي التعليم والرعاية الصحية، قد أخفقت في مجاراة التقدم في البلدان العربية المجاورة في ذات الفترة. والدوائر ذات العلاقة في الإدارة المدنية لم تمتلك الصلاحية لصياغة خطط تنموية قطاعية. وكانت تفتقر إلى الخبرة في التخطيط ووضع الميزانيات، ولم تخول بالحصول على الإحصائيات الديمغرافية. وبالتالي، فإن التنسيق بين الحكم المحلي والمزودين غير الحكوميين كان ضعيفاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة الإسرائيلية على وضع المخططات الهيكلية واستخدام الأراضي العامة خارج حدود البلديات قد قيد بناء المرافق الجديدة.
تظهر محدودية توفير الخدمات العامة بقوة على ضوء حقيقة أنه مع عام 1993 كانت المنظمات غير الحكومية تقدم 60% من الرعاية الصحية الأولية في الضفة الغربية وشرقي القدس، و 50% من رعاية المستشفيات، و 100% من الرعاية للمعاقين. ونشاط هذه المؤسسات المتواصل كان حيوياً للمحافظة على خدمات اجتماعية كافية في ظل السلطة الفلسطينية. إن وجود المجالس الوطنية والمحلية المدعومة من منظمة التحرير الفلسطينية، التي عملت في ظل الاحتلال الإسرائيلي، كان عاملاً آخر ساعد وزارات الخدمات الاجتماعية على تولي مسؤولياتها بفعالية عام 1994. مثلا، وفر مجلس التعليم العالي هيئة تنسيق ومراقبة للجامعات التي أسست في الضفة الغربية في السبعينات باستقلالية عن الإدارة المدنية، وبالمثل، فإن مركز التخطيط والبحث التابع للمجلس الصحي قد أكمل العمل على وضع خطة وطنية للصحة قبل وجود السلطة الفلسطينية بوقت قصير.
لقد عملت وزارات الخدمات الاجتماعية أيضاً على دمج أو تكييف مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي توفر الخدمات إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الشتات. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مؤسسة الشؤون الاجتماعية لمنظمة التحرير (المعنية بأسر الشهداء والمعتقلين)، جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ودائرة شؤون اللاجئين. 
وقد تم تسهيل عمل هذه الوزارات بكون السلطة الفلسطينية تمارس ولاية مدنية كاملة على 95% من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ما عدا سكان شرقي القدس. فعملها يمتد عبر قطاع غزة ومناطق أ و ب في الضفة الغربية كما حددتها الاتفاقية المرحلية عام 1995. وحركة موظفي هذه الوزارات تتعرض للإعاقة فقط عندما يفرض الحكم العسكري إغلاقات محلية أو عامة للحدود.
إن شبه استحالة التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة يشكل إعاقة أكثر خطورة على العمل المنتظم. فهو يؤثر على التدريب المشترك والتفتيش والتشاور وتوحيد تقييم الأداء وتوحيد الإجراءات الإدارية وإعادة توزيع الموارد البشرية. إن الفصل الجغرافي قد اقتضى ازدواجية وظائف ومناصب إدارية معينة. والقيود الإسرائيلية على دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى شرقي القدس أثرت أيضاً على توفير الخدمات الاجتماعية. فالمدينة مثلا تحتوي على المستشفى الفلسطيني الوحيد الذي يقدم العناية المتخصصة وعلى بعض أفضل المستشفيات التي تقدم العناية الثانوية.
ونتيجة لهذه العوامل المختلفة، فإن وزارات الخدمات الاجتماعية قد اضطرت إلى أن تتوسع بسرعة وأن تكتسب بنى تنظيمية أكثر تعقيداً. وتقدم وزارة التربية والتعليم مثالاً جيداً على حجم التحديات، إذ ورثت ما مجموعه 12 موظفاً إداريا و 16.000 مدرس من الإدارة المدنية الإسرائيلية عام 1994، ولكن لديها الآن أكثر من 26.000 مدرس يعملون في حوالي 1.200 مدرسة، إلا أنها تكاد لا تقدر على مجاراة النمو السريع في عدد طلبة المدارس، وبقي عدد الموظفين الإداريين فيها دون المستوى المطلوب لتلبية المعايير الدولية للتعليم.
غير أن عوامل الكلفة قد قيدت هذا التوسع. فانخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي الجديد منذ 1994 يعني أن الرواتب الأساسية في الخدمة المدنية للسلطة الفلسطينية قد فقدت حوالي ثلث قيمتها وحوالي نصف قدرتها الشرائية. وكان هذا سببا لعدم الارتياح في قطاعات التعليم والصحة بشكل خاص، وأعاق إلى درجة كبيرة تطبيق التعديلات في سلم الرواتب بموجب قانون الخدمة المدنية الذي صودق عليه عام 1998. والكلفة حدت أيضاً من قدرة السلطة الفلسطينية على بناء غرف ومبان ومرافق طبية جديدة، رغم استمرار النقص فيها. وهناك تحد إضافي أخير محتمل يواجه السلطة الفلسطينية في هذا المجال، وهو توقع أن تتولى في نهاية الأمر المسؤولية عن الخدمات الموازية التي تقدمها حاليا وكالة الغوث الدولية و التي لها موظفوها وهيكلية إدارية منفصلة.

كشف المؤسسات 
هناك أربع مؤسسات رئيسية للسلطة الفلسطينية توفر الخدمات الاجتماعية إلى الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي : وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، ووزارة التربية والتعليم العالي. ووزارتا العمل والإسكان هما أيضاً على صلة بصياغة السياسة الاجتماعية و بتقديم الخدمات، ولكنهما تأتيان ضمن القسم الاقتصادي في هذا التقرير.

الإنجازات 

حققت وزارات الخدمات الاجتماعية بعض أبرز الإنجازات التي حققتها مؤسسات السلطة الفلسطينية. فوزارة التربية والتعليم، وهي أكبر وزارة في السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بعدد الموظفين والميزانية، أصبحت عاملة قبل يومين فقط من بدء العام الدراسي 1994-1995. وقد تمكنت في كثير من الأقضية على تقليص أحجام الصفوف أو عدد النوبات الدراسية في اليوم من ثلاث إلى اثنتين، علما بأن القيود على الاستثمار العام تهدد هذا الإنجاز.
لقد استطاعت وزارات الخدمات الاجتماعية على وجه العموم أن تصيغ وصف المهام، وتحدد الأهداف العاجلة، وتقيم هياكل إدارية واضحة ومناسبة، وتبني علاقات عملية مع وزارات وهيئات أخرى، ومع المنظمات غير الحكومية والمزودين في القطاع الخاص، ومع الأسرة الدولية المانحة. إن القوانين الأساسية التي أقامت وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم العالي وحددت صلاحياتهما، قد تمت المصادقة عليها، في حين أن وزارتي التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية تعملان على أساس القوانين المؤقتة بانتظار صدور تشريع خاص بها. وعلى العموم، فإن، وزارات الخدمات الاجتماعية حققت مستويات من التفويض واللامركزية تستحق الثناء. كما زادت من مقدرتها على جمع واستخدام الإحصائيات والبيانات الأخرى وعلى تطبيق الإرشادات حول التدقيق الداخلي وتقييم الأداء.
إن الهدف العام لوزارات الخدمات الاجتماعية هو تعزيز تطور المجتمع. وتسعى إلى تحقيق ذلك بتقوية الأمن الاجتماعي، ورفع مستويات المعيشة من خلال تقديم خدمات ذات نوعية عالية وبكلفة مقبولة يسهل الحصول عليها، وتنسيق وتنظيم إيصال الخدمات من قبل المزودين لها في كل قطاع، وتجنب الازدواجية لضمان الاستخدام الفعال للموارد. ولهذه الغاية، فإن وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي قد صاغت مشاريع خطط تنموية مفصلة وشاملة تغطي فترة خمس سنوات، لها أهداف واضحة طويلة الأجل، وأهداف واستراتيجيات عملياتية قصيرة الأجل. وهذه الخطط تشمل قوائم من النشاطات مع جداول زمنية للتنفيذ وتقديرات للكلفة.
لقد قامت وزارات الخدمات المدنية أيضا، مدعومة من المجلس الوزاري للسلطة والمجلس التشريعي، بتقديم مشاريع قوانين جديدة حيث يلزم لتوحيد القوانين والقواعد التي تحكم عمل كل المزودين للخدمات في قطاعاتهم المختصة. وتحقق بعض التقدم في توضيح الصلاحيات، الأمر الذي أصبح ضرورياً بسبب التوسع السريع في حجم هذه الوزارات. لقد ضاعفت وزارة الشؤون الاجتماعية من عدد موظفيها منذ نقل الولاية إلى السلطة الفلسطينية عام 1994، في حين أن وزارة التربية والتعليم قد زادت عدد موظفيها أكثر من ثلاثة أضعاف، أي من 2000 موظف إلى 7000 موظف حالياً. إن معظم هذه الزيادات كانت في الصفوف "الأمامية" ، أي المدرسين والعاملين في مجال الصحة، بالتوافق مع مؤسسات المانحين الدوليين.
وعلى الرغم من التوسع السريع والكبير في عدد الأفراد إلا أن التوظيف لدى وزارات الخدمات الاجتماعية لم يتأثر غالبا بالاعتبارات السياسية أو الشخصية. وعلاوة على ذلك، فإن إجراءات التقييم لهدف الترقية في وزارات الخدمات الاجتماعية تستند عموما إلى الأداء، مع بعض الفروقات. كما أولت وزارات الخدمات الاجتماعية اهتماماً كبيراً بتنمية الموارد البشرية. وتختلف الحاجات والفرص من وزارة إلى أ خرى، ولكن على وجه العموم هناك تشجيع لاستمرار تعليم الموظفين محليا وفي الخارج، بالإضافة إلى التدريب في خلال الخدمة. وتخطط وزارة الصحة لتأسيس كلية جامعية للصحة العامة كما عملت على تحويل مدرسة تأهيل الممرضين إلى كلية للتمريض تمنح شهادة البكالوريوس، على سبيل المثال.
وعلاوة على ذلك، فإن وزارات الخدمات الاجتماعية قامت بخطوات واسعة في مجال إدراج الحاسوب في عملياتها وفي رفع نسبة التعليم على أجهزة الحاسوب لدى موظفيها. فقد تم تدريب الطواقم على إدخال المعلومات، والعمل الميداني، والتحليل،علما بأن القدرة على التحليل الثانوي المتقدم تبقى محدودة. إن التقدم في إقامة نظم تستخدم أجهزة الحاسوب ونظم الإدارة المتكاملة لمعالجة شؤون الموظفين والمشتريات والمالية قد سرّع من عمليات الصرف إلى المستفيدين لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، مثلاً، وحسن التدقيق في كل وزارات الخدمات الاجتماعية.
لقد سارت عملية استخدام أجهزة الحاسوب جنباً إلى جنب مع الجهود لإدخال وتصنيف البيانات الإحصائية والقيام بالتحليل الثانوي والبحث الخادم للسياسة. فعلى سبيل المثال، تصدر وزارة الصحة تقريراً إحصائيا يحتوي على كافة المؤشرات الصحية والديمغرافية ذات العلاقة، وهي تعمل منذ 1995 على إنشاء نظام معلومات طموح للإدارة الصحية يقوم بجمع وتوزيع البيانات من خلال مراكز متصلة تعمل بواسطة الحاسوب. وبالمثل، فإن وزارة التربية والتعليم تحتفظ بقاعدة معلومات في الحاسوب وتعمل على إصدار كتاب سنوي إحصائي حول المؤسسات التعليمية والمؤشرات المتصلة بها. ومن جانبها، أقامت وزارة التربية والتعليم العالي الشبكة الأكاديمية الفلسطينية لربط كل مؤسسات التعليم العالي، وهي تنشر كتاباً سنوياً إحصائيا شاملاً حول التعليم العالي. إن مثل هذه النشاطات المتصلة بقواعد المعلومات وغيرها والتي تقوم بها وزارات الخدمات الاجتماعية تتم بالتعاون مع دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية.
يتم استخدام البحث الإحصائي أيضاً لضمان الوصول إلى أهداف نوعية. فوزارة الصحة، والتي توفر 33% من تكاليفها التشغيلية من خلال تقديم الخدمات مثل التأمين الصحي، تقوم بقياس ومراقبة منتظمين لنوعية العناية الصحية وتحسب تكاليف الخدمات التي تقدمها. ولدى هذه الوزارة لجنة تظلم دائمة لمعالجة الآراء والشكاوي من المستفيدين. وبالمثل، فإن وزارة التربية والتعليم العالي تطبق إجراءات موحدة لتقدير تكاليف التعليم العالي التي يتحملها دافعو الضرائب والمانحون الدوليون. وقد أقامت وزارة التربية والتعليم وحدة متخصصة لقياس ومراقبة وتحسين نوعية التعليم، ولكن ليس تكاليفه.
وكما يبين مثال التعاون مع دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية في مجال جمع البيانات الإحصائية وتوزيعها، فإن وزارات الخدمات الاجتماعية تقوم على نطاق واسع بالتعاون والتنسيق مع الوزارات والهيئات ومع المزودين الآخرين للخدمات في قطاعاتهم المختصة. فعلى سبيل المثال، تعاونت وزارة التربية والتعليم العالي مع وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل من أجل وضع خطة استراتيجية للتدريب المهني. وعملت أيضاً على برامج تدريب مع وزارة الزراعة. وبالاضافة إلى ذلك، فإن تنسيق وزارات الخدمات الاجتماعية مع وكالة الغوث الدولية يتسم بأهمية خاصة، إذا ما أخذنا بالاعتبار عدد المنتفعين من الوكالة من بين السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يمثل التعاون تغيراً أساسياً بالمقارنة مع الممارسة التي سادت قبل إقامة السلطة الفلسطينية، حيث أن العلاقات بين السلطات الإسرائيلية والمنظمات المحلية غير الحكومية كانت تتسم بالعداء وعدم الثقة. وبالمثل، فإن المنظمات غير الحكومية المنتمية إلى فصائل سياسية مختلفة نادراً ما تعاونت مع بعضها البعض، وقد نظرت في البداية إلى السلطة الفلسطينية بنوع من الشك. ولكن تم حالياً تشكيل عدة لجان وطنية تضم ممثلين لمنظمات حكومية وغير حكومية. وفي حالات معينة تم تطوير السياسات والاستراتيجيات من خلال النقاش العام. إن الخطة الخمسية لوزارة التربية والتعليم، والمنهاج المدرسي الجديد، قد تم تطويرهما من خلال ورشات العمل المفتوحة والفرق الوزارية المتعددة، التي شملت موظفي وزارة التربية والتعليم والمزودين غير الحكوميين للخدمات، والخبراء الخارجين، أي ما قوامه 1.700 شخص. 
تشمل اللجنة الوزارية العليا في وزارة الشؤون الاجتماعية رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية، وشبكة المنظمات الفلسطينية غير الحكومية، واللجنة المركزية للمعاقين، وهيئات أخرى تشترك في شؤون الصحة العامة وسياسة التنمية. وعلاوة على ذلك، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية توفر القيادة في برامج التقليل من حدة الفقر، وذلك بالتعاون مع مؤسسات السلطة الفلسطينية الأخرى، والمنظمات غير الحكومية، ووكالة الغوث الدولية. وذلك هناك مجلس جديد للصحة يجمع وزارة الصحة وممثلين لاتحادات المهن الطبية وغيرهم من المختصين. وكذلك، هناك مجموعة عمل جديدة للتخطيط الصحي تتألف من ممثلي المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، و وكالة الغوث الدولية، تعمل على تحديد الأولويات القطاعية وتطوير مقاييس كمية ونوعية لتقييم الأداء. وبدلا من إقامة مستوصفات طبية جديدة، قامت وزارة الصحة بنقل كثير من برامجها الخارجية إلى اتحاد من المنظمات غير الحكومية العاملة في المناطق الريفية. ومن جانبها، تشرف وزارة التربية والتعليم العالي على خمسة مجالس خارجية مع تمثيل حكومي وغير حكومي وهي : المجلس الاستشاري للتعليم العالي، مجلس البحث العلمي، مجلس رؤساء الجامعات، لجنة عمداء الكليات، والمجلس الأعلى للتسجيل والترخيص.

التحديات 
على الرغم من قيام وزارات الخدمات الاجتماعية بخطوات هامة، إلا أنها أبدت تقصيرا معينا أيضا. فتطبيق الأنظمة الموحدة للإجراءات الإدارية فيما يتعلق بالاقتناء والمحاسبة والتقييم وشؤون الموظفين لا زالت تختلف من وزارة أو دائرة لأخرى. إن غياب قوانين تأسيس لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، في الوقت الذي لم تتم فيه المصادقة بعد على القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، قد أدى إلى بعض التشابك غير الضروري في الوظائف. وهذا يشجع على اتخاذ القرارات الفردية التي يمكن أن تتجاوز الصلاحيات السليمة، مما يؤدي إلى ازدواجية مكلفة في مجالات معينة وإلى ثغرات في مجالات أخرى.
وعلاوة على ذلك، فإن وزارات الخدمات الاجتماعية قد ظلت تعاني من ثنائية الإطار القانوني والإداري الذي يجب أن تعمل من خلاله في الضفة الغربية وقطاع غزة . فوزارة التربية والتعليم مثلاً، ورثت منهجين دراسيين مختلفين، مع أنظمة متباينة لتدريب المدرسين والمشرفين وللامتحانات والشهادات. وهذا الوضع مكلف ويعقد عمل الوزارة، بالإضافة إلى أنه يجعل من الضروري وجود وكيلين لها. إن تبني المنهاج الدراسي الجديد والتطبيق الإسرائيلي لاتفاقية الممر الآمن، الذي يفترض أن يربط الضفة الغربية وقطاع غزة، لا بد وأن يسهلا العمل ويعززا الفاعلية.
لقد تأثرت وزارات الخدمات الاجتماعية بشدة بالأسلوب البطيء والمجزأ الذي من خلاله تمت الموافقة على ميزانيتها وصرفها. وحتى اليوم، لا يزال التصديق على الميزانية العامة يتأخر ثمانية شهور أو أكثر في السنة المالية، الأمر الذي يعيق تطبيق البرامج ويؤدي إلى تأخيرات متراكمة في السنوات المتلاحقة. ومن الخطورة بمكان أن الميزانيات لا تتوفر تلقائياً لوزارات الخدمات الاجتماعية، وفق الإجراء المالي الطبيعي، حتى بعد المصادقة عليها. وأحد أسباب ذلك هو تكرار مشاكل السيولة لدى وزارة المالية. السبب الآخر هو الممارسة الموروثة من منظمة التحرير الفلسطينية حيث يضطر وزراء السلطة الفلسطينية إلى التفاوض مجددا مع الرئيس، كل على حده، حول الحصة المخصصة من الميزانية من أجل الحصول على توقيعه للصرف، وبالتقسيط.
وتميل وزارات الخدمات الاجتماعية، إلى حد ما، إما إلى تضخم عدد موظفيها أو إلى نقص العدد. ويعود التضخم جزئيا إلى العوامل السياسية، بينما تعود حالات النقص أساسا إلى الصعوبة في اجتذاب العاملين المهنيين والتقنيين المؤهلين، نظرا إلى تدني الرواتب في وزارات الخدمات الاجتماعية. وهذا يقلل من تراكم المهارات التي تحصل عليها هذه الوزارات ويعيق السيرة الوظيفية للعاملين بالمراتب العليا.
إن لمشاكل الموظفين عواقب أخرى، مما يؤثر بدوره على النوعية العامة لتوفير الخدمات وعلى فعاليته بالمقارنة مع كلفته. فهناك المركزية الشديدة للنظام المالي في وزارات الخدمات الاجتماعية، كما هو الحال في مؤسسات السلطة الفلسطينية الأخرى، مع تفويض قليل للمسؤولية عن الميزانية والتقييد المترتب على ذلك لاستقلالية الدوائر. إن النقص في وجود كادر مؤهل، ولا سيما في مجالي البحوث والتوقعات المستقبلية المتقدمة، يعيق تقييم نوعية الخدمات وتقييم فعاليتها مقارنة بكلفتها. ويظهر موظفو الخدمة المدنية في السلطة الفلسطينية نفس القلق الذي يبديه الموظفون الحكوميون في كل مكان، من أن مؤشرات قياس الأداء تؤدي بالضرورة إلى تقييمات سلبية.
هناك حاجة أيضاً إلى تعاون أكثر اتساعاً وانتظاماً بين وزارات الخدمات الاجتماعية والمزودين الآخرين للخدمات، وكذلك مع المستفيدين. وعلى سبيل المثال، فإن البحث العلمي الذي تدعمه وزارة التربية والتعليم العالي لا يرتبط بشكل منتظم بعد بسياسة وطنية للبحث والتطوير أو بالجهود الفردية للمزودين الآخرين، سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص. ولا تقوم وزارة التربية والتعليم بالتشاور المنتظم مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، في حين أن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تتلقى التقييم الكافي من المستفيدين. إن الانقسامات داخل قطاع الصحة تعيق توفير الخدمات إلى الجماعات الهامشية كالبدو الرحل. 
ولا يقل أهمية عن ذلك تحقيق المزيد من التطوير للإطار القانوني والتنظيمي لتمكين المزودين بالخدمات من المنظمات غير الحكومية و القطاع الخاص من التنافس مباشرة على توصيل هذه الخدمات. وفي هذا السياق، فإن إخفاق المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية للسلطة الفلسطينية في الاتفاق على قانون جديد يحكم نشاط المنظمات غير الحكومية قد ترك ثغرة في الصفة والحماية القانونية لذلك القطاع. ويتجسد عائق إضافي أمام عمل المنظمات غير الحكومية في الإصرار على تسجيلها جميعا رسميا، الأمر الذي ترافق مع النزاع المستمر بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة العدل حول تولي مسؤولية تسجيل تلك المنظمات. 
لقد أدت هذه التقصيرات إلى إضعاف قدرة وزارات الخدمات الاجتماعية على القيام بالبحث وأيضا على استخدام بحوث الآخرين. إن المبادرات البحثية في مجال عمل وزارة الشؤون الاجتماعية، مثلاً، تأتي من معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية ومؤسسة البحوث التابعة لاتحاد النقابات المهنية النرويجية (فافو) ومؤسسات أخرى، أكثر مما تأتي من الوزارة. وعلى العموم، فإن وزارات الخدمات الاجتماعية تحتاج إلى مراكمة المعطيات الإحصائية على عدد من السنوات و إلى تدريب الأفراد على القيام بالتحليل المتعلق بالأداء والسياسة.
وهناك مجال يثير قلقا خاصا وهو تقسيم العمل وتنسيق توفير الخدمات بين وزارات الخدمات الاجتماعية وبين الحكم المحلي. فقد ورثت السلطة الفلسطينية ارثاً ضعيفاً أو معدوما في هذا الصدد من الإدارة المدنية الإسرائيلية. ولكن باستطاعة الحكم المحلي أن يدير وأن يوفر خدمات معينة، على أن يترك التخطيط القطاعي والجوانب التنظيمية لتقوم بها الوزارات. إن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى لامركزية أكبر، وتحسين نوعية وأداء الخدمات، وتقليص التكاليف، واستجابة أفضل لحاجات المستفيدين. ولكن لم تقم الحكومة المركزية حتى بتحويل المبالغ المقرة ضمن التشريع الحالي إلى الحكم المحلي، وبالتالي من المستبعد أن يقوم الحكم المحلي بالقبول بتولي المزيد من المسؤوليات. 
إن المشكلات والتقصيرات التي تعاني منها وزارات الخدمات الاجتماعية لا تخرج عن نطاق المعهود. غير أنها تزداد أهمية قياسا بالزيادة الكبيرة المتوقعة للطلب على الخدمات الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة في المستقبل المنظور. وهذا يعود إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني إلى نسبة 3.5-4%سنويا، وقد يضاف إلى ذلك تدفق عدد كبير من اللاجئين العائدين من المنفى أو الحركات السكانية بين الضفة الغربية وقطاع غزة. إن الظروف الاقتصادية والتكنولوجية المتغيرة محلياً ودولياً تتطلب قوة عاملة ذات مهارات ملائمة، في حين أن عملية التحضر والتصنيع تغير النمط الوظيفي والتوزيع الجغرافي لحاجات الرفاه الاجتماعي والرعاية الصحية. كما أن نقل الخدمات الاجتماعية التي تقدمها وكالة الغوث إلى السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف سوف يفرض زيادة كبيرة في العبء المالي.
إن توفير الإحصائيات الدقيقة والحديثة عن السكان من قبل دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية قد سمح لبعض وزارات الخدمات الاجتماعية بإعداد تقديرات تقريبية للحاجات المستقبلية للخدمات، ولكن الأساليب المنهجية لوضع التوقعات ولحساب التكاليف ليست متوفرة حتى الآن، وخاصة للأجل المتوسط والطويل. وبالتالي، فإن التخطيط يبقى مهمة صعبة، ويحتاج إلى جهد أكبر من وزارات الخدمات الاجتماعية وهيئات التخطيط المركزية والقطاعية في السلطة الفلسطينية.

التوصيات

 

  1. ينبغي صرف الميزانيات العملياتية لوزارات الخدمات الاجتماعية في الوقت المقرر حالما تتم المصادقة عليها، وينبغي أن لا تخضع لإعادة التفاوض في مجلس الوزراء دون موافقة من المجلس التشريعي.
  2. ينبغي تطوير وتطبيق مؤشرات الأداء وأنظمة حساب التكاليف من أجل تحسين فعالية ونوعية الخدمات الاجتماعية المقدمة.
  3. ينبغي توحيد إجراءات وأساليب توفير الخدمات الاجتماعية. وهذا يشمل توحيد المنهاج التعليمي بين الضفة الغربية وقطاع غزة .
  4. لا بد من إيجاد الآليات المؤسساتية الملائمة حيث تقتضي الضرورة، وذلك لضمان الاستشارة والتنسيق المنتظم والفعال بين وزارات وهيئات السلطة الفلسطينية والمزودين الآخرين للخدمات.
  5. ينبغي على وزارات الخدمات الاجتماعية تطوير المزيد من الإطار القانوني والتنظيمي الذي يمكن المزودين لهذه الخدمات من المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص من التنافس المباشر على تقديمها.
  6. على السلطة الفلسطينية إقرار قانون معدل ومناسب للمنظمات غير الحكومية. إن كان مطلوبا من المنظمات غير الحكومية أن تسجل نفسها، فإن على السلطة الفلسطينية أن تقرر بوضوح من هي الوزارة التي ستتولى ذلك.
  7. على وزارات الخدمات الاجتماعية تطوير القدرة على البحث والتحليل الثانوي وزيادة تعاونها مع المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث الأخرى.
  8. ينبغي إدخال تغييرات على ممارسات التوظيف والترقية من أجل السماح بسلم رواتب مؤات يقدم حوافز أكثر فاعلية للموظفين الموجودين وعروضا أكثر جاذبية للعاملين المهنيين والتقنيين المتخصصين.
  9. ينبغي إصدار قوانين التأسيس أو بيانات المهام لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم من أجل التقليل إلى أدنى حد من الازدواجية في المهام والوظائف.
  10. ينبغي تطوير الأساليب المنهجية للتخطيط الأمامي وبناء التوقعات كضرورة ملحة، من أجل توقع الطلب المتزايد على الخدمات العامة نتيجة للنمو السكاني وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
  11. ينبغي أن تخطط وزارات الخدمات الاجتماعية أيضاً لاندماج الخدمات الاجتماعية التي تقدمها حالياً وكالة الغوث، حين يتم ضم الوكالة في نهاية الأمر.
  12. ينبغي على وزارات الخدمات الاجتماعية أن تعمل بفاعلية على تشجيع الحكم المحلي على تعزيز مشاركته في التخطيط وتقديم الخدمات الاجتماعية وفي جباية الواردات لهذا الغرض.

9) الاقتصاد
السياق

تعتبر عملية إعادة البناء والتنمية والنمو الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة أموراً ضرورية لتثبيت أسس العملية السلمية لبناء كيان فلسطيني حديث مجدي وديمقراطي. وهذه الرؤية تنعكس في الجهد السياسي والمالي الكبير الموجه من قبل السلطة الفلسطينية والأسرة الدولية نحو الاقتصاد المحلي.
ولكن المؤسسات الفلسطينية العامة التي تعالج المجال الاقتصادي مجبرة على العمل في ظل ظروف بالغة الصعوبة. لقد قام الحكم العسكري الإسرائيلي بنقل المسؤولية عن القطاعات الاقتصادية الأساسية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية في نهاية آب/ أغسطس 1995 فقط، وفق إطار أوسلو. وعلاوة على ذلك، فإنه أورث السلطة الفلسطينية قوانين وقواعد ونظماً إدارية غير كافية لإدارة اقتصاد حديث، وغير مناسبة لتوسيع التبادل الحر مع السوق الخارجية. وهناك مشاكل إضافية منبثقة عن ارث التعرض للسياسات وقوى السوق الإسرائيلية خلال السنوات الـ 27 السابقة من الاحتلال. وما زالت السياسات الحكومية الإسرائيلية تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني بسبب ارتباطه الوثيقمع الاقتصاد الإسرائيلي.
كما أن الاحتلال الإسرائيلي قد ترك خلفه عجز ا كبيرا في البنية التحتية. فالحكم العسكري الإسرائيلي كان ينفق 15% فقط من الميزانية على البنية التحتية والخدمات العامة منذ السبعينات وحتى التسعينات. وهذا يقارن مع 25% في البلدان ذات مستويات دخل متشابهة، على الرغم من أن عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة قد تضاعف في نفس الفترة. وعلاوة على ذلك، فإن وكالة الغوث والمنظمات غير الحكومية قد أسهمت بنصيب أكبر من المعتاد في البنية التحتية والخدمات. وكانت النتيجة ، على سبيل المثال، أن الطرق حظيت بمقدار يكاد لا يذكر من الصيانة منذ عام 1967، بينما بقي نصيب الفرد من تزويد الكهرباء أو خطوط الهاتف دون مستوى الأقطار العربية المجاورة. فقد أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة تعتمدان إلى حد كبير على خدمات البنية التحتية من إسرائيل.
إن بروتوكول العلاقات الاقتصادية الموقع في 29 نيسان/إبريل عام 1994، والذي كان ملحقاً بالاتفاقية حول قطاع غزة ومنطقة أريحا في 4 أيار/ مايو 1994، قد وضع أساساً جديداً للعلاقات بين الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني خلال الفترة الانتقالية. ولكن الاقتصاد الفلسطيني يظل معتمداً على إسرائيل في تجارته الخارجية برمتها. فكل البضائع المتبادلة بين السوق الفلسطينية وأسواق الأطراف الثالثة يجب أن تمر عبر الموانئ الإسرائيلية أو تخضع لنقاط الدخول والخروج تحت السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة . كما أن قسماً كبيراً من القوة العاملة الفلسطينية يعتمد أيضاً على العمل في إسرائيل. وأخيرا، لا يزال الاقتصاد الفلسطيني يتأثر بقوة بالأوضاع السائدة في الاقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك السياسات الاقتصادية الشمولية، ومعدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة.
إن السيطرة الإسرائيلية المستمرة على الأرض والمياه وعوامل إنتاجية أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة تؤدي إلى تقييد نطاق ومقدار التنمية والنمو الاقتصاديين الفلسطينيين. ويؤدي غياب الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ذات النتيجة. إن السيطرة الإسرائيلية على الأرض خارج المناطق الواقعة تحت السيطرة الإقليمية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، قد أعاق أيضاً البناء ورفع الأسعار وأضعف الإقراض المصرفي بسبب غياب عنصر الرهن وضعف العائد على رأس المال.
إن هذه الأوضاع ضمنت بقاء الأسواق الفلسطينية محلية ومشرذمة. كما أن انعدام الوصول الحر للفلسطينيين إلى شرقي القدس يشكل مشكلة خطيرة أيضاً بالنسبة لهم. فتوجد في المدينة أغلب المرافق التسويقية الفلسطينية، بينما يعتمد قسط كبير من الطاقة السياحية الممكنة للضفة الغربية على المواقع الدينية للمدينة المقدسة. كما تمر أهم خطوط المواصلات من الشمال إلى الجنوب في الضفة الغربية عبر القدس، ويوجد مطار الضفة الغربية الوحيد، مطار قلنديا، ضمن الحدود الموسعة للمدينة. كما تشكل مدينة القدس جزءاً لا يتجزأ من شبكة الطاقة في المنطقة الوسطى من الضفة الغربية.
إن حالة الضعف أمام الصدمات الخارجية قد أدت بوضوح إلى ايجاد وضع من القلق المستمر بالنسبة للمؤسسات العامة الفلسطينية التي تعالج الاقتصاد، كما زادت من العبء المالي عبر ازدياد البطالة وارتفاع نفقات الضمان الاجتماعي. ومنذ عام 1993، فإن الصدمات التي ترتبط بالدرجة الأولى بإجراءات الإغلاق الإسرائيلية والقيود على الحركة قد أدت إلى حدوث تحول أساسي من نمط الاقتصاد المرتكز على الأجور إلى نمط الزيادة السريعة في نشاط القطاع غير الرسمي والمتسم بالهامشية وتدني الإنتاجية وتدني توليد الدخل.
أن الأمر الذي يؤكد على مدى التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية هو حقيقة أن الاقتصاد المحلي يجب أن يولد أكثر من 450000 وظيفة إضافية في السنوات الخمسة عشرة القادمة إذا كان سيواكب النمو السكاني الطبيعي. وهذه المهمة تزداد صعوبة في اقتصاد انخفض فيه الاستثمار الخاص من 19% من إجمالي الناتج القومي إلى 10% في سنوات 1993-1997.
وفي نظر المبادرين والمستثمرين الفلسطينيين، فإن بيئة العمل داخل السلطة الفلسطينية غير واضحة وتشكل بالتالي عائقا اقتصاديا طالما لف الغموض قوانين الملكية والاستثمار ونظام الضرائب. إن شدة تعرض الاقتصاد المحلي للصدمات والقيود الخارجية هي تحديدا التي تستوجب أن تقوم السلطة الفلسطينية بتوفير الإطار التنظيمي والقانوني الفعال كشرط مسبق ضروري لإدارة الموارد الاقتصادية والمالية المحدودة بشكل فعال. إن مثل هذه البيئة ضرورية أيضا لجذب الاستثمار الفلسطيني المحلي والعائد والاستثمار الأجنبي. وما لم تمر الأطر السياسية والحكومية و المؤسساتية بتحولات عميقة، فإن صانعي السياسة الفلسطينيين لن يستطيعوا أن يرعوا الرؤية الاقتصادية الطموحة التي يسعون إليها ويسعى إليها السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

كشف المؤسسات
تتطلب الإدارة الاقتصادية عدداً كبيراً من الوزارات والهيئات. فإلى جانب وزارة المالية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، ووزارة العدل، وسلطة النقد الفلسطينية، تشمل هذه المؤسسات وزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة الصناعة، ووزارة الزراعة، والمركز الوطني للبحث الزراعي ، ووزارة الإسكان، ووزارة العمل، والمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار، ووزارة الأشغال العامة، ووزارة المواصلات، وسلطة الطيران المدني، ووزارة الاتصالات، ووزارة التموين، وسلطة الطاقة، وسلطة المياه، ودائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، ووزارة البيئة، وسلطة البيئة الفلسطينية. وتعتبر الاحتكارات العامة وشبه الاحتكارات للاستيراد ذات أهمية خاصة، على الرغم من أنها لم تصنف بشكل رسمي كجزء من الإدارة العامة ولم تدرج تحت خطة الإنفاق العام.

الإنجازات 
حققت السلطة الفلسطينية إنجازا كبيراً في إيجاد مؤسسات متنوعة للإدارة الاقتصادية في ظل ظروف صعبة. وتقدمت بشكل كبير نحو وضع الإطار القانوني والتنظيمي والسياسي الضروري لتطوير القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر والتبادل التجاري مع الاقتصادات الأخرى. 
منذ تسلم وزارة الاقتصاد والتجارة لمسؤولياتها، على سبيل المثال، عمدت إلى التفاوض حول عدد واسع من الاتفاقيات التفضيلية واتفاقيات التجارة الحرة مع مجموعة مختلفة من الأطراف الخارجية. وهذه تشمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الأعضاء في "منطقة التجارة الحرة الأوروبية"، والأردن ومصر المجاورتين. وعلاوة على ذلك، فإن منظمة التحرير الفلسطينية قد وقعت على اتفاقيات ارتباط مع الاتحاد الأوروبي وهيئات أخرى، بالإضافة إلى دول ذات سيادة، لصالح السلطة الفلسطينية. و أنشأت السلطة أيضاً دوائر خاصة ذات فعالية متزايدة لمراقبة تنفيذ بروتوكول باريس والاتفاقيات الأخرى ذات الصلة مع إسرائيل، من خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة.
وكذلك، فإن الوزارات ذات العلاقة قد أسهمت بشكل بارز في وضع مشاريع قوانين جديدة وتعديل القوانين القائمة لتحديث وحفز الاقتصاد الفلسطيني. دخل إلى حيز التنفيذ قانون سلطة النقد وقانون تشجيع الاستثمار وقانون الملكية المشتركة. وهناك قوانين أخرى في طور الصياغة أو المصادقة بمساعدة المؤسسات الدولية والدول المانحة، وتشمل : ضريبة الدخل، تسجيل الشركات، البنوك، التأمين، الاستثمار ، الشركات المعفاة من الضرائب، الأوراق المالية، الإقراض والتأجير المؤمن، التحكيم، المناطق الصناعية، الوكالات التجارية، المحاسبة والتدقيق، صناديق التقاعد، العمل، وحقوق الملكية الفكرية. إن كثيراً من هذه القوانين هي الآن في مراحل إعداد متقدمة وبعضها جاهز للصدور.
لقد انعكس التقدم، من بين أشياء أخرى، في تسجيل عدد كبير من الشركات الجديدة منذ عام 1994، على الرغم من ضعف الاستثمار. وقد توسع القطاع المالي بسرعة ومن قاعدة انطلاق ضئيلة، قياسا بعدد البنوك ومجموع الودائع. وشهد قطاع البناء ازدهاراً ولا سيما في مجال الإسكان، وإن كان ازدهاراً قصير العمر بسبب إغلاقات الحدود والاعتماد على واردات الإسمنت والفولاذ من إسرائيل. وقد سجلت وزارة السياحة تقدماً ملموسا في ترخيص فنادق ومطاعم جديدة، وتسهيل عمل مشغلي السياحة، والمشاركة في المعارض الدولية، على الرغم من التحديات الخارجية والداخلية المعيقة.
إن عدداً من السلطات الإقليمية المسؤولة عن البنية التحتية والمنافع العامة قد خطت خطوات مشابهة في إعداد الأطر للتخطيط والسياسة من أجل إعادة تنظيم قطاعاتها، على الرغم من عدم اكتمال السيطرة الفلسطينية على الأرض والموارد. كما أن التعاون بين وزارات العمل والتعليم العالي والتدريب المهني هو حالة أخرى من التعاون الفعال عبر قطاعات الإدارة العامة.

التحديات
إن الظروف السياسية والإقليمية الخاصة التي في ظلها تقلدت السلطة الفلسطينية المسؤولية عن الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة تسهم في تفسير الكثير من التقصيرات التنظيمية والإجرائية والوظيفية لمؤسساتها المعنية. إن الفترة القصيرة التي كان من المتوجب على هذه السلطة أن تمارس فيها سيطرة فعالة وتحفز النشاط الاقتصادي قد قلصت الفرصة المتاحة للتخطيط والتنسيق لإطار مؤسساتي مناسب ومرشـّد. 
ولكن تقصيرات السلطة الفلسطينية هي أيضاً ناجمة عن البنى التنظيمية والمنافسات السياسية والشخصية وأنماط الممارسة العملية الموروثة. وهذه العوامل استمرت في التأثير على بناء القدرة والأداء في المؤسسات العامة التي تعالج الاقتصاد، حتى بعد فترة التأسيس، وينبغي أن تقوم السلطة الفلسطينية بمعالجة هذه المسائل بشكل مباشر.
إن صياغة خطة التنمية الفلسطينية المتعددة السنوات تشير إلى حقيقة التشجيع الفعال على بلورة الإجماع فيما بين الوزارات والهيئات ذات العلاقة. ولكن التشابك الكبير في التخصص والازدواجية في الوظائف لا زال قائماً، مما يعكس تحديداً غير كاف للمسؤوليات. وهذا يعيق صياغة السياسة والتخطيط وتحديد الأولويات والتنفيذ والتقييم.
إن سياسات الاستثمار الصناعي والأجنبي، وتعزيز الصادرات، والتوظيف على سبيل المثال، مشرذمة بين وزارات مختلفة. وهذه المشكلة تتضاعف بغياب آليات رسمية وفعالة للتشاور والتنسيق والتعاون. وبالمثل، فإن مجموعات أو استراتيجيات العمل القطاعي هي إما غائبة أو غير كافية، وهناك حاجة ماسة إلى تجميع وتكتيل الوزارات والهيئات.
لقد أدت الازدواجية والتشرذم ونقص التنسيق إلى تنافس غير مثمر أيضاً وإلى صراع واهدار للموارد. وهذا الأمر يبعث على القلق على ضوء نقص الكادر المؤهل في مجالات معينة، الأمر الذي يؤدي إلى تزاوج غير ملائم بين الموظفين وبين والوظائف في بعض الحالات وإلى مزيج من التضخم والنقص في الكادر في حالات أخرى.
ولإعطاء مثال على مدى الازدواجية، فإن وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة التموين تقومان حاليا بتنظيم الأسواق الداخلية، في حين أن وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة العدل تقومان معاً بتسجيل الشركات. وكذلك، هناك تشابك كبير بين وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة التخطيط والتعاون الدولي فيما يتعلق بالتخطيط. ومن جانبها، فإن بكدار قد أشرفت على صرف مبالغ كبيرة من المانحين وأقامت برنامج عمل فعال، لتحل فعليا محل وزارة الأشغال العامة تماما. كما أن الهيئات والسلطات الإقليمية المختلفة التي تعالج البنية التحتية والمنافع العامة تفتقر إلى إطار عمل شمولي، على الرغم من التقاطع بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي وبكدار فيما يتعلق بالتخطيط والتنفيذ. إن هذا الوضع يحتاج إلى الترشيد.
إن النقص في تحديد وفصل المسؤوليات والازدواجية الناجمة عن ذلك قد ترافقا في بعض الوزارات والهيئات مع العيوب في الإدارة الداخلية والإجراءات والأداء. فتسلسل القيادة ليس واضحا في بعض الحالات أو يتم الالتفاف عليه باستمرار، الأمر الذي يضعف استقلالية الدوائر، وخاصة في غياب تحديد واضح للمهام العملياتية. كما أن الضعف في التفويض للصلاحيات يعيق المبادرة وتحسين الأداء. وفي بعض الحالات، فإنه يتم تركيز السلطة بشكل كبير في شخص الوزير أو رئيس الهيئة. إن اللوائح الداخلية والالتزامات تجاه المستفيدين يتم تجاهلها أحياناً إذا لم تتفق وأولويات أو مزاج ذلك الوزير أو الرئيس، وتم أحيانا ربط الحصول على المعلومات بالاعتبارات الشخصية والسياسية.
تظهر هذه المشاكل أن العوامل الداخلية، علاوة على العوامل الخارجية، هي سبب مهم أيضا لتقصير المؤسسات الفلسطينية. وبالمعيار ذاته، فإن هذه المشاكل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعالجها. وفي الحقيقة، فإن مشاكل معينة يمكن علاجها كجزء من مراجعة عامة وتعديل بنية الإدارة العامة ككل. 
إن المستوى الحالي للتشاور والتنسيق مع الحكم المحلي لا يكفي. لقد تحددت الأهداف في حالات معينة بفضل مساهمة المانحين، ولكن هذا لم يضمن التنفيذ. ظهرت صعوبة أيضاً في اجتذاب الكادر المؤهل من المشاريع التي يمولها المانحون للعمل الدائم في القطاع العام. إن المركزية المبالغ فيها للسلطة داخل المؤسسات العامةً هي محبط آخر في هذا المجال.
تشمل الاحتياجات الأخرى زيادة التشاور والتعاون مع المستفيدين والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية. وهذا الأمر يتصل خصوصا بتطوير نظم المعلومات وبالاتصال الأفقي، وأيضا بصياغة السياسة والتخطيط والتحليل. وهناك حاجة مشابهة إلى زيادة قدرة المستفيدين والباحثين والجمهور العام على الحصول على التقارير الخاصة بالسياسات والدراسات التقنية والبيانات الإحصائية. لقد تم في حالات معينة إنجاز درجات مرتفعة من التشاور مع جهات غير حكومية ومن توفير المعلومات، ومثلا من قبل دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية عند تعديل قانون ضريبة الدخل، ولكن هذه التجربة لم تعمم وهناك ميل واضح لحصر توزيع الدراسات والبيانات.
يتسم التنسيق والتعاون مع الحكم المحلي بأهمية خاصة، في حين أن دور المجالس الأكاديمية ومؤسسات التعليم العالي يحتاج إلى زيادة كبيرة في مجال البحث والتطوير. ويلاحظ أن بعض المؤسسات العامة الأكثر فاعلية في هذا المجال ممولة من المانحين، وبالتالي هناك حاجة إلى بذل الجهود لإيجاد المصادر المحلية للتمويل. وهذا سيشجع السلطة الفلسطينية على إلغاء الازدواجية في المشاريع واستخدام الموارد بفعالية أكبر.
تحتاج السلطة الفلسطينية إلى تطوير قاعدة وارداتها من أجل تقديم إسهام أكبر في خطة الاستثمار العام الفلسطينية، وهذا يتطلب تحسين الإدارة الاقتصاديةً. إن حيزا كبيراً من النمو الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 1994 يعود إلى توسع القطاع العام، فيما جاء الاستثمار العام، الذي يشكل ربع الإنفاق العام، بالكامل تقريبا من المساعدة الدولية. ومع ذلك، فإن الاستثمار العام في 1994-1997 بقي دون نصف معدل الاستثمار في الدول النامية المشابهة.
لا بد من توفير تشريعات جديدة إذا كان للقطاع الخاص الفلسطيني أن يلعب دوراً بارزاً في إعادة البناء والنمو الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وإذا كان للاقتصاد المحلي أن يجتذب الاستثمار الأجنبي. وينبغي على السلطة الفلسطينية أن تكمل صياغة القوانين الجديدة التي تحكم النشاطات الاقتصادية المختلفة ، وأن تصدر وتطبق القوانين التي تم إقرارها. وهذا ينطبق، مثلاً، على قانون العمل الجديد الذي تم توحيده ولكن لم يتم إصداره، وعلى قانون ضريبة الدخل. وفي حالات أخرى، فإن القوانين قد صدرت ولكنها لم تطبق بشكل كامل. وعلى سبيل المثال، فإن قانون الاستثمار الجديد لعام 1995 اشترط تشكيل هيئة عليا لتشجيع الاستثمار، ولكن لم يتم إنشاؤها بعد.
ولو نظرنا إلى المستقبل، يترتب على السلطة الفلسطينية أن تعد فريقاً تجارياً للتفاوض بشأن الدخول إلى منظمة التجارة العالمية، وللإعداد للعواقب العملية للدخول على التعرفات الجمركية. وفي الوقت ذاته، فإنها تحتاج إلى توضيح تحديد وتطبيق الأدوار الدقيقة للقطاعين العام والخاص. وتحتاج إلى مؤسسات وقواعد تتيح وتراقب توفير خدمات البنية التحتية والمنافع، مثل الاتصالات وسوق الأوراق المالية والطاقة وغيرها، من قبل القطاع الخاص.
وعلى وجه العموم، فإن الأولوية الواضحة للسلطة الفلسطينية لا بد وأن تكون إقامة إطار إداري ومؤسساتي شفاف وفاعل ومؤثر لتطبيق القوانين الجديدة ولتمكين القطاع الخاص من الإسهام الإيجابي. ومن شأن ذلك أيضا الرد على الاعتقاد الشائع بأن المنصب الحكومي يضفي امتيازات تجارية خاصة. ولهذا السبب أيضا، يترتب على السلطة الفلسطينية أن تعالج الآثار المشوهة للسوق الناجمة عن نشاط الاحتكارات العامة وشبه احتكارات الاستيراد التي شكلتها منذ عام 1994. وعليها أيضاً أن تعد تشريعاً يمنع الممارسات الاحتكارية ويتطلب كشف كافة الامتيازات والمداخيل والنفقات. 
وكذلك فإنه ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تقوم بإصلاح النظام الذي تقوم من خلاله بتقديم وتوزيع الطلبات للحصول على التصاريح الإسرائيلية التي تتيح للفلسطينيين أن يدخلوا إسرائيل للعمل أو السفر أو لأغراض أخرى. والمقصود جعل العملية أكثر شفافية عموما وأقل عرضة للتحكم والإساءة أو للامتياز الخاص، مما سيحفز ثقة ونشاط القطاع الخاص. كما يجب إنهاء تدخل كبار المسؤولين في القرارات الاقتصادية، ومثلا قيام المحافظين الذين تعينهم وزارة الداخلية بتحديد أسعار السلع الأساسية يوميا. 
ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تعمل بشكل خاص على تعزيز وزارتي المالية والعدل لكي تتمكنا من توفير الإطار التنظيمي والقانوني المطلوب. وعليها أن تزيد من استقلالية وصلاحيات الهيئات التنظيمية مثل سلطة النقد الفلسطينية، التي ينبغي أن تلعب دورا أكبر في مراقبة القطاع المصرفي، أو مؤسسة المواصفات والمقاييس والذي يمكن أن يكون لها دور كبير في التجارة الداخلية والخارجية للضفة الغربية وقطاع غزة.

التوصيات

 

  1. لا بد من إعادة النظر في الوزارات والهيئات القائمة التي تتولى شؤون الاقتصاد، وذلك بهدف تقليص عددها الكلي والقيام بدمجها أو تجزئتها كما تقتضي الضرورة من أجل إزالة التكرار في التخصصات والوظائف.
  2. ينبغي تأسيس مجموعات قطاعية وعمل استراتيجيات تطوير ووضع آليات رسمية أخرى من أجل تقديم الاستشارة والتنسيق والتعاون بين الوزارات والهيئات التي تتولى الشؤون الاقتصادية.
  3. إن مشاريع القوانين التي تنظم الضرائب، والاستثمار ، وتسجيل الشركات، والمنافسة، والنشاطات الاقتصادية الأخرى ينبغي أن تكتمل ويتم إصدارها بالسرعة الممنة.
  4. لا بد من زيادة صلاحيات هيئات الرقابة والتنظيم، ولا بد أيضا أن تكون مستقلة استقلالا حقيقيا. وينبغي أن تلعب سلطة النقد الفلسطينية أيضا دورا متزايدا في الإشراف على القطاع المصرفي.
  5. إن خصخصة الاحتكارات العامة للاستيراد وشبه الاحتكارات التجارية التي أسستها السلطة الفلسطينية ينبغي أن تتم حسب وعود والتزامات السلطة، كما ينبغي الكشف عن كافة الامتيازات التجارية الممنوحة.
  6. ينبغي أن يكون كافة العاملين في الخدمة المدنية وأجهزة الشرطة والمسؤولين المنتخبين مطالبين بالكشف عن مصالحهم التجارية الخاصة وأن يتم تصفيتها عند الضرورة.
  7. ينبغي إصدار التشريعات، مثل قانون العمل، التي انتهت صياغتها دون تأخير. والشروط الواردة في القوانين التي تم إصدارها، مثل إنشاء هيئة عليا لتشجيع الاستثمار، لا بد وأن يتم تنفيذها.
  8. ينبغي زيادة التشاور والتعاون مع الحكم المحلي حول الشؤون الاقتصادية.
  9. ينبغي إعداد القواعد الإجرائية لتحديد الالتزام الرسمي لموظفي ومؤسسات القطاع العام بتوفير الأنواع المختلفة من نصوص السياسات والدراسات التقنية والبيانات الإحصائية.
  10. ينبغي زيادة التشاور والتعاون مع المجالس الأكاديمية ومؤسسات التعليم العالي.
  11. ينبغي تطوير المصادر المحلية لتمويل المؤسسات العامة المتخصصة، التي تمول حالياً من المانحين.

 
10) قوات الشرطة
السياق

إن توفير الأمن كان حجر أساس لإطار أوسلو. ولهذا الغرض اتفق على إقامة شرطة فلسطينية "قوية" تكون واجباتها، كما حددت في المادة الرابعة من الملحق رقم 1، من الاتفاقية الانتقالية لعام 1995 :

أ- الحفاظ على الأمن الداخلي والنظام العام.
ب- حماية الجمهور وممتلكاته والعمل على توفير الإحساس بالأمن والسلامة والاستقرار.
جـ- تبني كافة الإجراءات اللازمة لمنع الجريمة. 
د- حماية المنشآت والبنى التحتية العامة.
هـ- منع أعمال التحرش والانتقام.
و- مكافحة الإرهاب والعنف ومنع التحريض على العنف.
ز- القيام بأية وظيفة شرطية اعتيادية أخرى.

تولت السلطة الفلسطينية القيام بهذه المهام على خلفية الصراع الماضي الطويل مع إسرائيل، والمعارضة السياسية الداخلية المشحونة لإطار أوسلو. وواجهت السلطة معيقات كبيرة، ولا سيما افتقارها التام تقريباً إلى الخبرة في وظائف الشرطة المدنية وعمليات المحافظة على القانون والنظام العام في أوقات السلم. وهذا يعود جزئياً إلى حقيقة أن الشرطة الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي لم تتجاوز قوتها الألف شخص للضفة الغربية وقطاع غزة ككل. ولم تكن مدربة أو مخولة من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي للعمل في مجالات معينة. إن الاستقالة الجماعية لطاقم الشرطة خلال الانتفاضة عام 1988 قد تركت الضفة الغربية وقطاع غزة دون ضبط ووقاية إلى درجة كبيرة حتى تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، الأمر الذي أدى في حالات معينة إلى العنف الاعتباطي وإلى تدهور عام في سيادة القانون والنظام العام.
إن قوة الشرطة الناشئة عام 1994 كانت تفتقر أيضاً إلى الخبرة في بادئ الأمر لأن الجزء الأكبر من كادرها، وخاصة الضباط، أتوا من وحدات جيش التحرير الوطني الفلسطيني التي كانت متمركزة في الدول العربية. وهذا الكادر كان يتمتع بمهارات عسكرية وفدائية تقليدية متنوعة، ولكن ليس في مجال عمل الشرطة. كما واجه "العائدون" أيضاً مشاكل الاندماج مع الكادر المحلي الذي تم تطويعه حديثا، والذين شغلوا عموما المراتب الدنيا بسبب تواضع الخبرة وقصر فترة الخدمة. وكان على السلطة أن تتعامل مع التوقع الشائع لدى نشيطي الانتفاضة بأنهم استحقوا العضوية والرتبة في الشرطة، إقرارا بإسهامهم في النضال الوطني. وقد انطبق هذا بشكل خاص على الأعضاء المحليين للتنظيم الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حركة فتح، العمود الفقري في تأييد اطار أوسلو، وعلى النشيطين الذين أمضوا فترات في السجون الاسرائيلية.
وأخيراً، وليس آخراً، فإن الفصل الجغرافي بين الضفة ا لغربية وقطاع غزة قد أدى إلى تعقيد بنية ووظيفة الشرطة الفلسطينية. فكان عليها أن تشكل قيادات وفروع موازية في كل منطقة وأن تعمل ضمن نظام قانوني وقضائي وإداري مزدوج ورثته السلطة في المنطقتين. إن تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق أ و ب و جـ حسب الاتفاقية الانتقالية لعام 1995 والوجود المستمر للكتل الاستيطانية في قطاع غزة قد أديا إلى شرذمة التواصل الجغرافي الضروري لحركة وعمل الشرطة في أدائها لمهامها المشروعة.

كشف المؤسسات 
حسب الاتفاقية الانتقالية الفلسطينية-الإسرائيلية في العام 1995، فإن الشرطة الفلسطينية تشكل وحدة واحدة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. وتتكون هذه القوة من ستة فروع عملياتية هي : الشرطة المدنية (بما في ذلك شرطة المرور، ومديرية البحث الجنائي، ووحدة مكافحة المخدرات وشرطة مكافحة الشغب)، و الأمن العام (قوات الأمن الوطني)، والأمن الوقائي، والأمن الرئاسي (القوة 17 سابقاً)، والمخابرات العامة، والدفاع المدني (خدمات الطوارئ والإنقاذ). ويشمل الأمن العام ست وحدات أخرى هي : المخابرات (المعروفة بالاستخبارات العسكرية) ، والشرطة البحرية، والشرطة الجوية، وشرطة الحدود، وشرطة الجمارك، وشرطة الانضباط (المعروفة بالشرطة العسكرية).
ومن المفترض أن يخضع أعضاء الفروع الستة لقيادة مركزية واحدة في كل محافظة. وتستجيب الشرطة مباشرة للرئيس عرفات، ولكن ليس بصفته وزيراً للداخلية. وبدلاً من ذلك فقد شكل المجلس الأعلى للأمن الوطني، مؤلفا من رؤساء كل فروع الشرطة ونوابهم، وذلك لتقديم الاستشارة والتوجيه في الأمور العملياتية. والرئيس عرفات هو أيضا القائد العام لقوات منظمة التحرير الفلسطينية خارج الضفة الغربية وقطاع غزة ، وذلك منصب ليس بالضرورة أن يتولاه أي خليفة له في السلطة. وقوة الشرطة هي التي تقدم أعضاء محكمة أمن الدولة في غزة، والتي تنعقد بناء على أوامر الرئيس.

الإنجازات
لقد حققت قوة الشرطة الفلسطينية تقدما هاما وملفتا في تحقيق أهدافها الرئيسية منذ عام 1994. والأهم أنها وفرت سيادة القانون والنظام العام للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الولاية الكاملة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، في الوقت الذي عملت فيه الشرطة على إنجاز التزامات السلطة الفلسطينية الأمنية تجاه إسرائيل. وأظهرت الشرطة قدرتها على التنسيق الوثيق والفعال مع نظيرتها الإسرائيلية في مجالات مختلفة، وقد ارتهن ذلك فقط بحالة العلاقات بين القيادتين السياسيتين. وأقامت الشرطة الفلسطينية مؤخراً أقساماً جديدة للتعامل مع المسائل المدنية المتخصصة، مثل شرطة المجلس التشريعي وشرطة الجمارك. وتقوم الوكالات الأمنية الأميركية بالمراقبة على تنفيذ الشرطة الفلسطينية للالتزامات الأمنية تجاه إسرائيل منذ صدور مذكرة واي ريفر الموقعة في تشرين أول/ أكتوبر 1998، وذلك استجابة للهموم الأمنية الإسرائيلية. وفي حالات عدة منذ ذلك الحين، أكدت الإدارة الأمريكية على التزام السلطة الفلسطينية ببنود الاتفاق وأوعزت بتحويل المساعدة المالية التي تعهدت بها.
تطلب التقدم جهداً كبيراً للتدريب وإعادة التدريب لأفراد الشرطة الجدد وللكادر السابق لجيش التحرير الوطني الفلسطيني. وتم الكثير من ذلك بالتنسيق الوثيق مع الأسرة الدولية المانحة، التي وفرت التدريب في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون، ولا سيما للشرطة المدنية، وبالتعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية. إن القدرة المؤسساتية والأداء العملياتي قد اختلفا من فرع لآخر ومن محافظة لأخرى، لكن قوة الشرطة لها لوائح داخلية وبنى تنظيمية واضحة، وتقوم حاليا بالمصادقة على بيانات المهام وقواعد الاشتباك.
لقد حققت فروع معينة من الشرطة مستويات من الأداء والانضباط الداخلي تستحق الثناء، وهذا يعود جزئياً إلى حصولها على تدريب متخصص من قبل الأسرة الدولية المانحة وجزئيا إلى المثال الذي قدمه قادتها. وعلاوة على ذلك، فإن الشرطة المدنية بذلت جهوداً واعية لتطوير عمل الشرطة بالتعاون مع المجتمع المحلي ولها برنامج نشط للعلاقات العامة. 
لقد عملت الشرطة الفلسطينية في هذه الأثناء على تلافي بعض التقصيرات في أدائها المبكر، وإن كان ذلك دون إزالتها نهائياً. فانتهاكات حقوق الإنسان تواصلت، ولكن نسبتها على ما يبدو انخفضت، وذلك جزئياً بسبب الاحتجاج الداخلي والضغط الخارجي. ولقد ساعد التدريب في مجال حقوق الإنسان، الذي موله إلى درجة كبيرة المانحون وقامت به جزئياً المنظمات غير الحكومية، على التقليص من الانتهاكات. وذات الشيء يمكن أن يقال عن الفساد والابتزاز وتورط مسؤولي الشرطة في نشاطات تجارية غير معلنة، علما أنه لا يمكن البت بحقيقة أو مدى مثل هذه المخالفات ولا بتراجعها. إن تشابك وتداخل الوظائف بين فروع الشرطة المختلفة بداية قد تقلص إلى درجة كبيرة، مما أدى إلى إلتزام أكبر بقواعد الإجراءات القانونية السليمة بما في ذلك استخدام المذكرات القضائية.
لعب المجلس الأعلى للأمن الوطني دورا هاما في هذا الصدد، حيث عمل على توضيح تقسيم العمل بين فروع الشرطة المختلفة فيما يتعلق بصلاحيات الاعتقال والتحقيق في القضايا الأمنية والمدنية. وقد جعل المجلس القضايا المدنية من اختصاص الشرطة المدنية، مع إمكانية الاستعانة بالفروع الأخرى عند الضرورة. وفي عام 1998 صاغ المجلس مشاريع لبيانات مهام موحدة ولقواعد للاشتباك، علما أن الرئيس عرفات لم يصادق عليها حتى الآن.
وعلاوة على ذلك، قامت الشرطة الفلسطينية أيضا بمهام الارتباط والتعاون الحساسة مع أطراف خارجية. فهي المسؤولة عن الجانب الفلسطيني عن توفير الطواقم في اللجنة الأمنية المشتركة، ولجان الارتباط الفرعية في المحافظات، والدوريات المشتركة مع نظيراتها في جيش الدفاع الإسرائيلي. وبالمثل، فهي توفر الضباط الكبار للجنة الأمنية الفلسطينية-الأوروبية الدائمة، واللجنة الثلاثية الأمريكية-الإسرائيلية-الفلسطينية، واللجنة الأمنية الثنائية الأمريكية-الفلسطينية.

التحديات
على الرغم من وجود هيكل تنظيمي، إلا أن هناك حاجة مستمرة لتوضيح وعقلنة الأساس البنيوي والقانوني للشرطة الفلسطينية. وهناك حاجة ملحة لإصدار قانون تأسيس للشرطة. لقد صرح إطار أوسلو بتأسيس قوة شرطة فلسطينية، ولكنه لم يقدم ما يدل على حقوقها أو حدود صلاحيتها، الأمر الذي ترك الطريق مفتوحاً للتنافس بين فروعها، ولانتهاك حقوق الإنسان، ولضعف الممارسة الإجرائية.
إن حقيقة كون الفروع المختلفة للشرطة، وحتى الأقسام والمديريات التابعة لها، تتصل مباشرة وبشكل منفصل برئيس السلطة الفلسطينية قد أثار انطباعاً واسعاً لدى الجمهور الفلسطيني والأسرة الدولية بأن هناك تكاثراً عشوائيا وارتجاليا لأجهزة الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة . ويتعزز هذا الانطباع لأن الرئيس يقوم على ما يبدو بكل التعيينات في المناصب العليا، بما في ذلك رؤساء الفروع الرئيسية والأقسام والمديريات التابعة لها.
إن تقسيم العمل بين فروع الشرطة قد تحسن، ولكنه بقي غير واضح بما فيه الكفاية. كما يعتمد التقسيم، على ما يبدو، على قرار الرئيس حسب الظروف أكثر من اعتماده على الوصف الرسمي المسبق للمهام. وهذا الأمر أدى إلى تعقيد التنسيق العملياتي وشجع على المنافسة، بالإضافة إلى أن فروعاً معينة أصبح قادتها ينظرون إليها كقاعدة قوة شخصية. وبالنظر إلى المستقبل، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى التنافس العنيف بين فروع معينة وإلى تدخلها المبطن في السلطة المدنية إذا ما حدثت أزمة خلافة على الرئاسة. وهذا الخطر يؤكد على الافتقار إلى خضوع فروع الشرطة للإشراف السياسي من قبل مجلس الوزراء والمجلس التشريعي والقضاء.
يفرض إطار أوسلو وحدة اعتباطية نوعا ما، ولأسباب سياسية، للهيكلية التنظيمية لقوة الشرطة الفلسطينية. هذا الأمر يجبر السلطة الفلسطينية على تجميع الوظائف الشرطية والأمنية المتباينة تحت قيادة واحدة. وهذه الوظائف تشمل حرس الحدود وخفر الساحل في غزة، ووحدات مكافحةالإرهاب، والأمن الداخلي والخارجي، والشرطة المدنية، والوظائف المتعلقة بالحفاظ على القانون والنظام العام.
إن إقامة المجلس الأعلى للأمن الوطني في عام 1994 أمر يمكن تفهمه في هذا الصدد. ولكن بقاء القواعد الإجرائية و الصلاحية الوظيفية الخاصة بالمجلس غير مقرة رسميا يقوض قدرته على التصرف كإطار قيادي فعال. ما يزيد من المشكلة أن 30-40 شخصا يحق لهم حضور اجتماعات المجلس، الأمر الذي يجعله مثقلا وغير فعال نسبياً، في الوقت الذي يتم فيه تهميش المدير العام للشرطة. إن الشعب الإدارية المركزية للشرطة غير قادرة كذلك، بسبب هذا الوضع، على تحديد الأولويات وتوحيد الخدمات مثل التدريب، مما يحد من الفوائد المحتملة للمساعدة التقنية الدولية.
إن افتقار المجلس الأعلى للأمن الوطني إلى جدول عمل واضح ومحدد أو استقلالية وظيفية ينعكس أيضاً في عدم قدرته على الاجتماع الا بحضور رئيس السلطة. وهذا أمر خطير إذا ما برز تهديد أمني خطير في غياب الرئيس. إن خضوع المجلس للسلطة المدنية يحتاج إلى إقرار واضح ضمن التحديد الرسمي لصلاحياته وقواعده الإجرائية. إن افتقار وزارة الداخلية للسلطة على أي فرع من فروع الشرطة هو أمر مقلق بهذا الصدد.
إن الفصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وصعوبة الحركة بين مدن الضفة قد أديا إلى تعقيد العمليات الأمنية وتطبيق القانون على المستوى المحلي. ولكن باستطاعة السلطة الفلسطينية أن تفعل المزيد لتوضيح وتثبيت تقسيم المسؤوليات وتسلسل القيادة. إن اللجان الأمنية المؤلفة من ممثلي فروع الشرطة المختلفة توفر آلية للتنسيق بينها وبين الحكم المحلي في بعض مدن الضفة الغربية، ولكن ليس في جميعها. وعلاقة هذه اللجان بالمجالس البلدية لا تحددها لوائح رسمية، وقد يؤدي ذلك بالشرطة إلى ممارسة تأثير يتجاوز الحدود المقبولة في الشؤون البلدية. إن ازدواجية وتشوش الأدوار يتكرران مع المحافظين الذين يعينهم الرئيس في الضفة الغربية، وهم موظفون في وزارة الداخلية ومسؤولون إسميا عن شؤون الأمن الداخلي في محافظاتهم.
إن ولاية الشرطة الفلسطينية ستتضح أكثر لو تم توحيد الإطار القانوني والنظام القضائي في الضفة الغربية وقطاع غزة . وهناك مشكلة ملحة بشكل خاص تكمن في ضرورة تعزيز قدرة الشرطة الفلسطينية على تنفيذ قرارات المحاكم، وربما بإنشاء شرطة قضائية فاعلة. ومن المهم أيضاً تخويل النائب العام والتأكيد على سلطة واستقلالية منصبه، ولا سيما في العلاقة مع الشرطة ورئيس السلطة الفلسطينية. إن التوسع الاخير لصلاحيات محكمة أمن الدولة للعمل في قضايا التهريب والتهرب من دفع ضريبة القيمة المضافة التي يقوم بها مدنيون وغيرها من "الجرائم الاقتصادية" ، قد أدى إلى المزيد من إضعاف سلطة المحاكم المدنية وأثبت الحاجة إلى الفصل الواضح في الواجبات والولاية الوظيفية. وتتسم هذه الخطوات بالأهمية لتحسين الفعالية والعمل المهني في الشرطة الفلسطينية ولوضع علاقاتها مع الجمهور على أساس سليم.
وللسبب ذاته، فإن تثبيت الصيغة القانونية الرسمية لبيانات مهام الشرطة وقواعد الاشتباك والمصادقة عليها لا بد وأن تتم. لقد وضع المجلس الأعلى للأمن الوطني مشاريع لهذه الوثائق في أواخر 1998 ويحاول الالتزام بها في الممارسة العملية، ولكن لم يصادق عليها رئيس السلطة حتى الآن. وقد اتضح أيضا أن كادر الشرطة على كل المستويات يجهل صراحة وجود قواعد رسمية للاشتباك أو لا يرى أهميتها. وهذا يشير إلى أن القواعد والنظم الموحدة لا تطبق عن قصد واع، حتى لو وجدت فعلا. ويمكن أن يكون الوضع أفضل في فرع الشرطة المدنية بشكل خاص، ولكن هناك نقصاً في المعلومات والشفافية حول هذه الأمور ، سواء داخل قوة الشرطة الفلسطينية ذاتها أو لدى الجمهور العام والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان. ويتوقف تحقيق المزيد من التقدم على تطبيق المشروع القائم منذ عدة سنوات، القاضي بتأسيس أكاديمية للشرطة توفر التدريب على أساس منهاج موحد، بمساعدة الأسرة الدولية المانحة.
لقد ورثت الشرطة لوائح داخلية من جيش التحرير الوطني الفلسطيني تحكم شؤون الانضباط والأفراد، ولكن تطبيقها يبدو خاضعاً لإرادة الرئيس. ومن الأمور المقلقة أيضا جداً الحاجة إلى قاعدة سلوك واضحة تحكم انخراط أفراد وضباط الشرطة في النشاطات التجارية على أنواعها. وعلى الرغم من أن سلوك الغالبية ملائم على ما يبدو، إلا أن هناك مجالا واضحاً لسوء استخدام المنصب ولاستغلال التحكم الحصري بحرية الدخول والخروج إلى ومن مناطق السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية. كما تشير التقارير إلى العمل غير المخول لفروع معينة من الشرطة في جمع الضرائب. وقد أقيمت منشآت الشرطة الفلسطينية في حالات معينة بفضل تبرعات من التجار المحليين. وهذا يمكن أن يعكس التأييد العام للشرطة الفلسطينية وشحة الموارد المالية للسلطة الفلسطينية، ولكن يمكن أيضا أن يؤدي إلى ممارسات فاسدة وإلى ثقافة يتوقع بناءا عليها بعض أعضاء الجمهور أن يتلقوا معاملة وخدمات تفضيلية لقاء محاباة مادية.
إن مسائل الفعالية والسلوك القانوني تنشأ إلى حد ما بسبب العدد المبالغ فيه لأفراد قوة الشرطة. إن الأمن وحفظ القانون يحتلان الجزء الأكبر من نفقات السلطة الفلسطينية المتكررة، حيث يصلان إلى 30% من الميزانية العامة. وهناك أسباب سياسية يمكن تفهمها للتوظيف الزائد في القطاع العام على وجه العموم، ولكن هذا ترك الرواتب الأساسية في الشرطة أقل بالثلث مما هي عليه في الخدمة المدنية ودون مستوى الدخل المطلوب لتجاوز خط الفقر.
إن الأجر المنخفض يعني أيضاً قبول العناصر الجدد المنخفضي النوعية، وخسارة محتملة للكادر الأفضل تدريباً ونوعية في ظل ضغط التضخم الاقتصادي أو عندما تتحسن الظروف في الاقتصاد المدني. إن التكاليف الإضافية للتدريب والتجهيز تعني أن الشرطة لم تحقق التوازن المطلوب بين الكلفة والفعالية. كما أن الافتقار إلى الشفافية فيما يتعلق بعدد الأفراد وبالإنفاق يعيق المساءلة السياسية والمالية أمام المجلس التشريعي.
إن تدني الأداء يعني أيضاً مستويات متدنية من الاستحسان والثقـة لدى الجمهور الفلسطيني ولدى النظراء الخارجيين للسلطة الفلسطينية في إسرائيل والأسرة الدولية على حد سواء. ولهذا، فإن حجم قوة الشرطة الفلسطينية، حين يكون أكبر من اللزوم، سيؤدي إلى نتائج عكسية من الناحية السياسية أيضا. وهناك مشكلة سياسية أخرى تكمن في التماثل الوثيق بين الشرطة الفلسطينية بشكل عام وبعض فروعها بشكل خاص، وبين التنظيم المهيمن في منظمة التحرير الفلسطينية وهو حركة فتح. إن التدريب المرتكز على منهاج وطني موحد لا بد وأن يؤكد على السلوك المهني وسيادة القانون، على حساب الانتماء الفئوي.

التوصيات 

 

  1. ينبغي أن تخضع الشرطة الفلسطينية ككل لسلطة مدنية واضحة، وأن تخضع أيضا للمراقبة السياسية من قبل السلطة التشريعية وللتدقيق الخارجي من قبل هيئة رقابة تقدم تقاريرها إلى السلطة التشريعية.
  2. ينبغي إيضاح التسلسل القيادي في الشرطة الفلسطينية ككل وفي داخل فروعها المختلفة، كما ينبغي أن يوضع ذلك التسلسل محل التنفيذ الفعلي.
  3. ينبغي المصادقة على بيانات المهام والقواعد الإجرائية التي وضعها المجلس الأعلى للأمن الوطني لفروع الشرطة الفلسطينية المختلفة، كما يجب تطبيقها وجعلها متاحة للاطلاع العام.
  4. لا بد من تحسين فعالية الشرطة مقارنة بتكلفتها، ويمكن أن يتم ذلك جزئيا بتقليص تعداد الأفراد بشكل ملموس.
  5. تنبغي المصادقة على مهام وقواعد إجرائية واضحة للمجلس الأعلى للأمن الوطني، إذا كان سيتم الاحتفاظ به كهيكل تنظيمي.
  6. توحيد الإطار القانوني والنظام القضائي في الضفة الغربية وقطاع غزة من شأنه أن يوضح ولاية الشرطة الفلسطينية. وقدرة الشرطة على تنفيذ قرارات المحاكم يمكن أن تتعزز بإيجاد شرطة قضائية فاعلة.
  7. القرار القائم منذ عدة سنوات بإنشاء أكاديمية شرطة ينبغي أن ينفذ، كما تنبغي صياغة منهاج موحد.
  8. ينبغي على الشرطة منع فروعها المختلفة من القيام بأي شكل من أشكال جباية الواردات أو القيام بنشاط تجاري ليست مخولة به حسب قانون تأسيسها.
  9. لا بد من توضيح العلاقة ما بين الشرطة الفلسطينية من جهة والحكم المحلي من جهة أخرى.


آراء إضافية 
حول أهمية تحديد اتجاه المسار 

يقدم هذا التقرير وثيقة هامة. ويجدر الثناء على مؤلفيه للعمل الذي قاما به، وكذلك على مجلس العلاقات الدولية لقيامه بدفع هذا المشروع الكبير قدما والالتزام بجدول زمني صارم. 
أود إبداء ثلاث ملاحظات حول التقرير:
أولا، تصيب التوصيات المتضمنة في هذا التقرير جوهر الحكم الصالح. وتنطبق ليس على السلطة الفلسطينية وحدها، بل وعلى العديد من الحكومات في أنحاء العالم. ولكن تجد السلطة الفلسطينية نفسها في بيئة معقدة لا تتمتع بالسيطرة الكاملة عليها، فهي ليست حكومة في بلد مستقل. واعتبر هذا التقرير بمثابة دليل مفيد للسلطة الفلسطينية. وأرجو ألا يفوق قدرات السلطة. 
ثانيا، ينبغي أن يقر التقرير بأن تنفيذ توصياته الشاملة، وجميعها تقريبا مرغوب بها، سوف يستغرق سنوات عديدة، وربما عقودا من الزمن، حتى يتم. ويجدر عدم توقع نتائج سريعة. إن المهم هو اتجاه المسار والاستعداد الظاهر لدى السلطة لمحاولة التعامل مع الكم الكبير من المقترحات المقدمة. 
ثالثا، هناك رسالة متضمنة في هذا التقرير موجهة إلى الولايات المتحدة والمانحين الآخرين. وكان ينبغي أن يحتوي التقرير على بعض الخطوات الجوهرية اللاحقة التي يمكن للأصدقاء الدوليين والزملاء الإقليميين للفلسطينيين أن يساعدوا على تحقيقها. وسوف تزداد قيمة التقرير كثيرا لو تمكنت الأسرة الدولية من العثور على أساس لخطة متجانسة ومنسقة لمساعدة الفلسطينيين على مساعدة أنفسهم. 

لي هاملتون


المؤلفان

يزيد صايغ، مدير مساعد للدراسات في مركز الدراسات الدولية في جامعة كامبردج، ومستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. عمل مستشارا للوفد الفلسطيني لمحادثات السلام الثنائية مع إسرائيل في واشنطن بين سنوات 1991-1993، وعضوا في الوفد الفلسطيني الذي قام بالتفاوض حول اتفاق قطاع غزة ومنطقة أريحا (اتفاق القاهرة) الموقع في 4/5/1994. من ضمن كتبه المنشورة:

Armed Struggle and the Search for State: The Palestinian National Movement, 1949-1993 (Oxford: Clarendon Press, 1997)The Third World Beyond the Cold War: Continuity and Change (Co-Edited with Louise Fawcett, Oxford University Press, 1999)and The Middle East and the Cold War (Co-Edited with Avi Shlaim, Clarendon Press, 1997).


خليل الشقاقي، أستاذ مشارك في العلوم السياسية ومدير المشروعات في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في عام 1985. من ضمن أبحاثه المسحية قام منذ عام 1993 بالإشراف على إجراء ما يزيد عن أربعين استطلاعا للرأي العام في الشؤون الفلسطينية الداخلية وقضايا الديمقراطية والحكم والتعاطف السياسي وعملية السلام والأمن والعنف وغيرها. من ضمن كتبه المنشورة: التحول نحو الديمقراطية في فلسطين: عملية السلام، البناء الوطني، والانتخابات (نابلس: مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، 1996) 

Transition to Democracy in Palestine: the Peace Process, National Reconstruction, and Elections (Nablus: CPRS, 1996)

وقطاع غزة والضفة الغربية: العلاقات السياسية والإدارية المستقبلية (القدس: الجمعية الأكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية، 1994).

 


قائمة بأوراق وموجزات إضافية

Samir Abdullah

Ministry of Finance

Wassim Abdullah

Lobbying Institutions

Yara Abdul-Hamid

Monopolies

Yara Abdul-Hamid

Ministry of Labor

Yara Abdul-Hamid

Ministry of Trade and Economy

Omar Abdul-Razeq

Palestinian Central Bureau of Statistics

Rex Brynen

International Donor Community

Layth Dajani

Palestinian Economic Council for Development and Reconstruction

Ibrahim Deak

Ministry of Agriculture

Mohammad Hamdan

Palestinian Environmental Authority

Abdul-Rahman Hasan

Ministry of Energy

Ishaq Qutob

Ministry of Housing

Taleb al-Sarie

Palestinian Monetary Authority

Yousef Zummor

Ministry of Finance

author not stated

Ministry of Tourism

 


قائمة بالاتفاقات الفلسطينية-الإسرائيلية

 

  • Declaration of Principles on Interim Self-Government Arrangements (Oslo Accord), September 13, 1993.

  • Protocol on Economic Relations (Paris Protocol, incorporated as Annex IV of the Cairo Agreement and as Annex V of the Interim Agreement), April 29, 1994.

  • Agreement on the Gaza Strip and Jericho Area (Cairo Agreement, Gaza-Jericho Agreement), May 4, 1994.

  • Agreement on Preparatory Transfer of Powers and Responsibilities (Early Empowerment Agreement), August 29, 1994.

  • Protocol on Further Transfer of Powers and Responsibilities, August 27, 1995.

  • Israeli-Palestinian Interim Agreement on the West Bank and Gaza Strip (Interim Agreement, Oslo II Agreement, Taba Agreement), September 28, 1995.

  • Protocol Concerning the Redeployment in Hebron (Hebron Protocol), January 17, 1997.